ينتاب من يقرأ تاريخ العرب شعور مختلط، وأشعر وأنا أقرأ في تاريخنا العربي وماضي الآباء والأجداد، بالفخر بما قدمه العرب للحضارة الإنسانية، من إنجازات علمية وقيم أخلاقية، تحفزنا للاقتداء بالأجداد، والسير على طريقهم، لنعود إلى ذلك الماضي المشرق، وبالأسى على حال جيل اليوم من أبنائنا الذين غرقوا في عالم مادي متطور ومتواصل تقنياً، لكنه للأسف غير متصل مع الماضي المشرق لاستلهام الدروس المفيدة لمسيرة أبناء الجيل.
خرجت العجفاء بنت علقمة السعدي وثلاث نسوة من قومها، وتواعدن في روضة يتحدثن فيها، فوافين بها ليلة في قمر زاهر، وليلة طلقةٍ وروضة مُعشبة خَصبة.
فلما جلسنَ قلن: ما رأينا كالليلة ليلة، ولا كهذه الروضة روضة أطيب ريحاً ولا أنضر، ثم أفضن في الحديث فقلن: أي النساء أفضل؟ قالت إحداهن الخرود (الحيية طويلة السكوت) الوَدود الولود.
قالت الأخرى خيرهن ذات الغَنَاء، وطيب الثناء، وشدة الحياء، قالت الثالثة: خيرهن السّموع (التي تسمع القول) النَفُوع، غير المنوع. قالت الرابعة: خيرهن الجامعة لأهلها، الوادعة، الرافعة لا الواضعة. فقلن: أي الرجال أفضل؟ قالت إحداهن، إن أبي يكرم الجار، ويعظم النار، وينحر العِشار بعد الحوار (ولد الناقة) ويحمل الأمور الكبار ويأنف من الصغار. فقالت الثانية: إن أبي عظيم الخطر، منيع الوَزَر، عزيز النضر يُحمد منه الوِرْد والصدَر. فقالت الثالثة: إن أبي صدوق اللسان، حديد الجنان (القلب)، كثير الأعوان يروي السنان عند الطعان.
قالت الرابعة: إن أبي كريم النزال، منيف المقال، كثير النوال قليل السؤال، كريم الفعال. ثم تنافرن إلى كاهنة معهن في الحي وقلن: اسمعي ما قلنا واحكمي بيننا واعدلي، وأعدن عليها قولهن، فقالت لهن: كل واحدة منكن ماردة (بلغت الغاية) بأبيها واجدة (محبة) على الإحسان جاهدة، لصاحباتها حاسدة، ولكن اسمعن قولي:
خير النساء المُبقية على بعلها، الصابرة على الضراء مخافة أن ترجع إلى أهلها، فهي تؤثر حظ زوجها على حظ نفسها، فتلك الكريمة الكاملة، وخير الرجال الجواد البطل، القليل الفشل، إذا سأله الرجل ألفاه قليل العلل، كثير النفل (العطية)، ثم قالت: “كل فتاة بأبيها معجبة”.
◆ نزار قباني:
أبي يا أبي .. إنَّ تاريخَ طيبٍ
وراءكَ يمشي، فلا تَعْتَبِ..
على اسْمِكَ نمضي، فمن طّيِّبٍ
شهيِّ المجاني، إلى أطيبِ
حَمَلْتُكَ في صَحْو عَيْنَيَّ.. حتى
تَهيَّأ للناس أنِّي أبي..
أشيلُكَ حتى بنَبْرة صوتي
فكيف ذَهَبْتَ.. ولا زلتَ بي؟
*
إذا فُلَّةُ الدار أعطَتْ لدينا
ففي البيت ألفُ فمٍ مُذْهَبِ
فَتَحْنَا لتمُّوزَ أبوابَنا
ففي الصيف لا بُدَّ يأتي أبي..