<!--<!--<!--
الفرحة تعم جموع المصريين داخل مصر وخارجها... الفرحة تملأ قلوب المصريين بشكل لم أره حياتي... بل الفرحة تتسع وتتسع لتشمل كل عربي ومسلم، وتتناثر البسمات كالورود لتزين وجه كل إنسان بحق.
لطالما أبهر المصري العالم، ثم انطفأ بريقه فأصبح ينبهر ولا يُبهِر، ثم جاءت ثورة الحرية لتعيد لنا البريق الذي انطفأت روعته سنوات. أبهرنا العالم بثورتنا البيضاء السلمية التي لم تلطخها نقطة دم واحدة، بل جملتها وزكتها دماء الشهداء الطاهرة... أبهرناهم حتي رشح الرئيس النمساوي الشعب المصري لينال جائزة نوبل للسلام... أبهرناهم بثورة تخرج بلا أيديولوجية معينة ولا قائد إلا إرادة الشعب المتوحدة المصرة علي الحرية والكرامة... أبهرناهم بتحضرنا، وتنظيمنا لأنفسنا.. أبهرناهم بتكافلنا وبتحول كل رجل، وشاب وولد صغير إلي جندي يحرس أهل بيته وشارعه... أبهرناهم بقيامنا بتنظيف ميدان التحرير وسائر شوارع مصر، وهي أول مرة يقوم فيها شعب بثورة ثم ينظف الشوارع بعدها. أبهرناهم حتي طلبوا تدريس الثورة المصرية في مناهجهم. والحقيقة أننا لم نبهر العالم فحسب، بل أبهرنا أنفسنا أيضاً. وسوف نبهر الجميع - بمن فيهم أنفسنا - بما سوف تحققه مصر من نهضة في غضون سنوات قليلة بإذن الله ثم بسواعد أبنائها الأبرار.
كنا الأضعف وأصبحنا الأقوي بعد أن كانوا الأقوي وكنا الأضعف. فماذا فعلوا عندما كانوا الأقوي؟ سجنوا أحلامنا، سرقوا سني عمرنا، نهبوا ثروات بلادنا. لقد غرتهم قوتهم، فطغوا، وتجبروا.. اعتقلوا وعذبوا، فرقوا بيننا، استخدمونا بدلاً من أن يخدمونا. والآن تبدلت الأماكن، أصبحنا نحن الأقوي بعد أن تمسكنا بحقنا وناضلنا حتي استرددناه. فكيف سنفعل؟ إن الأيام دُوَل، ونحن الآن محل اختبار من الله، من العالم، من التاريخ. أنظار الجميع تتجه إلي المصريين وترقبهم لتسجل أصابع التاريخ كيف سيفعل المصريون الأقوياء بالضعفاء.
تخفف من أثقالك
لا ينبغي أن نسكت عن حقوقنا، وعلينا أن نبذل كل جهد لاستردادها، والقضاء هو المُخَوَّل بهذه المهمة، وكل من يستطيع أن يساعد بتقديم أوراق أو مستندات دالة فليفعل. وفي الفترة القادمة إن شاء الله ستتوالي أفراحنا بسقوط رموز الفساد، ولكن هناك فرق بين الفرحة والشماتة. وأظن أن إحساس كل واحد منا يستطيع أن يفرق بينهما. هناك فرق مؤكد بين المطالبة بالحق، وبين السخرية والسباب. تعالوا نبهر العالم مرة أخري بقدرتنا علي التسامي... تعالوا نتعاهد ألا نشغل أنفسنا بالحديث عن رموز الفساد، وجرائمهم، وفضائحهم لعدة أسباب:
أولاً: إن الحديث عن مثل هذه الأشياء لا يرقي إلي أن نشغل به أوقاتنا، وعقولنا وقلوبنا الآن.. نهضة مصرنا المحروسة هي ما ينبغي أن يملأ علينا كياننا. إن ثورتنا لم تكتمل بعد، وهدفنا من القضاء علي الظلم والفساد كان لتحقيق النهضة بعد ذلك، خاصة وأن هناك مِن النظام القديم مَن يريد أن يؤكد أننا لسنا أهلاً للنجاح. ولكننا لن نترك لهم هذه الفرصة، وسوف ننهض ببلدنا، وبأيدينا أن نجعلها البلد رقم 1 في العالم.
ولكي نحقق النهضة، فإننا نحتاج إلي أن نتخفف من أثقال الغل والرغبة في التشفي والانتقام. تخيل لو أنك تحمل شوالاً من الطوب والأحجار وتتحرك به طوال الوقت. كيف ستكون حركتك؟ وجرب إحساسك بعد وقت تقضيه في الحديث أو القراءة عن فضائح فلان وعلان، وإحساسك بعد وقت تقضيه في إنجاز شيء مفيد أو حديث بناء عن أفكار للنهضة. فرق السماء والأرض!
ثانياً: لا أعرف مدي الشرعية الأخلاقية للتحدث عن جرائم الناس وهي لا تزال في طور التحقيق. من حقنا أن نعرف، ولكن هل الآن؟ أم بعد انتهاء التحقيقات وبعد أن يصدر القضاء قوله الفصل؟ سؤال مطروح للتفكير، وربما لتوجيهه لأهل الذكر ليفتونا فيه.
واستمعوا إلي أول دقيقة ونصف من هذا اللقاء بين الإعلامي محمود سعد وفخر مصر، العالم الكبير، د. أحمد زويل. تعالوا نسمع ونتعلم من إجابة د. زويل عندما سُئِل عن سبب منعه من الظهور في التليفزيون المصري طوال السنوات الماضية:
http://www.youtube.com/watch?v=03MOBlT7mZA
أخلاق الثورة وثورة الأخلاق
كما قمنا بثورة ستغير ملامح الحياة السياسية، والاقتصادية والاجتماعية في مصر إن شاء الله، علينا أن نقوم بثورات أخري لتنجح ثورتنا المباركة... نحتاج إلي ثورة في الأخلاق وطريقة التفكير.
أعتقد أنكم تفقون معي أن التعميم ليس من سمات التفكير الناضج المتحضر. فرغم التصرفات الهمجية التي صدرت من بعض فراد الأمن ضد الثوار، إلا أننا لا نستطيع أن ننكر أن منهم شرفاء وأبطال من أمثال الشهيد اللواء محمد البطران، رئيس مباحث سجن الفيوم.
وليس كل من طالب في وقت ما بتوقف المظاهرات عميل، وليس كل من قال مرة في التلفاز أن بين الثوار عملاء، يهدف إلي تشويه الثورة. إن الفترة الماضية سيطر عليها جو فظيع من البلبلة: إشاعات.. معلومات متناقضة.. آراء متضاربة.. عدم إحساس بالأمان لم نعتده بسبب تهريب المساجين. طبعاً نعلم أن الثوار ليسوا السبب، ولكن ما حدث تواكب مع الثورة. ولم يذهب كل المصريين إلي الميدان، وكل معلوماتهم من وسائل الإعلام. لذلك، كان الكثيرون في حالة من التشتت، والخوف علي النفس، والأهل، والوطن من الاحتلال أو التدخل الأجنبي. أضف إلي ذلك، أننا لفترة طويلة غرس بداخلنا الخوف والسلبية ولم يكن من المتوقع أن يتحول كل ذلك بين يوم وليلة إلي إيجابية، وشجاعة واستعداد للتضحية بكل شيء في سبيل الحرية.
وليس كل العاملين بالتليفزيون الرسمي والصحف القومية منافقين. بعضهم سيئون لا شك، وبعضهم شرفاء رفضوا الكذب والغش، وبعضهم كانوا يفعلون الخطأ وهم غير راضين والدليل الإضرابات والاعتصامات التي قامت مؤخراً في ماسبيرو. كانوا خائفين، ولن أدافع عنهم لأن الكلمة أمانة ولأن الله ينصر من ينصر الحق ويتصدي للظلم. كان عليهم أن يحاربوا الفساد، وأن يرفضوا النفاق وألا يقولوا إلا ما تمليه عليهم ضمائرهم. كان عليهم ذلك، تماماً كما كان علينا نحن أن نثور قبل سنوات وألا نسكت عن الظلم والفساد طيلة هذه الفترة. كنا خائفين والآن واتتنا الشجاعة. ولما تشجع الشعب تشجعوا، ولما ثار الشعب ثاروا. فكيف نسامح أنفسنا ولا نسامحهم؟ كثيراً ما كنا نعيب علي الولايات المتحدة أنها تكيل بمكيالين، والآن نفعل مثلها؟! إن هذه الثورة مرآة تضع كل واحد منا أمام نفسه، بقوتها وضعفها.
ولا أعني بكلامي أنني أطالب أحداً بمشاهدة قنوات أو برامج تليفزيونية معينة، فكل إنسان حر فيما يشاهد. ولكن ما أشعر أنه لا يليق بأخلاق المصريين هذه الموجة من الكره، وتصنيف الناس إلي مؤيدين للثورة ومعارضين لها، والحكم علي الآخرين بأن هذا منافق، وهذا شريف، وهذا كذا وهذا كذا. ولا أطالب أحداً بأن يحب شخصاً بعينه، فمشاعر الحب نحو الآخرين قد لا تكون بأيدينا ولكن احترامهم حتماً بأيدينا.
كيف ننشيء صفحات علي الفيس بوك لكره فلان وعلان، وصفحات تضم أسماء شخصيات صُنِّفوا علي أنهم كانوا ضد الثورة؟ كيف ذلك والمسيحية والإسلام كليهما يدعو إلي المحبة؟ ولماذا يسمح أحدنا لنفسه أن ينصب نفسه في موقف الحكم علي الآخرين؟ وهل أحدنا فوق حساب؟
كن نسراً...
ثم قولوا لي بالله عليكم كيف نبدأ مرحلة بناء وتعمير ونهضة، ونحن نعادي الشرطة، ورجال الإعلام، وكل من قال كلمة ضد الثورة؟ كيف نبدأ الإصلاح والتعمير وقد جعلنا أنفسنا شيعاً. إننا الآن أحوج إلي التسامح ولم الشمل من أي وقت آخر. تعالوا نقدم العفو والتسامح لعل العَفُوَّ - سبحانه وتعالي - يمن بهما علينا "وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ" (سورة النور، الآية 22).
ليعطِ كل منا غيره فرصة واثنتين وثلاث، ولا نحكم علي الآخرين من كلمة أو موقف. تعالوا نتخلص من فكرة تصنيف الناس وإصدار الأحكام عليهم. ومن كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر كما قال المسيح عليه السلام.
من أجل مصر، نريد أن نندمج كلنا في نسيج واحد، كلٌ بلونه لنصنع أجمل ثوب نكسو به أمنا مصر.
وأخيراً، هل تعرفون ماذا يفعل النسر عندما تهاجمه الغربان؟ إنه، ببساطة، يرتفع محلقا فوقها... :)
ساحة النقاش