موقع الدكتور نجاح

موقعنا منارة فكرية تهدف إلى تفعيل القيم الإيجابية من خلال التوعية وتقديم البديل العملي للقيم السلبية

 

بسم الله الرحمن الرحيم

بحث

"موقع العدل من الأزمة المالية العالمية المعاصرة"

أبو الفتوح, نجاح عبد العليم, (2011). موقع العدل من الأزمة المالية العالمية المعاصرة., مجلة مركز صالح كامل للاقتصاد الإسلامي, جامعة الأزهر. 15(44).

ملخص البحث

1.    يتناول البحث الأزمة المالية العالمية المعاصرة  بغرض تحليل أسبابها واقتراح حلول لمعالجتها والوقاية منها.

2.  يقدم البحث استقراءً لأهم الأسباب والمعالجات كما وردت في رؤى لكثير من الكتاب عن الأزمة المالية العالمية المعاصرة.

3.    يقدم الباحث من خلال تحليل هذه الرؤى رؤيته الخاصة في هذا الصدد.

4.  أثبت البحث فرضيتين: الأولى, أنه يقبع وراء الأسباب الظاهرية للأزمة المالية العالمية المعاصرة أسباب مباشرة وغير مباشرة ثم أسباب جذرية. والثانية, أنه يمكن رد هذه الأسباب إلى سلوك الأفراد والمجتمع والدولة على نحو يخل بالعدل بالحق, وأن معالجة هذه الأسباب, والوقاية منها يكمن في تحقيق العدل بالحق.

 

موضوع البحث, هدفه, وأهميته:

     ليس بخاف ما تحدثه الأزمات المالية من آثار اقتصادية واجتماعية وخيمة على مستويات النمو والتوظف والاستقرار الاقتصادي والاجتماعي. هذه الآثار التي تبدأ عادة في الدول الرأسمالية المتقدمة, وخاصة في الولايات المتحدة الأمريكية, ثم ما تلبث أن تنتقل سريعا إلى الدول الأخرى, ومنها الدول الإسلامية, عن طريق ارتباط العملات بطريقة أو بأخرى بالدولار الأمريكي, وعن طريق  العلاقات الاقتصادية الدولية سيما في ظل العولمة. واستدعى ذلك البحث في أسباب هذه الأزمات للعمل على الوقاية منها. وهذا البحث يهدف إلى جمع أهم هذه الأسباب في سلة واحدة, ومحاولة تنظيمها وتحليلها للوصول إلى الأسباب الأعمق التي ينبغي أن تبدأ منها المعالجات الجذرية للأزمة المالية العالمية  الراهنة.

 

 

 

الدراسات السابقة, وإضافة البحث

      تتعدد الدراسات السابقة في موضوع البحث, ومنها الدراسات المثبتة في مصادر ومراجع البحث, والتي تناولت دراسة أسباب الأزمة المالية العالمية المعاصرة, كما قدمت مقترحات للوقاية والعلاج. وتتمثل الإضافة المرجوة لهذا البحث في مدخل متميز من خلال جمع شتات أسباب الأزمة المالية العالمية المعاصرة, ورد هذه الأسباب إلى أصولها الفلسفية, وتبيين أهمية العدل بالحق بما يتطلبه من دور للدولة وأنظمة لعدالة التوزيع, وضوابط للسلوك, من شأن إعمالها  معالجة مثل هذه الأزمات, والوقاية منها بإذن الله.

فروض البحث

     يفترض البحث فرضيتين: الأولى, أنه يقبع وراء الأسباب الظاهرية للأزمة المالية العالمية المعاصرة أسباب مباشرة وغير مباشرة ثم أسباب جذرية. والثانية, أنه يمكن رد هذه الأسباب إلى سلوك الأفراد والمجتمع والدولة سلوكا مخلا بالعدل بالحق, وأن معالجة هذه الأسباب, والوقاية منها يكمن في تحقيق العدل. فهذا العدل سواءً في المعاملات أو التوزيع, من شأنه ارتباط المعاملات بالاقتصاد الحقيقي, وهو المعول عليه في الوفاء بالحاجات, كما أن ذلك إذا تصاحب مع عدالة في التوزيع فإنه يؤمن الاقتصاد ضد التقلبات ويسهم في تحقيق الاستقرار.

منهج البحث

      يستخدم البحث لدراسة هاتين الفرضيتين منهجا تجريديا مقارنا بشقيه الاستقراء والاستنباط.

خطة البحث

      في ضوء فرضيتي البحث ومنهجه , يمكن تقسيم خطة البحث إلى  تمهيد, ومبحثين:

المبحث الأول: رؤى لأهم أسباب الأزمة المالية العالمية الراهنة, ومقترحات لمعالجتها.

المبحث الثاني: نظرة أخرى لأسباب الأزمة المالية العالمية المعاصرة ومعالجتها والوقاية منها.

 

    تمهيد:

       يتناول البحث دراسة موقع العدل من الأزمات المالية العالمية الأمر الذي يتطلب تحديدا دقيقا لمفهوم العدل, ولذا نقدم في هذا التمهيد[1] تعريفا للعدل بالحق في الاقتصاد الإسلامي فنقول إنه تعبير نطرحه للاصطلاح أخذناه من القرآن الكريم, من قول الله تعالى في سورة الأعراف: ﭽ ﮄ  ﮅ  ﮆ   ﮇ  ﮈ  ﮉ  ﮊ  ﮋ  ﭼ الأعراف: ١٨١. فرغم أن للعدل مفهوما واحدا إلا أنه في كثير من الأحوال اعترته آفتان: أهواء وقصور في العلم, بما جعله يبتعد عن مفهومه الأصيل. وإضافة الحق إلى العدل في القرآن الكريم يحصنه من هاتين الآفتين, ويجعله العدل الذي يعطي لكل ذي حق حقه, وقد بين القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة هذه الحقوق إجمالا وتفصيلا, بما لا يدع مجالا للأهواء أو لقصور في العلم. ومن فروع العدل بالحق العدل  في توزيع الثروة والدخل, ويكون التوزيع عادلا, في رأينا, عندما:

1-          تكون هناك فرص متكافئة في اكتساب الثروة والدخل.

2-          تحصل عناصر الإنتاج على العائدات العادلة لخدماتها في العملية الإنتاجية.

3-          يتم اكتساب الثروات والدخول وتداولها وإنفاقها في إطار الضوابط الإسلامية.

4-          عندما يتحقق حد الكفاية([2]) لجميع الناس في الأحوال العادية، والتأسي في الكفاف في الأحوال الاستثنائية.

5-          عندما يعزز التوزيع من قوة الدولة ونشر الدعوة.

       ونحن نزعم للاقتصاد الإسلامي ليس فقط تفرده بمفهوم العدل بالحق، بل أيضا مقدرته على تحقيق هذا العدل من خلال آليات يقدمها هذا الاقتصاد في شكل مبادئ, وضوابط, ومؤسسات من صلب النظام، وكذا مؤسسات وآليات يمكن تطويرها في إطار هذه المبادئ.

 

المبحث الأول

رؤى لأهم أسباب الأزمة المالية العالمية الراهنة, ومقترحات لمعالجتها

 

      في هذا المبحث نقدم استقراءً لما قدمه بعض الكتاب من أسباب للأزمة المالية العالمية الحالية, وما قدموه من مقترحات لمعالجتها.

المطلب الأول: أسباب الأزمة

1.  يرى الكينزيون أن النظام الرأسمالي نظام غير مستقر ولكن باستطاعة الحكومة حمله على الاستقرار, ويرى النقديون أن النظام مستقر أساسا ولكن التدخلات الحكومية تحدث عدم الاستقرار[3]. ويرى النقديون أن أسباب الكساد ذات صلة وثيقة بانخفاض الكتلة النقدية. و يدعمون رأيهم بما حدث خلال الكساد العظيم في الثلاثينيات, فالانهيار الذي حدث في سوق الأسهم في تشرين الأول 1929 أثار موجة عارمة من عدم الثقة بين الناس وكان رد فعلهم التكالب على سحب أموالهم نقدا من المصارف.ورغم أن المصارف كانت في أوضاع سليمة إلا أنه لا يمكنها بالطبع تلبية طلب الجمهور المفاجئ على مقادير ضخمة من النقد. فانهار كثير منها الأمر الذي أضر بالمودعين وقل إنفاقهم, وتراجع النشاط الاقتصادي وتوقف عن العمل, في الولايات المتحدة الأمريكية, حوالي 2000 مصرف في عام 1931  وحده , وانهار الجهاز المصرفي فيما لم يتخذ بنك الاحتياطي الفيدرالي إجراءات سريعة ومناسبة بل حدث تقلص سريع في حجم الكتلة النقدية حيث انخفضت بأكثر من 33% بين عامي 1929 و 1932.

       ورغم أن الكينزيين يقبلون منطق االنقديين غير أنهم يرون  أن انخفاض الناتج القومي ربما كان السبب في انخفاض حجم الكتلة النقدية ولبس العكس. فبداية الكساد العظيم, في رأيهم, كانت بسبب انخفاض التوظيفات المالية, وزاد من حدته عدم كفاءة سياسة الحكومة المالية. فمع تراجع النشاط في الأعمال انخفضت عائدات الضرائب فرفعت الحكومة معدلاتها لموازنة ميزانيتها, الأمر الذي تسبب في المزيد من الانخفاض في الإنفاق الخاص, ومن ثم انخفاض الدخل القومي في تتابع.[4].

2.  يرى بعض الكتاب أن القطاع المالي يمكن أن يكون له إسهام حقيقي في التنمية وليس فقط مجرد الاستجابة للطلبات الخاصة بالاقتصاد الحقيقي, ويرى أن التجربة تبين أن النظام المالي الجيد يمكن أن يمارس, على المدى الطويل, تأثيرا هاما على النمو الاقتصادي. حيث تظهر التجربة العملية أن الدول ذات الأنظمة المالية المتقدمة تميل لأن تتقدم على نحو أسرع, فالتمويل يعزز موجودات المؤسسات الإنتاجية من خلال إتاحة التمويل الخارجي, وتمويل الابتكار والتوسع, وإتاحة اختيار أشكال تنظيمية  أكثر كفاءة. كذلك فإنه من خلال النظام التمويلي الجيد يمكن تخفيض الفجوة بين الأغنياء والفقراء, فثمة شواهد من الأبحاث التجريبية تنتهي إلى نتيجة مؤداها أن التحسينات في العقود التمويلية والأسواق والوساطة المالية توسع من نطاق الفرص الاقتصادية وتخفض من عدم المساواة وتحسن من توزيع الدخول. كما أن الأبحاث تقترح أيضا أن ثمة منافع غير مباشرة للتمويل من خلال آليات سوق العمل, وأن تطوير التمويل يسرع النمو الاقتصادي ويعزز المنافسة ويزيد الطلب على العمل, ويفيد الأسر في الفئات الدنيا من الدخل. ويثار التساؤل: إذا كان النظام التمويلي يعزز النمو والعدالة فلماذا يفشل في ذلك؟  ويجاب على هذا التساؤل بأن السبب يكمن في القرارات الخاصة بالسياسة التمويلية غير الجيدة[5].

3.  يرى بعض الكتاب أن فقاعة أسعار الأصول الحقيقية ليس فقط في الولايات المتحدة الأمريكية بل أيضا في دول أخرى مثل أسبانيا وأيرلندا, هذه الفقاعة هي التي أدت إلى مشاكل كثيرة في أنحاء الاقتصاد العالمي. ويؤكدون ذلك  بضرب مثال من كل من الاقتصاد الأسباني والاقتصاد الألماني. ففي الاقتصاد الأسباني  حيث وجدت الفقاعة تضاعفت معدلات البطالة إلى 20%  ودمر الاقتصاد الحقيقي, وذلك على الرغم من أن هذا الاقتصاد يتمتع بنظام مصرفي محكم, بينما الاقتصاد الألماني حيث لم توجد الفقاعة في أسعار الأصول العينية, ورغم أن لديها انخفاضا أكبر في الناتج القومي الإجمالي لم تعان كثيرا بل إن معدل البطالة لديها أقل منه عند بداية الأزمة المالية العالمية. وهكذا فإن السبب ليس انخفاض الاقتصاد الحقيقي بل فقاعة أسعار الأصول الحقيقية. ولكن ما هو سبب هذه الفقاعة؟ ترجع هذه الفقاعة إلى سببين رئيسيين:

           أ‌-   السبب الأول, السياسة النقدية السهلة: فأسعار الفائدة المنخفضة أشعلت الفقاعة في الولايات المتحدة الأمريكية, وفي الوقت ذاته لم تكن أسواق الأصول العينية تتسم بالكفاءة فالمضاربون في أسواق الأصول العينية يبيعون حقوق الملكية في أقل من ثلاثة شهور دون الاهتمام بإيجار هذه الأصول خلال هذه الفترة. ( لاحظ دور الفائدة والمضاربة, وحافز الربح غير العادل, وغياب دور الدولة والإسراف والإخلال بالعدالة)

          ب‌-  الاختلالات العالمية, وعلى الأخص التركيم الضخم للاحتياطيات من قبل البنوك المركزية في بعض الدول الأسيوية, أدت إلى أن أصبح الائتمان  متاحا ومتيسرا في دول مثل الولايات المتحدة الأمريكية وإسبانيا وأيرلندا. وفي ضوء هذين السببين أصيب النظام التمويلي بمشاكل هامة ولم تقم الجهات الإشرافية بمهمتها في منع الأزمة. إنه الفشل في إدارة  النظام التمويلي وانفجار الفقاعة هما اللذان سببا المشاكل للدول المختلفة[6].. ( لاحظ دور ترك الأمور آلية دون تدخل السلطات المختصة).

4.  يرى البعض أن الأزمة المالية العالمية أبرزت دور ضعف الترتيبات الرقابية المصرفية  في إحداث هذه الأزمة, ووضعت إصلاحات نظم الرقابة والإشراف على المصارف على رأس اهتمامات صانعي السياسة, وأثار ذلك تساؤلات هامة:

ماذا يحقق الإشراف والرقابة الفعالة؟

           ما هي أهم العناصر التي ينبغي التأكيد عليها لتحقيق المتانة المصرفية؟

      ففي دراسة أجريت على 3000 بنك في 86 دولة لاختبار مدى تحقيق تطبيق المبادئ الأساسية التي وضعتها لجنة بازل في هذا الصدد لمتانة البنوك وأمانها,  تبين أنه بالنسبة للجزء الأغلب من الدول التي طبقت هذه المبادئ لم يتصاحب ذلك بتحقيق المتانة والأمان للبنوك باستثناء مبدأ الإمداد بالمعلومات وشفافية ونوعية المعلومات على الأقل بالنسبة للدول ذات الدخول المرتفعة واقتصادات السوق الناشئة.(لاحظ أهمية الشفافية)[7]

5.  يقر صاحب هذا الرأي بأن التمويل يتجه إلى التزايد وإلى إحداث أزمة, ويرفض الرأي الشائع بأن الأزمة المالية تثبت  الخطأ فيما يتعلق بتوصيات السياسية التي اتخذت في القطاع المالي بل يرى أن هذه الأزمة عززت من صحة بعض السياسات المصممة جيدا. كما يرفض صاحب هذا الرأي كذلك أن الأزمة مثال حي للإخفاق السوقي, ويتساءل عما إذا كان تنظيم أكثر تدخل يعتبر فكرة صائبة؟ ويجيب بأن تملك الدولة للبنوك ليس الحل وذلك  لتعارض  مصلحة الموظفين الحكوميين مع التخصيص الكفء للموارد نتيجة تغليب مصالحهم والسعي لإرضاء مؤيديهم وقواعدهم السياسية. ويؤكد أن ملكية أكبر للدولة في البنوك ستتصاحب مع تطور أقل للقطاع المالي, ونمو أقل, وإنتاجية واستقرار أقل, وهذا بالإضافة إلى نتائجها المدمرة للمستويات الأدنى من الدخول الفردية. وليس أدل على ذلك, من وجهة نظره, من أن دولا كثيرة تتجه إلى خصخصة بنوكها, وأن الشواهد تدل على أن التخصيصية المصممة تصميما جيدا يمكن أن ترتفع بأداء البنوك على نحو جوهري[8].

6.  يرى صاحب هذا الرأي أن سبب الانهيار المالي يكمن في السياسات المالية التي صممت ونفذت كما يكمن في سلوك المنظمين خلال الفترة من 1996 وحتى 2006م . فقد اتبع صانعو القرار في الولايات المتحدة الأمريكية سياسات أوجدت لدى المؤسسات المالية حوافز لتعاطي مخاطر زائدة, وجعلت الأسواق غير شفافة بدرجة أكبر, وأضافت إلى المصاعب التي تواجه المستثمرين في إرشاد والتأثير على المؤسسات المالية. فكثير من هذه السياسات أجريت تحت دعوى الأسواق الحرة, وفي الحقيقة فإن ذلك لم يكن سوى دعوى زائفة.

      فإزالة قيد واحد بمفرده لا يحسن بالضرورة من عمل الأسواق المالية عندما تكون هناك نقائص أخرى كثيرة مثل عدم كمال الأسواق, وتدخلات حكومية في الأسواق تتم من قبل السياسيين لدفع مدخرات المجتمع صوب أهداف مفضلة. وليس معنى ذلك أن الكاتب يحبذ نظام مالي متحرر من التدخل السياسي والتدابير التي يتخذها صناع القرار, ولكن ما يحبذه هو وجوب التركيز على تأثير السياسات على الحوافز والابتعاد عن الاعتقاد الأيديولوجي بأن تغييرات تنظيمية أقل هي دائما أفضل من تغييرات أكبر فهذا الاعتقاد يؤدي إلى كارثة.[9]

 

7.  يرى البعض أن غياب العامل الأخلاقي هو سبب انهيار الأسواق العالمية. ومن ثم فإنهم يشددون على أهمية  الجانب الأخلاقي في المصارف الإسلامية والاستثمار في الاستقرار والأهداف الأخرى إلى جانب الربحية.[10]

 

8.    يرجع البعض سبب الأزمة المالية العالمية المعاصرة إلى أن قيم الموجودات المالية نمت وتفاقمت, بفعل الربا والميسر, حتى فاقت كثيرا قيم الأصول الحقيقية للاقتصاد العالمي.         

         فعلى سبيل المثال, فإن القيمة الحالية للمشتقات المالية, التي كانت السبب في تفاقم وانتشار أزمة الرهن العقاري في الولايات المتحدة الأمريكية, بلغت أكثر من 600 تريليون دولارا أمريكيا في حين كانت قيمة الإنتاج العالمي تقدر ب 60 تريليون دولارا أمريكيا فقط, أي بنسبة 10% من قيمة المشتقات المالية. ويتساءل الكاتب: إذا ما أريد تحويل تلك المبالغ المالية الخيالية إلى أصول حقيقية  فكم سيتطلب من العالم من سنوات لإنتاج ما يفي بذلك؟[11].

9.    يرجع البعض أسباب الأزمة إلى :

       أ‌-   التعامل بسعر الفائدة,  والذي يلعب الدور الرئيسي في إحداث الأزمة حيث يجعل الديون تتفاقم والالتزامات تتحرك, ويسم التوقعات بالضبابية, فالربا كما يقال أب للتضخم وأم للركود وشقيق للاحتكار.

      ب‌-  التوسع في التجارة في الديون والرهن والتأمين عليها, وتوريقها واشتقاق الودائع, وإعادة التأمين,  وكذا التوسع في التجارة في المشتقات, الأمر الذي أدى إلى تزايد وسائل الدفع في الاقتصاد بمعدلات تفوق كثيرا معدلات نمو الأصول الحقيقية. بما يترتب على ذلك من تفاقم التضخم بما له من مستتبعات وخيمة على الاقتصاد  ومنها انخفاض القيمة الداخلية والخارجية للعملة, والإضرار  بأصحاب الدخول الثابتة, وارتفاع وتيرة المخاطرة وارتفاع سعر الفائدة, وكلها مقدمات للدخول في سرداب الركود والبطالة.

                  ت‌-      عولمة الأسواق, والتي أدت إلى نتيجتين هامتين كأسباب لكل من الركود والتضخم:

·        زيادة الاستثمار غير المباشر في الأوراق المالية والمشتقات ولأغراض المضاربة.

·   تزايد نشاط الشركات الدولية الاحتكارية بما تصاحب معه من ارتفاع الأسعار الاحتكارية وامتدد نشاط هذه الشركات إلى الأسواق المالية والنقدية  بتحكمها في تحركات رؤوس الأموال, والتأثير في أسعار الفائدة وأسعار الصرف.

             ث‌-            تفاقم أزمة الديون الخارجية, وتزايد أعبائها في ظل الاقتراض بالربا.[12]

10.    يرد صاحب هذه الرؤية الأزمة إلى مجموعة مركبة من الأسباب وهي[13]:

    أ‌-   الحروب وتكاليفها, وأبرزها حربا العراق وأفغانستان في نهاية عامي 2001م و 2003م, بما أدتا إليه من تفاقم الدين الحكومي الأمريكي وتحول الميزانية العامة للولايات المتحدة الأمريكية من تحقيق فائض في عهد الرئيس كلينتون إلى عجز كبير في إدارة جورج بوش. وأثر ذلك على هيكل الإنفاق العام, وقيمة العملة, والأسعار وتكاليف المعيشة, وغير ذلك.

   ب‌-  الفساد العالمي الذي تمثل في صور عديدة, من أهمها الاختلاسات, والتي راح ضحيتها عملاء مصارف كبرى لعل من أبرزها ما كشف عنه بنك "سوسييتيه جنرال" ثاني أكبر بنك في فرنسا بالقيمة السوقية عن عملية احتيال ارتكبها أحد عملائه وكبدته خسائر مقدارها 4.9 مليار يورو .

   ت‌-  أزمة الائتمان العقاري في الولايات المتحدة الأمريكية, والتي أدت إلى عجز في ميزانية عام 2008م  ب 410 مليار دولار ,وتفاقم حجم المديونية العامة والخاصة إلى 8.9 تريليون دولار وهو ما يعادل 64% من حجم الناتج المحلي الإجمالي,  وهو ما يمثل ثلاثة أضعاف حجم الديون الخارجية للدول النامية مجتمعة. في حين أن الديون الفردية الناجمة عن أزمة العقارات بلغت 6.6 تريليون دولار أي ما يعادل إيرادات النفط للملكة العربية السعودية لمدة 55 سنة.[14] وقد أدت هذه الأزمة إلى إفلاس العديد من المصارف والشركات, ومعاناة شرائح ضخمة من الأسر.

       ث‌-     . نواح قيمية من أهمها:

·        عدم الاتزان والاعتدال في متطلبات الحياة.

·        تفضيل المصلحة الخاصة على المصلحة العامة, وعدم الاهتمام بمصالح الآخرين.

·        تفشي ظاهرة الفساد عالميا, وفقدان سيف العدالة.

11.          يرد صاحب هذه الرؤية الأزمة المالية العالمية إلى الأسباب التالية:

أ- الإفراط في تعاطي المخاطر, وضعف إجراءات ضمان الاكتتاب في القروض العامة, وعدم توافق آجال الاستحقاق.

ب‌.    الإفراط في نقل  المخاطر إلى خارج ميزانيات البنوك عن طريق التوريق (تجنبا لقيود البنوك المركزية والهروب من رقابتها).

ت‌.   الآليات التي يعتمدها النظام الرأسمالي من ملكية فردية مطلقة ومنافسة حرة, وسوق مفتوحة ليس للدولة عليها سيطرة ولا تحكم, وما تتيحه هذه الآليات من رغبة جامحة في تحقيق الأرباح الفاحشة, وتكدس الأموال, وبغض النظر عن الوسائل.[15]

12.  يرى عدد من الخبراء والمحللين الاقتصاديين, اجتمعوا في ورشة عمل,  أن أسباب الأزمة المالية العالمية  تكمن في الابتعاد التام عن الالتزام بمفهوم الحوكمة الذي هو مفهوم سوقت له الولايات المتحدة الأمريكية ذاتها, كما سوقت لمفاهيم سابقة غيره مثل مفهوم الأيزو ومفهوم الرقابة وغيرها. فمفهوم الحوكمة, كما هو معلوم,  يعني الرقابة والمحاسبة من خلال النصوص القانونية التي تحدد أدوار الشركات, وآلية تطبيق القوانين بين مختلف الفرقاء والهيئات التي تحكم عمل الشركات, إضافة إلى المسؤولية الأدبية التي تعتبر عاملاً رئيسياً في مفهوم الحوكمة. كما يعني هذا المفهوم أن يتبع ذلك رقابة عدة جهات أبرزها البنك المركزي, وجمعية البنوك, والمدقق الداخلي والخارجي, وغيرهم .. ويتساءل أصحاب هذه الرؤية: أين كانت هذه الهيئات عندما انفلت عقال القطاع المالي في نيويورك?!  ويرون أن تواطؤاً حدث بين هيئات الرقابة من البنك المركزي الأمريكي ووزارة الخزانة الأمريكية, والمسئولين في هذه المؤسسات, حيث أغفلت الجهات الرقابية الحكومية والخاصة أعينها عن كل ما كان يجري.

      ويؤكد هؤلاء الخبراء أن الأزمة المالية العالمية لم تبدأ في أيلول عام 2008 وإنما في أيلول من عام 2000 عند انهيار إنرون[16] مع سوء تطبيق الحاكمية الرشيدة, ولم يصح العالم إلا بعد انهيار المؤسسات الكبرى. ويشيرون إلى الخطأ الذي وقعت فيه المؤسسات الدولية الكبرى والبنوك وهو الخلط بين المدراء التنفيذيين والرؤساء التنفيذيين وصناع القرار, إضافة إلى المكافآت الخيالية التي يتقاضاها المدراء التنفيذيون, وهو ما أدى لتفاقم الأزمة المالية العالمية.

وقد شارك في أعمال هذه الورشة عدد من الخبراء والمحللين الاقتصاديين ومدراء الدوائر الاقتصادية في غرف الصناعة والتجارة وفي الأحزاب السياسية[17].

 

13.  يرى بعض الكتاب  أن أسباب الأزمة المالية العالمية الحالية هي خلل في التوازن المالي العالمي  وأن هناك عاملين أساسيين لهذا الخلل: الأول الادخار الهائل في بنوك الصين, والثاني هو السياسة المالية المعتدلة للولايات المتحدة الأمريكية, وهذه العوامل أدت إلى انخفاض أسعار الفائدة الحقيقية ورسوم التأمين وهما العاملان الرئيسيان الكامنان وراء الأزمة المالية العالمية. وكما يرى الكاتب فإن العجز في ميزان المدفوعات في الحساب الجاري يرجع إلى انخفاض المدخرات الإجمالية( مدخرات الشركات والأسر والحكومة) لدول العجز وذلك ابتداءً من عام 1980, وخاصة ادخار الأسر وأدى ذلك إلى أن بلغ الدين الأمريكي الإجمالي( الذي يشمل ديون الأسر والشركات والديون الخارجية) 400% من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي.

      ولقد بدأت الأزمة المالية في الولايات المتحدة الأمريكية بسبب التداعيات الناجمة عن أزمة الرهون العقارية التي ظهرت في عام 2007 بسبب فشل ملايين المقترضين لشراء مساكن وعقارات في تسديد ديونهم للبنوك وأدى ذلك إلى حدوث هزة قوية للاقتصاد الأمريكي ووصلت تبعاتها إلى اقتصاد أوربا وآسيا وأثرت في طريقها على عدد كبير من أكبر البنوك والمؤسسات العالمية. ولم تفلح مئات المليارات من الدولارات التي ضخت في أسواق المال العالمية في وضع حد لأزمة الرهون العقارية التي ظلت تتراكم تحت السطح حتى تطورت إلى أزمة مالية عالمية.[18].

14.  يرى البعض أنه في تحليل أسباب الأزمة أهملت الأسباب والعوامل المرتبطة بالفاعل الإنساني الفرد، رغم أن هذا الجانب أثار منذ بداية الأزمة, ولا يزال يثير, الكثير جدا من الاهتمام في الغرب.

       فمن المكاشفات المهمة التي أعقبت الأزمة مباشرة الاعتراف الصريح بدور التغييب المتعمد للاعتبارات الأخلاقية والتأثير الكبير للسلوك الفردي في ظهور الأزمة وتفاقمها، وقد وصل النقاش حول هذا البعد قمته مؤخرا عندما كشف تقرير لمنظمة الشفافية العالمية  لعام 2009م أن العالم ينفق ما بين 20 و40 مليار دولار على الرشاوى سنويا في القطاع الخاص(وهو رقم صغير جدا بالنسبة لما ينفق بالفعل)، وهو رقم يعادل حوالي 20% إلى 40% من المساعدات التنموية الرسمية، والأمر الذي يلحق ضررا بالغا بالتجارة والتنمية والمستهلك.

      وكشف التقرير عن ثغرة خطيرة هي انعدام فعالية الإجراءات التي تتخذها الحكومات لمواجهة الفساد، وأنه من الطبيعي, مع اتساع نطاق الاستعداد لدفع الرشوة ووجود ثغرة في جدار مواجهة الفساد, أن ينتشر الفساد ويستشري داخل الأحزاب السياسية والبرلمانات والإدارات العامة. وحتى لو كان هذا الانتشار الذي يصفه التقرير مجرد "صورة ذهنية" في أذهان المشاركين فإنهم حتما سيتصرفون بناء على هذه الصورة مما سيساهم في المزيد من انتشار الفساد!.

      ورصد التقرير تجاهل الشركات الالتزام بالقانون والقيام بمشروعات تتصف بالتهور وعدم الشعور بالمسؤولية وعدم التبصر بالعواقب مثل تنفيذ مبان غير آمنة هندسيا مما يترتب عليه تعرضها للانهيار مع عواقب وخيمة في الأرواح والأموال في تركيا، والأدوية غير الآمنة في نيجيريا, وظروف العمل الاستغلالية في الصين، ونقص المياه في أسبانيا.

      والتقرير من جانب آخر يدق جرس إنذار لخطر أكبر، ففكرة المنافسة تعد أثمن ما وصل إليه العقل الاقتصادي الغربي وإليها ينسب الفضل في النجاح الاقتصادي الاستثنائي الذي أحرزه الغرب منذ الحرب العالمية الثانية، وهي المحرك الرئيسي لحركة الاختراع والابتكار المدهشة التي شهدها الغرب خلال الفترة المشار إليها. وبسبب هذه الأهمية الاستثنائية لقيمة المنافسة فإن التقرير يحذر بشدة من أن الفساد يوشك أن يقوض المنافسة الشريفة والأسعار المعقولة العادلة والكفاءة في مختلف أنحاء العالم. وهو بشكل مباشر يؤدي إلى زيادة تكاليف المشروعات، وتشير التقديرات إلى أن التحسن في مؤشر مدركات الفساد بزيادة نقطة واحدة يعني زيادة في متوسط الدخل بحوالي 4%، فضلا أن زيادة الكلفة تعني للشركات العجز عن المنافسة.

      ويرى أصحاب هذا الرأي إن البعد الأخلاقي في الممارسات الاقتصادية ليس مؤثرا هامشيا، والأزمة المالية العالمية خير دليل، فعيوب الإجراءات ومثالب النظرية الاقتصادية الرأسمالية لم تكن سوى "عامل مساعد"، أما الفاعل الأصلي فقد كان، باعتراف صناع القرار على جانبي الأطلنطي، العوار الأخلاقي الواضح في سلوك بعض المديرين، وهي مكاشفة مهمة، وعبرتها تؤكد أن فكرة عزل الدين عن الحياة عزلا تاما يمكن أن تثمر ثمرات شديدة المرارة، ولا تستقر الأخلاق ما لم تتأسس على ضمير[19].

15.  يرى أصحاب هذا الرأي أن السبب الأوحد في الأزمات المالية هي مخالفات شرعية جسيمة[20]. ونورد  في إطار هذا الرأي رؤى لمفكرين من مشارب شتى:

     فيرى محافظ خدمة الإشراف على الشئون المالية "كيم جونغ تشانغ" في ندوة حول نظام التمويل الإسلامي عقدت في مدينة سيئول أن التوزيع غير المسئول لمنتجات المشتقات المعقدة في أنحاء السوق العالمية كافة لتلك المنتجات التي لا علاقة لها بالاقتصاد الفعلي أوقع السوق المالية العالمية في أزمة.[21] ويرى محافظ بنك فرنسا ( البنك المركزي الفرنسي) في لقاء له مع صحيفة القبس أن الأدوات المالية الإسلامية هي إحدى المنتجات المالية التي تمثل ملاذا في وضع الأزمة المالية العالمية الحالية باعتبار أن قواعدها تمكن من تلافي الوقوع في الأخطاء نفسها التي أدت إلى الأزمة.[22]

     وتؤكد الدكتورة زيتي أختر عزيز, محافظة البنك المركزي الماليزي, ضرورة تعزيز وتنمية قيم العدالة والمساواة في التمويل الإسلامي مما يفيد المجتمع والنظام المصرفي معا, وتؤكد على ضرورة ألا تقف المؤسسات المالية الإسلامية عند حدود الاستثمار والبحث عن الربح دون مراعاة لدورها في تنمية المجتمعات.[23]

16. يرى الدكتور محاضر محمد أن أهم أسباب الأزمة ما يلي:

أ. ابتعاد الحكومات عن التدخل فيما يجري في السوق. وترك أسواق الأسهم للمضاربات وبدون ضوابط, على نحو أدى إلى التهام النخبة المسيطرة على السوق الأرباح على حساب صغار المستثمرين.

ب. عدم وجود شفافية كافية توفر قدرا من المعلومات الدقيقة عن رؤوس الأموال العاملة في مجال الاستثمار, وإخفاء الحقائق عن الصناديق ورؤوس أموال الاستثمار  الحقيقية لدوافع كثيرة  أهمها التهرب من الضرائب من أجل مزيد من الأرباح.

ت. تشريعات التجارة العالمية الحرة  والتشريعات الخاصة بالأنظمة المالية والنقدية, لأنه يترتب عليها ظلم للدول الفقيرة وغش ومضاربات باسم المنافسة, رغم أن الولايات المتحدة الأمريكية زعيمة العولمة  تتدخل في أسواقها لمنع الاحتكار والتحكم في الأسعار.

ث. الاعتماد على الدولار في تحديد أسعار العملات ونقل المخاطر التي تحدق بالاقتصاد الأمريكي, من هذا السبيل,  إلى الدول الأخرى[24].

16.يرى صاحب هذا الرأي أن بذور الكساد وضعت في عهد الرئيس ريجان 1981 وسياسته الخرقاء بتخفيض الضرائب. و أن النظام الرأسمالي هو نظام غير مستقر في جوهره , وأن التدخلات الحكومية تحمله على الاستقرار لفترة محدودة لكنها تزيد من عدم استقراره في الفترة الطويلة[25]. ويرى أن حصر الثروة وتركيزها له تأثيران خطيران خبيثان في الاقتصاد حيث يزيد من عدد المصارف التي لها ديون مشكوك فيها, ويزكي هوس المضاربة التي يعلق النظام المصرفي في شباكها في نهاية المطاف.

       وعندما تنحصر الثروة في أيد قليلة تحدث ثلاث نتائج :

           أ‌-   عدد كبير من الناس موجوداتهم لا تكفي احتياجاتهم وبالتالي يضطرون إلى                                       الاقتراض للاستثمار والاستهلاك.(لاحظ أيضا دور الإسراف في الاستهلاك الذي لم يورده الكاتب)

          ب‌-  توسع الإقراض المصرفي غير المتين نتيجة إقراض أعداد كبيرة من الفقراء رغبة في تحقيق الأرباح( لاحظ الإفراط في إيجاد الائتمان بدون ارتباط باستثمار حقيقي , وإقراض استهلاكي ناجم عن عدم عدالة توزيع الدخل والثروة بالإضافة إلى الإسراف), وكلما ازداد ذلك زاد عدد المصارف المعرضة للانهيار.

          ت‌-  تزايد التوسع في أعمال المضاربات لأن الأغنياء الذين تركزت في أيديهم الثروة يكونون أكثر جرأة على المخاطرة,  فهم وحدهم القادرون على هدر الأموال في توظيفات ذات مردود مرتفع تحيط به الشكوك, ويفاقم من ذلك ميل الأفراد العاديين إلى تقليدهم للولع الفطري بتقليد الأقوياء. ( لاحظ هنا أيضا أن الأغنياء وحدهم هم أيضا القادرون على صناعة السوق وتحقيق المكاسب على حساب القطيع وبما لا يضيف غير أعباء الديون وكثرة المحرومين في الاقتصاد). وتؤدي هذه المضاربات إلى الانحراف عن التصرفات العادية والعقلانية والاتجاه صوب ما يمكن وصفه بالهوس أو بالفقاقيع, وكلمة هوس تشدد على انعدام العقلانية بينما تشير كلمة فقاقيع إلى الانفجار. ( لاحظ هنا أن ما تفعله هذه المضاربات هي إقامة أبنية وهمية  ضخمة تدور حول أصول حقيقية وتنفصل عنها, يكسب من خلالها صانعوا الأسواق على حساب خراب القطيع وازدياد فجوة الفقر ودون ما إضافة إلى واقع الاقتصاد الحقيقي) ومن الملاحظ المفيد أن التفاوت في الثروة بلغ ذروته في عام 1929 وفي تلك الحقبة عينها فإن القروض المصرفية المستعملة في المضاربات بلغت هي الأخرى ذروتها وكان ذلك سببا جوهريا في تحول الركود إلى كساد[26].( يمكّن لذلك التعامل بالربا, والسلوك النفعي غير المنضبط, وغياب دور الدولة, والسلوك المصرفي النفعي الباحث عن تعظيم الأرباح دون ربط ذلك بالاقتصاد الحقيقي والمصلحة العامة, ومكّن لذلك مرة أخرى التعامل بالفائدة التي تؤمّن عائدا ثابتا غير متوقف على نتيجة النشاط).

      ويؤدي الاعتماد العالمي  المتبادل  بين الأسواق, مقرونا بالسرعة الهائلة التي تتصف بها الاتصالات الإليكترونية الحديثة, إلى كساد عالمي شامل يكاد يتزامن مع الكساد في الدول الصناعية والتجارية الكبرى[27].

17.يعرض صاحب هذه الرؤية تحليلا موسعا للأزمة المالية العالمية, ويرى أن بداية الأزمة ترجع إلى أواخر التسعينيات من القرن العشرين فقد لوحظ أهمية الدين في الولايات المتحدة الأمريكية في عقد التسعينيات, حيث ارتفعت الديون الشخصية منذ صيف 1997م  بنسبة 159.1%, وزادت نسبة الديون إلى الدخل القابل للتصرف معطية تحذيرا قويا, وكذلك فقد كان اقتراض قطاع الأعمال مفرطا. إنه التضخم المنخفض والإقراض السهل هو الذي أتاح للأفراد الانزلاق إلى ديون ضخمة, فمع انخفاض أسعار الفائدة خلال الركود فإن عبء الدين بدأ في التزايد بسرعة, وفي نهاية عام 2000م , فإن الإقراض العقاري كان قد استجاب لمحفزات السياسة الائتمانية. وعلى مدى العامين التاليين تسارع الإقراض العقاري بحدة بمعدل نمو سنوي وصل قمته في الربع الثالث من عام 2003م , حيث بلغ 14. 8%.[28]

       ويرى صاحب هذا الرأي أن فقاعة الإسكان الأمريكية قادتها عدم رغبة المتنافسين في شراء قدر كاف من السلع الأمريكية. وهذا أوجد قصورا في الطلب أثر على نحو لا يمكن تجنبه في فقاعة الإسكان والتي كان المستثمرون الأجانب في تعطش لتمويلها. وفي الواقع فإن الارتفاع الحاد في أسعار المساكن كان نتيجة منطقية لاتجاه الشركات الغربية المتزايد لتخفيض تكلفة العمل عن طريق تحويل الوظائف إلى الخارج.

       فالازدهار الصيني استُحث بدرجة معتبرة من خلال اتجاه الشركات الأمريكية والغربية صوب العمالة الرخيصة في الصين رغبة في تعظيم هوامش الأرباح( لاحظ تفضيل الأرباح على المصلحة العامة, وعدم تدخل الدولة تحت دعوى حرية التجارة). ولمدة أكثر من عقد كانت الصين حقلا مرغوبا من إدارات الشركات الغربية لتوطين المشروعات ل�

المصدر: بحث من تأليف دكتور نجاح عبد العليم أبو الفتوح
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 170 مشاهدة
نشرت فى 31 ديسمبر 2011 بواسطة islamicvaluessociety

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

15,269