" لا وقت للقلق" هذه هي العبارة التي قالها رئيس وزراء بريطانيا الذي كان يعمل ثماني عشر ساعة يومياً أثناء اندلاع الحرب وحين سأله أحد أصدقائهِ: هل هذا العمل المستمر تعبير عن القلق لمسؤلياتك الجسيمة ؟
فأجابه: ياعزيزي أنا مشغول جداً حتى أنني لا أملك وقت للقلق. بالفعل نحن أمام مفترق طريقين أبديين: الماضي البعيد الذي رحل بغير رجعة... والمستقبل المجهول الذي يتربص بالزمن وبكل لحظة حاضرة ...
وليس بإمكاننا أن نعيش في إحدى هذين الطريقين... فإذا حاولنا فلن نجني منها سوى تدمير خلايا عقولنا وتحطيم أجسادنا ... فلك أن تتصور أن أغلب نزلاء المستشفيات المصابون بحالات اضطرابات ذهنيه وعصبيه
إما أن يكونوا قد تجرعوا مرارت الماضي وعاشوا سجناء له أو بالغوا في التفكير بالمستقبل المرعب ...وإليكم قصة ضابط بريطاني يتجلى فيها المعنى الذي يفسر كيف يمكن أن يقتلنا القلق والتفكير في المستقبل..
يروي أحد الضباط الإنجليز قصته مع القلق فيقول إن أكثر ما كان يسبب قلقي هو كوني ضابط في هيئة سجلات القبور حيث كان عملي يتلخص في إعداد سجلات تشمل أسماء الجنود والضباط القتلى والمفقودين
بل والجرحى كذلك وانتشال واستخراج جثث القتلى من الحلفاء والاعداء الذين دفنوا أثناء المعركة فقد كنت مكلفاً بجمع مقتنيات هؤلاء القتلى وأبعثها لأسرهم الذين يتعرضون لصدمة عنيفة تزلزل حياتهم..اجواء عملي
هذا وظروفه كانت غالباً ما تجعل القلق يساورني من الوقوع في أي خطأ قد يكون فادحاً وكنت اتسائل: ترى هل من الممكن أن أنجو أنا الآخر بعد هذا الذي أراه كل يوم؟ هل سأعود لأحمل طفلي بين ذراعي
مرة أخرى؟ لقد عشت حالة القلق حتى كدت أن اصاب بالجنون فقد كان يتملكني الخوف فأنفجر باكياً كالأطفال وأنا بمفردي وقد غالبني البكاء فترة من الزمن حتى كدت أفقد الأمل في أن أعود شخصاً طبيعياً ... فذهبتُ لمستشفى عسكري ونصحني أحد الأطباء نصيحه ثمينة قلبت حياتي رأساً على عقب ... حيث فحصني الطبيب وأكد لي أن مشكلتي عقليه وليس لها علاقة بأعضاء جسدي ... وقال لي إنظر إلى حياتك وكأنها ساعة زجاجية كتلك التي تستخدم قديماً لتحديد الزمن فهناك آلاف من حبيبات الرمل توضع وتمر ببطء وبنظام دقيق من منتصف الساعه الأعلى إلى نصفها الأسفل فلا أنت ولا أنا بمقدورنا أن نلقي بمزيد من الحبيبات لانها سوف تتزاحم ولن تمر بدون أن تصاب بعطب... " فكل شيء يحتاج وقت لإنجازه ولاداعي أن تتزاحم أفكارنا بما سنقوم به بالغد افكارنا لما نقوم بإنجازه اليوم..
وهذه قصة توضح كيف يمكن للتفكير بالماضي أن يحطم النفوس والعقول.. فقد أحدهم ابنته التي تبلغ خمس أعوام وكان شديد التعلق بها وقد تصور أن هذه الفاجعة سوف تلازمه للأبد هو وزوجته ولم تمضي أكثر من عشرة شهور حتى رزق بإبنة ثانية ولكن هي الأخرى ماتت بعد خمسة أيام ..يقول ان هذه الفاجعة فاقت قدرته وصبره واحتماله حيث فارق النوم جفونه وسئم الطعام وتوترت أعصابه حتى أنه بدأ يتعاطى المنومات ونصحه الناس بالسفر لينسى المأساة.. ولكن كل هذه كان محاولات عابثة.. فقد داهمته الأمراض والالام..ورزقه الله بطفل جميل كان السبب في خروجه من معضلته..حيث كان يجلس ذات يوم حبيس ذكرياته المؤلمة ويفكر.. فاقترب منه طفله وكان ملحاً ولحوحاً وطلب منه صنع قارب له وبإلحاحه لم يتركه يفكر لحظة بالأمرفقام بصنع القارب بعد أن استغرق ثلاث ساعات كانت هي أجمل ثلاث ساعات في عمره قضاها بصفاء الذهن و الشعور براحة البال الذي افتقده منذ سنوات وعدم التفكير بذكرى الماضي... وكان هذا القارب الدافع لخروجه من أزمته وقلقه فاكتشف أن الانغماس بالعمل والعيش بحدود اليوم وعدم التفكير بالماضي هو ما يصرف الهموم.. ويقول منذ ذلك اليوم والقائمة التي أعددتها بالأشياء والمهام التي أريد إنجازها لم تنتهي...ولن تنتهي
وكذلك نحن نستيقظ صباحاً لنجد عشرات الأعمال في إنتظارنا فإن لم ننهي هذه الاعمال كلٍ على حدة وببطء ونظام كما تنزلق حبات الرمل من عمق الساعة الزجاجيه فإننا سوف نعرض كياننا الجسمي والعقلي لخطر التحطيم. فقد لا تستطيع ان تكف تفكيرك في مشكلتك ولكن تستطيع ان لا تسمح لهذه المشكله ان تفرض نفسها على تفكيرك طوال اليوم. ان الحياة لا تستحق ذره واحده من الحزن على ما فات لانه ماهو آت أجمل وأروع مما نتوقع وعلينا أن نستقبل أيامنا القادمه بقلب ضاحك وروح مرحه ... فلنعيش في حدود يومنا لكي نبقى سعداء. يقول أحدهم أثناء معاصرتي للقلق إتخذت شعار كان يتردد على لسان ببغاء كانت محبوسة في قفص على باب نادي صيد كلما تزاحم رواد النادي على أبوابه كانت تقول " كلٍ في دوره يا سادة"... نعم كل أمر له وقته في التفكير والانجاز.. وإن أردت السلامة فكلٍ في وقته فلا داعي لتزاحم الأفكار والمبالغة بالقلق .لتنعم بالحياة. هذه هي الوصفة السحرية.. لا تعيش أسير أخطاء الماضي وألمه ولا تسرف في التفكير بالغد بل انسى الماضي واعتبره دروس قدمت لك بالمجان...واستعد للغد بتركيزك بذكاء وحماس في إنجاز عمل اليوم..
- See more at: http://acofps.com/magazine/4#sthash.6cnmWLjp.dpuf