ماهية التحكيم
القاضى / محمد حته
للتعرف على ماهية التحكيم بصورة دقيقة لابد أن نعرف أولا مرجعية نظام التحكيم و الخلفية التاريخية له , أحوال اللجوء الى التحكيم
وسوف نتناول كل نقطة مما سلف فى فصل مستقل على النحو التالى :-
الفصل الأول : المرجعية التاريخية لنظام التحكيم
الفصل الثانى : أحوال اللجوء إليه
الفصل الأول
المرجعية التاريخية لنظام التحكيم
مما لا شك فيه أن الأصل فى أن الأصل فى الفصل فى أى نزاع يكون لولاية قضاء الدولة ولكن و مع تطور الحياة و مقتضيات التجارة الدولية و النزاعات ذات الطابع الدولى و عدد من النزاعات التى تحتاج الى فصل سريع فيها
و يعتبر التحكيم أحد الوسائل البديلة عن القضاء لتسوية المنازعات التجارية، وشاع اللجوء له في العقود الدولية بشكل خاص، بحيث يندر ان نجد عقد دوليا لا يتضمن شرط التحكيم لتسوية المنازعات الناشئة عن العقد. ونقصد بالتحكيم هنا التحكيم الاختياري الذي يتفق فيه أطراف عقد تجاري على تسوية المنازعات التي ستنشأ أو نشأت بينهم بالنسبة لذلك العقد باللجوء إلى التحكيم .
فالتحكيم عدالة راقية ومرجع هذا الرقي أن من ينشدها يتخلي عن الطريق المألوف للحصول علي العدالة والذي يلجأ إليه العامة من أفراد الشعب طلباً للعدالة في مناخ متميز تتوافر فيه الكثير من الجوانب الإيجابية والتي نفتقدها في مرفق القضاء التقليدي ، ومن هنا يصدق القول في وصف آلية التحكيم بأنها عدالة خاصة ، وفي نظري جديرة بالوصف بأنها عدالة الأثرياء[1] .
الفصل الثانى
أحوال اللجوء للتحكيم
لاشك أن التحكيم قد تبوأ مكانة ساميه فى الأونة الأخيرة سواء فى الدول المتقدمة أو دول العالم الثالث
ويرجع ذلك إلى عدة عوامل أولها وأهمها هو ما يعانيه أطراف الخصومة من طول إجراءات التقاض وبطء تلك الاجراءات مما يترتب عليه ضياع الوقت الذى يكتسب قيمة كبيرة فى المعاملات التجارية خاصة أن تلك المعاملات قد أكتسب أغلبها الآصنفة الدولية مما يجعل اللجوء إلى التحكيم حل المنازعات المتعلقة بتلك المعاملات هو الطريق الأنسب لحلها إذ أن التحكيم قوامه إرادة الأطراف أو تهيمن هذه الادارة على نظام التحكيم بأكمله مدبر من الاتفاق على المبدأ ذاته مروراً باختيار المحكمين وتحديد عددهم واختصاصهم وتحديد الجهة التى تتولى الإشراف على التحكيم والإجراءات التى تتبع كل النواع والقانون الذى يحكم هذا النزاع مما يشعر الأطراف بأنهم يشاركون فى عملية التحكيم وذلك على عكس اللجوء للقضاء الذى عليهم إجراءات رسمية تبعية أتباعها وقد تطول مما قد تترتب عليه تكاليف باهظة كما أن مما يزيد من رصيد التحكيم وزيادة الأقبال عليه سهولة الإجراءات وبساطتها وسرعتها إذا ما قورن بالقضاء الذى يبدو أكثر مشقة وتعقيداً وأبطأ.
أما عن الأحوال التى يتم فيها اللجوء للتحكيم فقد نصت المادة الأولى من قانون التحكيم المصرى رقم 27 لسنة 1994 على " مع عدم الإخلال بأحكام الاتفاقيات الدولية المعمول بها فى جمهورية مصر العربية تسرى أحكام هذا القانون على كل تحكيم بين - أطراف من أشخاص القانون العام أو القانون الخاص ايا كانت طبيعة العلاقة القانونية التى يدور حولها النزاع إذا كان هذا التحكيم يجرى فى مصر ، أوكان تحكيما تجاريا دوليا يجرى فى الخارج واتفق أطرافه على اخضاعه لأحكام هذا القانون
وبالنسبة إلى منازعات العقود لإدارية يكون الاتفاق على التحكيم بموافقة الوزير المختص او من يتولى اختصاصه بالنسبة للأشخاص الاعتبارية العامة ، ولا يجوز التفويض فى ذلك "
وعلى ذلك نجد المشرع المصرى و إن كان قد قصر التحكيم فى البداية على المنازعات التجارية و المدنية إلا أنه عاد و عقب بعد ذلك على ا مكانية التحكيم فى مجال منازعات العقود الإدارية وهذا يدعونا الى ضرورة الحديث عن نقطة هامة وهى التحكيم فى العقود الإدارية
التحكيم فى العقود الإدارية
ومن نص المادة 1 من القانون 27 لسنة 1994 سالفة البيان يتضح جواز أن يكون أحد أطراف التحكيم الدولة أو أحد الأشخاص المعنوية العامة أو أحد أشخاص القانون الخاص، ويلاحظ أن مشكلة تحديد أشخاص اتفاق التحكيم لا تثور إلا إذا وجد اتفاق بين أحد أشخاص القانون العام ينص على اللجوء إلى التحكيم مع شخص آخر إلا أن الشخص العام يسعى للتخلص من الاتفاق على اللجوء للتحكيم استناداً إلى تمتعه بسلطة عامة أو بمعنى آخر كونه شخص من أشخاص القانون العام ويثور في هذا الفرض التساؤل حول مدى مشروعية اتفاق التحكيم من حيث الأشخاص وتعبير آخر " القابلية للتحكيم من الناحية الشخصية " ؟
أولاً: الوضع في القانون المصري قبل صدور قانون التحكيم رقم 27 لسنة 1994
· نظراً لعدم وجود نص تشريعي يتصدى للإجابة عن هذا التساؤل فقد اختلفت آراء الفقه في هذا الشأن .
وقد ذهبت المحكمة الإدارية العليا إلى عدم جواز التحكيم في منازعات العقود الإدارية استناداً إلى نص المادة (172) من الدستور والمادة (10) من قانون مجلس الدولة التي تجعله الجهة الوحيدة المختصة دون غيرها بنظر العقود الإدارية .
ثانياً: الوضع في مصر بعد صدور قانون التحكيم رقم 27 لسنة 1994:
من أجل حسم الخلاف الذي ثار في الفترة السابقة فقد صدر قانون التحكيم المصري متصدياً في المادة الأولى منه لهذه الإشكالية مقرراً أنه: "مع عدم الإخلال بأحكام الاتفاقيات الدولية المعمول بها في جمهورية مصر العربية تسرى أحكام هذا القانون على كل تحكيم بين أطراف من أشخاص القانون العام أو القانون الخاص أياً كانت طبيعة العلاقة القانونية التي يدور حولها النزاع ".
ومع وجود هذا النص فقد حدث خلاف في الفقه والقضاء حول مسألة قابلية أن تكون الدولة أحد أطراف اتفاق التحكيم .
وقد ذهبت الجمعية العمومية لقسم الفتوى والتشريع بمجلس الدولة إلى عدم صحة شرط التحكيم في منازعات العقود الإدارية فالمادة الأولى تواجه موضوع نطاق سريان القانون أما المشكلة المراد حسمها تتعلق بالقابلية للتحكيم واضافت أن شمول نظام التحكيم أو عدم شموله لمنازعات العقود الإدارية لا يتعلق فقط بما إذا كان قانون التحكيم يسع هذه العقود أو لا يسعها وإنما يتعلق بصحة شرط التحكيم من حيث توافر أهلية إبرامه . وإذا كان شرط التحكيم في منازعات العقود الخاصة لا يصلح لناقص الأهلية إلا باكتمال أهليته فأنه في منازعات العقود الإدارية لا يصح هذا الشرط إلا بإكتمال الإرادة المعبرة عن كمال الولاية العامة ولا تكتمل الولاية هنا إلا بعمل تشريعي يجيز شرط التحكيم في العقد الإداري بضوابط محددة وقواعد منظمة ، أو بتفويض جهة عامة ذات شأن للأذن به في أية حالة مخصصة وذلك بمراعاة خطر هذا الشرط فلا يقوم مطلق الإباحة لأي هيئة عامة أو غير ذلك من أشخاص القانون العام (18/12/1996) .
ثالثاً: التعديل التشريعي اللاحق في قانون التحكيم رقم 27 لسنة 1994 .
أعمالاً لتوصية الجمعية العمومية لقسمي القتوى والتشريع بمجلس الدولة فقد حدث تعديل تشريعي بموجب القانون رقم 9 لسنة 1997 وبمقتصى هذا القانون تم إضافة فقرة ثانية إلى المادة الاولى من قانون التحكيم تنص على أنه:
"بالنسبة إلى منازعات العقود الإدارية يكون الاتفاق على التحكيم بموافقة الوزير المختص أو من يتولى اختصاصه بالنسة للأشخاص الاعتبارية العامة . ولا يجوز التفويض في ذلك ".
وإذا وجد شرط التحكيم قبل العمل بالقانون 9 لسنة 1997 فما هو أثر صدور القانون على صحة ذلك الشرط ؟
قد يقال أن نص القانون 9 لسنة 1997 يتعلق بالنظام العام فإشتراط موافقة الوزير يستهدف التحقق من أن شرط التحكيم في منازعة إدارية معينة ليس من شأنه المساس بسيادة الدولة ولقد أرتأى المشرع ترك تقدير هذه المسألة للوزير المختص، فسيادة الدولة هي أساس مشكلة مدى قابلية المنازعات الإدارية للتحكيم ذلك للوزير المختص فسيادة الدولة ومصلحتها يتولى فقط تقديرها الوزير المختص دون معقب عليه . ويقتضى ذلك أن يسرى هذا التعديل بأثر فوري على كافة العقود التي تضمنت شرط التحكيم طبقاً للقواعد العامة في تنازع القوانين من حيث الزمان . كما يضاف إلى ذلك أننا بصدد قانون إجرائي جديد تسرى عليه ما يسرى على قوانين المرافعات في مسائل تنازع القوانين من حيث الزمان أي يسرى القانون الجديد ما لم يمكن قد فصل فيه من الدعاوي وما لم يكن قد تم من إجراءات قبل تاريخ العمل بها . فالقانون رقم 9 لسنة 97 يتعلق بتحديد الاختصاص القضائي [2] .
- د / أبو العلا النمر من سلسلة محاضرات مركز الشرق الأوسط للتحكيم الدولى – 2007 - [1]
ساحة النقاش