في إحدي ورش بناء الشخصية التي قدمتها لمجموعة من البنات تتراوح أعمارهن ما بين العشرة أعوام والاثني عشر عاما، طلبت من كل واحدة منهن أن تجهز في يدها ورقة وقلما، وأن يقسمن أنفسهن بحيث تجلس كل بنتين مواجهتين لبعضهما. كل هذا وهن لا يعرفن سبب طلباتي هذه، ولكنهن متشوقات جدا لمعرفة ماذا سنفعل.

وأخيرا طلبت من كل واحدة أن ترسم وجه رفيقتها التي تجلس أمامها، فتباينت ردود أفعالهن ما بين الدهشة والرفض لأنهن لن يستطعن القيام بذلك، ولكنني أخذت أشجعهن قائلة أننا لن نخسر شيئا، وأنني أيضا لا أجيد الرسم ومع ذلك، فسوف أشاركهن المحاولة.

وفعلا، بدأت المحاولة، وحقيقة كنت سعيدة جدا مع أن الصور التي رسمتها لهن كانت بعيدة عن ملامحهن الحقيقية، إلا أنني كنت سعيدة بتجربة شيء جديد وبفرحتهن بفرحتهن بالصور. وما إن عرفت الأخريات أنني أرسم واحدة منهن حتي التفت الكثيرات منهن حولي طالبات مني أن أرسمهن (وفي لحظة شعرت أنني رسامة شهيرة!). ولتشجيعهن علي الرسم، أخذت أقول أنني أيضا أريد أن يرسمني أحد، وأنني سأفرح جدا بأي صورة سترسمها إحداهن لي، وسوف أظل محتفظة بها. ومع أن الصور التي رسمنها لي بعيدة عني تماما إلا إنني معتزة بها جدا، ومحتفظة بها. وتشجعت الأخريات أيضا ورسمن بعضهن، وطبعا انقلب الأمر مع البعض إلي رسومات كوميدية.

في النهاية، تبادلنا الصور التي رسمناها لبعضنا وكتبنا عليها إهداءات.

ذكرني هذا الموقف بما حدث يوم الحديبية. والقصة باختصار لمن لا يعرفها أو لا يتذكرها جيدا أن المسلمين خرجوا مع النبي (صلي الله عليه وسلم) متوجهين إلي مكة لأداء العمرة سائقين معهم الهدي (ما ينحر من النَّعَم عند الكعبة تقربا إلي الله)، ولكن قريش رفضت السماح للمسلمين بأداء العمرة في ذلك العام، وتم الاتفاق علي أن يأتي المسلمون ليؤدوا العمرة في العام القادم ضمن بنود أخري في الصلح تم الاتفاق عليها. فأمر النبي (صلي الله عليه وسلم) المسلمين بالتحلل (حلق الشعر أو تقصيره) ونحر (ذبح) الهدي، ولكنهم لم يتحركوا فقد كانوا غاضبين جدا من بنود الصلح وكانوا متشوقين لزيارة بيت الله الحرام. فدخل النبي (صلي الله عليه وسلم) إلي زوجته أم سلمة مهموما خائفا علي المسلمين من عقاب الله لعدم تنفيذهم أمر نبيهم، فنصحته أمنا الحكيمة أن يبدأ بنفسه، فيطلب الحلاق ليحلق له وأن ينحر هديه وسوف يقلده المسلمون، وقد أصابت في نصيحتها وتحقق ما قالت.

فعلا، قد يكون فعل واحد أبلغ من ألف كلمة!