تدوين الراجح من أقوال الفقهاءلإلزام القضاة العمل به السبت 04 جمادى الآخرة 1432 الموافق 07 مايو 2011
هيئة كبار العلماء
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الأولين والآخرين محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، والتابعين لهم بإحسان السالكين لمنهجهم القويم.
وبعد: فبناء على أمر جلالة الملك – وفقه الله- بالنظر من قبل هيئة كبار العلماء في أمر جواز تدوين الراجح من أقوال الفقهاء لإلزام القضاة العمل به.
وقبل الدخول في صلب البحث وتقرير ما هو الحق الذي تشهد له قواعد الشريعة وعليه عمل السلف رحمهم الله نقول:
أولاً: إنه مما لا شك فيه لدى كل عارف أن إمام المسلمين وفقه الله وثبته على الحق ونصره به- لم يكن له من هدف في هذا الأمر سوى الخير والحرص على جلب المصالح وتكثيرها، ودرء المفاسد وتقليلها، ولما بلغه – حفظه الله- أن فيما يصدر من بعض القضاة ما يلفت النظر، ويدعو إلى البحث من صدور أحكام قد يظن بعض الناس أنها متناقضة، مع أن قضاياها متماثلة، وهي في الحقيقة ليست كذلك، مما قد يدعو إلى اتهام القضاء باتباع الهوى، أو رميهم بالقصور في تطبيق أحكام الشريعة على ما يرفع لهم من القضايا، وأن ذلك ربما كان من أجل عدم وجود كتاب على قول واحد يحكم به القضاة ويتعرف الناس منه أحكام المعاملات؛ ليوفقوا بينها وبين أعمالهم عند الإقدام على عمل ما حتى لا يقعوا فيما يعرضهم للحكم عليهم عند حدوث ترافع قضائي، وأنه قد يدعو إلى تهرب بعض الناس من رفع قضاياهم للمحاكم الشرعية في المملكة والذهاب بها لمحاكم في دول أجنبية.
من أجل هذا، وحرصاً من جلالة الملك – وفقه الله- على صيانة الشريعة وبقاء الحكم بها بين الناس أمر – حفظه الله – بعرض موضوع التدوين المشار إليه لإلزام القضاة الحكم به على هيئة كبار العلماء؛ ليبينوا حكم الشريعة في جواز ذلك أو عدمه.
ثانياً: يحسن أن نذكر شيئاً مما من الله به على هذه البلاد من باب التحدث بنعمة الله التي غمرنا بها- فنقول: إنه غير خاف على أحد من أهل المعرفة ما كانت عليه بلادنا قبل تأسيس هذه الدولة المباركة من الفوضى والاضطراب، واللصوصية المغرقة، والخوف المتفاقم والفرقة المتمكنة، حتى هيأ الله سليل بيت المجد والسؤدد: الملك عبد العزيز – رحمه الله – فقام بلم شعثها، وجمع شملها المتفرق، وبناء كيانها على أساس من منهج السلف الصالح الذي ورثه عن آبائه الكرام حماة الدعوة السلفية، وبناة حصونها في هذه البلاد ، وهي الدعوة التي دعا إليها شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب- رحمه الله- فضرب الأمن في ربوع الجزيرة أطنابه بعد أن كان مفقوداً وانتشر العدل بين الناس، وأمنوا على أنفسهم وأموالهم، واتصلوا بالعالم الخارجي اتصالاً واسعاً، وعرفت حال البلاد عند سائر الدول، وتعامل أهلها مع أولئك منذ مدة طويلة والبلاد في تقدم مستمر ولله الحمد، لم يضرها بقاؤها في منهاج القضاء على ما كان عليه السلف الصالح- رحمهم الله- وفُهم نظامها القضائي لدى سائر أمم الأرض المتحضرة، واشتهر الأمن فيها حتى صار مضرب المثل ومثار العجب عند كل منصف، رغم اتساع رقعة البلاد وعدم تعلم غالبية أهلها، وما ذاك إلا بفضل الله سبحانه،ثم بفضل تمسك هذه الدولة بشريعة الإسلام وسيرها على محجة سلف الأمة الذين نشروا الإسلام وساسوا العباد بالعدل وحكموا فيهم الشرع، وفوضوا إلى قضاتهم الحكم بما فهموه من كتاب الله تعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وما استنبطه العلماء منهما فصلحت بذلك أحوالهم، واستقامت أمورهم، ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها. وقد اشتهرت نزاهة القضاء في بلادنا ولله الحمد، وعدالته وبساطته، ومسايرته للفطرة، وتمشيه مع مقتضى المصلحة الحقة، حتى صار معلوماً عند الموافق والمخالف، ولا يسعنا إزاء هذه النعمة العظيمة التي منّ الله علينا بالتمسك بها حين تخلى عنها الأكثرون إلا أن نشكره جل وعلا، ونسأله أن يثبتنا ما على نحن عليه من الحق، ويرزقنا الإعانة والتوفيق.
ثالثاً: نظرت الهيئة في الموضوع، فرأت أن دواعي الإصلاح قائمة، وأنه لا بد من إيجاد حل للمشكلة، وإصلاح لما تخشى عواقبه، غير أن الهيئة بأكثريتها ترى: أنه لا يجوز تدوين الأحكام على الوجه المقترح لإلزام القضاة الحكم به؛ لأنه ليس طريقاً للإصلاح، ولا يحل المشكلة، ولا يقضي على الخلاف في الأحكام، أو على ظنون بعض الناس في القضاة ما دام هناك محكوم عليه؛ لأن اتهام القاضي في حكمه لم يسلم منه أحد حتى خير الخلق صلى الله عليه وسلم، فقد قال له بعض الناس: اعدل: فإنك لم تعدل، وفي رواية: إنها لقسمة ما أريد بها وجه الله. ومع ذلك فإن التدوين المراد يفضي إلى مالا تحمد عاقبته؛ وذلك لأمور:
1- إن إلزام القضاة أن يحكموا بما اختير لهم مما يسمى بالقول الراجح عند من اختاره يقتضي أن يحكم القاضي بخلاف ما يعتقده، ولو في بعض المسائل، وهذا غير جائز، ومخالف لما جرى عليه العمل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وخلفائه الراشدين، ومن بعدهم من السلف الصالح، ويسبب التحول عن سبيلهم ولقد سبق أن وجدت هذه الفكرة في خلافة بني عباس، وعرضها أبو جعفر المنصور على الإمام مالك رضي الله عنه فردها وبين فسادها، فهي فكرة مرفوضة لدى السلف ولا خير في شيء اعتبر في عهد السلف من المحدثات.
2- إن إلزام القضاة أن يحكموا بما يدعى أنه القول الراجح فيه حجر عليهم، وفصل لهم في قضائهم عن الكتاب والسنة وعن التراث الفقهي الإسلامي، وتعطيل لهذه الثروة التي هي خير تراث ورثناه عن السلف الصالح، وفي ذلك أيضاً مخالفة صريحة لما دل عليه كتاب الله تعالى من وجوب الرجوع فيما اختلف فيه من الأحكام إلى الكتاب والسنة، وإن عدم الرد إليهما عند الاختلاف ينافي الإيمان بالله تعالى، قال سبحانه: " فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر"(1).
3- إن الإلزام بما يدون يفضي إلى نفس النتيجة التي وصل إليها من سبقنا إلى هذه التجربة من الدول الإسلامية المتأخرة، فقد جربوا هذا التقنين، وألزموا القضاة العمل به ، فلم يأتهم بخير ، ولم يرفع اختلاف القضاة في الأحكام، وإنما أدى بهم إلى الحكم بالقوانين الوضعية فيما عدا الأحوال الشخصية، وبعض العقوبات؛ فسداً لذريعة الفساد، ومحافظة على البقاء في التحاكم إلى شريعة الله، وإبقاءً على إظهار شعار أمتنا الإسلامية – يجب علينا أن نفكر في طريق آخر للإصلاح سليم من العواقب الوخيمة.
4- إن إيجاد كتاب يشتمل على قول واحد هو الراجح في نظر من اختاره يكون موحد الأرقام مسلسل المواد- لا يمكن أن يقضي على الخلاف، ويوجد الاتفاق في الأحكام في كل القضايا؛ لاختلاف القضاة في مداركهم وفي فهم المواد العلمية، ومدى انطباقها على القضايا التي ترفع لهم، لاختلاف ظروف القضايا وما يحيط بها من أمارات، ويحف بها من أحوال – فقد اختلف الناس في مدلول بعض النصوص الشرعية من الكتاب والسنة مع وضوحها وجلائها، وعلم مصدرها الذي ليس علمه كعلم من يختار القول الراجح المراد.
5- المحاكم المدنية في الدول التي تحكم بالقوانين الوضعية دونت قوانينها على هيئة مواد موحدة، مسلسلة الأرقام، ومع ذلك اختلفت أحكام قضاتها ووقع في بعضها التناقض والخطأ واستؤنف بعض الأحكام، فنقض في محاكم الاستئناف، فلم يكن ذلك التنظيم والإلزام به مانعاً من الخطأ والتناقض، واتهام القضاة، ونقض الأحكام وما دام القضاة متفاوتين في الأفكار والأفهام، وبعد النظر والقدرة على تطبيق الأحكام على القضايا والوقائع.
6- لا يصلح للتخلص من الآثار السيئة التي ترتبت على إلزام القضاة بما يدون لهم – إعطاؤهم حق الرفع فيما يخالف فيه اعتقادهم ما دون إلى مرجعهم، فإن ذلك يدعو إلى التواكل، وتدافع القضايا، والتهرب من المسئولية، وتعويق المعاملات، وتكديسها، وفتح باب الاحتيال للتخلص من بعض القضايا؛ لأمر ما، ولا يعدم من أراد ذلك أن يجد في وجهة نظر المخالفين لما دون ما يسند رأيه؛ لأن الرجحان أمر نسبي مختلف فيه، ولكل قول وجهته.
7- الواقع يشهد بأن معرفة الخصوم لما يرجع إليه القاضي تفصيلاً ليس بضروري، ولا شرط لقبول حكم القاضي، ولا نفاذه لا من جهة الشرع ولا من جهة القانون، فإن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا يحكمون بين الناس في الخصومات، ولم يكن الفقه مدوناً وكثير من المتخاصمين لا يحفظ القرآن كله، ولا كثيراً من السنة، وإنما يعرفونه إجمالاً: أن القاضي سيحكم فيما يرفع إليه من القضايا مما فهمه من الكتاب والسنة، كما أن الدول التي تحكم بقوانين وضعية لا يعرف السواد الأعظم فيها ما يرجع إليه القضاة من القوانين؛ ولذلك يقيمون المحامين ليرافعوا عنهم في قضاياهم، فلم يكن تدوين الأحكام على النهج المقترح ليوفق المتحاكمون أعمالهم معها ضرورياً، ومع ذلك فالأحكام الشرعية مدونة، ومن أرادها أمكنه الوصول إليها ومعرفتها، ومع معرفته لها فإنه لا يأمن أن يخالفه القاضي في فهمها وتطبيقها على قضيته، سواء في ذلك من يرجع في تحاكمه إلى الشرع ومن يرجع إلى القانون الوضعي ؛ لأن الأحكام لو دونت لا يكون فيها ذكر جميع الجزئيات من القضايا، وإنما يجتهد كل قاض في تطبيق النص على القضية التي ترفع إليه.
فيما سبق ذكره وغيره مما لم يذكر من الآثار السيئة التي تنشأ عن إلزام القضاة الحكم بما يختار لهم – يجب التماس طريق آخر لعلاج الوضع.
وحل المشكلة وهو ما يلي:
1- إعداد القضاة، والعناية بهم، وتأهيلهم علمياً، وتدريبهم عملياً على أعمال القضاء، ولو بدورات دراسية وتدريبية لمن يحتاج لذلك ممن على رأس العمل.
2- تقليل المحاكم وتركيزها في المدن وعواصم المناطق، ويكتفي بتعيين متعلمين في القرى؛ ليقوموا بشئون المساجد، وعقود الأنكحة، والوعظ والإرشاد، وكتابة الوثائق، وتلقي استخلافات القضاة ونحو ذلك، ويساعد على هذا سهولة المواصلات اليوم ووجود مرافق في المدن يستريح فيها الغريب، ويرتفق بها، ولو أقام أياماً، ويسهل ذلك على القضاة في المدن الاجتماع لدراسة القضايا وهضمها، ويمنع من الترافع في الأمور التافهة البسيطة، ويدعو إلى الصلح بين الناس، وهو أنفع من التمادي في الخصومات حتى البت في القضايا.
3- حسن اختيار القضاة بمراعاة ما تحلّوا به من قوة في العلم، ورجاحة في العقل، مع حلم وأناة، وبّعد نظر، وصدق وأمانة، وابتعاد عن مظان الريبة.. إلى غير ذلك من الصفات التي ينبغي أن تتوفر في القاضي، وسيساعد على سهولة الاختيار الاقتصار على تركيز المحاكم في المدن، كما أشرنا إليه سابقاً.
4- تأليف لجنة من العلماء؛ لبحث المسائل القضائية الهامة التي ربما يشتبه الحكم فيها على بعض القضاة، فتبين بالأدلة وجه الحكم فيها، وتوضح تطبيقها بأمثلة، خاصة القضايا التي حدثت في عصرنا، وليس هذا لإلزام القضاة بما انتهى إليه البحث، بل ليكون عوناً لهم في القيام بمهمتهم، ونموذجاً لهم في دراسة القضايا، وحل مشكلها، والدقة في تطبيق الأحكام فيها، فبذلك تضيق شقة الخلاف، وتتحقق المصلحة المرجوة.
أما ارتفاع أصل الخلاف فلا سبيل إليه، لو توحد المرجع العلمي للقضاة باختيار قول واحد وألزم القضاة الحكم به؛ لما تقدم بيانه.
ومع ذلك فإن الحكومة – وفقها الله- قد بذلت مجهوداً تشكر عليه، فجعلت محاكم تمييز تدرس الأحكام الصادرة من المحاكم، وتوجه القضاة فيما تراهم قد قصروا فيه، وجعلت وراء ذلك هيئة قضائية عليا تدقق الأحكام التي يحصل حولها اختلاف بين القضاة وهيئات التمييز – كل ذلك حرصاً من ولي الأمر- وفقه الله- على براءة الذمة، وإراحة الناس، وإيصال الحقوق أصحابها.
5- إن الاختلاف في الأحكام قد وجد في عهد الخلفاء الراشدين والسلف الصالح، حتى من القاضي الواحد في قضيتين متماثلتين ظهر له في الثانية ما لم يظهر له في الأولى ، فحكم به ، ولم ينقض حكمه السابق، ولم يكن ذلك داعياً إلى التفكير في مثل التدوين المقترح، ولا إلزام القضاة الحكم بقول واحد، وهم كانوا أحرص منا على حفظ الدين، وعلى سمعته وسمعة المسلمين ما وسعهم، ولا يجوز أن يكون هذا الاختلاف مثار ريبة وتهمة للقاضي، فالأصل فيمن يختار للقضاء: أن يكون عالماً أميناً على مستوى المسئولية.
6- مما تقدم يعلم أن العلاج للمشكلة في غير التدوين المذكور الذي لا تؤمن عاقبته، ونتائجه غير مضمونة، ويفضي إلى فصل الناس عن مصادر شريعتهم وثروة أسلافهم الفقهية، كما سبق بيانه، فتعين سلوك الطريق السليم العاقبة، المأمون النتيجة، الذي استقامت عليه حياة الأمة الإسلامية وأحوالها في قرونها السالفة.
ونسأل الله أن يحفظ لأمتنا دينها، ويتم عليها نعمة الأمن والاستقرار، ويثبت إمام المسلمين، ويسدده ويعينه بالبطانة الصالحة، ويمد في أجله على عمل صالح، إنه سميع مجيب، وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم.
[COLOR=artshow-32-6137.htm#100099]هيئة كبار العلماء [/COLOR]
رئيس الدورة الثالثة
محمد الأمين الشنقيطي [COLOR=artshow-32-6137.htm#106600]عبد الرزاق عفيفي [/COLOR] [COLOR=artshow-32-6137.htm#106600]صالح بن محمد اللحيدان [/COLOR] [COLOR=artshow-32-6137.htm#106600]عبد الله بن حميد [/COLOR] [COLOR=artshow-32-6137.htm#106600]عبد العزيز بن باز [/COLOR] [COLOR=artshow-32-6137.htm#106600]عبد المجيد حسن [/COLOR] [COLOR=artshow-32-6137.htm#106600]عبد العزيز بن صالح [/COLOR] [COLOR=artshow-32-6137.htm#106600]محمد الحركان [/COLOR] [COLOR=artshow-32-6137.htm#106600]سليمان العبيد [/COLOR] [COLOR=artshow-32-6137.htm#106600]إبراهيم بن محمد آل الشيخ[/COLOR] [COLOR=artshow-32-6137.htm#106600]عبد الله بن منيع
[/COLOR][له وجهة نظر] [COLOR=artshow-32-6137.htm#106600]عبد الله خياط
[/COLOR][مخالف وله وجهة نظر] [COLOR=artshow-32-6137.htm#106600]عبد الله بن غديان [/COLOR] [COLOR=artshow-32-6137.htm#106600]صالح بن غصون [/COLOR] [COLOR=artshow-32-6137.htm#106600]راشد بن خنين
[/COLOR][لي وجهة نظر وليس فيها إلزام القاضي بالحكم بخلاف ما يعتقد] [COLOR=artshow-32-6137.htm#106600]محمد بن جببير
[/COLOR][مخالف وله وجهة نظر]
[COLOR=artshow-32-6137.htm#100099]وجهة نظر[/COLOR] أحمد الله ، وأصلي وأسلم على رسوله، وأسأل الله أن يهدينا جميعاً سواء السبيل ...و بعد:
فمما لا شك فيه أن هذا الأمر الذي نبحثه أمر خطير، وله شأن كبير ، وآمل أن تنظره هذه الهيئة نظرة فاحصة مبنية على ارتكاب أدنى المفسدتين لتفويت أعلاهما، وتحصيل أعلى المصلحتين بتفويت أدناهما، وقد ظهر لي من إثارة هذا البحث ومما سمعته من كلام بعض من حضره – أن هناك اتجاهاً لتدوين الأحكام الشرعية على شكل مواد، وأخشى أنه إذا رفضت هذه الهيئة الإشراف على هذا الأمر. أو وضع بديل عنه – أن يسند إلى غيرها فتحصل مفسدة أكبر، وفي نظري أنه لو تولى هذا الأمر أهل العلم بالشريعة، وأخذوا بزمامه، واشترطوا إشرافهم عليه، وقيدوه بالقيود الشرعية ، أو اقترحوا له بديلاً – لكان ذلك أصلح، وأكثر محافظة على تحكيم الشريعة في كل شيء.
وبناء على ما تقدم، وعلى ما هو معلوم لدى الجميع من ضعف المستوى العلمي لدى كثير من القضاة، بحيث لا يمكن اعتبارهم من أهل الاجتهاد والترجيح مع وجود قضايا كثيرة جدّت في هذا الزمن، وهي غير منصوص عليها في كتب المذهب، بالإضافة إلى وجود اختلاف الأحكام في كثير من المسائل المتساوية، من أجل ترجيح قول على قول، أو رواية في المذهب على أخرى، لا من أجل اختلاف وقائع القضية أو ملابساتها- فإنني أرى أن تبحث من قبل هذه الهيئة في دوراتها القادمة المسائل التي فيها الخلاف المشهور، مع المسائل المستجدة، وتقرر فيها ما تراه راجحاً بالدليل، ويعمم على المحاكم للعمل به، ويترك ما عدا ذلك على ما هو عليه من الحكم بالراجح في مذهب الإمام أحمد رحمه الله، ويؤكد على المحاكم بالتزام ذلك، وأن من ظهر له الحكم في مسألة ما بخلاف ذلك فعليه رفع وجهة نظره، مع بيان مستنده لمجلس القضاء، فإن ظهر للمجلس صحة وجهة نظره وافقه على ذلك، وعممه على المحاكم، وإن لم تظهر له صحة وجهة نظره نبهه على ذلك، فإن اقتنع اعتبر الموضوع منتهياً، وإن لم يقتنع أحيلت المسألة إلى غيره،فإن لم تر هذه الهيئة دراسة المسائل الخلافية والمستجدة ووضع حد لاختلاف الأحكام، والحالة ما ذكر – فإنني أرى أنه لا مانع من تدوين الأحكام الشرعية على القول الراجح بدليله، ويعمم على المحاكم للعمل به، وإذا ظهر لأحد منهم الحكم في مسألة ما بخلاف ما هو مدون فيرفع عن ذلك لمجلس القضاء على ما هو موضح في الرأي الأول.
أسأل الله أن يوفق الجميع لمعرفة الحق واتباعه، وصلى الله على محمد، وآله وصحبه وسلم. حرر في 5/4/1393هـ
مقدمه عضو الهيئة
راشد بن صالح بن خنين
[COLOR=artshow-32-6137.htm#100099]خلاصة رأيي [/COLOR] الحمد لله وحده...
أرى أن يستغنى عن تدوين الأحكام بإلزام القضاة بأن يكون الحكم بالراجح في مذهب الإمام أحمد رحمه الله، حسبما هو مدون في [ الإقناع] و[المنتهى] مع وضع حد لمسائل الخلاف في المذهب، وتوحيد الحكم فيها، وهذا في نظري أفضل إجراء يقلل من اختلاف القضاة في أحكامهم، أما إذا بقي وضع القضاة كما هو الآن- فإنني لا أرى مانعاً من تدوين الأحكام الشرعية مستمدة من الكتاب والسنة وأقوال علماء الأمة؛ وذلك تفادياً لما يعرفه الجميع من وقوع تفاوت في الأحكام في قضايا متماثلة، بالإضافة إلى ضعف المستوى العلمي لدى الكثيرين من القضاة، وما لذلك من آثار على القضاء والمشرفين عليه والبلاد عامة. وصلى الله على محمد، وآله وصحبه وسلم.
وحرر في 6/4/1393هـ
صالح بن على بن غصون
عضو هيئة كبار العلماء
[COLOR=artshow-32-6137.htm#100099]وجهة نظر [/COLOR] الحمد لله، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.
وبعد: فلقد كانت مسألة تدوين الأحكام الشرعية الراجحة في كتاب يعمم على المحاكم وإلزام القضاة التمشي بموجبه- موضع دراسة من قبل هيئة كبار العلماء في دورتها الثالثة؛ بناء على رغبة المقام السامي.
وبعد الاطلاع على البحث الذي أعدته اللجنة الدائمة للبحوث حول تلك المسألة وتبادل الرأي بشأنها – أسفرت الدراسة عن انقسام الرأي في المسألة بين مانع ومجيز.
وحيث أننا نحن الموقعين أدناه نرى جواز ذلك؛ تحقيقاً للمصلحة العامة- وقد أدلى كل منا في المسألة برأيه مقتضياً حينما جرى استطلاع الآراء دون ذكر للاستنادات والمبررات والاعتبارات التي بنينا فيها آراءنا- فإننا نوضح ذلك فيما يلي:
أولاً: هناك مجموعة اعتبارات يحسن بنا قبل البدء في توجيه ما نراه إيرادها.
أ- ما أجمع عليه المعنيون بالدراسات الاجتماعية من أن القضاء يعتبر عنواناً لما عليه البلاد من حال، فإن كان قوياً مهيباً دقيقاً في تحقيق العدل والإنصاف – كان ذلك دليلاً على قوة البلاد وحسن إدارتها، وإن كان غير ذلك دل على ضعفها واضطرابها، وفوضويتها، كما أجمعوا على أن أول ما تفقده البلاد عند اضطرابها وتزعزعها النزاهة في المرافق القضائية.
ب- ما عليه بلادنا من اتصالات مختلفة بالبلدان الأجنبية الأخرى، سواء ما كانت بلادنا متصلة بها أو كانت هي متصلة ببلادنا، مما كان لذلك أثره في قيام علاقات مختلفة معها، وما تبع هذا من قيام اتفاقيات، وتبادل معلومات وخدمات.
ج- إدراك الظروف والعوامل التي برزت للجهات المسئولة عندنا إيجاد وحدات قضائية لها استقلالها الكامل من الناحية الإدارية عن الجهة الإدارية للقضاء؛ كمحاكم العمل والعمال، ومكافحة الرشوة، وفض المنازعات التجارية، ومحاكم التأديب وغيرها. مما كان لذلك أثره في تفتت الوحدة الإدارية للقضاء في بلادنا، وبالتالي تقلص الاختصاص القضائي من المحاكم الشرعية.
د. الوضع القائم الآن، ومنذ استتباب الأمن لحكومتنا الرشيدة مبني على الالتزام بالحكم بالراجح من مذهب الإمام أحمد رحمه الله، وكان ذلك امتداداً لما كانت عليه الحكومة التركية من التزام محاكمها بالحكم الراجح من مذهب الإمام أبي حنيفة، هذا بالنسبة إلى الحجاز وغيره من المناطق التي كانت خاضعة للحكم التركي سابقاً. أما بالنسبة لنجد وتوابعها فقد كان الحكم في محاكمها طبقاً للراجح من مذهب الإمام أحمد، وذلك قبل قيام دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله حتى وقتنا هذا.
هـ- ما عليه قضاة زماننا بالنسبة للمراتب العلمية التي ذكرها أهل العلم مما جاء في بحث اللجنة الدائمة من أن من يمكن إسناد القضاء إليه لا يخلو من أربع حالات: إما أن يكون مجتهداً مطلقاً، كالأئمة الأربعة، أو مجتهداً منتسباً، كشيخ الإسلام ابن يتمية، أو مجتهداً في المذهب ممن له قدرة على التخريج والترجيح واستنباط الأحكام من الأدلة الشرعية بناء على أصول الإمام الذي انتسب إليه، كمتدقمي أصحاب الأئمة، أو مقلداً متعلماً، كأصحاب الأئمة المتأخرين ممن تبحروا في مذاهب أئمتهم وتمكنوا من تقرير أدلتهم، إلا أنهم لم يبلغوا درجة الترجيح والتخريج.
و- انتشار الوعي الحقوقي في البلاد وتطلع تلك الفئات الواعية إلى التعرف على المسالك القضائية وعجزها عن حصر تلك المسالك في إطار واضح المعالم وما نتج عن ذلك من تساؤلات وتعريضات بنزاهة القضاء وخضوعه لتأثيرات خارجية واعتبارات شخصية.
ثانياً: أن أمر إثبات الراجح من أقوال أهل العلم وتدوين ذلك في كتاب وتعميمه على المحاكم الشرعية للعمل بمقتضاه – ليس أمراً محدثاً، وإنما كانت الفكرة موضع إثارة وبحث الجهات المعنية بالمرافق القضائية، وذلك منذ أكثر من عشرة قرون.
وقد أوردت اللجنة الدائمة للبحوث والإفتاء في بحثها الموضوع فصلاً تاريخياً للفكرة، وكيف أنها برزت من حيز التفكير إلى نطاق العمل، بعد أن تكاثرت الأسباب الملحة في الأخذ بها فنجتزيء بذلك ونكتفي بإيراد حلقة تاريخية للفكرة لم تشر إليها اللجنة في بحثها. ذلك أن جلالة الملك عبد العزيز رحمه الله وغفر له، أراد أن يحمل القضاة على الأخذ بأحكام مختارة يجري تدوينها ثم تعميمها على المحاكم ، فقد جاء في افتتاحية ( أم القرى) في عددها الصادر بتاريخ 28/2/46هـ ما نصه:
إن جلالة الملك حفظه الله يفكر في وضع مجلة للأحكام الشرعية، يعهد إلى لجنة من خيار علماء المسلمين الاختصاصيين استنباطها من كتب المذاهب الأربعة المعتبرة. وهذه المجلة ستكون مشابهة لمجلة الأحكام التي كانت الحكومة العثمانية وضعتها عام 1293هـ ، ولكنها تختلف عنها بأمور: أهمها عدم التقيد حين الاستنباط بمذهب دون آخر، بل تأخذ ما تراه في صالح المسلمين من أقوى المذاهب حجة ودليلاً من الكتاب والسنة، وجاء فيها مانصه:
فأصدر أمره إلى هيئة المراقبة القضائية بالشروع في عملها على الطريقة التالية:
إذا اتفقت المذاهب الأربعة على حكم من الأحكام فيكون هذا الحكم معتبراً وملزماً لجميع المحاكم والقضاة. والمذاهب الأربعة هي متفقة في الأحكام الأساسية وفي كثير من الأحكام الفرعية. أما المسائل الخلافية فيشرع في تدوينها منذ اليوم، وفي كل أسبوع تجتمع هيئة مراقبة القضاء مع جملة من فطاحل العلماء، وينظرون فيما يكون اجتمع لدى الهيئة من المسائل الخلافية وأوجه حكم كل مذهب من المذاهب فيها، وينظر في أقوى المذاهب حجة ودليلاً من كتاب الله وسنة رسوله – فيصدر قرار الهيئة على إقراره والسير على مقتضاه، وبهذه الوسيلة تجتمع لدى الهيئة معظم المسائل الخلافية التي هي منشأ الصعوبة في التأليف بين أحكام المذاهب، ويصدر القرار بشأنها، ويكون هذا القرار ملزماً لسائر المحاكم الشرعية والقضاة وأساساً قوياً لتوحيد الأحكام وتأليفها.اهـ. المقصود، ثم تحولت الفكرة إلى أن يكون مجرى القضاء في جميع المحاكم منطبقاً على المفتى به من مذهب الإمام أحمد، فقد صدر قرار الهيئة القضائية رقم (3) في 17/1/1347هـ المقترن بالتصديق العالي بتاريخ 24/3/1347هـ بما يأتي:
أ- أن يكون مجرى القضاء في جميع المحاكم منطبقاً على المفتى به من مذهب الإمام أحمد بن حنبل؛ نظراً لسهولة مراجعة كتبه، والتزام المؤلفين على مذهبه ذكر الأدلة إثر مسائلها.
ب- إذا صار جريان المحاكم الشرعية على التطبيق على المفتى به من المذهب المذكور، ووجد القضاة في تطبيقها على مسألة من مسائله مشقة ومخالفة لمصلحة العموم – يجري النظر والبحث فيها من باقي المذاهب بما تقتضيه المصلحة، ويقرر السير فيها على ذلك المذهب؛ مراعاة لما ذكر.
ج- يكون اعتماد المحاكم في سيرها على مذهب الإمام أحمد على الكتب الآتية:
1- [شرح المنتهى].
2- [شرح الإقناع].
فما اتفقا عليه أو انفرد به أحدهما فهو المتبع، وما اختلف فيه فالعمل على ما في[ المنتهى] وإذا لم يوجد بالمحكمة الشرحان المذكوران يكون الحكم بما في شرحي [ الزاد]، أو
[ الدليل] إلى أن يحصل بها الشرحان، وإذا لم يجد القاضي نص القضية في الشروح المذكورة طلب نصها في كتب المذهب المذكور التي هي أبسط منها، وقضى بالراجح.اهـ.
ولم يكن الإلزام بالعمل الراجح من المذهب ابتداء من ولي الأمر،وإنما كان بمشورة هيئة علمية هي الهيئة القضائية، فالتزم القضاة التابعون لرئاسة القضاة، بذلك، واستمر الالتزام به حتى وقتنا هذا، ويندر من أحدهم الخروج عن المذهب، فإن خرج نقض حكمه، كما كان الحال بالنسبة للحكم الصادر من رئيس وقضاة محكمة الرياض بعدد (57/1) وتاريخ 2/8/1386هـ في قضية قسامة، وقد جرى نقضه من هيئة التمييز بالرياض بعدد 3/6 وتاريخ 6/10/1387هـ) لعدة أسباب منها: الخروج بذلك عن المذهب وتأيد النقض من سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم _رحمه الله- موجب خطابه رقم 3798/2/1 في 17/11/87هـ، وكذا بالنسبة للحكم الصادر من محكمة الرياض بعدد (86/1) وتاريخ 9/6/1388هـ في قضية قسامة، فقد جرى نقضه من هيئة التمييز بعدد (7/3) وتاريخ 26/3/1390هـ.
كما صدر من سماحة رئيس القضاة ومفتي الديار السعودية الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله خطابه رقم (1492) وتاريخ 21/9/1380هـ، ويتضمن الاعتراض على الفتوى باعتبار الثلاث في الطلاق واحدة، وقد جاء فيه ما نصه:
نفيدكم:أن الذي عليه الفتوى وقوع مثل هذا الطلاق ثلاثاً، وهو الذي عليه الجماهير من أهل الفتوى.. إلى أن قال: فلا ينبغي لأحد أن يفتي بخلاف ما عليه الفتوى في عموم المحاكم في سائر أنحاء المملكة؛ لما في ذلك من الاختلاف الذي هو شر.إلى آخره.
وأخيراً: فإن هيئة التمييز بالمنطقة الوسطى قد أصدرت قراراً برقم ( 88/2) وتاريخ 20/3/1391هـ بصدد قضية رجل قتل غيلة، وحكم على قاتله بالقتل دون التفات إلى عفو الورثة. وجاء فيه ما نصه:
أولاً: أن هذا الحكم مخالف للمفتى به في مذهب أحمد، أو مخالف لمذهبه بالكلية، وقد صرح العلماء: أن المقلد إذا خالف مذهب إمامه ينقض حكمه.. إلى أن قالت:
ثانياً: أن إمام المسلمين أصدر التعليمات المقيدة لأحكام القضاة بأن تكون على المفتى به من مذهب أحمد، وفي بعض الأوامر قيد الحكم في ذلك في كتب معينة،ولا يخفى أن هذا تعيين مشترط، والمسلمون عند شروطهم، والقاضي إذا أقدم على الحكم بشيء لم يعينه إمامه فيه، ولم يسمح له يكون قد حكم بغير ما ولي فيه، ومعروف حكم ذلك، وقد وقَّع القرار المشار إليه رئيس الهيئة الشيخ عبد العزيز بن رشيد، وأعضاؤها المشايخ: محمد البواردي ومحمد بن سليم ومحمد بن عودة وصالح بن غصون، كما أن هيئة التمييز بالمنطقة الغربية قد أصدرت قرارها رقم (505) وتاريخ 15/4/90هـ حول قضية وقف انتهت فيه إلى أن المادة (121) والمادة رقم (122) من مجموعة النظم قد جاء فيها: أنه إذا لم يكن للوقف أو الوصية شرط ثابت أو عمل يستأنس به يجري النظر في دعوى المستحقين على بعض على المفتى به من مذهب الواقف أو الموصي إن علم، وإلا فيجري النظر على المذهب الذي كان الحكم بمقتضاه في زمن الواقف. وقالت الهيئة: إن القاضي يتخصص فيما يخوله ولي الأمر له.
ومن هذا الاستعراض التاريخي القريب لهذه الفكرة، وما ذكره من الوقائع- يتضح بأنها من حيث العموم موضع التنفيذ، وأن العمل جارٍ على اعتبارها في مجالات القضاء والإفتاء والتدريس. وأن ما يرغب ولي الأمر حفظه الله إعطاء الرأي نحوه لا يخرج عن كونه تنظيماً لهذا الوضع القائم، مع الخروج عن التقيد المذهبي، وذلك بتعيين الأقوال الراجحة من قبل هيئة علمية على مستوى يسمح لها بذلك، وتدوينها في كتاب يجري تعميمه على المحاكم للعمل به، بدلاً من أن يكون الراجح من المذهب موضع ادعاءٍ يجد كلُّ مدعٍ في كتب المذهب ما يؤيده ويسند دعواه، مما كان لذلك أثره الواضح في اختلاف الأحكام في القضايا المتشابهة، مما في أحكامها الخلاف القوي، كمسائل الشفعة والرهن والقسامة وإجبار الأب ابنته البكر البالغ على الزواج والإقطاع من حيث اعتباره اختصاصاً أو تمليكاً ومسألة الجد مع الإخوة واشتراط مطالبة المسروق منه في القطع وتكرار الإقرار فيه مرتين... إلى غير ذلك من مسائل الخلاف، بل قد يقع اختلاف الأحكام من القاضي نفسه،كما كان الحال من أحدهم حيث حكم في قضيتي رهن لم يقبض بلزومه في إحداهما وعدم لزومه في الأخرى، وقد لا يتجه الإيراد على ذلك بما قاله عمر رضي الله عنه: (ذلك على ما قضينا، وهذه على ما نقضي) إذ أن قضاة زماننا لا يمكن لأحد منهم مهما كانت حصيلته العلمية يمكنهم أن يكون في درجة عمر وأضرابه رضي الله عنهم، ممن هم في مستوى يمكنهم من الاجتهاد المطلق، بل قد يكون التردد في إلحاق أغلبهم بمرتبة علمية يجوز لأصحابها تقلد القضاء والفتوى، وقد كان للضرورة حكمها في قبول ذلك.
ثالثاً: مما سبق يتضح أن المسألة ليست وليدة التفكير، وأن إلزام القضاة بالحكم بمذهب إمام بعينه كان موضع التنفيذ في أماكن من البلاد الإسلامية مختلفة، وفي أعصار متفاوتة، ولا يزال العمل بذلك حتى وقتنا هذا، بل وفي بلادنا بالذات.
وأقوال أهل العلم في اعتبار ذلك وإجازته كثيرة، نذكر منها ما يلي:
المذهب الحنفي:
قال (2) ابن عابدين: لو قضى في المجتهد فيه مخالفاً لرأيه فيه ناسياً- نفذ عنده، وفي العامد، روايتان، وعندهما لا ينفذ في الوجهين، واختلف الترجيح. قال في[ الفتح]: والوجه الآن أن يفتي بقولهما؛ لأن التارك لمذهبه عمداً لا يفعله إلا لهوى باطل، وأما الناسي فلأن المقلد ما قلده إلا ليحكم بمذهبه لا بمذهب غيره، هذا كله في القاضي المجتهد، وأما القاضي المقلد فإنما ولاه؛ ليحكم بمذهب أبي حنيفة، فلا يملك المخالفة، فيكون معزولاً بالنسبة إلى ذلك الحكم.
وقال أيضاً تحت مطلب قضاء القاضي بغير مذهب ما نصه:
وحاصل هذه المسألة: أنه يشترط لصحة القضاء أن يكون موافقاً لرأيه- أي : لمذهبه- مجتهداً كان أو مقلداً، فلو قضى بخلافه لا ينفذ، لكن في[ البدائع]: إذا كان مجتهداً ينبغي أن يصح، ويحمل على أنه اجتهد فأداه اجتهاده إلى مذهب الغير.
ويأخذ (3)القاضي كالمفتي بقول أبي حنيفة على الإطلاق ثم بقول أبي يوسف ثم بقول محمد ثم بقول زفر والحسن بن زياد، وهو الأصح، وصحح في [الحاوي] اعتبار قوة المدرك، والأول أضبط [نهر] ولا يخير إلا إذا كان مجتهداً، بل المقلد متى خالف معتمد مذهبه لا ينفذ حكمه،وينقض، وهو المختار للفتوى، كما بسطه المصنف في فتاويه وغيره.. وفي القسهتاني وغيره.
وقال (4) ابن عابدين: ولو قيد السلطان القاضي بصحيح مذهبه كما في زمننا- تقيد بلا خلاف، ولو قيده بضعيف المذهب فلا خلاف بعدم صحة حكمه.
وقال (5)أيضاً نقلاً عن معروضات أبي السعود: إن العبد الآبق إذا كان من عبيد العسكرية فقد صدر الأمر السلطاني بمنع القضاة من بيعه كيلا يتخذ العبيد الإباق وسيلة للتخلف من خدمة الجيش... ثم قال: وحينئذ لا يصح بيع هؤلاء العبيد، بل يؤخذون من مشتريهم، ويرجع المشتري بالثمن، وكذلك بيع العبيد الآبقين من الرعايا إذا بيعوا بغبن فاحش، وبذلك ورد الأمر السلطاني فليحفظ فإنه مهم.
وقال في [حاشية ابن عابدين ] صفحة (408) ج(5): فأما المقلد فإنما ولاه ليحكم بمذهب أبي حنيفة فلا يملك المخالفة، فيكون معزولاً بالنسبة إلى ذلك الحكم. انتهى .. قال في [الشر نبلالية]: عن [البرهان]: وهذا صريح الحق الذي يعض عليه بالنواجذ. اهـ.
وقال في [النهر]: وادعي في البحر أن المقلد إذا قضى بمذهب غيره أو برواية ضعيفة أو بقول ضعيف- نفذ. وأقوى ما تسمك به ما في البزازية إذا لم يكن القاضي مجتهداً أو قضى بالفتوى على خلاف مذهبه نفذ وليس لغيره نقضه، وله نقضه كذا عن محمد، وقال الثاني: ليس له نقضه.. انتهى.
وما في [ الفتح] يجب أن يعول عليه في المذهب، وما في البزازية محمول على روايتين عنهما إذ قصارى الأمر أن هذا منزل منزلة الناسي لمذهبه وقد مر عنهما في المجتهد أنه لا ينفذ، فالمقلد أولى.
المذهب المالكي:
ويجب(6)على كل من الخليفة والقاضي إذا لم يكن مجتهداً مطلقاً أن يحكم بالراجح من مذهب إمامه أو أصحاب إمامه، لا بمذهب غيره:ولا بالضعيف من مذهبه، وكذا المفتي فإن حكم بالضعيف نقض حكمه إلا إذا لم يشتهر ضعفه وكان الحاكم به من أهل الترجيح وترجح عنده ذلك الحكم – فلا ينقض، وإن حكم بغير مذهب إمامه لم ينفذ حكمه، لكن القول بأنه يلزمه الحكم بمذهب إمامه ليس متفقاً عليه حتى قيل: ليس مقلده رسولاً أرسل إليه، بل حكوا خلافاً إذا اشترط السلطان عليه ألا يحكم إلا بمذهب إمامه، فقيل: لا يلزمه الشرط، وقيل: بل ذلك يفسد التولية، وقيل: يمضي الشرط للمصلحة[ الشرح الكبير والدسوقي على مختصر خليل].
وسئل(7)القرافي: هل يجب على الحاكم أن لا يحكم إلا بالراجح عنده كما يجب على المجتهد ألا يفتي إلا بالراجح عنده أو له أن يحكم بأحد القولين وإن لم يكن راجحاً عنده؟
فأجاب قائلاً: إن الحاكم إن كان مجتهداً فلا يجوز له أن يحكم أو يفتي إلا بالراجح عنده، وإن كان مقلداً جاز له أن يفتي بالمشهور في مذهبه، وأن يحكم به وإن لم يكن راجحاً عنده مقلداً في رجحان القول المحكوم به إمامه الذي يقلده، كما يقلده في الفتيا، وأما اتباع الهوى في الحكم أو الفتيا فحرام إجماعاً ...إلخ.
قال(8)محمد بن عبد الرحمن الحطاب: قال ابن الحاجب: وللإمام أن يستخلف من يرى غير رأيه في الاجتهاد أو التقليد، ولو شرط الحكم بما يراه كان الشرط باطلاً والتولية صحيحة، قال الباجي: كان في سجلات قرطبة، ولا يخرج عن قول ابن القاسم ما وجده، قال في [ التوضيح]: للإمام أن يستخلف من يرى غير رأيه، كالمالكي يولي شافعياً أو حنفياً ولو شرط – أي: الإمام – على القاضي الحكم بما يراه الإمام من مذهب معين أو اجتهاد له- كان الشرط باطلاً وصح العقد، وهكذا في [ الجواهر] عن الطرطوشي، وقال غيره: العقد غير جائز، وينبغي فسخه ورده، وهذا إنما هو إذا كان القاضي مجتهداً، وهكذا المازري فيه قال: وإن كان الإمام مقلداً وكان متبعاً لمذهب مالك أو اضطر إلى ولاية قاض مقلد – لم يحرم على الإمام أن يأمره أن يقضي بين الناس بمذهب مالك، ويأمره أن لا يتعدى في قضائه مذهب مالك؛ لما يراه من المصلحة في أن يقضي بين الناس بما عليه أهل الإقليم والبلد الذي فيه هذا القاضي، وقد ولى سحنون رجلاً سمع بعض كلام أهل العراق، وأمره أن لا يتعدى الحكم بمذهب أهل المدينة.. انتهى المقصود.
قال(9)ابن فرحون: قال الشيخ أبو بكر الطرطوشي: أخبرنا القاضي أبو الوليد الباجي: أن الولاة كانوا بقرطبة إذا ولوا رجلاً القضاء شرطوا عليه في سجله أن لا يخرج عن قول ابن القاسم ما وجده، قال الشيخ أبو بكر:وهذا جهل عظيم منهم، يريد أن الحق ليس في شيء معين، وإنما قال الشيخ أبو بكر هذا لوجود المجتهدين وأهل النظر في قضاة ذلك الزمان، فتكلم على أهل زمانه وكان معاصراً للإمام أبي عمر بن عبد البر، والقاضي أبي الوليد الباجي، والقاضي أبي الوليد بن رشد، والقاضي أبي بكر بن العربي، والقاضي أبي الفضل، والقاضي أبي محمد بن عطية صاحب التفسير ، وغير هؤلاء من نظرائهم، وقد عدم هذا النمط في زماننا من المشرق والمغرب.
وهذا الذي ذكره الباجي عن ولاة قرطبة ورد نحوه عن سحنون، وذلك أنه ولى رجلاً القضاء،وكان الرجل ممن سمع بعض كلام أهل العراق، فشرط عليه سحنون أن لا يقضي إلا بقول أهل المدينة ولا يتعدى ذلك.. قال (10)ابن رشد: وهذا يؤيد الباجي، ويؤيد ما قاله الشيخ أبو بكر، فكيف يقول ذلك، والمالكية إذا تحاكموا إليه فإنما يأتونه؛ ليحكم بينهم بمذهب مالك؟! انتهى المقصود.
قال (11)الدسوقي: بل حكوا خلافاً إذا اشترط السلطان عليه أن لا يحكم إلا بمذهب إمامه: فقيل: لا يلزمه الشرط، وقيل: بل ذلك يفسد التوليه، وقيل: يمضي الشرط للمصلحة.
المذهب الشافعي:
قال (12)النووي وجلال الدين المحلي: ( ويحكم باجتهاده إن كان مجتهداً، أو اجتهاده مقلًّد – بفتح اللام- إن كان مقلِّداً- بكسرها- حيث ينفذ قضاء المقلد).
وقال (13)قليوبي على قول النووي: ( واجتهاد مقلده) أي: المعتمد عند مقلده إن لم يكن هو متبحراً، وإلا فباعتماده لا يجوز له الحكم بغير مذهبه.
وقال(14)الرملي على قول النووي: ( مجتهد) قال: فلا يتولى جاهل بالأحكام الشرعية ولا مقلد.. ومضى إلى أن قال بعد بيان صفة المجتهد المطلق: واجتماع ذلك كله إنما هو شرط للمجتهد المطلق الذي يفتي في جميع أبواب الفقه. أما مقلد لا يعدو مذهب إمام خاص فليس عليه غير معرفة قواعد إمامه، وليراع فيها ما يراعيه المطلق في قوانين الشرع، فإنه مع المجتهد كالمجتهد في نصوص الشرع، ومن ثم لم يكن له العدول عن نص إمامه، كما لا يجوز له الاجتهاد مع النص.
قال (15)الإمام فخر الدين في كتابه: [ملخص البحر]: لا يجوز لمفت على مذهب إمام أن يعتمد إلا على كتاب موثوق بصحته في ذلك المذهب،وأما المقلد فلا يجوز له الحكم بغير مذهب مقلده، إذا ألزمناه اتباعه، ذكره الغزالي واقتصر عليه في [ الروضة] وغيرها، وقال ابن الصلاح: لا يجوز لأحد في هذا الزمان أن يحكم بغير مذهبه، فإن فعل نقض؛ لفقد الاجتهاد، وكذا في [ أدب القضاء] للغذي- كلام ابن الصلاح، ومرادهم بالمقلد: من حفظ مذهب إمام ونصوصه لكن عاجز عن تقويم – وفي نسخة: تقديم- أدلته غير عارف بغوامضه اهـ . بواسطة – المنقور.
المذهب الحنبلي:
وعلى المقلد(16)أن يراعي ألفاظ إمامه ومتأخرها، ويقلد كبار مذهبه في ذلك، ويحكم به ولو اعتقد خلافه؛ لأنه مقلد، ومخالفة المقلد في فتواه نص إمامه كمخالفة المفتي نص الشارع[ الإنصاف]، ومن حاشية ابن قندس قوله: ( فعلى هذا يراعي ألفاظ إمامه ومتأخرها) ويقلد كبار مذهبه في ذلك، ظاهره وجوب مراعاة ألفاظ إمامه، ووجوب الحكم بمذهب إمامه، وعدم الخروج عن الظاهر عنه، وهذا كله يدل على أنه لا يصح حكمه بغير ذلك؛ لمخالفته الواجب عليه.. إلى أن قال: وظاهر ما ذكره المصنف هنا وجوب العمل بقول إمامه، والمنع من تقليده غيره، وظاهره ترجيح القول من منع تقليد غيره، وهذا هو اللائق لقضاة الزمان؛ ضبطاً للأحكام، ومنعاً من الحكم بالتشهي. فإن كثيراً من القضاة لا يخرجون من مذهب إمام بدليل شرعي، بل لرغبة في الدنيا، وكثرة الطمع، فإذا ألزم بمذهب إمامه كان أضبط وأسلم، وإنما يحصل ذلك إذا نقض حكم بغير مذهب إمامه، وإلا فمتى أبقيناه حصل مراد قضاة السوء، ولم تنحسم مادة السوء، ويرشح ذلك بأن يقال: هذه مسألة خلافية فبعضهم ألزم بذلك، وبعضهم لم يلزمه، والإمام إذا ولاه الحكم على مذهب إمامه دون غيره فهو حكم من الإمام بإلزامه بذلك فيرتفع الخلاف... إلى أن قال: قال بعض أصحابنا: مخالفة المفتي إمامه الذي قلده كمخالفة المفتي نص الشارع ... إلى أن قال:قال النووي في [ الروضة]: (فرع): إذا استقضى مقلداً للضرورة فحكم بغير مذهب مقلده، قال الغزالي: إن قلنا: لا يجوز للمقلد تقليد من شاء، بل عليه اتباع مقلده نقض حكمه، وإن قلنا: له تقليد من شاء لا ينقض... ثم قال: الذي تقرر: أن مذهبنا: أن الحاكم لا يجوز له الحكم بغير مذهبه، بخلاف الشافعية فيجوز أن يحكم بغير مذهب إمامه، قال شيخنا...
قال (17)شيخ الإسلام ابن تيمية: وأولو الأمر صنفان: الأمراء، والعلماء، وهم الذين إذا صلحوا صلح الناس، فعلى كل منهم أن يتحرى بما يقوله ويفعله؛ طاعة الله ورسوله، واتباع كتاب الله، ومتى أمكن في الحوادث المشكلة معرفة ما دل عليه الكتاب والسنة كان الواجب، وإن لم يكن لضيق الوقت، أو عجز الطالب، أو تكافؤ الأدلة عنده، أو غير ذلك – فله أن يقلد من يرتضي علمه ودينه، هذا أقوى الأقوال. وقد قيل: ليس له التقليد بكل حال، وقيل: له التقليد بكل حال، والأقوال الثلاثة في مذهب أحمد.
وقال: ثم قد يكون الحاكم وقت الوقف له مذهب، وبعد ذلك يكون للحاكم مذهب آخر.. كما يكون في العراق وغيرها من بلاد الإسلام فإنهم كانوا يولون القضاء تارة لحنفي، وتارة لمالكي، وتارة لشافعي، وتارة لحنبلي. وهذا القاضي يولي في الأطراف من يوافقه على مذهبه تارة، أو يخالفه أخرى، ولو شرط الإمام على الحاكم أو شرط الحاكم على خليفته أن يحكم بمذهب معين بطل الشرط، وفي فساد العقد وجهان.
ولا ريب أن هذا إذا أمكن القضاة أن يحكموا بالعلم والعدل من غير هذا الشرط( فعلوا) ، فأما إذا قدر أن في الخروج عن ذلك من الفساد جهلاً وظلماً أعظم مما في التقدير – كان ذلك من باب دفع أعظم الفسادين بالتزام أدناهما، ولكن هذا لا يسوغ لواقف أن يجعل النظر في الوقف إلا لذي مذهب معين دائماً، مع إمكان إلا أن يتولى في ذلك المذهب، فكيف إذا لم يشرط ذلك؛ ولهذا كان في بعض بلاد الإسلام يشرط على الحاكم أن لا يحكم إلا بمذهب معين، كما صدر أيضاً في بعضها بولاية قضاة مستقلين، في عموم النظر في عموم العمل، وإن كان في كل من هذا نزاع معروف، وفيمن يعين إذا تنازع الخصمان: هل يعين الأقرب أو بالقرعة؟ فيه نزاع معروف، وهذه الأمور التي فيها اجتهاد إذا فعلها ولي الأمر نفذت.
أما العلماء المعاصرون الذين يرون التدوين والإلزام فإننا نورد أقوالهم كما يلي:
قال (18)الأستاذ مصطفى أحمد الزرقاء: والاجتهاد الإسلامي قد أقر لولي الأمر العام من خليفة أو سواه أن يحد من شمول بعض الأحكام الشرعية وتطبيقها، ويأمر بالعدل بقول ضعيف مرجوح إذا اقتضت المصلحة الزمنية ذلك، فيصبح هو الراجح الذي يجب العمل به، وبذلك صرح فقهاؤنا وفقاً لقاعدة: ( المصالح المرسلة)، وقاعدة: ( تبدل الأحكام بتبدل الزمان)، ونصوص الفقهاء في مختلف الأبواب تفيد أن السلطان إذا أمر بأمر في موضوع اجتهادي- أي: قابل للاجتهاد، غير مصادم للنصوص القطعية في الشريعة- كان أمره واجب الاحترام والتنفيذ شرعاً.
وقال (19)أيضاً تعليقاً على ذلك: جاء في كتاب الوقف من [ الدر المختار]، وحاشيته [ رد المحتار] نقلاً عن معروضات المولى أبي السعود – وهو مفتي المملكة العثمانية، ثم قاضي القسطنطينية في عهد السلطانين: سليمان، وسليم، ومن كبار رجال المذهب الحنفي المتأخرين، المعمول على فتاويهم وترجيحاتهم- أنه إذا صدر الأمر السلطاني بعدم نفاذ وقف المدين في القدر الذي يتوقف تسديد الدين من أمواله عليه قطعاً؛ لما يلجأ إليه بعض الناس من وقف أموا�
المستشار القانوني إبراهيم خليل محام بالنقض والدستورية والإدارية العليا عضو اتحاد المحامين العرب عضو الجمعية المصرية للقانون الدولي عضو جمعية الضرائب المصرية عضو جمعية إدارة الأعمال العربية والأستاذ خالد إبراهيم المحامي بالاستئناف موبيل 01005225061 - 01021141410 القاهرة مصر
نشرت فى 3 أكتوبر 2011
بواسطة ibrahimkhalil
المستشار القانونى ابراهيم خليل
المستشار القانوني إبراهيم خليل بالنقض والدستورية والإدارية العليا الاستاذ خالد ابراهيم عباس المحامي بالاستئناف عضو اتحاد المحامين العرب عضو الجمعية المصرية للقانون الدولي عضو جمعية الضرائب المصرية عضو جمعية إدارة الأعمال العربية موبيل 01005225061 01021141410 القاهرة مصر »
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
2,498,803
المستشار القانوني إبراهيم خليل
المستشار القانوني إبراهيم خليل محام بالنقض والدستورية والإدارية العليا عضو اتحاد المحامين العرب عضو الجمعية المصرية للقانون الدولي عضو جمعية الضرائب المصرية عضو جمعية إدارة الأعمال العربية موبيل 01005225061 تليفون 23952217 القاهرة مصر
ساحة النقاش