موقع المستشار - عبد الرحمن هاشم.

كشفت دراسة حديثة بمصر نوقشت بتربية الزقازيق يوم الخميس الموافق 3-6-2010 حول تنمية التواصل لدى الأشخاص الصم المكفوفين أن الفقد الجزئي أو الكلي في حاستي السمع والبصر يؤدي إلى كثير من الصعوبات المتعلقة بالتواصل بين الشخص الأصم الكفيف وبيئته وكذلك إلى صعوبات بالغة في الوصول إلى المعلومات والتوجه والحركة ، ونتيجة لذلك تواجه أسر الأشخاص الصم المكفوفين بأعباء ومشكلات قد تؤثر على نوعية وجودة حياتهم ، و يمثل استخدام المداخل التفاعلية اعتمادا على بناء العلاقات ـ ومنها ما يعرف بالمدخل الاسكندنافي ـ أساسا مهماً في تعليم وتأهيل الأشخاص الصم المكفوفين والذي تطور خلال العشرين عاما الماضية.

هذا ما تؤكده الباحثة سهير عبد الحفيظ عمر التي قامت بإعداد هذه الدراسة ونالت بها درجة الدكتوراه من كلية التربية ، قسم الصحة النفسية، جامعة الزقازيق ، موضحة ضرورة استخدام أنظمة التواصل الكلي مع مزدوجي الإعاقة الحسية من الأطفال الصم المكفوفين، من خلال استخدام القنوات القوية مثل اللمس والشم والحركة والتذوق و توظيف البقايا الحسية للطفل مع احترام التدخل الموجه من الطفل كشريك في العملية التفاعلية.

وأشار الأستاذ الدكتور أشرف أحمد عبد القادر أستاذ الصحة النفسية ووكيل كلية التربية بجامعة بنها للدراسات العليا والبحوث إلى حدة المشكلة التي عالجتها الباحثة المعروفة في وسط المهتمين بذوي الإعاقة باسم " أم الرجال " حيث ضراوة تأثيرات كل من الفقد السمعي والفقد البصري على الفرد منوها بصعوبة وتفرد هذه التأثيرات عند تزامن الفقد في الحاستين معا ، كما أشار إلى قراءته لتجربة " العشاء في الظلام "، كتجربة تحدث عنها الإعلام للفت الانتباه إلى ما يعانيه الأشخاص المكفوفون مثلما عايشت الباحثة تجربة الصمم وكف البصر وقال "إن محاكاة هذه التجارب تجعلنا نشعر بهؤلاء الأشخاص وبالتالي نفكر في جودة حياتهم"، مشيداً بالربط بين تنمية التواصل وجودة الحياة في موضوع الرسالة .

وفي استفساره عن سبب تسمية أفراد العينة بأسمائهم وعدم وصفهم بـ"الحالة" الأولى أو الثانية؟ أجابت الباحثة سهير عبد الحفيظ أنها قامت بذلك من منظور حقوقي فهؤلاء الأشخاص ليسوا مجرد "حالات" بل هم أشخاص يتميزون بأسمائهم ويتفرد كل منهم بكينونته الخاصة وذلك وفق بنود الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة وذلك بعد موافقة ذويهم كتابيا على استخدام أسمائهم وصورهم خلال هذه الدراسة.

كما تساءل الدكتور أشرف عن حقيقة الرقم الذي ذكرته الباحثة قياسا على إحصاءات منظمة SENS البريطانية وهو وجود 320 ألف شخص أصم كفيف في مصر ، فأجابت الباحثة أنها اضطرت لهذا القياس لغياب الإحصاءات عن هذه الفئة في مصر!

ونبهت الدكتورة إيمان فؤاد كاشف أستاذ الصحة النفسية بكلية التربية جامعة الزقازيق إلى حقيقة أن 94% من فئة الصم المكفوفين لديهم بقايا سمعية / أو بصرية يمكن توظيفها والاستفادة منها لتحسين نوعية وجودة حياة هؤلاء الأشخاص.

وأثبتت الباحثة عدة نتائج توصلت إليها عبر دراستها وهي :

ـ يترك الفقد السمعبصري آثارا سلبية على تواصل الطفل الأصم الكفيف على الرغم من وجود بقايا بصرية وسمعية وإن تفاوتت درجتها ووظيفتها ، وتستلزم حالات الصمم وكف البصر التأهيل والتعليم في جلسات فردية ليظل شريك التفاعل متاحا للطفل ، حيث يعتمد التفاعل على الحواس القريبة بالدرجة الأولى ، ويتفق ذلك مع ما أشارت إليه Miles and Riggio (1999 ) من أن الأشخاص الصم المكفوفين بحاجة إلى التعليم الفرديindividual حيث يتطلب تأسيس المعنى الاتصالي من خلال اللمس أن يكون الشخص الأصم الكفيف في وضع قريب جدا .

ـ اختلاف درجة ووظيفة القدرات البصرية والسمعية والمعرفية والحركية ـ بناء على مختلف التقييمات ـ لدى كل حالة مما يستلزم وجود خطة فردية لكل شخص أصم كفيف تتناسب مع ما لديه من حواس يمكن توظيفها وما يملك من قدرات يمكن استغلالها وتنميتها ، وهذه الخطة يجب أن تتسم بالمرونة فيما يتعلق بالزمان والمكان والأنشطة المقترحة ويمكن تقييمها وتعديلها بناء على خبرات العمل اليومي مع الطفل ، وهذا يتفق مع ما ذكرته Andreassen and Rodbroe (2007 ) من أن الخطة الفردية أداة tool مساعدة في دعم وتنمية تواصل المتعلم وهو أيضا وثيقة مرنة قابلة للتنفيذ كما أنها ليس صلبة rigid وليست خطة يومية أو وصف لكل شيء يتم تعليمه للطفل وليست وسيلة means لمراقبة فعالية المعلمين كما أنها ليست تقريرا تقديريا report cord ، وفي هذا السياق يجب التأكيد على المشاركة الكاملة والتعاون التام بين الأسرة وفريق التأهيل في وضع وتنفيذ وتقييم الخطة الفردية للطفل ، وهذه المشاركة تتضمن كما أوضحت Miles and Riggio (1999 ) مشاركة المعلومات ووضع أهداف مناسبة مبنية على اهتمامات الأسرة والطفل واحتياجاتهم ورغباتهم ومشاركة تقدم الطفل.

ـ تطلب ارتقاء التواصل لدى عينة الدراسة من الأطفال الصم المكفوفين المشاركة الكاملة والإنهماك الجسدي والوجداني لشريك سامع مبصر مع هؤلاء الأطفال في ممارسات وخبرات وأنشطة تحمل الأمان والمتعة لهؤلاء الأطفال ، ويتفق ذلك مع ما أشارت إليه Rodbroe and Andressen (2007 ) من أنه لايمكن التدريب على التواصل بل يمكن تنميته عندما يعايش الطفل خبرة حول شيء ما مع شخص آخر ، وعندما يشعر الطفل بالأمان secure والمتعة motivated ، مع تأكيد هاتان الباحثتان على أن المواقف التعليمية الجيدة لهذه الفئة من الأطفال تعني أن الطفل الأصم الكفيف وشريكه ينهمكان involved انفعاليا فيما يقومان به وكذلك ينهمك كل منهما في الآخر وهو ما يتفق مع نتائج الدراسة الحالية .

ـ إن تصميم السياقات وتنظيم البيئات وإتاحة الظروف لتعويض الآثار السلبية للفقد في حاستي السمع والبصر أسهم في ارتقاء التواصل لدى هؤلاء الأطفال ؛ ويتضمن تصميم السياقات أن تكون طبيعية ، وأن تنظم البيئة لتكون مريحة وممتعة وثرية ، وأن تتضمن تحسين الظروف السمعية والبصرية واستخدام المعينات السمعية والبصرية ـ وفق قدرات الطفل ـ بما يسمح بأقصى وصول للمعلومات ، ويتضمن هذا الوصول تيسير استكشاف الطفل الأصم الكفيف لما يتاح في بيئته من مثيرات .

ـ من الاستراتيجيات الفعالة لتحقيق ارتقاء التواصل استخدام التواصل الكلي الذي يتيح للشريك استخدام كل طرق التواصل المتاحة مثل اللمس والحركة.. زفير الهواء والذبذبات إضافة إلى الأصوات ويسمح للطفل الأصم الكفيف بتوظيف أكثر من حاسـة معا ، وأشارت ( Rodbroe and Andreassen (1998 إلى أهمية استخدام الحواس المتبقية لدى الطفل بطريقة وظيفية فعالة واستخدامها مع الحواس القوية كقنوات مساندة.

ـ أظهرت دراسة الحالات احتياج الأطفال الصم المكفوفين لكثير من التكرار للمعلومة الواحدة في سياقات مختلفة ، وبطرق متنوعة ، وقد أكدت Rodbroe and Andreassen (2007) على أن التعلم من خلال الحواس الجسدية يتطلب الكثير من الوقت والطاقة مما يعني أن التكرارات repetitions جوهرية في تعليم الصم المكفوفين .

ـ يمكن للباحثة وصف سياقات التدخل بأنها استكشافية فالشريك السامع المبصر في حالة ملاحظة واستكشاف وتقييم مستمر لتعبيرات واهتمامات وسلوكيات الطفل في سياق الموقف التواصلي ، وقبوله لتعبيرات الطفل الطبيعية بالطريقة التي يعبر بها وإخلاصه وإنهماكه في محاولة تفسيرها يؤسس لبناء التواصل مع هؤلاء الأطفال .

ـ على الرغم من تأثر مستوى إدراك أمهات عينة الدراسة لجودة الحياة بالتحسن ـ في حالتين ـ بعد إجراء التدخل لدى أطفالهن ، إلا أنه يبدو أن ارتقاء التواصل ليس هو المتغير الوحيد الذي يؤثر في مستوى إدراك الأمهات لجودة الحياة ، حيث أظهر التحليل الإحصائي للفروق بين نتائج القياسين القبلي والبعدي عدم وجود فروق جوهرية للمجموعة ككل ، ولعل ذلك يعكس تعقد ظاهرة جودة الحياة وتعدد أبعادها والمتغيرات المرتبطة بها وفي ذلك مايتفق مع نتائج دراسات مثل ( Aznar & Castañón 2005 ، Poston & Turnbull ، 2004 ) ، وقد يكون لصغر حجم العينة دور في هذه النتيجة وتظل جودة الحياة داخل أسر الأشخاص ذوي الإعاقة بحاجة إلى المزيد من البحث والدراسة .

وفي ضوء ما كشفت عنه الدراسة أوصت الباحثة سهير عبد الحفيظ عمر بما يلي :

ـ توجيه اهتمام المراكز البحثية والدراسات في الجامعات إلى مجال الصمم وكف البصر نظرا لندرة الدراسات العربية التي تناولت هذا المجال ، مع استخدام المنهج الكيفي ودراسة الحالة في الدراسات التي تتناول هذا المجال فقد يعجز المنهج السيكومتري عن وصف وتفسير الكثير من الجوانب والعلاقات والتفاعلات في حياة الأشخاص الصم المكفوفين وأسرهم .

ـ اهتمام المراكز المتخصصة بإعداد كوادر عاملة في مجال الصمم وكف البصر وفق مباديء المدخل الاسكندنافي لارتقاء التواصل مع الأشخاص الصم المكفوفين .

ـ اهتمام مقدمي الخدمات على المستويين الرسمي وغير الرسمي بتوعية ، وتمكين أسر الأشخاص الصم المكفوفين عامة ، والأمهات خاصة من مهارات التواصل مع أطفالهن على أن تتم بوسائل وطرق تبتعد عن النمطية .

ـ التوسع في إنشاء أقسام التربية الخاصة في كليات التربية للمساهمة في إعداد الكوادر المتخصصة القادرة على الإفادة مع إمكانية التخصص في مجال الإعاقات المتفردة مثل إعاقة الصمم وكف البصر .

ـ تعاون كليات التربية والمراكز المتخصصة مع المراكز العالمية والهيئات العاملة في مجال التربية الخاصة للتعرف على أحدث المستجدات في مجال تمكين الأشخاص ذوي الإعاقة الذي تتلاحق فيه التغيرات بشكل مدهش خلال السنوات الأخيرة .

ـ التوسع في خدمات المساندة الاجتماعية وبخاصة المعلوماتية والأدائية لأسر الأشخاص الصم المكفوفين لتحسين نوعية وجودة حياة هذه الأسر .

ـ اهتمام الإعلام وخاصة المرئي والمسموع بالواقع الفعلي لأسر الأشخاص ذوي الإعاقة عامة ، والصم المكفوفين خاصة .

يذكر أن لجنة الحكم والمناقشة تكونت من الأستاذ الدكتور عادل عبد الله محمد أستاذ ورئيس قسم الصحة النفسية بالكلية (مشرفا ورئيسا) ، والأستاذ الدكتور أشرف أحمد عبد القادر أستاذ الصحة النفسية ووكيل كلية التربية بجامعة بنها للدراسات العليا والبحوث ( مناقشا ) ، والأستاذة الدكتورة إيمان فؤاد كاشف أستاذ الصحة النفسية بالكلية مشرفا والأستاذ الدكتور محمد أحمد ابراهيم سعفان أستاذ الصحة النفسية بالكلية مناقشا ، وبعد المناقشة قررت اللجنة منح الباحثة درجة دكتوراة الفلسفة في التربية قسم الصحة النفسية مع التوصية بتبادل الرسالة بين الجامعات ومراكز البحوث .

المصدر: موقع المستشار
  • Currently 15/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
5 تصويتات / 136 مشاهدة
نشرت فى 3 أغسطس 2011 بواسطة hofny

ساحة النقاش

حفنى عبده

hofny
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

13,698