منهج الرسول  صلى الله عليه وسلم  في تقويم السلوك

بقلم / محمد سعيد أبوالنصر 

هل غير رسول الله  العالم ؟ وهل أحدثت دعوته انقلابًا في موزين الأخلاق والقيم والشرائع والعقائد ؟ سؤال  ما زال الباحثون  يجوبون في آفاقه !! وإني لأتعجب  كيف سدت آفاق هؤلاء عن الحق !! لقد  استطاع   الرسول  أنْ يَهدى الضال، ويُقوم المعوج ،ويُطمئن القلق ،ويأخذ الناس الى شاطئ الأمن والإيمان، والهدى والإحسان  ،فكيف كان منهجه في هذا التغير  ؟

أولًا: معنى  كلمة منهج :المنهج هو الخُطَّة المنظّمة  بُغية الوصول إلى كشف حقيقة أو البرهنة عليها ، باستخدام  برامج ، وسائله وطرقه وأساليب معينة .

والتقويم:  هو التصحيح والتعديل، يقال قوم الشيء ،أي أزال عوجه وصححه( )، ودل على ذلك قول سيدنا  أبي بكر الصديق رضي اﷲ عنه في خطبته عند توليـه  خلافة المسلمين:  " إن استقمت فتابعوني وإن زللت فقوموني" ( )

ويقصد بالسلوك:  الأفعال التي تصدر من الإنسان  وقد تحمل بعض الأخطاء  في القول أو الفعل  في المجالات العقائديـة والأخلاقية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية " .  

أولًا: خصائص منهج الرسول صلي اﷲ عليه وسلم في تقويم السلوك:  

تميز المنهج النبوي في تقويم سلوك الأفراد، بجملة من الخصائص التي تعكس طبيعة الإسلام كمنهاج حياة متكامل مصدره الخالق جلت حكمته، فبدت فيه جوانب بارزة من الإعجاز الرباني ويمكن إجمال هذه الخصائص فيما يلي:   

أ -  الشمول والتنوع:  

حيث حرص الرسول المربي  صلى الله عليه وسلم ، على تقويم أنماط متنوعة من السلوك السـلبي شـملت مجـالات عديدة من الحياة الإنسانية  كمجال العقيدة والشريعة والأخلاق ،واستوعبت مراحل عمرية مختلفة واستهدفت الفرد والجماعة، والشمول في الإسلام  أقرب ما يكون الى صورة  الانسان ، فالإنسان اذا قطعت  صورته إلى أجزاء، هل كل جزء منها يمكن أن يكون مكونا أو مؤديا أو منبها إلى فكرة الإنسان الكامل؟.. لا يمكن.. لن تكون الإنسانية واضحة ولا حتى جزئية في جزء من الصور التي أمامك..  وهكذا فقد جاء الإسلام بنظرة شاملة ومتنوعة   ( )  في جوانب الدين المتعددة  من تشريع وتربية، وتوعية خلقية،  الى جانب المقاصد الكثيرة الأخرى التي تكمل الصورة.. فالتنوع شمل  المادة والروح، والعقل والعاطفة، والدنيا والآخرة والعقيدة والشريعة  ،إننا  مُتهمون من بعض المفكرين الأوروبيين بأن العقل العربي نفسه مولى بالنظرات الجزئية، وعاجز عن النظرة الشمولية، لذلك نمت في ثقافته النظرات الجزئية، أو التوقف عند حدود الجزئيات أكثر من أنْ تكون عنده القدرة على رؤية شاملة خاصة في عصور التخلف والجمود والتقليد..( ) وسوف أضرب لك  من الأمثلة ما  يؤكد على خصائص منهج الرسول صلي اﷲ عليه وسلم في تقويم السلوك

ففي جانب العقيدة 

فقد نهـى الرسول  صلى الله عليه وسلم  عن تعليق التميمة لكونها تتنافى مع عقيدة التوحيد، فعن عقبة بـن عـامر الجهنـي أن رسول اﷲ  صلى الله عليه وسلم  ، أقبل إليه رهطﹲ فبايع تسعةﹰ وأمسك عن واحد فقالوا: يا رسـول ا ﷲ، بايعـت تسـعة ﹰوتركت هذا؟ قال: "إن عليه تميمة فأدخل يده فقطعها فبايعه وقال: من علق تميمة فقد أشرك"( )

وفي جانب العبادة 

، بادر الرسول  صلى الله عليه وسلم ،إلى تقويم سلوك رجل دخل يوم الجمعة إلى المسجد والنبـي يخطب فقال: "أصليت قال: لا قال: قم فصل ركعتين"( )

وفي جانب الأخلاق 

كان الرسول  من عادته، أن يقوم كل سلوك يتناقض مع القواعد الأخلاقية في الإسـلام ومـن الأمثلة على ذلك ما أخبر به عبداﷲ بن عباس رضي اﷲ عنه قال: أردف رسول اﷲ  الفضل بن عباس يوم النحر خلفه على عجز راحلته وكان الفضل رجلاﹰ وضيئًا فوقف النبي  صلى الله عليه وسلم  للنـاس يفتـيهم وأقبلت امرأة من خثعم مضيئة تستفتي رسول اﷲ  صلى الله عليه وسلم  فطفق الفضل ينظر إليهـا وأعجبـه حسـنها فالتفت النبي  صلى الله عليه وسلم  والفضل ينظر إليها فأخلف بيده فأخذ بذقن الفضل فعدل وجهه عن النظـر إليهـا"( )  

وحينما دخل رهطﹲ من اليهود على رسول اﷲ  صلى الله عليه وسلم  وعنده عائشة رضي اﷲ عنها فقالوا: السام عليـك ففهمتهما فقالت: عليكم السام واللعنة فقال رسول اﷲ  صلى الله عليه وسلم  "مهلاﹰ يا عائشة، فإن الرفق في الأمر كلـه : فقلت: يا رسول اﷲ أولم تسمع ما قالوا، قال رسول اﷲ  صلى الله عليه وسلم : فقد قلت وعلـيكم "( )    

وفي الجانب الاجتماعي :

علَّم النبي أصحابه الذوق الرفيع في كيفية الطعام والشراب وآدبهما  ، واهتم صلى الله عليه وسلم  بتقويم سلوك الصغار كما فعل مع الكبار، فجاء خطابه سهلاﹰ واضحا وهو يقـوم سلوك أحد الصبية من صحابته الكرام رضي اﷲ عنهم "فعن عمر بن أبي سلمة قال: كنت في حجر رسول اﷲ  صلى الله عليه وسلم  وكانت يدي تطيش في الصفحة فقال لي: يا غلام سم اﷲ وكل بيمينك وكل مما يليـك "( )   

 وكذلك نهى الرسول  صلى الله عليه وسلم  عن الإفراط في تناول الطعام، مستدلاﹰ على هذا السلوك الضـار مـن خـلال ملاحظة آثاره  السيئة التي جعلت النفس تحمل بعض الاشمئزاز من التجشأ كسلوك مشين ففي الحديث الشريف "عن ابن عمر قال تجشأ رجلٌ عند النبـي صلى الله عليه وسلم  فقـال : كف جشـاءك عنا، فإن أطــولكم جوعــًا يوم القيــامة أكثـركم شبـعًا فـي دار الدنيــا "( )   فالرسول  صلى الله عليه وسلم ، نقد السلوك السلبي الذي يتنافى مع قواعد الأدب والذوق، وعلمه أدب الطعام الذي ينبغي له أن يتبعه .

ب - الفورية:  

الرسول  صلى الله عليه وسلم ، مكلف من ربه سبحانه وتعالى بأن يبين للناس ويدلهم على الخير ويحذرهم من الوقوع في الشر.   فكان من هديه  صلى الله عليه وسلم ، المسارعة إلى تقويم السلوك السلبي بشكل يعكس دقة ملاحظته وحرصـه علـى تهذيب سلوكيات الناس من حوله حتى لا تصبح عادات راسخة من  الصـعب علاجهـا، كمـا أن من الطبيعي أن التدخل لتقويم سلوك بعد فترة طويلة من وقوعه، قد يضعف التأثير ويقلـل مـن فرص النجاح، ومن الشواهد على مسارعة النبي  صلى الله عليه وسلم  إلى تقويم أنماط عديدة من السلوك: ما جاء عن جرهد رضي اﷲ عنه أن النبي  صلى الله عليه وسلم ، مر به وهو كاشف عن فخذه فقال النبي  صلى الله عليه وسلم ،: "غط فخذك فإنهـا من العورة". ( )

وقد سارع الرسول  صلى الله عليه وسلم ، إلى انتقاد سلوك جماعة من الصحابة مبينًا لهم الحكم الشرعي فيـه حيـث جاء في الحديث "عن عبد اﷲ بن يسار عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: حدثنا أصحاب محمد  صلى الله عليه وسلم   أنهم كانوا يسيرون مع النبي  صلى الله عليه وسلم  فنام رجل منهم فانطلق بعضهم إلى حبل معه فأخـذه ففـزع فقـال الرسول اﷲ  صلى الله عليه وسلم  : "لا يحل لمسلم أن يروع مسلما  ( ) 

ومن الاحكام التي نص عليها الفقهاء  في بعض المذاهب  التعجل في الحج واستدلوا على ذلك بحديث  النبي: "تعجلوا إلى الحج فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له" وفي رواية : " قد يمرض الصحيح وتضل الراحلة ... " أي الأمور تتغير، الصحيح قد يمرض، والشاب يشيخ، والحي يموت، والموت يأتي بغتة، فالأولى أن الإنسان يبرئ ذمته، ويؤدي ما عليه بمجرد ما تتحق الاستطاعة ولا يوجد مانع، هذا رأي. ( )

لقد كان الرسول  صلى الله عليه وسلم  يغتنم كل موقف أو حدث يلاحظه، ليقوم كل سلوك سلبي ولو كان ذلـك أمـام الناس فذلك درءا للمفسدة المترتبة عليه، حيث جاء عن الإمام بن خزيمة فى صحيحه عن عبد الله بن يسر رضى الله عنه قال جاء رجل يتخطى رقاب الناس ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب فقال له ( اجلس فقد آذيت وآنيت ) " وآنيت " أي تأخرت. ( )

janjeel

.: عدد زوار الموقع :.


  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 176 مشاهدة
نشرت فى 6 ديسمبر 2016 بواسطة janjeel

تفاصيل

janjeel
معا لصالح الوطن والمواطن »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

303,391
نتيجة بحث الصور عن فانوس رمضاننتيجة بحث الصور عن جاك للاجهزة الكهربائية