كم نحن في حاجة إلى من يمد لنا يده ليخرجنا من الظلم والظلمات ... كم نحن في حاجة لنشعر بالراحة بعد طول عناء... كم نحن في حاجة إلى ليل هادئ نسكن فيه... كم نحن بحاجة إلى النور... إلى ألأمن والآمان، كم نتوق إلى أن نرى فجر السعادة والهناء...
اخي في الله ...أناشدك الله أن تحيبنى بعد أن تفكر قليلا في السؤال الذي سأطرحه على جضراتكم... لو تصورنا أن كل ما سبق قد تحقق لنا فعلا... مثلا كأن يرسل الله لنا من يساعدنا على الخروج من ظلومات أنفسنا والناس إلى نور الحق ..ثم بعد ذلك شعرنا بالراحة لأول مرة بعد عناء طويل.. مثلا وعلى سبيل المثال ليس أكثر : أن تجد مصر الحبيبة قائدا تقي نقي قوي الإيمان .. يحكم بما أنزل الله ...هذا معناه أننا سننعم بالأمن والآمان، وسنرى نور الحرية والإنضباط، .. الآن يأتي السؤال.. لو تحقق لنا كل ذلك بالله عليك ماذا سينقصنا؟؟ ... فكر قليلا قبل الإجابة...
هل تعرف أخي في الله ماذا سينقصنا؟؟ سينقصنا أهم شيئ في الوجود.. الشيء الذي عندما فقدناه ذهبت أخلاقنا.. وغرقنا في أوحال الحقد والغش والخداع... أنغمسنا في أحضان شياطين الإنس والجن.. تفشت فينا الأمراض... حكم فينا عدونا... ضاعت منا البركة التى دعى لنا بها سيدنا آدم عليه السلام.. عندما رأى مصر دعا الله أن يبارك لها بركات من السماء... أقسم لكم بالله أننا كنا ننعم بالبركة من الله في كل شيء في مصر... كانت البركة في الماء والهواء والأرزاق على إختلافها.. وكانت البركة في المال والنساء والأولاد، وكانت البركة حتى في الوقت... كان الصانع والتاجر في معمله أو دكانه من الساعات الأولى وحتى بعد العشاء.. ومع ذلك كان عنده وقت كافي بل أكثر من كافي لبيته وأولاده ولمزاجه الخاص مع من يعتقد أنهم أصدقائه.. وكان العامل يتقاضى جنيهات قليلة ولكنها تكفيه وتزيد عن حاجته.. كنت أدخل بيت الموظف البسيط.. بل بيت الأرملة التى لا معاش لها وكانت تقدم لي الشاي أو القهوة... كانت البركة حولنا في كل شيئ وفي كل مكان... رحم الله أيام زمان... ومع ذلك أخي في الله لو فرضنا أن كل ذلك صار إلى الأفضل ماذا سينقصنا عندئذ؟؟؟ سينقصنا الحب... نعم فكما أن للجسد غذاء فإن للعقل غذاء وللقلب غذاء.. غذاء العقل في العلم والتفكر والتدبر.. وغذاء القلب هو الحب... القلب في حاجة إلى الحب لأنه غذاءه الوحيد... والدليل على كلامي قصص التاريخ... التى ما تركت مجالا أو شيئا فيه شيء من الحب ألا وتكلموا فيه نثرا ونظما وقصصا.. ولكنهم راحو يبحثون فيما لم يجدي فيه البحث...
ولكن مولانا وخالقنا العظيم ... قد جبل الإنسان على حب الكمال والجمال والنوال... لذلك إن ضالة البشرية جمعاء ومنذ الأبد هي البحث عن تلك الثلاثة... الكمال والجمال والنوال... الآن أخي في الله دقق معي وفكر قليلا فيما ستقرأ فربما تصادف فيه ضالتك المنشودة...
لقد جعل الله سبحانه وتعالى الكمال والجمال في كل شيء من الطبيعة التى لا تصل إليها يد إنسان ليفسدها... ثم جعل جزءا كبيرا من الجمال فيك وفيمن حولك.. يرزقك زوجة جميلة.. أو طفل جميل.. أو سيارة أنيقة جميلة ... أما النوال ... أن تنال شيئا ما لابد لك من أن تشتغله... لابد لك من العمل ... أعمل تنل..
الآن سنصل إلى ضالتنا المنشودة والغاية من هذه الرسالة ألا وهي الحب...وكل من له تجربة في الحب مع من أحب سيعرف كلامي.. ومن ليس له تجربة فقد قرأ كثيرا عن الحب...وكلنا يعرف أن الحب الحقيقي البناء الذي أوله سعادة وآخره هناء، لا يملكه ويمنحه إلا الله...
وإليك أخي في الله .. إلى كل من جرب الجفاء.. وإلى كل من فقد الحب والعطف والحنان... إلى كل من بات وقلبه يبكي.. إلى كل من صدم ممن كان يعتقد أنه حبيبه... إلى كل قلب حزين منكسر ... أقدم لكم جميعا هدية العزيز الجبار .. خالق السموات والأرض ... الذي يحي الأرض بعد موتها ...
لقد قدم لنا الرحمن هديته الكبيرة التى تساعد المجتمعات البشرية أن ترقي بآدميتها وبشريتها إلى أرقي مستوى تحلم به الإنسانية... وذلك كله في حديث قدسي شريف... نصه كالتالي ...
{ الحديث سمعته من فضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله، وقد بحثت عنه فوجدته صحيحا بإذن الله فلا يداخلك شك فيه فتفقد هديتك }:
الحديث: " يقول الله سبحانه وتعالى "
أحب ثلاث وحبي لثلاث أشد
أحب الفقير المتواضع ... والغني المتواضع أشد
وأحب الشيخ الطائــــع ... والشاب الطائع اشــــد
وأحب الغني الكريم ... والفقير الكريم أشـــــــــد
وأبغض ثلاث وبغضي لثلاث اشد
أبغض الغني المتكبر ... والفقير المتكبر اشد
وأبغض الشاب العاصي ... والشيخ العاصي اشد
وأبغض الفقير البخيل ... والغني البخيل اشد
قال فضيلة الشيخ الشعراوي رحمه الله .. هذه مقومات أرقى مجتمع تصبوا إليه البشرية.. مجتمع غنيه متواضع، وفقيره كريم، وشبابه طائع...
الآن هيا بنا كل واحد فينا يبحث عن هديته ... وهذه الهدية هي حب الله لك ... عليك أن تختار صفة من تلك الصفات الكريمة وتطبقها في حياتك لتحصل على حب الله لك ... وتكون أول من قام بتغيير نفسه، ليحذوا المجتمع كله حذوك فنحظى جميعا بحب الله ...
والعجب العجاب في هذا الحديث الجميل .. أننا لكي نكون صادقين مع أنفسنا لابد وأن نغوص في أعماق نفوسنا لنعرف ما هي الصفة التى تبعدنا عن حب الله، وتحل علينا بغضه.. فنقتلعها من جذورها، لتحل محلها صفة من الصفات الحميدة التى يحبها الله فينا..
فمثلا الفقير الكريم.. والغني المتواضع ... والشاب الطائع ... هما البنية الأساسية للمجتمع الإسلامي المتحرر، والمتقدم، مجتمع يحبه الله ...
واعلم أخي في الله أن الله سبحانه وتعالى إذا أحبك الله كنت بين الناس محبوبا،وكنت كالمصباح المنير.. كلامك طيب، وعملك صالح، ورائحتك مسك..
وإذا أحبك الله، احبتك ملائكته, وإذا احبتك الملائكة صلوا عليك ودعوا لك ولذريتك ... وسأذكركم بحديث جميل جدا كلنا يعرفه:
<< إن الله قال : من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب ، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه ، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ، فإذاأحببته : كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي بها ، وإن سألني لأعطينه ، ولئن استعاذني لأعيذنه ، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن ، يكره الموت وأنا أكره مساءته>>
الراوي: أبو هريرة المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 6502
خلاصة حكم المحدث: [صحيح.
إن تواضعك لله نافلة يحبك الله من أجلها، كما أن التواضع ينفي عنك الكبر, والكرم من صفة النبلاء وينفي عنك البخل, وهي صفة محببة لكل المخلوقات، ثم أن الطاعة لله ترفعك إلى أعلى الدرجات...
هيا بنا نمسك بآيادينا ونتحد ونجعل هدفنا واحد وهو الحصول على حب الله لنا .. وذلك بالتخلق بأخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم .. والتحلي بالصفات التى يحبها الله سبحانه وتعالى... فها هي هدية الرحمن لك، قد وضعها بين يديك، أما أن تأخذها فتسعد في الدنيا والآخرة، وإما أن تتركها لغيرك ينعم بها .
كل ما سمعت وقرأت وجربت عن الحب الذي ينتهي بأحزان وفراق وآلام، أو يتخلله خيانة أو أنانية، أو إنتهازية، أو وصولية.. أو أغراض، أو مصلحة، هذا ليس حبا... إنه من تزيين الشيطان.. وبمعنى أصح شياطين الإنس والجن...
ذلك لأن الله سبحانه وتعال قد قسم العالم كله إلي قسمين لا ثالث لهما، وما أقوله ستجده معي في الآية التالية:
اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آَمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (257) البقرة
ثم آيات الحب من الله العلي العظيم.. لا يغفل عنها إلا من ظلم نفسه.. فالله سبحانه وتعالى يحب المتقين والصابرين والمحسنين... وحب الله لك يجعلك سعيدا وحكيما، ومطمئنا... ويجعل العالم كله في خدمتك حتى عدوك...
فاسعى جاهدا لتحقق لنفسك الفوز بحب الله ... فتكون من السعداء في الدنيا والآخرة، وتكون سببا لأنقاذ نفسك وأهلك من النار في الآخرة، ومن الشقاء في الدنيا.
والحمد لله رب العالمين... لا تجعلها تقف عندك فهناك كثيرا من البشر في حاجة لأن يقوا أنفسهم وأهليهم نارا وعذابا وشقاءا... وفي حاجة ملحة للسعادة والهدوء والأمن والطمأنينة. وكل ذلك باتباع ماسبق.
المصدر: حديث قدسي تفسير فضيلة الشيخ الشعراوي رحمه الله .
ساحة النقاش