فإن لم ترو ينابيع اليابسة عطشهم قد يفعل البحر ... فللّه في خلقه شؤون .. اذ من قلب المياه المالحة تخرج المياه العذبة رقراقة في مكان ليس بعيداً عن هنا وهو امتداد لشاطئنا اكتشفت ينابيع تحت بحرية في طرطوس بدءاً من بانياس .. ولعل هناك ينابيع
مشابهة في المياه البحرية للاذقية لم يصر الى
اكتشافها بعد . بحدود العشرة ينابيع تحت بحرية في منطقتي عمريت وجزيرة النمل في طرطوس قد تدفع المؤسسة العامة لمياه الشرب في محافظة طرطوس لإلغاء اشتراكها في نبع السن والمقدر ب 0,5 م3/ثا ... هذا ما كان قد كشف عنه الجيولوجي عيسى علي مدير الاستشعار عن بعد في المنطقة الساحلية. اما الدكتور شريف بدر حايك المدرس في قسم الهندسة المائية - كلية الهندسة المدنية في جامعة تشرين فقد تحدث عن الدراسة التي اجريت في هذا الخصوص فقال : تعد الينابيع تحت البحرية في الساحل السوري من اهم الموارد المائية التي تنصرف في البحر بمعدلات تدفق كبيرة دون اية استثمارات مجدية ... لذلك كان لا بد من تقييمها بوساطة جملة تحريات وقياسات متخصصة ... بعد تحديد ارتباط هذه الينابيع بالبنية الجيولوجية - التكتونية والوضع الهيدروجيولوجي السائد .. ويعد الاستثمار الآمن لهذه الينابيع من قاع البحر مباشرة امراً في غاية الصعوبة وهو حل مكلف يرتبط بمخاطر وقيود كثيرة ... لذلك فإن استثمارها من اليابسة بوساطة حفر جبهة من الابار الانتاجية هو الحل الناجع الذي يحقق جدوى اقتصادية جيدة شرط ان نمنع حدوث ظاهرة تداخل مياه البحر ضمن طبقات المياه الجوفية العذبة الساحلية / وقد تم منذ عام 2002 البحث في هذا المجال عبر تحريات اشتملت على تحديد مواقع الينابيع وتوصيفها الكمي والنوعي وترافقت هذه التحريات مع قياسات لمناسيب المياه الجوفية في ابار مراقبة حفرت بغرض تقييم الينابيع تحت البحرية في المنطقة . ويوضح د.حايك ان عملية استثمار الينابيع تحت البحرية بدأت منذ العهد الروماني حيث قام قدماء الرومان بنقل مياه النبع من البحر مباشرة بوساطة قوارب صغيرة بينما في العصر الحديث توجد طرائق متعددة لاستثمار الينابيع تحت البحرية وهناك عدة طرق ملائمة للاستثمار اولاً : استخراج مياه الينابيع تحت البحرية بوساطة انابيب وأنفاق متوضعه على قاع البحر اذ تمتاز هذه الطريقة بصعوبة التنفيذ وبضرورة نقل المياه الى اليابسة . ثانياً : استثمار مياه الينابيع من اليابسة قبل تصريفها الى البحر وهي طريقة تحمل مخاطر تداخل مياه البحر ضمن طبقة المياه الجوفية العذبة الشاطئية ولكن الطريقة الاهم للاستثمار كمورد مائي آمن هي انشاء منصة استخراج المياه في البحر مباشرة اذ تقاد مياه الينابيع الى اليابسة بوساطة انابيب وأنفاق تتوضع على قاع البحر . وان تحديد نمط النبع تحت البحري والظروف الجيولوجية والهيدروجيولوجية يقرر الى حد كبير نوعية مياه النبع ومدى الجدوى الاقتصادية للينابيع تحت البحرية كموارد مائية قابلة للاستثمار ... لذلك كان لا بد من تقييم الينابيع تحت البحرية المكتشفة . د. الحايك يقول ان فريقاً من باحثين سويسريين وسوريين قام بعدة جولات في منطقة خليج الباصية ومرفأ طرطوس وعمريت وجزيرة النمل حيث يوجد في جزيرة النمل 6 ينابيع بحرية وفي عمريت 4 ينابيع بحرية ومنطقة الباصية عدد اخر . وقد لوحظ عند قياس الناقلية الكهربائية لبعض الينابيع تحت البحرية في الباصية وطرطوس انه لا تظهر مياه عذبة على سطح البحر عند موقع معظم الينابيع لكن تظهر المياه الجوفية العذبة عند مخرج بعض الينابيع البحرية القريبة من الساحل عند الباصية كما ان الناقلية الكهربائية لمياه احدى الينابيع تؤكد ظهور مياه جوفية عائدة للبازلت تبعاً للظروف الهيدروجيولوجية السائدة واكدت قياسات نوعية مياه الينابيع تحت البحرية ان 20- 90% من مياه هذه الينابيع عذبة . لكن هناك مخاوف من تلوث الينابيع الصاعدة من فم النبع تحت البحري باختلاطها مع مياه البحر بسبب الاختلاف في السرعة والكثافة بين مياه البحر ومياه النبع اذ تزداد اهمية ظاهرة التشتت مع انخفاض سرعة الجريان حيث تصعد المياه شبه المالحة نحو الاعلى نتيجة قلة كثافتها مشكلة قمعاً دائرياً على سطح البحر . وعموماً لا يمكن استخدام مياه الينابيع تحت البحرية مباشرة لاغراض مياه الشرب بسبب امتزاجها مع مياه البحر عند انبثاقها من فم النبع في البحر لذلك لا بد بعد تنفيذ تحريات وقياسات متخصصة في البحر واليابسة من الاستفادة من الخبرات العالمية في هذا المجال .. رغم ان افضل الحلول هي استثمار هذه الينابيع وذلك بحفر مجموعة آبار انتاجية تحدد بدقة من جملة تحريات جيولوجية وهيدروجيولوجية دقيقة واستخدام تقانات الاتمتة في تحديد معدلات الضخ المناسبة تجنباً لحدوث مشاكل تداخل مياه البحر ضمن طبقات المياه الجوفية العذبة . وقد أوصى الدكتور الحايك : باستمرار تنفيذ التحريات والقياسات في الينابيع تحت البحرية التي تهدر مياهها دون استثمار في البحر مباشرة ومتابعة القياسات المائية كمياً ونوعياً في شبكة آبار المراقبة على اليابسة وعلى مدار العام .. اضافة الى اقتراح استثمار مياه الينابيع تحت البحرية بوساطة حفر مجموعة من الابار الانتاجية على اليابسة شرط ان يتم منع حدوث ظاهرة تداخل مياه البحر ضمن طبقات المياه الجوفية الساحلية العذبة .
ساحة النقاش