مســــألة كشمير والصـراع الهندي الباكستاني
(1) مقدمة عامة
ليس المرة الأولى التي يلجأإليها الهنود والباكستانيون للسلاح من أجل مقاطعة أو ولاية كشمير والتي مضى علىوجودها حوالي نصف قرن، أي بعد الحرب العالمية الثانية مباشرة وهي الآن ومنذ ذلكالوقت تعتبر إحدى المناطق الساخنة في العالم، ولا تزال دون حل وهي سبب كل المشاكلوالخلافات التي وقعت وتقع بين الشقيقين العدوين اللدودين / الهند والباكستان/ منذتقسيم القارة الهندية إلى دولتين بعد استقلالها عام 1947، وتحتل الهند حالياً ثلثيمقاطعة كشمير "وهي المنطقة الواقعة إلى جنوب المقاطعة. وتضم مقاطعتي جومو وكشميرومقاطعة لاداخ" أما الباكستان فتمثل المثلث الباقي أي شمال البلاد "وتضم مقاطعاتبالتيستان، وجيلجيت وبونش (بونج) جاجير ويطلق على مجموعها حالياً أزاد كشمير أيكشمير الحرة. وعاصمة ولايه كشمير هي سريناجار وتقع في الجزء الهندي ويعود هذاالتقسيم المؤقت "الدائم" لعام 1949وهناك فاصل يعرف بخط إيقاف القتل تحت مراقبةالأمم المتحدة.
تعود أهمية ولاية كشمير لأنها تحتل موقعها فيجنوب وسط القارة الآسيوية فحدودها الشمالية الشرقية تتاخم حدود الصين في التيبتوسينكيانع (تركستان الصينية) وفي الشمال، والشمال الغربي تتصل مع أفغانستان بممرضيق هو وداي (فاخان)، وعلى بضعة كيلو مترات منه تقع دولة تركستان المستقلة، وفيالغرب والجنوب الغربي تقع باكستان وتتصل بالهند بحدود ضيقة حوالي 50 كيلو متراً فيجنوبها، لذلك كان لها وضعاً خاصاً. يدخل في مشكلة توازن القوى في هذه المنطقة منالعالم. وبخاصة بعد ضم الصين لمقاطعة التيبت، وما تلاه من حرب مريرة بين الهندوالصين على المرتفعات العالية لجبال هيمالايا، وضمت إليها في كانون أول 1962 مقاطعةآكساي AKSAI في النهاية الشمالية الشرقية لكشمير ومساحتها 4300كم2 .لذلكفأهمية ولاية كشمير بالنسبة للهند قضية استراتيجية أما بالنسبة لباكستان فترتبطبعوامل جغرافية وسكانية وإقتصادية. وإمكانية تدهور الأوضاع موجودة في كل وقت بينالبلدين بسبب الخلفيات التاريخية. فالهنود أو بالأحرى غلاة الهنود، لم يسلموا حتىالآن. بانفصال باكستان عن الهند. والباكستانيون لا ينسون أن الهند هي التي مزقتباكستان وساعدت على استغلال بنغلاديش بالإضافة إلى أن كشمير أصبحت رمزاً للسيادةالوطنية لكل من البلدين ونقطة احتكاك دائم ما لم تحل وبخاصة بعد التوازن النووي بينالبلدين.
تبلغ مساحة ولاية كشمير وجامو 800ر222كم2. ويقطنهاحوالي 11 مليون نسمة حسب احصائيات الباكستان. وهي محاطة من جوانبها الثلاثةبباكستان. وهي بلاد جبلية تقع في الشمال الغربي من سلسلة جبال هيمالايا. وتمتد فيشمال كشمير سلسلة أخرى لا تقل عن جبال هيمالايا في الوعوره، وعظم الإرتفاع، وهيجبال كركورم، والتي تتفرع من هضبة بامير التي تعتبر أعلى هضبة في العالم، لذلك سميتبسقف العالم ، وكشمير شديدة الشبه بسويسرا، إذ تقع بين الدول الكبرى في آسيا،ويفضلها زوارها على سويسرا من ناحية الطبيعة والمناظر الخلابة.
تعتبر منطقة كشمير القاعدة التاريخية والنشطة في الولاية،ويعود ذلك إلى وادي شامبا العالي وكذلك إلى وادي جيلوم "الوادي السعيد" وهو عبارةعن حوض بطول 140 كم وعرض 32 تحيط به الجبال العالية من كل جهة. ويتمتع بإقليم معتدلفي أقدام الجبال العالية المتجمدة العائدة لكتلة جبال هيمالايا الرئيسية في الشمالالشرقي، ووديان كشمير هي مزيج من حقول الأرز المروية ومن حقول الذرة، والشعيروالدخان، والخضار والفواكه والزراعة المتعددة الأنواع في مكان واحد بالإضافة إلىتربية الماشية المشهورة.
أما سهل جمو فهو امتداد لسهولباكستان الغربية، وتنحدر من مقاطعة كشمير أنهار باكستان الثلاثة. وهي السند وجينات،وجبليم، وجميع الطرق الدائمة التي تسلك في جميع فصول السنة، والتي تجري بمحاذاةالأنهار، توصل إلى باكستان.
ورغم عزله مقاطعة كشمير القديمة،إلا أن المد الإسلامي وصل إليها في بداية القرن الرابع عشر. وأصبحت سلطنة إسلاميةيؤلف المسلمون فيها 77% وهم أكثرية في كل إقليم من أقاليم كشمير الثلاثة الكبرى "93% في إقليم كشمير 61% في إقليم جمو 87% في مناطق الحدود"
ويتكلم أغلب سكان كشمير اللغة الكشميرية، بخاصة وادي كشمير،والهضاب من حوله، وهي تعود بإصولها إلى لغة "داردي" Dardie ولكن فيما بعد،أصبحت لغة هندية -أوربائية من ناحية الخواص، وحسب تاريخ المنطقة، فالمفردات فياللغة الكشميرية هي حالياً خليط من لغة داردي والسانسكريتيه (بنجاب) ثم اللغةالفارسية ويستخدم المسلمون الأحرف العربية للكتابة لغتهم.
ويسود العمل اليدوي ضمن العائلة في مجال الصوف والحرير. ويبقى المورد الرئيسي لكشمير وبالرغم من إقامة معامل حديثة في /سيرنياغار/ وتزخرأرضها بخامات الحديد والفحم واللينيت والرصاص والبوكسين. مما أدى إلى زيادة قيمتهاالإقتصادية بالنسبة للهند والباكستان على حد سواء.
لقداشتهرت كشمير بشالاتها الرائعة المعروفة في كل أنحاء العالم "الشال الكشميري" وحسبما ذكر في الروايات المتوارثة، أن الذي أسس هذه الصناعة هو حاكم كشمير "زينالعابدين" في القرن الخامس العشر حين استقدم إلى بلاده عمال النسيج من تركستان،ويقال أن الشالات الكشميرية جاء ذكرها الحقيقي في القرن السادس عشر حيث ظهرت أولالمواصفات الخاصة بها والتي انفردت بها في مختلف أنحاء العالم.
ويعتمد إقتصاد كشمير منذ القدم على اقتصاد باكستان فقبل عام 1947. كان الكشميريون يقطعون جذوع الأشجار من كل سفوح الجبال ويلقونها، في مجاريالأنهار لتحملها إلى أسواق الخشب الكبرى في بلدتي جيليم ووزير آباد في باكستان، كماكانوا يحملون الفاكهة الطازجة لبيعها عن طريق ميناء كراتشي. وكانت كراتشي الميناءالطبيعي لكشمير، أما مستوردات كشمير من الملح والحمص والقمح والصوف والزيوت، فكانت ترد من باكستان الغربية وكذلك البترول وتلعب السياحة حالياً دوراً هاماً في إقتصادكشمير حيث يردها السياح من مختلف أنحاء العالم وبخاصة إلى وادي كشمير والبحيراتالجميلة. وترتبط كشمير بباكستان بروابط ثقافية ومن ناحية الملبس والمأكل والعاداتوالتقاليد وتماثل اللغات والإتصالات العائلية.
(2) التاريخ:
حسب الروايات المتوارثة كان آخر ملك لكشمير هو كوتاديفي kota devie الذي قتل عام 1339 م وبعدها أصبحت البلاد سلطنة إسلامية. وقد ضمت في وقت من الأوقات إلى أفغانستان في زمن نادرشاه على 1739 . والواقع أنكشمير كانت في تاريخها القديم في عزلة عن حكام الهند وتتمتع باستقلالها الذاتيوإدارة شؤونها الداخلية، وكان بعض سلاطين الهند المسلمين يزورونها في الصيف وقدوصفها السلطان المغولي المشهور جها نجير وكان مغرماً بجبالها ويقول "يعجز المرء عنوصف جمال مروجها، وسحر جداولها وشلالاتها، فيها عيون وأنهار لا حصر لها، وأينماينظر المرء يرى الخضرة والمياه الجارية" وكان البراهمة يحملون أزهار كشمير، ليزينوابها معابدهم وقد انتشر الإسلام، في عهد الإمبراطورية المغولية. فكثيراً ماكانأباطرة المغول. يرسلون إليها بعض جيوشهم وقوادهم ليقيموا فيها لحماية حدودإمبراطوريتهم الواسعة من الشمال، ومنذ القرن الرابع عشر كان حكامها من أمراءالمسلمين، وعندما ضعفت الدولة المغولية اضطربت الأمور في كشمير واستطاع زعيم السيخ /رانجيت سينغ/ 1819 من إحتلالها، وضمها إلى مملكته حيث وضع عليها حاكما هندوسيا منالقبائل التي تعيش في الشمال الغربي للهند. واسمه غولاب سينغ من أسرة الاوجراالهندوسية المشهورة. وعندما سيطرت بريطانيا على الهند وضمت إليها كشمير على 1846باعت البلاد للمهراجا المذكور أمارة كشمير بمبلغ 500ر7 مليون روبيه أو ما يعادلحالياً مليون ونصف مليون دولار. ومنذ ذلك الوقت حتى استقلال الهند ظل حكام كشمير منعائلة الاوجرا الهندوسية يحكمون البلاد حكم أمراء الإقطاع في أوربا. على أساسملكيتهم للأرض ومنعليها، وكانوا يعاملون الفلاحين معامله العبيد الأرقاء. ونظراًلسوء المعاملة، وفداحة الضرائب كثيراً ما كان الفلاحون يتركون الأرض الخصبة دونزراعة، إلا إذا جاءت قوة الجيش وأجبرتهم على العمل. وكان معظم السكان في حالة فقروبؤس. قل أن يجدوا القوت الضروري، وزاد الأمر سوءاً الخلافات العقائدية والعادات،فإذا اضطر المسلمون لذبح بقرة للأكل، وقعت عليهم أقسى العقوبات نظراً لعبادةالهندوس للبقرة. وقد عاش سكان كشمير في ظل حكومات غاشمة مستبدة ومتعصبة وضرائبمفروضة على كل شيء، حتى على المواشي التي تذبح في عيد الأضحى. وقد انعدمت المدارسوكان معظم السكان من الأميين لا يتمتعون بشيء من الحقوق السياسية أو الإنسانية. وقدذكر أحد الذين زاروا كشمير أثناء المجاعة التي أصابتها سنة 1873 أن الراجا الهندوسيكان يغرق رعاياه المسلمين في الأنهار. رغبة منه في توفير الغذاء لرعاياه منالهندوس. وكان آخر حكام كشمير هو مهراجا "هاري سنغ" من أولئك الحكام المستبدين، وقدثار شعب كشمير يطالب بالحصول على حقوق دستورية تجعل له صوتاً في حكم نفسه قبلاستقلال الهند. وتكونت في كشمير هيئة سياسية هي "مؤتمر مسلمي كشمير" وعملت في كشميرما عملته الرابطة الإسلامية في باقي الباكستان.
في عام 1944زار محمد علي جناح زعيم باكستان مدينة /سرنياغار/ ونصح أهل كشمير بتوحيد صفوفهم وأنتكون لهم منظمة واحدة تتكلم بإسمهم. وأن يكافحوا تحت شعار واحد. ومن الزعماء الذينظهروا في كشمير! الشيخ محمد عبد الله الملقب بأسد كشمير. وكان رئيساً لحزب المؤتمرالوطني الكشميري، وقد أنشأ عام 1946 حركة شعارها "إرحلوا عن كشمير" ويرمي بذلك إلىاستقلال البلاد عن كل من الهند وباكستان على حد سواء. وفي إبان العقد الثالث من هذاالقرن قام الشيخ عبد الله ونائبه غلام عباس بحمله للمطالبة بحقوق سياسية أولية،فعمد المهراجا إلى قمع الحركة بالقوة، وقد تلقى الكشميريون عوناً من إخوانهم فيالبنجاب والمناطق المجاورة التي أصبحت تتألف منها باكستان حالياً. فدخل كشمير عددكبير من المتطوعين (حوالي ثلاثين ألف رجل) وعرضوا صدورهم لرصاص المهراجا والاعتقالفي سجونه.
في السنوات التي سبقت استقلال الهند وباكستان، تزعمالشيخ المذكور حركة لمناهضة حكم المهراجا. فاعتقل وزج في السجن مدة طويلة، وكانت لهصلة سياسية برئيس وزراء الهند جواهر لال نهرو وهو من مواليد كشمير، وقد تدخل نهروالدى المهراجا وأطلق سراح الشيخ عبد الله في 29 أيلول 1947. ومن ثم ورد اسم الشيخمحمد عبد الله في رسالة المهراجا بصدد الإنضمام، فقد كتب حاكم عام الهند "البريطاني" اللورد مونباتن إلى المهراجا وهو يقبل انضمام بلاده للهند مايلي "إننيوحكومتي نلاحظ بارتياح أن سموكم، قد قررتم دعوة الشيخ عبد الله لتأليف حكومة مؤقتةيكون فيها رئيساً للوزراء" والواقع كانت لعبة من الهند والمهراجا على الشيخ عبدالله كما سنرى فيما بعد. وهكذا كان الموقف في كشمير عندما أعلن الإنكليز تركهمللهند عام 1947.
(3) الجذور التاريخيةللأزمة بين باكستان والهند حول كشمير:
عندما أعلن اللورد مونتياتن آخر نائب للملكفي الهندنية بلاده في ترك الهند وإلغاء الإمبراطورية البريطانية، أمام الحركةالوطنية في الهند بعد الحرب العالمية الثانية. قدرت بريطانيا أنها بحاجة إلى 25فرقة عسكرية بريطانية للإحتفاظ بالهند وهذا يكلفها أكثر مما تحصل عليه من الهندلذلك قررت إعطاء الهند حريتها، ولكن بعد تقسيمها إلى دولتين مستقلتين تتمتعان بنظامالدومنيون في إطار الكومونولت البريطاني.
وفي 3 حزيران 1947أصدرت الحكومة البريطانية بياناً ضمنته أسس التقسيم على اعتبار تكوين دولة باكستانمن الأقاليم التي تقطنها غالبية مسلمة وتكوين دولة الهند من الأقاليم التي تقطنهاغالبية هندوسية. وهنا ثارت مشاكل الحدود والتطرف الديني في البلدين في البنجاببخاصة، فقد رفض الشيخ قبول سيطرة المسلمين، وفي البنغال حيث المسلمون أكثرية إلا أنغير المسلمين كانوا أكثريه في مدينة كلكتا وهي أكبر وأهم مدينة في البنغال، وتمتتسوية مثل هذه المشاكل بإجراء استفتاءات شعبية والواقع أن المشاكل الرئيسية وقف فيالأقاليم التي تعرف بالولايات ذات الحكم الذاتي. فمن المعلوم أن الهند الامبراطوريةكانت تـتألف من قسمين رئيسين هي الأقاليم التي كانت تحكم من البريطانين حكماًمباشراً ثم الولايات التي كان يتولى حكمها الأمراء والمهراجات، وعندما سلمالبريطانيون باستقلال الهند وباكستان أوضحوا للأمراء والمهراجات بجلاء أنه عندماتنهي السلطة البريطانية في الهند ستنهي معها سيادتهم على أماراتهم، وفي 25 تموز 1947 نصح اللورد مونتياتن الأمراء بأن عليهم الانضمام إلى إحدى الدولتين وعندهاعليهم عند اتخاذ مثل هذا القرار. أن يأخذوا بعين الإعتبار التكوين الطائفي ورغباتشعوبهم وكذلك الوضع الجغرافي لبلادهم، وقال منذراً "إنكم لا تستطيعون أن تهربوا منحكومة الدومينون التي هي جارتكم، كما أنكم لا تستطيعون أن تهربوا من رعاياكم الذينأنتم مسؤولون عن صلاح أمرهم" إلا أن مهراجا كشمير الهندوسي فكر مباشرة في نفسه ثم بطائفته الهندوسية مما أدى إلى الإضطرابات والمشاكل بين الباكستان والهند التي لاتزال حتى الآن.
لقد وجد المهراجا نفسه في مأزق فأغلبية سكانكشمير من المسلمين ولهم اتصالات وثيقة بإخوانهم في الباكستان بالإضافة إلى العلاقاتالإقتصادية والقضائية والعمرانية والدينية والستراتيجية أيضاً، لذلك عمل على تجميعالأمور في أمارته بإنتظار الفرصة المناسبة لضمها للهند لذلك عقد في 15 آب 1947إتفاقاً مع الحكومة الباكستانية، لإبقاء الأوضاع على ما كانت عليه بين الأمارةوالحكومة البريطانية. وقد رضي الطرفان بموجب هذه الإتفاقية أصبحت باكستان مسؤولة عنالدفاع عن الولاية، وعن شؤونها الخارجية، ومواصلاتها، وكان المفروض أن تكونالإتفاقية توطئة لإنضمام الولاية إلى باكستان، بيد أن المهراجا كان يدبر خططاًأخرى. وكان إقطاعياً رجعياً متغطرساً، وفي ذلك الوقت تعرضت مناطق قبائل البونش (بونج) لمجاعة مهلكة مما أدى إلى الثورة، وهنا عمد المهراجا للقضاء عليها بشدة وقسوة، واستقدم من الهند عناصر هندوسية متعصبة، أطلق لها العنان لتفتك بسكانالمقاطعة الجائعين، ويقال أن أكثر من (250) ألف مسلم قضوا حتفهم حسب قول مراسلجريدة التايمز اللندنية على يد قوات الدوغرا التابعة للمهراجا وتسبب أيضاً إلىإرغام ما يقارب من نصف مليون لاجئ إلى ترك بلادهم وعبروا الحدود إلى باكستان وقدأثار هذا العمل رجال القبائل الباكستانية ولا سيما القاطنة في المناطق الشماليةالغربية ممن هرعوا لنجدة إخوتهم في كشمير، وأدى ذلك إلى هزيمة قوات الحكومة والقواتالتي قدمت من الهند للمعونة، وهرب المهراجا نفسه، والتجأ إلى جومو، أما الثوار فقدأقاموا حكومة موقتة عرفت باسم حكومة كشمير الحرة (آزاد كشمير). أما الحكومةالباكستانية التي أتهمت بمعونة الثوار وادخال جنودها في المعركة فقد تمسكت ببعضالمبادئ التي اتخذتها الحكومة الهندية لاحتلال مقاطعات مسلمة أو انضمت دون إرادتهاإلى باكستان ومثال على ذلك إحتلال الهند لمقاطعتي (جونا كاد) وحيدر اباد "
كان حاكم جوناكاد المسلم، وهي عبارة عن أمارة تقع بين خليجكوتش وخليج كمباى شمال مدينة بومباي، ولم يكن لها إتصال مع باكستان إلا عن طريقالبحر، ويتألف سكانها من أغلبية هندوسية، وقد انضم الحاكم المذكو في الخامس عشر منشهر إيلول 1947 إلى باكستان: فاحتجت الهند على ذلك احتجاحاً شديداً لباكستان لأنذلك يهدد على حد قولها أمنها وتتعرض لسيادتها ووصفت الهند الإنضمام بأنه خرق فاضحللمبادئ التي تم الإتفاق عليها عند تقسيم الهند، وانتهى الأمر بأن فرضت الهند علىجوناكاد حصاراً اقتصادياً، وأيدت تكوين حكومة موقتة لجوناكاد خارج البلاد وتمركزتالحكومة الموقتة في بمباي، ثم انتقلت إلى راجكون، وعندما لم ينجح الحصار قامتالقوات الهندية بإحتلال الأمارة بالقوة وضمتها إليها، وتستند باكستان على هذهالسابقة في مواجهة الهند بخصوص انضمام مهراجا كشمير إلى الهند وتعتبره عملاً غيرشرعي، لذلك تطالب الباكستان بإجراء استفتاء حر في كشمير لتقرير شعبها مصيره بنفسه. وهذا ما كانت الهند قد اقترحته على جوناكاد قبل احتلالها.
مثال آخر أمارة أو سلطة حيدر أباد وإسمها "نظام حيدر آبادالدكن" وتقع هذه الأمارة الكبيرة التي يبلغ سكانها في ذلك الوقت حوالي 14 مليوننسمة. وكان يحكمها في ذلك الوقت حاكم مسلم وهو سليل أباطرة المغول الكبار، ونظراًلموقعها الجغرافي وإحاطتها بالهند من كل الجهات فضل حاكمها، عدم الإنضمام إلى الهندأو الباكستان لذلك دخل في مفاوضات مع الهند إنتهت بتوقيع اتفاق يحافظ فيه على الوضعالراهن لمدة عام على أساس الإحتفاظ بقسط من الاستقلال وكان النظام راغب في استفتاءشعبه في هذا الأمر رغم الأكثرية الهندوسية لدى شعبه، ولكن الهند رفضت الإقتراح بحجةأن الإستفتاء، لكي يكون جدياً، لا بد أن يتم تحت رقابة حكومية انتقالية تمثل جميعالإتجاهات الشعبية. وتتهم باكستان الهند بأنها ترفض تطبيق هذا المبدأ على كشمير،وقد تجاهلت الهند إرادة حيدر آباد بالإحتفاظ بأمارته مستقلة بل قامت بغزو البلادواحتلتها بالقوة. وكان إداعاء الهند بشأن كشمير بأن إرادة الأمير أو المهراجا هيوحدها السند القانوني لانضمام الأمارة للهند. وقد احتلت الهند أيضاً مدينة "غوا" ذات الأغلبية البرتغالية بنفس الطريقة.
أما في كشمير فقد شعرالمهراجا بضعف موقفه عندما انتقلت السيادة البريطانية إلى كل من الهند والباكستانفي 15 آب 1947 أمام ضغط جماهير كشمير الذين كانوا يطالبون جكوين حكومة مستقلةمسؤولة، وتلبي رغبات الأغلبية المسلمة، وأراد الوصول إلى اتفاق مع كل من الهندوباكستان يحافظ فيها على الوضع الراهن ضماناً لحسن سير المرافق العامة في كشمير،وبخاصة البريد، والمواصلات السلكية واللاسلكية، ولم يتوصل المهراجا لمثل هذاالاتفاق إلا مع الحكومة الباكستانية، أما الحكومة الهندية فقد رفضت ذلك، ونظراًللموقع الجغرافي للولاية الملائم لباكستان، إذ ترتبط جميع مواصلاتها بها علقت هذهأهمية كبرى على هذا الإتفاق واعتبرته تمهيداً لإنضمام كشمير إليها مستقبلاً. وعندمالم يقم المهراجا بأي خطوة نحو الإنضمام إلى باكستان بدأت هذه بالضغط عليه، وأرسلمحمد علي جناح سكرتيرة الخاص إلى /سيرنياغار/ ليقنع المهراجا بفوائد ضمها إلىباكستان، وحسب قول /ماهاجان/ رئيس وزراء كشمير في ذلك الوقت في كتابه "انضمام كشميرإلى الهند) ذكر أن مبعوث محمد علي جناح، أكد للمهراجا أنه هو صاحب الحق في تقريرمصير أمارته دون استشارة شعبه، ووعده بأنه سيحتفظ له بجميع سلطاته المطلقة إذا قررالأنضمام إلى باكستان، وحتى مع هذه المغريات رفض المهراجا كل العروض، لأنه كان لايرغب في الإنضمام إلى باكستان لأنه غير مسلم. كما أنه خشي أيضاً أن يمتد النظام الديموقراطي الهندي إلى كشمير، وتضعف سلطاته المطلقة إذا قرر الانضمام إلى الهند.
أثار تأخر المهراجا انضمامه إلى باكستان غضب هذه الأخيرة،لذلك أنذرت المهراجا بسوء العاقبة، ويتهم المهراجا الباكستان بأنها هي التي شجعت قبائل البونشن على الثورة المسلحة وأمدتهم بالسلاح. والواقع أن ثورة البونش (البونج) كانت قد بدأت قبل تقسيم القارة الهندية وكانت ثورتها ضد حكم المهراجاالقاسي. وقد انضمت قبائل الباتان المشهورة للثورة ضد المهراجا وتقطن هذه في ما يعرفبإقليم الحدود الشمالية الغربية في باكستان، وقد تولى قيادة جيش آزاد كشمير السردارمحمد إبراهيم خان.
أمام هذا التهديد المباشر وعجز القواتالحكومية في كشمير الصمود أمام القبائل الثائرة جلب المهراجا المعونة العسكرية منالهند، التي اغتنمت الفرصة للضغط على المهراجا للإنضمام إليها، لذلك رفضت تقديمالمعونة إلا إذا تقدم المهراجا بطلب الإنضمام إليها محتجة بأنها لاتستطيع التدخلعسكرياً في شؤون دولة محايدة، مما جعل المهراجا يبعث برسالة إلى حاكم الهند البريطاني بتاريخ 26تشرين ثاني 1947 يعرض فيها انضمام ولايته كشمير للهند ويطلبمساعدة الجيش الهندي للقضاء على الثورة الشعبية في بلاده. والواقع أن باكستان قصرتفي هذا المجال واكتفت بالثورة الشعبية وكان عليها اغتنام الفرصة لإرسال قواتهالاحتلال كشمير قبل وصول القوات الهندية وهذا مما ساعد الهند على تلبية طلب المهراجابسرعة. ومن دون أن تنظر لمواقفها في جوناكاد ونظام حيدر آباد بادرت بقبول عرضالمهراجا الإنضمام إليها مع القبول بما اشترطه الحاكم العام البريطاني في رسالتهالمؤرخة في 27 تشرين أول 1947. ومؤداه أنه حالما يستتب الأمن والنظام "ينبغي تسويةمسألة الإنضمام باستشارة الشعب. وقد أكدت ذلك الهند أيضاً في برقية بعث بها رئيسوزراء الهند إلى رئيس وزراء الباكستان بتاريخ 31 تشرين الأول 1947 جاء فيها "إنتأكيدنا بأننا سنسحب جنودنا من كشمير عندما يستتب الأمن والنظام وإننا سنترك القراربشأن مستقبل الولاية إلى شعبها، ليس بالعهد الذي نقطعه لحكومتكم، وحسب وإنما هو عهدنقطعه للشعب الكشميري أيضاً".
بعد قبول الهند انضمام كشميرإليها، انضمت قواتها المقاتلة لقوات حكومة كشمير وابتدأ الهجوم على قوات جيش كشميرآزاد والقوات الباكستانية بالإعتماد على مشروعية إنضمام الولاية لها. ولا يزال هذاالسند القانوني هو الوحيد في هذا الشأن. وفي كتابه للحاكم البريطاني شرح المهراجاالأسباب التي دعته لطلب دعم الهند وانضمامه إليها مقراً بأن كشمير لها علاقات وثيقةمع الدومنيونين الهند والباكستان بالإضافة إلى ذلك أن لكشمير حدود مشتركة معالاتحاد السوفيتي والصين، ولا يمكن للهند والباكستان تجاهل هذا الوضع..." واعترفبأنه أراد كسب الوقت لتقرير (انضمامي إلى من الدومنيونين، أو كان من مصلحتها، ومنمصلحة دولتي المحافظة على الإستقلال مع المحافظة على علاقات وديه معهما بطبيعةالحال... ونظراً للوضع الراهن في دولتي ونظراً لحالة الطوارئ الخطيرة التي تتعرضلها البلاد، وجدت أنه لا مفر من طلب المعونة من دومنيون الهند، وبطبيعة الحال لاتستطيع الهند تقديم المعونة المطلوبة إلا إذا انضمت دولتي إليها، لذلك قررتالإنضمام وطي هذا وثيقة طلب الإنضمام... وقد قبل اللورد مونتباتن حاكم الهندالبريطاني انضمام المهراجا للهند باعتباره لا يزال حاكما لدمنيون الهند دونالباكستان ولكن مونتباتن اشترط قبول الإنضمام حسب الصيغة التالية "... وبالنظر إلىالظروف الخاصة التي ذكرتها فخامتكم. فإن حكومتي "الحكومة البريطانية" قررت قبولإنضمام كشمير إلى دومنيون الهند، وعملاً بسياسة حكومتي التي ترى أنه إذا كان أمرانضمام أية دولة محل نزاع فإن الإنضمام يجب أن يتم وفقاً لإرادة شعب هذه الدولة،لذلك فحكومتي ترغب في تسوية انضمام كشمير بإجراء استفتاء شعبي بعد استتباب الأمرفيها وتطهيرها من قوات الغزاة..."
من الواضح أن الحكومةالهندية اعتبرت إنضمام كشمير إليها أمراً موقتاً، وأنه لكي يصبح نهائياً لا بد من موافقة كشمير عليه. ويناقش الدكتور سمعان بطرس فرج الله في العدد 3 لعام 1966 لمجلةالدولية المصرية فيقول "ولكن بعض الكتاب الهنود يرى أن انضمام كشمير إلى الهند هوانضمام نهائي ومطلق وليس معلقاً على أي شرط. وذلك لأن اعلان استقلال الهند لا يعترفبالإنضمام الموقت. وبالتالي يكون حاكم عام الهند قد تجاوز سلطاته عندما علق انضمامكشمير إلى الهند نهائياً على شرط إجراء استفتاء شعبي بهذا الخصوص، هذا الرأي (أوالشرط) يعتبر في رأي هؤلاء الكتاب شرطاً باطلاً لمخالفته للإعلان الدستوري، ولكنيؤخذ على هذا الرأي أنه نظر إلى المسألة من زاوية القانون الداخلي الهندي دوناعتبار لما جرى عليه العرف الدولي. فمن وجهة نظر القانون الدولي تتقيد الدولةبالتزاماتها في مواجهة الدول الأخرى حتى ولو كانت هذه الإلتزامات مخالفة لنصوصدستورها، وقد أكدت الحكومة الهندية مراراً في عام 1947 أو 1948 وأوائل 1949 /الكتابالأبيض/ الذي أصدرته عن كشمير وأمام مجلس الأمن الطبيعة الموقتة لانضمام كشميرإليها إلى أن يتم استفتاء شعبي حول هذا الموضوع بعد استتباب الأمن في هذه الدولة. فقد ارتبطت الهند دولياً بإجراء استفتاء تحت رقابة دولية:
وتقول باكستان في إحدى نشراتها عن هذا الموضوع:
1- إن هذا الإنضمام يتناقض ورغبات شعب كشمير.
2- إن وجود الإتفاقية بين المهراجا والباكستان لإبقاءالأوضاع على ما كانت عليه شكلت خطراً قانونياً لصلاحية المهراجا في تغيير الوضعالراهن من جانب واحد.
3- أنه حين عرض المهراجا الإنضمام إلىالهند كان هو نفسه هارباً. وكانت قد تأسست حكومة شعبية بإسم (آزاد كشمير)، وتولتالسلطة في قسم كبير من الولاية.
4- إن كل ما يمكن قوله فيقبول الإنضمام على افتراض صحته أنه مقبول موقتاً ومشروط ومع ذلك لا يوجد سوغ قانونيلهذا القول.
(4) تدويل مسألة كشميروتدخل الأمم المتحدة ومجلس الأمن وقراراتهما:
بادرت الهند إلى إرسال جنودها إلىكشمير بواسطة الجو، لعدم وجود طرق بريه تصل بين الهند وكشمير في ذلك الوقت، ممايجعل الباكستان تتهم الهند بوجود إتفاق مسبق بين الهند والمهراجا بسبب سرعة تنفيذالنجدة، وفي هذه المرحلة تقدم حاكم الباكستان محمد علي جناح باقتراح مؤاده، إنسحابالقوات الهندية ورجال القبائل فوراً من الولاية، وأن يبادر حاكم الهند البريطانيإلى إعداد العدة لإجراء استفتاء شعبي في كشمير تحت إشرافهما المشترك، غير أن هذاالإقتراح رفض من قبل الهند التي واصلت حشد قواتها في كشمير، ثم شرعت بهجوم واسعالنطاق على قوات حكومة كشمير آزاد ونظراً لنجاح الهجوم وتعرض أمن باكستان للخطرتقدم القائد العام للجيش الباكستاني بتحذير للحكومة الهندية مؤداه أن باكستان إذاشاءت أن تتجنب مواجهة سيل ضخم من اللاجئين، وإذا كانت لاتريد أن تكون الهند في وضعتستطيع معه أن تهدد مؤخرة باكستان وجناحيها، وأن تغزوا باكستان متى شاءت. فلامندوحة من وقف زحف الجيش الهندي عند خط معين وعلى هذا التحذير أرسلت باكستان قواتهافي أيار 1948 إلى كشمير لإتخاذ مواقف دفاعية، وأطلعت لجنة الأمم المتحدة على هذاالإجراء فور وصولها إلى كراتشي.
عندما حل فصل اشتاء. وعجزتالقوات الهندية من القضاء على قوات كشمير آزاد والقوات الباكستانية، ونظراً لطبيعةالبلاد الجبلية الصعبة، دعت الحكومة الهندية مجلس الأمن إلى الإنعقاد لبحث قضيةكشمير استناداً للمادتين 34و25 من ميثاق الأمم المتحدة، على اعتبار أن إستمرارالنزاع من شأنه أن يعرض للخطر السلم والأمن الدوليين وذلك بتاريخ 1 كانون ثاني 1948وادعت أن باكستان مسؤولة عن الإضطرابات في كشمير وطلبت إلى مجلس الأمن أن توعز إلىباكستان بسحب رجال القبائل "التاريخ يعيد نفسه" ولكن مجلس الأمن رفض إقرار وجهةالنظر الهندية وأهاب في قرار صدر بتاريخ 17 كانون ثاني 1948 بكل من الهند وباكستانأن يعملا على تصفية الجو بينهما ويمتنعا عن عمل أي شيء يزيد الموقف خطورة وذلك بعدعدة جلسات امتدت من كانون ثاني إلى نيسان 1948 ورداً على إتهام الهند الباكستانناشدت الباكستان مجلس الأمن بأن يعمل لوقف القتال في كشمير وانسحاب جميع القواتالأجنبية من هذه الأمارة سواء كانت باكستانية أم هندية وتمكين السكان المسلمينالذين اضطروا إلى الفرار عقب الحوادث التي جرت منذ 15 آب 1947 من العودة إلى موطنهمفي كشمير وأن تعوضهم الحكومة الهندية عن الأضرار التي لحقت بهم، وطلبت الباكستانأيضاً باتخاذ الإجراءات الكفيلة بإقامة حكومة انتقالية محايدة ممثلة لشعب كشميرتقوم بإجراء استفتاء حول موضوع انضمام الأمارة إلى باكستان أو الهند.
وفي 20 كانون ثاني من نفس العام، اتخذ مجلس الأمن قراراًثانياً بتكوين لجنة مراقبة من ثلاثة أعضاء على أن تتوجه اللجنة إلى كشمير في أسرعوقت ممكن لمراقبة تطور الموقف وإخطار مجلس الأمن بالنتائج التي تصل إليها وتقديمالمقترحات، إلا أن اللجنة المقترحة لم يجر تأليفها، واستمر المجلس في مناقشاته حتىتوصل إلى قرار هام في 21 نيسان 1948 تقدمت به بعض الدول، ونص القرار على طلب وقفالقتال فوراً وسحب معظم قوات الطرفين من كشمير، وتكوين لجنة خماسية دولية، بما فيهاالولايات المتحدة لتقديم مساعيها الحميدة. ووساطتها للطرفين للوصول إلى تسوية سلميةللنزاع والطلب من الأمين العام تعيين مشرف على عملية الاستفتاء.
لقد تمخضت مجهودات لجنة الوساطة عن اصدار قرار بإجماعالأراء:
1- وقف القتال وتحديد خط لوقف القتال، وقبول مراقبينعسكريين للإشراف على تنفيذ القرار
2- تسحب باكستان جميعقواتها من كشمير بما فيها قوات القبائل والمتطوعين (المجاهدين)
3- أن تقوم السلطات المحلية بإدارة الإقليم الذيتجلو عنه القوات الباكستانية تحت اشراف الأمم المتحدة "لجنة الأمم المتحدة للهندوباكستان"
4- تسحب الهند جميع قواتها بالتدريج بعد انسحابالقوات الباكستانية، وقوات القبائل والمتطوعين مع احتفاظ الهند في كشمير بحد أدنىمن القوات.
5- يؤكد الطرفان سابق التزامهما أن مصير كشميريقرره شعبها
قبلت الهند القرار وقبلته الباكستان مع الحذرالشديد خوفاً من أن تعمد الهند وهي التي تحتل الأجزاء الرئيسية من تجميد الموقفوتحويل خط وقف القتال إلى حدود دائمة، وبالتالي تقسيم كشمير ومع ذلك قيل الطرفان،وقف القتال، ابتداء من أول كانون ثاني 1949 على أساس اقتراح اللجنة بضرورةالإستفتاء فور تمام نزع سلاح الأمارة، ولكن جميع جهوداً لوساطة الدولية لم تنجح،فقد أصرت الهند على أن نزع سلاح كشمير الواردة في قرار لجنة الأمم المتحدة الصادرفي 5 كانون ثاني 1949 لا يعني سوى نزع سلاح قوات كشمير آزاد، هي القوات التي كونهاالسردار محمد إبراهيم خان من أنصار المؤتمر الإسلامي، وقبائل البونش في شمال كشمير،وعلقت الهند سحب الجزء الأكبر من قواتها حتى تنفيذ نزع سلاح القوات المذكورة آنفاً،وقد أحتجت باكستان على هذا التفسير فاقترحت لجنة الأمم المتحدة عرض الموضوع علىلجنة تحكيم فقبلت باكستان ورفضته الهند خلال عامي 1950-1952ظهرت عدة قرارات عنالأمم المتحدة وتم تعيين عدة وسطاء بما فيهم الأميرال الأمريكي نيمتر إلا أن جميعالقرارات لم تلاقي النجاح فقد رفض بعضها من قبل الهند ورفض الآخر من قبل الباكستانوفي 20 آب 1953 أصدرت حكومتا الهند وباكستان بياناً مشتركاً. أكدتا فية عزمهما علىتسوية قضية كشمير عن طريق استفتاء نزيه ومحايد وعلى الوصول إلى اتفاق بشأن جميعالمسائل التي يجب تسويتها قبل إجراء الإستفتاء وبخاصة مسألة نزع سلاح كشمير المختلفعليه بين الدولتين، ولكن المفاوضات فشلت بين البلدين، فقد ظهر أن الهند تعمل علىتثبيت الوضع الراهن، أي الإبقاء على تقسيم البلاد واعتبار خط وقف اطلاق النارحدوداً ثابتة.
خلال هذه الفترة أجريت في كشمير، انتخابات تحتإشراف الهند، وأسفرت هذه الانتخابات على فوز حزب المؤتمر الوطني بزعامة الشيخ عبدالله بجميع المقاعد، وكانت الهند لسنوات عديدة ماضية تستشهد باسم الشيخ محمد عبدالله باعتباره ممثلاً حقيقياً لشعب كشمير، ولكن سرعان ما اتضحت ميول الشيخ عبد الله (أسد كشمير) الوطنية الذي أراد الإحتفاظ لكشمير بقدر كبير من الإستقلال الذاتي لذلكنص دستور كشمير الذي صدر في تشرين ثاني 1950 على ذلك، وتقدم الشيخ محمد عبد اللهخطوة أبعد، فاقترح في حزيران 1953 ضرورة تسوية قضية كشمير بين الهند وباكستان ضمنأحد الأسس التالية: أولاً إجراء استفتاء عام ثانياً استقلال كشمير استقلالاً كاملاًثالثاً استقلال كشمير، ولكن مع خضوعها لرقابة مشتركة بين الهند وباكستان على شؤونهاالخارجية والدفاع، وقد أثارت هذه الحلول الاستقلالية غضب الهنود، لذلك عزلت الحكومةالهندية الشيخ عبد الله من منصبه وأودعته المعتقل حيث ظل حتى 8 كانون ثاني 1958وتولى بخش غلام محمد رئاسة الوزارة وكان موالياً وطيعاً للهنود. وفي خطاب له فيإجتماع عام بعد خروجه من السجن شاء أن يذكر البنديت نهرو صديقه بالعهد الذي قطعهعلى نفسه لإجراء الأستفتاء في كشمير. وفي منتصف ليلة التاسع من شهر آب 1953 أوقظالشيخ عبد الله من نومه وأخذ من داره وأودع السجن، ومنذ إبعاد الشيخ بدأت الهندعملية إدماج الجزء الذي تحتله من كشمير إدماجاً فعلياً في الهند. مما يثبت إصرارهاعلى عدم تخليها عن هذا الإقليم وفي 6 شباط 1954 صدقت الجميعة التأسيسية في كشميرعلى انضمامها إلى الهند وساعد على ذلك الأوضاع الدولية بخاصة الحرب الباردة بينالروس والأمريكان، فقد تبنت الدول الشيوعية وعلى رأسها الاتحاد السوفيتي الأفكارالهندية حول الموضوع في حين تمكنت امريكا من إغراء باكستان بالإنضمام إلى حلف جنوبشرق آسيا (السيتو) وحلف بغداد (الحلف المركزي) وقد أثار اعتقال الشيخ عبد الله ثورةعارمة قام بها أتباعه ولكن الثورة قمعت بشدة متناهية، وفقد مئات من الكشميريينالمدنيين العزل أرواحهم، وفي عام 1958 أطلق سراح الشيخ عبد الله، ولكن لم يلبث أنزج في السجن.
في عام 1957 أعيد بحث قضية كشمير في مجلس الأمنلدراسة اقتراح الباكستان المتضمن إرسال قوة دولية إلى كشمير، وتم تكليف المندوبالسويدي كوفار يارنغ الذي كان رئيساً لمجلس الأمن دراسة إمكانية تسوية النزاع،وتقديم مقترحاته بشأن نزع سلاح كشمير والتعجيل في تسوية النزاع، ولم تنجح كلالمقترحات التي قدمت، وذلك لوقوف الإتحاد السوفيتي جانب الهند واستخدامه حق الفيتو،في حين تتهم الهند الباكستان بأنها لم تنفذ قرارات لجنة الأمم المتحدة، وقد اقترحالسفير يارنغ بأن مسألة تنفيذ هذه القرارات ينبغي أن تحال إلى لجنة تحقيق دوليةوقبلت الباكستان ورفضت الهند.
في عام 1958 اقترح ممثل الأممالمتحدة الدكتور فرانك جراهام بناء على قرار اتخذه مجلس الأمن أن يبادر الطرفانإلى:
أولاً : إعلان التزامهمابالسلم
ثانيا : تأكيد احترامهما للحفاظ على خط وقف النار (القتال)
ثالثاً : التعهد بالقيام بدراسة عاجلة لكيفية إدارةوصيانة القسم الذي لا تحتله الهند من كشمير، وذلك بعد انسحاب القوات الباكستانية،وما إذا كان يقتضي وضع قوة من الأمم المتحدة في ذلك القسم.
رابعاً : عقد مؤتمر بين رئيس الدولتين برعاية ممثل الأممالمتحدة
كان للتغيير الذي طرأ على موقف الإتحاد السوفيتي منقضية كشمير ووقوفه بجانب الهند بعد وقوفه على الحياد أثره في دعم الهنود وكان ذلكرداً على انضمام الباكستان إلى الأحلاف العسكرية المار ذكرها، وقد ظلت قضية كشميرمعلقة مدة أربع سنوات إلى أن ثارت من جديد عام 1962 تحت ضغط الأحداث الدولية. ولكندون جدوى فكل من الدولتين كانت تتهم الأخرى بخرق قرارات الأمم المتحدة وأهابتباكستان بالأمم المتحدة بأن الهند تحضر لهجوم عليها
في عام 1962 حدث نزاع مسلح بين الهند والصين على الحدود الجبلية بسبب الخلاف حول الحدودبعد احتلال الصين لمقاطعة التيبت وقد جربت كل من بريطانيا وأمريكا عرض وساطتهابمناسبة هذه الحرب لحل قضية كشمير إلا أنهما فشلتا، فالباسكتان كانت تؤيد الصين ضدالهند في حين أخذت أمريكا تمد الهند بالأسلحة ضد الصين. وفي الوقت ذاته حدثتاضطرابات طائفية بين المسلمين والهندوس 1963-1964 وخوفاً من ازدياد هذه المواجهاتقرر نهرو إطلاق سراح الشيخ محمد عبد الله في نيسان 1964 تخفيفاً لحدة التوتر، وقدقابل الشيخ عبد الله بعد إطلاق سراحه نهرو، والرئيس ايوب خان في محاولة لتسويةالقضية الكشميرية، وقبل الرئيسان الباكستاني والهندي إجراء محادثات مباشرة بينهماولكن وفاة الرئيس نهرو حال دون ذلك وخلفه الرئيس لال بها دور شاسترى، ولكن الحكومةالهندية التي خلفت حكومة نهرو أخذت تعمل على اتخاذ كافة الإجراءات الدستورية لدمجكشمير بطريقة فعالة في الهند، مما أثار الشيخ محمد عبد الله، وأخذ ينادي بحق شعبكشمير في حق تقرير مصيره خلال جولته خارج الهند وقد زار الصين مما أثار غضب الهندوعادت لاعتقاله بعد حرب الحدود بين الهند والصين، هبطت المعنويات الهندية للحضيض،وتم استبعاد برامج التنمية الاقتصادية لتقوية الجيش وفي هذا الظرف توفي البانديتنهرو 1964 وحل محله لال بها دور شاسترى من حزب المؤتمر وكما ذكرنا بدأت الحكومةالجديدة أعمالها باتخاذ الإجراءات الضرورية لضم كشمير للهند، وعندما وجدت الباكستانأن الهند مصممة على ضم كشمير عن طريق تجميد الوضع نهائياً لذلك بدأت تفكر بالعنفوالعمل لإثارة الموضوع لأن الأوضاع الدولية لم تكن في صالحها والجيش الهندي بدأيزداد قوة بدعم من الغرب ضد الصين، بالإضافة إلى أن باكستان تخلصت من عقدة الضعفأمام الجيش الهندي والتي كان تسيطر عليها، وأصبحت واثقة من نفسها، وفي هذه الأجواءتوقع وزير الخارجية الباكستانية ذو الفقار علي بوتو النجاح في خطة تجبر الهند علىإعادة النظر في قضية كشمير ولا يمكن إغلاقها للأبد، ومنذ بداية عام 1965 كانت هناكمناوشات على الحدود بين البلدين بدأت بالشرطة ثم بحرس الحدود ثم القوات المسلحة علىطرفي خط وقف النار في منطقة (ران كوتش) في كشمير حيث لا توجد حدود ثابتة بينالطرفين وتبادل الطرفان بعض المواقع وكان ظاهراً للعيان أن لدى الباكستان التفوقالعسكري، وعندما رأى رئيس الوزراء البريطاني هارولد ويلسون تردي الأوضاع بينالطرفين اقترح إحالة كشمير للتحكيم الدولي، ورغم قبول الطرفين لهذا الإقتراح إلا أنبوتو وزير الخارجية أقنع رئيس الجمهورية الباكستانية أيوب خان بالموافقة على إرسالعناصر غير نظامية (مجاهدين) للتسلل داخل كشمير والقيام بحرب عصابات مهلكة تجعل منالهند تلجأ مرة أخرى للأمم المتحدة، ورغم أن حرب العصابات هذه لم تنجح النجاحالكافي إلا أن الهند عملت على الرد على هذا التحدي بأن قامت باجتياز خط وقف القتاللعام 1949 وهنا أرسلت الباكستان قواتها المدرعة لقطع خطوط ومواصلات القوات الهنديةمع كشمير، ويبدو أن الباكستانين اجتازوا الحدود الدولية بين الهند وباكستان على حسبقول الحكومة الهندية مما جعل الهند تلجأ للحرب الشاملة مع باكستان وقامت قواتها في 6 أيلول 1965 باجتياز الحدود الدولية في وسط باكستان وهاجمت باتجاه مدن ساكلون ولاهور وفي 8 أيلول هاجمت مدينة غدرة بالقرب من كراتشي وذلك لتجبر القوات الباكستانيةبالانسحاب من كشمير. وفي الجو استطاع الطيران الباكستاني بتدمير بعض المطارات وعددمن الطائرات وهي على الأرض، وقد نجح هجوم القوات الهندية نحو لاهور التي تعتبر (صدفة) الباكستان وأدى إلى كارثة عسكرية، واستمر القتال عنيفاً بين الطرفين وكانتالهند تخشى من مهاجمة الصين لها من الخلف ومن المحتمل أن يكون لها التفوق الحاسملولا ذلك وقد تدخلت القوى الكبرى في ذلك الوقت بخاصة الاتحاد السوفيتي في الموضوع،وقبل الطرفان وقف القتال في 22 أيلول 1965 وقد نوقش الوضع في الأمم المتحدة، وقدوجدت الهند أن هناك عدداً من الدول في آسيا وأفريقيا بخاصة الإسلامية والعربيةاعتبرت الهند معتدية وبعد مداولات كثيرة أقنع الرئيس الروسي كوسيجين كلا من رئيسوزراء الهند شاستري ورئيس الباكستان المشير أيوب خان للإجتماع في طاشكند في كانونثاني 1966. وبعد عدة مباحثات أقنع كوسيجين الأطراف المعنية وحثهم على توقيع اتفاقسلام على أساس الوضع الراهن وإجراء المباحثات المباشرة حول بقية المسائل، ولكن رئيسوزراء الهند أصيب بنوبة قلبية خلال عودته من زيارته لبورما وتوفي في طاشكند وظلتالأمور على حالها.
ظلت الأوضاع السائدة في كشمير تسيطر علىالعلاقات بين الهند وباكستان منذ عام 1965 وهناك مصادمات دائمة بالإضافة إلى دورالهند في تقسيم الباكستان وفي عام 1990 حدث صدام عنيف بين الطرفين أدى إلى خسارةعشرات الآلاف من القتلى وهرب العديد من السكان وقد أدخلت الهند إلى جومو وكشميروأكثر من مائتي ألف جندي، وتبرز حالياً نفس المشكلة بين الهند وباكستان وتتكررالمأساة.
(5)
الخلاصة:
يمكن القول بأنهلا يمكن للأوضاع بين الهند وباكستان أن تستقر إلا إذا حلت قضية كشمير حلاً عادلاًيرضي الطرفين وأهم من ذلك إرضاء سكان كشمير، وما يجري اليوم ما هو إلا استمرار لماكان وسيجري فيما بعد، والهند لا تزال تصر على إبقاء الأوضاع على ما هي عليه منتقسيم البلاد وكل اجتياز لخط وقف إطلاق النار معناه الحرب كما يحدث الآن وتلعبالأوضاع الداخلية في كلا البلدين دورها بخاصة في الوقت الحاضر، فالحزب الحاكم "نهاريتا جناتا" الذي هزم في البرلمان وجدها فرصته لإعادة ثقة المواطنين فيهتمهيداً لاحتمال فوزه في الإنتخابات القادمة التي ستجري قبل موعدها بعدة سنوات،وتقف صونيا غاندي بحزب المؤتمر الذي يتزعم المعارضة للحزب الحاكم بالمرصاد، ويقفالحزب الحاكم في باكستان بزعامة نواز شريف نفس الموقف بالنسبة للأحداث وعينه علىالانتخابات القادمة وتقف له امرأة أخرى قوية هي بنازير بوتو زعيمة حزب الشعببالمرصاد أما الكشميريون أصحاب المصلحة وقد رفعت التجارب النووية الباكستانية منمعنوياتهم لن يقفوا عند حد وربما تحدث مشاكل كل عام ويتسلل بعضهم عبر خط وقف إطلاقالنار وتحدث مشاكل وتتداخل الدول الكبرى والأمم المتحدة. ومن الملاحظ عدم الاهتمامالكافي من قبل المجتمع الدولي لحل هذا الموضوع الساخن دائماً. وربما يعود هذا إلىعدم رغبة الطرفين الرئيسيين الباكستان والهند في حل الموضوع وحتى البيان الذي أصدرهمجمع الثمانية لم يكن حازماً ولم يتعرض لجوهر المشكلة، وهي إعطاء حق تقرير المصيرلشعب كشمير في الإنضمام للهند أو الباكستان أو استقلال بلاده بعيداً عن تأثيرالدولتين المجاورتين.
<!-- / message -->