عد العرب الفصاحة من ضرورات الرجولة والفروسية، وحتى من ضرورات تقلد الوظائف والمناصب، ومن الفصحاء الوزراء يحيى بن خالد بن برمك الوزير الجواد، الذي كان سيداً في قومه وأفضلهم جوداً وحلماً ورأياً، وكان من أكمل أهل زمانه أدباً وفصاحة وبلاغة، وأخباره في الكرم والشرف مشهورة، وتقدم على أكثر أهل عصره في الإنشاء والكتابة.
ومن أجمل ما روي عنه أنه كان يقول لولده: اكتبوا أحسن ما تسمعون، واحفظوا أحسن ما تكتبون، وتحدثوا بأحسن ما تحفظون.قال: ما رأيت رجلاً إلا هبته حتى يتكلم، فإن كان فصيحاً عظم في عيني وصدري، وإن قصّر سقط من عيني.
وقيل له: أي الأشياء أقل؟ قال: قناعة ذي الهمة البعيدة بالعيش الدون، وصديق كثير الآفات قليل الإمتاع، وسكون النفس إلى المدح. وقيل له ما الكرم؟ فقال ملك في زي مسكين، قيل له فما اللؤم؟ قال: مسكين في بطش عفريت.
قيل فما الجود؟ قال عفو بعد مقدرة. وقال: إذا فتحت بينك وبين المعروف فاحذر أن تغلقه ولو بالكلمة الجميلة.
وقال الفضل له: يا أبت، مالنا نسدي إلى الناس المعروف فلا يتبين فيهم كتبيّنه ببر غيرنا؟ قال آمال الناس فينا أعظم من آمالهم في غيرنا، وإنما يسر الإنسان ما بلغه أمله. وقال: أنا مخير في الإحسان إلى أحسن إليه، ومرتهن بالإحسان إلى من أحسنت إليه، لأني إن وصلته فقد أتمته، وإن قطعته فقد أهدرته.
وقال القاضي يحيى بن أكثم: سمعت المأمون يقول: لم يكن كيحيى بن خالد وكولده أحد في البلاغة والكفاية، والجود والشجاعة، وكان يحيى يجري على سفيان الثوري رضي الله عنه ألف درهم في كل شهر، فكان إذا صلى سفيان يقول في سجوده: اللهم إن يحيى كفاني أمر دنياي فاكفه أمر آخرته. فلما مات يحيى رأى في المنام فقيل له: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي بدعاء سفيان.
◆ قيس بن الملوح «مجنون ليلى»:
أنِيــري مَكـانَ البَــدْرِ إنْ أفَــلَ البَــدْرُ
وَقومِي مَقَامَ الشَّمسِ ما اسْتَأخَرَ الفَجْرُ
ففيـك مـن الشمـس المنيــرة ضوؤهـا
وَلَيْــس لهَــا مِنْــكِ التّبَسُّـــمُ وَالثَّغْــرُ
بلـى لَـكِ نُــورُ الشَّمْــسِ والبَــدْرُ كُلُّــهُ
ولا حملــت عينيــك شمــس ولا بــدر
لَـك الشَّــــرْقَة ُ الَّلأْلاءُ والبَــدْرُ طَـالِــع
وليــس لهــا مِنْــكِ التَّرَائِــب والنَّحْــرُ
ومـن أيـْنَ لِلشَّمْــسِ المُنِيـرة ِ بالضُّحى
بِمَكْحُولَـــة الْعَيْنَيـنْ في طرْفِهَـــا فَتْـــرُ
وأنـى لهــا مــن دل ليلــى إذا انثنــت
بِعَيْنَـي مَهـاة ِالرَّمْـلِ قَـدْ مَسَّـهَا الذُّعــرُ