في شهر أبريل (نيسان) الماضي طالعتنا وكالات الأنباء بجريمتي «قتل» بشعتين، تسبب فيهما الإنترنت. الجريمة الأولى وقعت في مارس (آذار) الماضي، في كوريا الجنوبية، وضحيتها طفلة رضيعة (ثلاثة أشهر) ماتت جوعا بسبب انشغال الأب والأم بلعبة على الإنترنت. والجريمة الثانية، وقعت في أبريل الحالي، في النمسا، وضحيتها أم، قتلتها ابنتها (14 عاما) طعنا بسكين؛ انتقاما منها، بعد أن فصلت الأم توصيلة خدمة الإنترنت، بسبب إهمال الابنة لواجباتها ولأعمال منزلية، الأمر الذي لم يمكن ابنتها من مواصلة الدردشة مع أصدقائها عبر شبكة الإنترنت.

هاتان الجريمتان تفتحان الباب مجددا لمناقشة جرائم التكنولوجيا الحديثة، وبخاصة شبكة الإنترنت، وخصوصا إدمان ألعاب الإنترنت الإلكترونية (Internet Gaming Addiction)، والتفرغ لساعات طويلة للدردشة عبر مواقع الشبكات الاجتماعية الآخذة في الازدياد والانتشار وسوء استخدام الأبناء لها في ظل الغياب والإهمال الأسري، وكذلك مناقشة الحكومات والشركات المزودة لخدمات الإنترنت، للأساليب والضوابط والإجراءات الفعالة والجادة لترشيد استخدام شبكة الإنترنت وحماية مستخدميها، وبخاصة الأطفال والشباب من الوقوع في جرائمها المتزايدة.

فعلى سبيل المثال، وحلا لمشكلة الاستخدام والتصفح المتزايد لشبكة الإنترنت وإدمان الألعاب الإلكترونية، تعتزم كوريا الجنوبية وضع حظر للألعاب الإلكترونية على الإنترنت بعد منتصف الليل على تلاميذ المدارس، والسماح للآباء بوضع قيود ومراقبة ساعات وسلوكيات اللعب لدى أبنائهم، ولتنفيذ هذه الإجراءات دعت الحكومة الشركات لمراقبة بيانات الرقم القومي للمستخدمين التي تتضمن أعمارهم، وتسمح للآباء بمعرفة ما إذا كان أبناؤهم يستخدمون بطاقات هوياتهم للدخول على الألعاب خلال ساعات الحظر، ومطالبة الشركات بإيجاد وسيلة للحد من عدد الساعات التي يقضيها الأفراد البالغون في اللعب.

التكنولوجيا الحديثة سلاح ذو حدين، يمكن من خلال أساليب وضوابط معينة الاستفادة من الفرص والآفاق الواعدة التي توفرها في مختلف المجالات، وفي نفس الوقت الحفاظ على التماسك والترابط الأسري والعلاقات السوية والحماية من الوقوع في المخاطر والمهالك المدمرة المحتملة.

هناك ضرورة عاجلة لنشر ثقافة الاستخدام الآمن والرشيد للتكنولوجيا الحديثة، وبخاصة شبكة الإنترنت والمواقع الاجتماعية، التي أصبحت متاحة الآن عبر الهواتف الجوالة، وذلك من خلال الاستفادة بآراء وخبرة الخبراء والمختصين في مجالات علم النفس والإنترنت وجرائم التكنولوجيا الحديثة، مع ضرورة إدخال مقررات دراسية في المدارس والجامعات حول الاستخدام الآمن والرشيد لوسائل التكنولوجيا الحديثة.

على الحكومات والمؤسسات والشركات المختصة والعاملة في مجال التكنولوجيا الحديثة ونظم الكومبيوتر والإنترنت سرعة التدخل لتنظيم أعمالها لحماية الأفراد، وبخاصة الأطفال والشباب، وإعداد دليل للأسرة - وبخاصة الأسرة العربية - يكون بمثابة «خريطة طريق» لملاحظة التغييرات والسلوكيات السليبة لأبنائهم والرقابة والمتابعة الجادة لاستخدامات وممارسات الأطفال والشباب لتكنولوجيا الاتصالات الحديثة، وتوعيتهم باستمرار للاستخدام الصحي والصحيح لهذه التكنولوجيا، مع التوسع في إعداد برامج توعوية إعلامية في هذا الشأن، لتوعية وحماية أبنائنا قبل فوات الأوان.

 

  • Currently 105/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
35 تصويتات / 459 مشاهدة

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

163,074