بقلم: عمران المالح
اختصاص إدارة ماليّة ومصرفيّة - المعهد العالي لإدارة الأعمال (HIBA) – دمشق


أصادف دوما في مجال دراستي وعملي العديد من الأشخاص من معارف وأصدقاء وأقرباء -منهم الإختصاصيّين وأغلبهم من غير ذلك- ممن يطرح هذا التساؤل باستغراب وكأن المالية والمحاسبة هما الشيء ذاته بل ويعتقدون بأن لفظتَي: المالية والمحاسبة هما مرادفتين إحداهما الأخرى، وهذا شيء خاطئ.
ومن هنا جائتني فكرة كتابة هذه المقالة لتوضيح أوجه التشابه والإختلاف بين هذين الفرعين من العلوم المالية (الإدارة المالية والمحاسبة)، ووضع إطار علمي لكل منهما يفصل أحدهما عن الآخر.
وهذه المقالة موجهة بشكل أساس لعامة الجمهور من غير الإختصاصيين، وموجهة أيضاً للمبتدئين في علوم المال لإيضاح الصورة لهم في اختيار الطريق الصحيح المناسب لشخصيتهم وتوجهاتهم.


سبب الخطأ
الإدارة الماليّة والمحاسبة هما وظيفتين أساسيتين وضروريتين لنجاح عمل أي مؤسسة، وهما مترابطتين ارتباطاً وثيقاً ببعضهما، فغياب أحدهما يهمّش دور الأخرى.
وسبب الخطأ والإعتقاد بتشابه هاتين اللفظتين هو سبب منطقي، فكلا الإختصاصَين يعتمدان على الأرقام والحساب مما يحتّم وجود خلفية مناسبة في علم الرياضيات للمهتمِّين بكلا الإختصاصَين، مع وجود حب للأرقام بشكل عام.


المحاسبة.. تعريفها، خصائصها، وأنواعها
يمتد تاريخ المحاسبة إلى آلاف قرونٍ مضت، حيث كان القدماء يقومون بعمليات تسجيل قيمة المحاصيل الزراعية سنوياً، وعُثر على العديد من الدلائل التي تشير إلى استخدام الفراعنة لمبادئ المحاسبة حيث كانو يسجلون ما لديهم من ممتلكات وما عليهم من نفقات وديون.
وتعرف المحاسبة حسب المعهد الأمريكي للمحاسبين القانونيين (AICPA) بأنها: فن تسجيل وتصنيف وتلخيص التعاملات والأحداث ذات الطابع المالي، وتفسير نتائجها.
ولقد كان المحاسبون يوصفون بالرجال الآليين أو بالآلات الحاسبة البشرية (وهو وصف إلا حد ما صحيح)، ولكن هذه المهنة الآن أصبح لها وضع وصورة مختلفة، فنجد أن العديد من الشباب مندفعون نحو هذا الإختصاص الرائع لأنه ببساطة لا يمكن أن تعمل أي منشأة بدونهم، فمن وجهة نظر التوظيف من الصعب جداً ألّا تجد وظيفةً لمحاسب، فالمحاسب يعمل في كافة الظروف الإقتصادية من إقتصاد نشيط يعمل فيه بحساب الأرباح، ومن اقتصاد سيء يقوم فيه المحاسب بتخفيف التكاليف و إدارة الخطر في المنشأة.

وتتميز المحاسبة بالخصائص التالية:
• النظرة التكتيكية في العمل (day to day basis) حيث تتركز أعمال المحاسبة على تسجيل وتبويب التعاملات المالية من شراء عقارات، بيع منتجات، وطلب الإئتمانات التجارية وغيرها.
• تتكون مخرجات عملية المحاسبة من القوائم المالية: الميزانية، قائمة الدخل، قائمة الأرباح المحتجزة، وقائمة التدفقات النقدية.
• الوظيفة الرئيسية للمحاسبة هي التواصل بالأرقام مع المستثمرين والدائنين والمدراء، ولذلك فهي تسمى في بعض الأحيان بلغة الأعمال.

وهناك العديد من الأقسام في المحاسبة نلخصها في التالي:

المحاسبة المالية
وهي أشهر أنواع المحاسبة، وتقوم على تسجيل وتبويب التعاملات المالية وعرضها بشكلها التاريخي (بدون الإهتمام بالقيمة الحالية للأصل أو القرض) في شكل قوائم مالية، منها ما يبين الوضع المالي للمنشأة كالميزانية، ومنها مو يوضح الأداء التجاري لها خلال مدة معينة كقائمة الدخل.

المحاسبة الإدارية
وهي من أنواع المحاسبة الداخلية للمنشأة (لا تعرض نتائجها للخارج) وتهتم بالتكاليف الإنتاجية ودراستها ومفاضلة الخيارات الإنتاجية، ووضع معايير الأداء وقياس إنحراف الإنتاج عن الخطة وغير ذلك، وغالباً يكون المستفيدين من خرج المحاسبة الإدارية هم مدراء المنشأة وأصحاب القرار داخلها.

المحاسبة الضريبية
وهي تهتم بإعداد وتنسيق الدفاتر المحاسبية المطلوبة من قبل الحكومة أو المؤسسات الضريبية من أجل فرض الضرائب على الدخل والرواتب وغيرها من نشاطات المنشأة .

المحاسبة الدولية
ويتجلى عملها في الشركات متعددة الجنسيات (مثل كوكاكولا وماكدونلدز) في إعداد القوائم وتسجيل التعاملات المالية التي تتم خارج المقر الرئيسي للشركة وعرضها على المسؤولين لاتخاذ القرارات الإدارية المتنوعة، من تعزيز لأحد فروع الشركة في دولة ما، أو إغلاق فرع في دولة أخرى.

وهناك العديد من الأقسام والفروع الأخرى للمحاسبة مثل التدقيق المحاسبي، ومسك الدفاتر وغيرها الكثير.


أهم الشهادات في المحاسبة
تحتضن العديد من دول العالم مثل أمريكا وفرنسا وبريطانيا، مراكز تدريب وتطوير لمهنة المحاسبة بكافة فروعها، وقد اشتهرت العديد من الشهادات العليا في علم المحاسبة نذكر منها:
• شهادة المحاسب القانوني المعتمد الأمريكية CPA
• شهادة المحاسب الإداري المعتمد الأمريكية CMA
• شهادة المدقق الداخلي المعتمد الأمريكية CIA
• شهادة المحاسب العربي المهني المعتمد الصادرة عن المجمع العربي للمحاسبين القانونيين ACPA
• شهادة المحاسب القانوني البريطانية (Charted Accountant)


الإدارة المالية.. ماهيتها، تاريخها، ووظائفها
نتحول الآن إلى الإدارة المالية حيث يمكن تعريفها على أنها: الوظيفة الإدارية التي تهتم بقرارات الحصول على الأموال (التمويل) بأفضل شكل، وتوظيف تلك الأموال (الإستثمار) بأفضل شكل لتحقيق الهدف الأساسي من عمل الإدارة المالية وهو: تعظيم ثروة المساهمين.
ويمكننا من التعريف السابق استنتاج أهم أعمال الإدارة المالية في الشركات وهي:
• تمويل أعمال الشركة
• إستثمار أموال الشركة في المجالات الإستثمارية
• توزيع الأرباح المتحصلة من أعمال الشركة على المساهمين فيها

وتطور مفهوم الإدارة المالية عبر العصور مواكباً للتطورات الإقتصادية والإدارية عبر 3 مراحل نلخصها فيما يلي:

1. المرحلة الأولى: تركزت جهود المدراء الماليين حينها على البحث عن مصادر التمويل الخارجية عن طريق بيع أجزاء من ملكية المساهمين الرئيسيين للعامة (إصدار الأسهم) أو عن طريق القروض الذاتية التي تصدرها الشركة للعامه وتتعهد بوفائها (إصدار السندات)، وعزز هذا التوجه تغيير الأشكال القانونية للشركات من عائلية وشخصية إلى شركات مساهمة عامة والذي بدوره أشاع مبدأ الفصل بين الإدارة والملكيّة.
2. المرحلة الثانية: وفيها تم التركيز على التمويل قصير الأجل (دون السنة)، فأخذت تمارس الإدارة المالية دوراً كبيراً في تحقيق التوازن بين السيولة والربحية والمخاطرة.
3. المرحلة الثالثة: تأثرت بالتطور التكنولوجي وبدء توظيف الوسائل الرياضية والكمية والإحصائية في التخطيط المالي وتحقيق التنافسية للمنشأة. ومن هنا أصبحت الإدارة المالية وظيفة تقوم بدور هام ومفصلي في عمل الشركات ويستحيل العمل من دونها.

ولكي تعمل الإدارة المالية في شركة ما على أكمل وجه، يجب أن يغطّي المدير المالي في عمله الوظائف التالية:

التخطيط المالي
وهو الإسقاط المالي لخطط المؤسسة التسويقية والتوظيفية والتقنية، بحيث يقوم المدير المالي بترجمة خطط الشركة إلى لغة رقمية تسهل اتخاذ القرار من خلال استعمال أدوات الإحصاء والتخطيط والتنبؤ المالي كالموازنات التقديرية، والتحليل المالي، وتحليل الإنحدار للمبيعات (التنبؤ بحجم المبيعات المستقبلية بطرق إحصائية)، وغيرها. ويعتمد المدير المالي في الكثير من التخطيط المالي على مخرجات المحاسبة من القوائم المالية.

الرقابة المالية
من خلال مراقبة تنفيذ الخطط المالية وتحليل أسباب الإنحراف عنها وتقديم الحلول لذلك، وأيضاً استخدام أساليب التحليل المالي في رقابة أداء الشركة من خلال اكتشاف نقاط قوتها وضعفها في سياسياتها وأعمالها.

هيكلة أصول الشركة
ويعني ذلك أن على المدير المالي القيام بتحقيق أفضل توزيع لاستثمارات الشركة الداخلية(الأصول) بين الأصول قصيرة الأجل من شراء أسهم، نسبة المخزون، حجم النقدية، وغيرها من الأصول التي تتمتع بسيولة عالية، وبين الإستثمار في الأصول الثابتة من آلات، ومباني، وشاحنات نقل. فبالتوزيع الأمثل للأصول تستطيع الشركة العمل بتوازن مثالي بين السيولة والربحية.

الهيكلة التمويلة للشركة
يتم التركيز هنا على بناء أفضل هيكل تمويلي متوازن للشركة، حيث يقوم المدير المالي بدراسة تكاليف القروض والسندات، ويقوم بتحديد نسبة كل من الأموال الخارجية في التمويل (قروض) ونسبة أموال المالكين أو المساهمين فيه (حصص الشركاء أو الأسهم)

ونلاحظ من المعلومات السابقة وجود خاصية تميّز الإدارة المالية عن المحاسبة وهي البعد الإستراتيجي في العمل على عكس الإهتمام بالتفاصيل والبعد التكتيكي للمحاسبة.

وتعتبر من أهم الشهادات في الإدارة المالية هي شهادة المحلل المالي المعتمد CFA-Charted Financial Analyst ويوجد العديد من الشهادات والدرجات العلمية في علم الإدارة المالية من ماجستير بحثي، أو تطبيقي (MBA)، و الدكتوراه، وغيرها.


ختاماً..
إن المحاسبة والإدارة المالية تختلفان في العديد من الجوانب النظرية والتطبيقية، ولكنهما وظيفتان مترابطتان ببعضهما، وهما العصب الأساسي لعمل أي منشأة إقتصادية مهما كان نوعها.
فمن جهة نجد أن المحاسب لا يستطيع تأدية وظائف المدير المالي من تخطيط واتخاذ للقرارات الاستراتيجية لأنها ليست من ضمن مهماته كمحاسب، ومن جهة أخرى يقف المدير المالي عاجزاً عن تأدية عمله بدون توفر البيانات والقوائم المالية التي تعتبر المخرجات الأساسية للمحاسبة.

 

 

مع تمنياتي بالفائدة للجميع
دمشق 17-9-2011

 

  • Currently 5/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
1 تصويتات / 9472 مشاهدة

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

16,434