عندما تفقد الرياح سرعتها فجائياً أو بالتدريج، ينجم عن ذلك أن يتعرقل تأثيرها بوصفها عامل نحت أو يتوقف، ومن ثم ترسيب حمولتها من المفتتات الصخرية المختلفة على شكل ظاهرات جيومورفولوجية متنوعة، وأهم هذه الظاهرات، الناجمة عن فعل إرساب حمولة الرياح، الكثبان الرملية بأشكالها المختلفة. ويُطلق لفظ كثيب على التلال الرملية، التي يختلف ارتفاعها من بضعة أقدام إلى عشرات الأمتار. وقد يكون العامل المساعد في بداية تكوين الكثيب تعرض الرياح لحاجز أو مانع في طريق اتجاهها، مثل تل، أو شجرة، أو بناء ما، تعمل على عرقلة حركة الرياح وإرغامها على إرساب حمولتها من الرمال، أو إلى إضعاف سرعة الرياح وعدم قدرتها على نقل ما تحمله من رواسب، أمّا إذا تميزت الرياح بشدة سرعتها من ناحية وقدرتها على نقل كميات هائلة من الرمال ثم تتوقف فجأة، فقد تتكون كثبان رملية كبيرة الحجم يراوح ارتفاعها من 50 إلى 150 متراً، كما هو الحال في بعض أجزاء من الصحراء الكبرى في أفريقيا وصحراء كلورادو في أمريكا الشمالية.
1- كيفية تكوين الكثبان الرملية :
عندما تضعف قوة الـرياح، تتساقط حمولتها من الرمال متجمعة فوق بعضها وتتراكم عادة على الجانب المواجه لاتجاه الرياح ، وقد يتبقى بعضها في أعالي الكثيب ، ويتدحـرج بعضها الآخر على الجانب المظاهر للـرياح ، وتتشكل عملية تدحرج ذرات الرمال وتزحلقها بفعل الجاذبية الأرضية، وبالتالي تعمل الرياح على تسوية الجانب المواجه لهبوبها، في حين يراوح انحدار الجانب المظاهر بين 20 إلى 30 درجة، وعلى ذلك، فإن أول مراحل تكوين الكثيب تجمع الرواسب على الجانب المواجه للرياح أكثر منه فوق الجانب المظاهر لها. وبالتالي يزداد ارتفاع الكثيب تدريجياً.وفي المرحلة الثانية، تنحدر الرمال من أعالي الكثيب بفعل الجاذبية الأرضية تحت أقدام الجانب المظاهر لاتجاه الرياح، وتكون انحداراً شديداً، إذا ما قورن بدرجة انحدار السطح المواجه لاتجاه الرياح.وفي المرحلة الثالثة، يظهر الاختلاف واضحاً بين كل من الانحدار البسيط المواجه للرياح والانحدار الشديد المظاهر لها، إذ تتجمع الرمال على الجانب الأول وفوق أعاليه، وتنحدر تدريجياً بفعل الجاذبية على الجانب الآخر، الذي يتميز بتأثره بفعل الدوامات الهوائية، (التيارات العكسية، التي تُسهم بدورها في ارتكاز بعض حبيبات الرمال فوق قمة الكثيب، وتحول دون هبوطها تحت أقدام الانحدار المظاهر لاتجاه الرياح). ثم إن الرياح تساعد على تكوين فجوة عميقة في ظهر الانحدار، وبذلك يبدو الأخير على شكل مقعر، ويكتسب لنفسه ذراعين طويلين يمتدان مع اتجاه الرياح، كما يوضح .وتعمل الرياح على زحزحة جانبي الكثيب بدرجة أسرع منها بالنسبة للقسم الأوسط منه، ومن ثم يتخذ الكثيف شكلاً هلالياً، يُعرف باسم الكثيب الهلالي أو البرخان ، كما توضح ، ويتكون هذا النوع من الكثبان في المناطق، التي تتميز بهبوب الرياح في اتجاهات محددة ثابتة. وتتميز أسطح هذه الكثبان بتموجات ظاهرية تشبه تعاريج الأمواج على خط الساحل، وهي تدل على أثر حركة الرياح فوق أسطح الكثيب وتُعرف بعلامات حركة الرياح ، أمّا إذا اختلف اتجاه الرياح من فصل إلى آخر فلا يُساعد ذلك على تكوين الكثبان الهلالية، بل كثيراً ما تبدو التراكمات الرملية متقاطعة مع اتجاه الرياح في زوايا مختلفة، كما قد تظهر كذلك على شكل سيوف طولية رملية. ويبلغ ارتفاع بعض السيوف الرملية في صحراء إيران مثلاً نحو 250 متراً فوق مستوى سطح الأرض المجاورة لها، وتمتد لمسافات تصل إلى ثلاثة كيلومترات، وتمتد السيوف الرملية في الصحراء الغربية لمصر نحو عدة مئات من الكيلومترات، ومن أمثلتها غرد أبوالمحاريق في مصر، الذي يبلغ طوله حوالي 350 كم، وبحر الرمال العظيم، الذي يصل طوله إلى نحو 500 كم، ومتوسط عرضه نحو 150 كم، ويمتد جنوب منخفض سيوه في مصر. ويعتبر شكل الكثبان الرملية في تغير دائم تبعاً للعوامل المختلفة، التي تؤثر في تطور نموها. فمثلاً، تتكون الكثبان الرملية العرضية في اتجاه عمودي على اتجاه الرياح، التي أدت إلى تراكمها، وبالتالي، تظهر هذه الإرسابات الرملية على شكل حواجز رملية عرضية، وتعمل الرياح على نقل كميات كبيرة من الرمال المتجمعة فوق جوانب الكثبان العرضية، وينجم عنها تكوين كثبان شبه هلالية متنقلة . وتعمل الرياح أيضاً على نقل كميات كبيرة من الرمال المتراكمة فوق أعالي هذه الكثبان الهلالية وتدفعها أمامها، ومن ثم، قد تتكون كثبان طويلة أو سيفية من جديد.
2- أشكال الكثبان الرملية :
تختلف أشكال الكثبان الرملية من حيث تباين انحداراتها، وأبعادها، ومظهر أسطحها، ونمطها العام، وتباين أحجامها. ومن أكثر أشكال الكثبان الرملية شيوعاً الكثيب الهلالي أو البرخان أو الغرد ويتميز هذا النوع من الكثبان الرملية بشكله الهلالي وانحداره البسيط المواجه لاتجاه الرياح، الذي يُعرف باسم الكساح، بينما يتسم الانحدار المظاهر للرياح بشدته، ويُطلق عليه اسم الصباب، وله ذراعان جانبيان أقل ارتفاعاً من الكثيب، ويشيران إلى اتجاه منصرف الرياح السائدة. وتعمل الرياح على تغيير شكل الكثيب باستمرار، فقد يتحول شكله الهلالي إلى أشكال مختلفة أخرى، منها الكثبان البيضاوية، والصغيرة الجنينية، والهلالية المركبة. ومن الأنواع الأخرى من الكثبان ما يُعرف باسم الكثبان الطولية الشكل، حيث إن طول الكثيب يفوق عرضه بكثير، ويُسمى الكثيب في هذه الحالة بمسميات مختلفة، منها العرق في شبه الجزيرة العربية، وصحراء مصر الغربية، والصحاري الجزائرية، أو السيف في صحاري ليبيا، أو الذراع في إيران، ويُعرف باسم الحافات الرملية في الصحاري الاستوائية، وتُعرف في قَطَر باسم الخيوط. ويُعرف النوع الثالث باسم الكثبان العرضية، وهي تبدو على شكل موجات رملية متتالية، بعضها أمام بعضها الآخر، وتعترض حركة الرياح السائدة، لأنها تكون عمودية عليها، ومن هنا جاءت تسميتها باسم الكثبان العرضية، وهي تتكون من جانبين، مثل الكثيب الهلالي، ينحدران في اتجاهين متضادين، الأول انحداره ضعيف ويتخذ شكلاً مقعراً، والثاني انحداره شديد وشكله مستقيم. ويُطلق على النوع الرابع اسم الكثبان الميتة، ويُقصد بها تلك الكثبان، التي تماسكت حبيباتها ولم تعد تتحرك، وتتشكل بواسطة الرياح، شأنها في ذلك شأن بقية الأنواع الأخرى من الكثبان.
3- تحرك الكثبان الرملية :
إذا لم يتعرض جسم الكثيب للانضغاط من جهة، أو للتماسك بأية مادة لاحمة، بمساعدة المياه، أو جذور النباتات، من جهة أخرى، فإن الكثيب يكون في حالة عدم استقرار، وبالتالي، تعمل الرياح على نقل المفتتات الرملية من الانحدارات المواجهة لاتجاهها وإرسابها على القمم العليا للكثبان الرملية، وتتعرض الرمال في هذا الموقع الأخير إلى الزحف التدريجي نحو أقدام الانحدار المظاهر لاتجاه الرياح، ومن ثم، تتحرك الكثبان حركة تدريجية مع اتجاه الرياح، وينجم عن تحرك الكثبان أخطار كبرى على النشاط البشري، إذ تؤدي إلى هدم القرى والأجزاء السكنية من الواحات، وعليه فإن سكان الصحاري الجافة يبذلون مجهودات كبيرة لتثبيت الكثبان المتحركة وذلك بتثبيت النخيل فيها أو أي نباتات تعمل على تماسك أجزاء الكثيب، أو تُحْفَر خنادق تكون بمثابة مصايد للكثبان المتحركة.
<!-- / message -->