<!--<!--<!--
نسامح أم لا نسامح؟
متي نسامح؟
ما الذي يدريني أنني لست مخدوعاً إذا سامحت؟
ما الشعرة التي تفصل بين حسن النية والسذاجة، وبين سوء النية والفراسة؟
أسئلة يدور بعضها في رأسي منذ فترة ثم أصبحت أكثر إلحاحاً في الفترة الأخيرة بسبب أحداث الثورة. وهذه الإجابات التي توصلت إليها:
1- نسامح؟ أم لا نسامح؟
نسامح، بضوابط. نسامح ولا ننسي.
2- متي نسامح؟
* من عليه حقوق مادية: نسامحه عندما شعر بأخطائه ويعتذر عنها ويرد الحقوق إلي أصحابها.
* من عليه حقوق معنوية: نسامحه عندما شعر بأخطائه ويعتذر عنها.
3- السؤال الذي يطرح نفسه هنا: ما الذي يدريني أنه لا يخدعني؟
* من عليه حقوق مادية، فأظن أن رد الحقوق طواعية قد يضمن بدرجة كبيرة أنه فعلاً تغير.
* من عليه حقوق معنوية، فبالطبع الاعتذار ليس ضمانة كافية خاصة لمن اعتاد الخطأ وأمعن فيه سنوات وسنوات. ولكننا في نفس الوقت، لا يمكن أن نتبع مبدأ التخوين أو نحكم عليه بأنه أبداً لن ينصلح حاله. وفي تراثنا الإسلامي وواقعنا المعيش من القصص التي نري فيها أناساً تابوا إلي الله وعادوا إلي صوابهم، أو العكس في آخر حياتهم. ولعلكم تذكرون الرجل الذي قتل مائة نفس ثم تاب، وأراد الله أن تقبضه ملائكة الرحمة لا ملائكة العذاب. وأيضاً قصة الأخوين العابد واللاهي الذي ظل كل منهما علي حاله من العبادة أو اللهو طيلة حياته، حتي سئم كل منهما حاله وأراد أن يجرب حال الآخر، وقبض كل منهما وهو متوجه إلي الحال الجديدة التي انتوي تجربتها.
إذن اتفقنا علي أن باب التوبة مفتوح مهما فعل الإنسان، وليس لنا أن نحكم علي أحد أو نغلق علي أحد هذا الباب الذي أبقاه الرحمن مفتوحاً. ولكن ما الذي يضمن لي أنه لا يخدعني وأن هذا الاعتذار ليس زائفاً؟
يقول تعالي في سورة الأنفال: "وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (61) وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ... (62)"
إذن أول شيء أنه طالما أنني أسامح لوجه الله، فيجب أن يكون لدي ثقة في الله أنه سينير بصيرتي ويحفظني من أي محاولة خداع. وهذا لا يعني عدم الأخذ بالأسباب،وكما يقول المثل: "حرَّص ولا تخوِّن". إذن فلنسامح مع أخذ الحيطة، ومراقبة مواقف الشخص وكلماته لنتبين حقيقة نواياه.
4- ما الشعرة التي تفصل بين حسن النية والسذاجة، وبين سوء النية والفراسة؟
* ليس من الذكاء ولا من العدل أن نحكم علي الشخص في لحظة من حياته أو في ضوء موقف واحد، بل نقرأ تصرفاته وكلماته في سياقها وفي ضوء تاريخه ومواقفه بصفة عامة، ومعلوماتنا عن خلفيته وتوجهاته الفكرية. وهذا حسن نية وفراسة.
* أما السذاجة فهي محاولة الحكم علي أقوال وأفعال الشخص بالسلب أو بالإيجاب، في ضوء اللحظة الحالية ومن خلال موقف واحد، دون النظر إلي شخصيته وحياته ككل للحصول علي مفاتيح القراءة. مثال ذلك، ما صدر من تعاطف من الكثيرين مع خطابات الرئيس مبارك الأخيرة، وخاصة الخطابين الثاني والثالث اللذين لعبا علي أوتار العاطفة. ولا يُفهَم من كلامي أنني أتهم جموع المصريين بالسذاجة، بل ألتمس العذر لصعوبة اللحظات التي كنا نمر بها وقتها فضلاً عن أننا - وللأسف - لم نتعلم في صغرنا كيف نفكر تفكيراً ناقداً موضوعياً لا يتأثر بالعواطف والأهواء.
ساحة النقاش