العوامل المؤثرة في مناخ أوروبا:
يتأثر مناخ القارة الأوربية بعدة عوامل أهمها : موقعها الجغرافي ، و صغر مساحتها النسبي ، و شكلها ، و طول سواحلها ، و تعرج تلك السواحل ، و نظام و اتجاه مرتفعاتها و سهولها ، و نطاقات الضغط المحيطة بها ، و تعرض سواحلها الغربية لتأثيرات التيارات البحرية الدفيئة . و تقع قارة أوربا بين خطي عرض 36 و 71 درجة شمالاً و هذا يعني وقوع معظمها ضمن النطاق المعتدل، كما أن صغر مساحتها و تعرج سواحلها و كثرة خلجانها و أشباه الجزر فيها و امتداد مرتفعاتها من الغرب إلى الشرق يسمح بنفاذ المؤثرات البحرية إلى أجزاء بعيدة منيابسها .
و تؤثر في مناخ أوربا أربعة نطاقات من الضغط هي:
1- نطاق الضغط المرتفع الآزوري : شمال الأطلسي ، و يتسع مجال هذا النطاق في فصل الصيف ليشمل إقليم البحر المتوسط . و ينشأ عنه هدوء عام في الأحوال الجوية فنجد الطقس مشمساً و السماء صافية في القسم الجنوبي من أوربا . و لما كانت مناطق الضغط المرتفع عديمة المطر في الأغلب ، فإن الأراضي التي تغطيها تعاني عادة من الجفاف .
2- نطاق الضغط المنخفض الأيسلندي :و يتركز هذا النطاق من الضغط فوق شمال الأطلسي طوال العام و يرافقه نشاط إعصاري .
3- نطاق الضغط المرتفع الآسيوي :ينشأ في فصل الشتاء في داخل و شمال آسيا و يقسم هذا النظام من الضغط الرياح الغربية إلى مجموعتين من التيارات الهوائية إحداهما في شماله تؤثر على مناخ غرب أوربا و الأخرى في جنوبه تجلب بأعاصيرها المطر و الطقس المتغير لإقليم البحر المتوسط .
4- نطاق الضغط المنخفض في جنوب غرب آسيا :ينشأ في فصل الصيف و مركزه شمال غرب الهند و يمتد إلى الطرف الشرقي من البحر المتوسط .أما جنوب شرق أوربا الواقع شمال غرب هذا النطاق فتسوده رياح غربية و شمالية غربية جافة و لهذا فإن جنوب شرق أوربا يعاني من الجفاف صيفاً . و هناك حقيقة هامة هي أن حرارة المياه المجاورة لسواحل غرب أوربا في الشتاء أعلى بكثير من حرارة اليابس بفضل تيار الخليج الدافئ في شمال الأطلسي ، و هذا التيار الدافئ هو الذي يبقي موانئ غرب و شمال اسكندنياوة و شرقاًَ حتى مورمانسك خالية من الجليد . كما يؤثر هذا التيار في تدفئة اليابس الأوربي.
أحوال المناخ في فصل الشتاء:
أ- الحرارة : تنخفض درجات الحرارة تدريجياً كلما اتجهنا غرباً من غرب القارة صوب شرقها ، و تسقط الشمس مائلة على أرض القارة ، و يصبح المحيط الأطلسي هو العامل الفعال المؤثر في تلطيف درجة الحرارة بها (فمتوسط درجة حرارة كانون الثاني ( يناير ) في سواحل غرب البرتغال 10 مْ و حوالي 4 مْ عند الرأس الشمالي بالنرويج) . و تنخفض درجة الحرارة في شرقي أوربا إلى ما دون درجة التجمد و يصبح المناخ قاري يعظم فيه المدى الحراري السنوي الذي يصل في موسكو إلى 30 مْ .
ب- الضغط و الرياح : في هذا الفصل يصبح القسم الشرقي من أوربا مركزاً لنطاق من الضغط المرتفع بسبب شدة برودة الهواء و تكاثفه ، و هو امتداد لنطاق الضغط المرتفع الآسيوي و منه تخرج رياح باردة جافة ، كما تهب أيضاً رياح باردة و جافة من الشمال القطبي على أرضها ، و لهذا نجد مناخ الشتاء في روسيا يتميز بالبرودة القارسة و الركود و قلة التساقط ، و قد يشمل نطاق هذا الضغط المرتفع الآسيوي غربي أوربا و إقليم البحر المتوسط . و تهب من نطاق الضغط المرتفع الآزوري رياح نحو نطاق العروض الستينية ، و يكون اتجاهها جنوبية غربية، و عند التقاء التيارات الهوائية القطبية الباردة بالتيارات الجنوبية الدفيئة تنشأ الأعاصير بكثرة ، و تسبب هذه الأعاصير ظروف الطقس المتغيرة في غرب أوربا و جنوبها .
جـ- الأمطار : معظم الأمطار التي تسقط فوق القارة من النوع الإعصاري ، و بعضها تضاريس ، و المطر الإعصاري يصحب مرور الأعاصير التي تدفعها الرياح الغربية صوب القارة . و يشتد ورود الأعاصير في الشتاء ، و تقل هذه الأمطار الإعصارية كلما اتجهنا شرقاً و ابتعدنا عن المحيط الأطلسي. أما شرق أوربا فيبتعد عن المؤثرات المحيطية و يكون مركزاً لضغط مرتفع ، و لما كان الهواء البارد بطبيعته قليل الرطوبة فإن التساقط في شرقي أوربا يقل في الشتاء و يكون ثلجياً لا يزيد عن بضعة سنتيمترات و أيام الشتاء تكون هنا هادئة ، فالسماء صافية و الشمس مشرقة على الرغم من هبوط الحرارة إلى دون التجمد بكثير . و تسقط الأمطار في أراضي إقليم البحر المتوسط في الشتاء ، و خاصة حين وقوع تلك الأراضي تحت تأثير الرياح الغربية و الأعاصير . و تكون السفوح الغربية لمرتفعات الابنين و الألب الدنيارية غزيرة الأمطار لاعتراضها الرياح الغربية، أما السفوح الشرقية فقليلة الأمطار لوقوعها في ظل المطر . و تؤثر الجبال في إسقاط المطر حتى في الجهات البعيدة عن المحيط الأطلسي كما في جبال القوقاز و مرتفعات اسكندنياوة .
أحوال المناخ صيفاً:
أ- الحرارة :
تنتقل عمودية الشمس في هذا الفصل إلى الشمال من خط الاستواء ، و من ثم تتأثر بها حرارة القارة تأثراً واضحاً , و هناك تناقص في متوسط الحرارة من الجنوب إلى الشمال و تبلغ الحرارة أقصاها في جنوب القارة ، و يزداد المدى الحراري بالابتعاد عن البحر ، و يزداد طول النهار كلما اتجهنا شمالاً و من ثم فإن درجات حرارة الصيف تزداد في العروض العليا بسبب طول فترة شروق الشمس .
ب- الضغط و الرياح : في هذا الفصل يتسع نطاق الضغط المرتفع الآزوري ليشمل منطقة البحر المتوسط ، و ينشأ عنه هدوء عام في الأحوال المناخية فنجد الطقس مشمساً و السماء صافية و ذلك في جنوب أوربا، و عادة نجد مناطق الضغط المرتفع عديمة الأمطار ، و هذا هو السبب في أن أقطار البحر المتوسط جافة في فصل الصيف . و يمتد فوق شرق أوربا نطاق من الضغط المنخفض مركزه فوق آسيا ، و حينئذ تستطيع الرياح الغربية المرفقة بالأعاصير أن تتوغل نحو شرقي القارة .
جـ- الأمطار: يسقط المطر فوق القارة إعصارياً و تضاريسياً ، و لكن قسماً عظيماً منه في فصل الصيف من النوع الانقلابي ، و هو الذي ينشأ من تصاعد الهواء الرطب إلى أعلى فيبرد بدرجة تكفي لإحداث التكاثف ثم سقوط المطر ، و يرافق هذه الأمطار الانقلابية في أوربا عواصف مرعدة . و مثل هذه الأمطار تسقط على مختلف أجزاء أوربا في الصيف و يكون المطر غزيراً على الأجزاء الغربية و معتدلاً في الوسط و يشح في الشرق .
الأقاليم المناخية:
تقسم أوربا إلى عدة أقاليم مناخية تختلف في ميزاتها المناخية و هي :
1- إقليم مناخ البحر المتوسط:و يشمل الأراضي التي تطل على هذا البحر جنوب أوربا ، بالإضافة إلى سواحل البرتغال و سواحل جنوب غرب أسبانيا و جنوب غرب البحر الأسود و سواحل جنوب شبه جزيرة القرم . و يتميز الإقليم بشتاء دافئ ، و تتناقص درجات الحرارة من الجنوب نحو الشمال و من الغرب صوب الشرق و قد تهبط درجات الحرارة إلى ما دون الصفر بسبب الرياح الباردة الجافة التي تأتي من وسط القارة . و تشتد الحرارة في أراضي هذا الإقليم في الصيف ( يزيد معدلها على 21 مْ ) و تزداد الحرارة كلما اتجهنا من الغرب إلى الشرق و من الشمال صوب الجنوب . و تجلب الرياح الغربية التي تهب على أراضي الإقليم الأمطار في فصل الشتاء أما الرياح التجارية الشمالية الشرقية التي تهب عليها في الصيف فهي رياح جافة و لهذا فالإقليم يتميز بمناخ معتدل و متغير في الشتاء و بمناخ مداري و مستقر في الصيف . و مع ذلك تتناقص الأمطار على امتداد حوض البحر المتوسط من الغرب نحو الشرق , و تتسبب المرتفعات في ازدياد كمية الأمطار الساقطة . أما جهات الأقاليم المرتفعة أو المحاطة بالجبال فيكون مناخها أقرب للقاري منه لمناخ البحر المتوسط مثل هضبة المزيتا الاسبانية و سهل لومبارديا و أجزاء مختلفة من يوغسلافيا و اليونان .
2- إقليم مناخ غرب أوربا: يشمل هذا الإقليم السواحل الغربية لشبه جزيرة اسكندنياوة و كل الجزر البريطانية و الدانمرك و هولندا و بلجيكا و معظم فرنسا و شمال ألمانيا و شمال إسبانيا . و يتميز هذا الإقليم بوضوح المؤثرات المحيطية الملطفة له و بالتالي فالمدى الحراري فيه ضئيل، و تزداد الحرارة باتجاه الشرق بسبب المؤثرات القارية كما تزداد باتجاه الجنوب . و حرارة الشتاء على السواحل الغربية معتدلة و تتناقص عموماً باتجاه الشمال . وتتسبب كتل الهواء البارد الشمالي في حدوث الصقيع و تجمد مياه الأنهار ، و يتميز هذا النوع المناخي بالتغيرات المناخية بسبب مرور الأعاصير و خاصة في الشتاء أما في الصيف فتسود الرياح الغربية . لهذا نجد الأحوال الجوية في الصيف أكثر استقراراً في غرب أوربا منها في فصل الشتاء. و تسقط الأمطار هنا بانتظام على فصول السنة و لكن هناك زيادة في كمية الأمطار في الشتاء بسبب كثرة ورود الانخفاضات الجوية وشدة عمقها و لا نجد في هذا الإقليم شهراً جافاً بعكس إقليم البحر المتوسط الذي يتصف بالجفاف صيفاً.
3- إقليم مناخ وسط أوربا: يشمل هذا المناخ أراضي وسط و شرقي فرنسا و ألمانيا فيما عدا شمالها ، و سويسرا و غرب بولندا و أراضي نهر الدانوب الأوسط و سهل لومبارويا ( شمال ايطاليا ) . و هو مناخ انتقالي معتدل بارد ، ينشأ من اختلاط المؤثرات المحيطية بالمؤثرات القارية ، و رغم ارتفاع الحرارة في فصل الصيف فإنها تهبط إلى ما دون درجة التجمد في الشتاء . و المدى الحراري اليومي و الفصلي و السنوي كبير و تسقط الأمطار في هذا الإقليم طول السنة و لكنها تزداد في الصيف ، و كمية الأمطار ليست كبيرة ، و أمطار الصيف انقلابية يصحبها الرعد و البرق أما أمطار الشتاء فمن النوع الإعصاري تكون على شكل رذاذ أو هيئة ثلج .
4- إقليم مناخ شرق أوربا: و يعرف أيضاً بالمناخ القاري المعتدل البارد ، و هو يتمثل في جنوب اسكندنياوة و شرق بولندا و تشيكوسلوفاكيا و في رومانيا و بلغاريا و في روسيا جنوب لينغراد(سان بطرس سبرغ حالياً) . و هنا يشتد برد الشتاء و يهبط إلى دون الصفر ، و يعزى هذا الهبوط الكبير لحرارة الشتاء إلى قصر فترة الإشعاع الشمسي أثناء النهار و إلى تعرض أراضي الإقليم لغزوات الكتل الهوائية القارسة البرودة من الشمال و الشرق ، كما يرجع إلى التبريد الذي يحدثه تراكم الجليد بسمك كبير على الأرض الباردة . أما الصيف فهو حار نظراً لطول فترة الإشعاع الشمسي ( 17 ساعة يومياً ) و المدى الحراري السنوي كبير و تسقط معظم الأمطار في الصيف و معظمها انقلابي و بعضها إعصاري و تضاريسي . و تقل الأمطار كلما اتجهنا نحو الشرق والجنوب الشرقي( لا تزيد كميتها عن 550 مم) . أما الأراضي الواقعة دون منسوب البحر إلى الشمال من بحر قزوين فتتصف بظروف مناخ صحراوي ( 130 مم سنوياً ) .
5- إقليم المناخ البارد في شمال شرق أوربا : يمتد من منحدرات السويد عبر كتلة الدرع البلطي إلى شمال روسيا . و يتميز بشتاء طويل مظلم قارس البرودة قد تهبط درجات الحرارة فيه إلى أقل من – 6 مْ و تنخفض إلى أدنى من ذلك كلما اتجهنا صوب الشرق و الشمال . و ترتفع الحرارة في الصيف إلى نحو 13 مْ . و تسقط معظم الأمطار في النصف الصيفي من السنة ، و التساقط في الشتاء قليل و يكون على هيئة ثلج و لا تزيد كمية التساقط السنوية عن 450 مم .
6- إقليم مناخ التندرا: يشمل هذا الإقليم الشمال الأقصى من روسيا و فنلندا و اسكندنياوة و أعالي مرتفعات اسكندنياوة و جزيرة أيسلندا و في بعض الجزر الأوربية في المحيط المتجمد الشمالي .
شتاء هذا النوع المناخي طويل قارس البرودة يمتد تسعة أو عشرة أشهر و فيه تنخفض درجة الحرارة إلى الصفر و ما دونه .
و خلال فصل الصيف القصير ترتفع درجات الحرارة و لا يزيد معدلها في أحر الشهور عن عشر درجات مئوية و لا تقل عن الصفر و تنخفض درجات الحرارة كلما توغلنا نحو الشرق حيث تسود المؤثرات القارية و تتلاشى المؤثرات البحرية. و لا تزيد كمية التساقط عن 300 مم و معظمها ثلجي ، و يزداد التساقط صيفاً في الأجزاء الداخلية و شتاء في الأجزاء الساحلية التي تتأثر بأعاصير الشتاء .