authentication required

شرح أحاديث عمدة الأحكام –  ح4 في الاستنشاق والاستنثار قبل الوضوء

 

عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إذا توضأ أحدكم فليجعل في أنفه ماء ، ثم لينـتـثر ، ومن استجمر فليوتر ، وإذا استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يده قبل أن يدخلها في الإناء ثلاثا ، فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده .

وفي لفظ لمسلم : فليستنشق بمنخريه من الماء .

وفي لفظ : من توضأ فليستنشق .

 

1 = قوله عليه الصلاة والسلام : إذا توضأ . يعني إذا أراد الوضوء ، لا أنه بعدما يفرغ من وضوئه

كما في قوله تعالى :  ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ ) الآية . لا أنه حال القيام ولكن عند إرادة الصلاة .

 

2 = ورد في روايات الحديث :

" فليجعل في أنفه ماء "

" فليستنشق "

والمعنى واحد ، إذ لا يستطيع أن يجعل الماء في أنفه إلا عن طريق سحبه بواسطه الهواء ، وهو الاستنشاق .

وسيأتي لاحقـاً  تفصيل حُـكم المضمضة والاستنشاق والانتثار .

 

3 = يجعل الماء في يده اليمنى ، ثم يستنشق .

 

4 = الانتثار : هو دفع الماء ليخرج من الأنف ويخرج معه ما في الأنف من فضلات .

ولا ينتثر بيده اليمنى بل بيده اليسرى .

وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجعل اليمين لطعامه وصلاته ، ويساره لما سوى ذلك ، كما قالت عائشة رضي الله عنها .

قال الأعمش : رآني إبراهيم وأنا أتمخط بيميني ، فنهاني وقال : عليك بيسارك ، ولا تعتادن تمتخط بيمينك .

وقال إبراهيم النخعي : كانوا يكرهون أن يتمخّط الرجل بيمينه .

 

5 = وفي الحديث أدب نبوي كريم

وهو أن يتم تنظيف الأنف حال الوضوء ، لكي  لايحتاج المسلم أن يتمخّط أمام الناس أو يُنظّف أنفه في بيوت الله كما يفعله بعض الناس ، فهذا خلاف أدب النبي صلى الله عليه وسلم ، وسوء أدب مع المصلّين بل مع رب العالمين .

 

6 = العلّة في الاستنشاق والاستنثار منصوص عليها

ففي الصحيحين عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إذا استيقظ أحدكم من منامه فليستنثر ثلاث مرات ، فإن الشيطان يبيت على خياشيمه .

وأشكل هذا على بعض الناس : كيف يبيت الشيطان على الخياشيم ، مع أن من قرأ آية الكرسي لا يزال عليه من الله حافظ ، ولا يقربنّه شيطان .

فالجواب – كما أشار إليه ابن حجر – :

إما أن من قرأ آية الكرسي مخصوص بالحفظ دون غيره .

أو أن الشيطان لا يقربه قربان وسواس ، فلا يقرب قلبه فيضرّه بالوسواس ، بل يبيت على خيشومه .

 

7 =وفيه دليل على أن الشيطان يُحب الأماكن القذرة .

ولذا قال عليه الصلاة والسلام : إن هذه الحشوش محتضرة ، فإذا أتى أحدكم الخلاء فليقل أعوذ بالله من الخبث والخبائث . رواه الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه وغيرهم ، وصححه الألباني في صحيح الجامع .

 

8 = تعريف الاستجمار

مأخوذ من الجِمار ، وهي الحصى الصغيرة ، ومنه أُطلِق على الجمرات هذا الاسم ، لأنها تُرمى بالأحجار الصغيرة .

والاستجمار مختص بالحجارة ، وما في حُكمها من المناديل ونحوها .

وأما الاستنجاء فليس مختصا بالماء ، بل يُطلق الاستنجاء على استعمال الحجارة وعلى استعمال الماء ، لأن الاستنجاء مأخوذ من النجو ، وهو الغائط ، وقطعه وتنظيف محلّه .

وقد جاء النهي الاستجمار بأقل من ثلاثة أحجار كما عند مسلم .

قالت اليهود لسلمان رضي الله عنه : قد علمكم نبيكم صلى الله عليه وسلم كل شيء حتى الخراءة ! قال : أجل ! لقد نهانا أن نستقبل القبلة لغائط أو بول أو أن نستنجي باليمين أو أن نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار أو أن نستنجي برجيع أو بعظم .

 

فإذا أراد قطع الاستجمار فليقطع على وتر وإن زاد على الثلاث .

 

9 = ولا شك أن استعمال الماء أفضل .

ولذلك لما سال النبيُّ صلى الله عليه وسلم النبي أهل قباء فقال : أن الله تبارك وتعالى قد أحسن عليكم الثناء في الطهور في قصة مسجدكم ، فما هذا الطهور الذي تطهرون به ؟ قالوا : والله يا رسول الله ما نعلم شيئا إلا أنه كان لنا جيران من اليهود فكانوا يغسلون أدبارهم من الغائط ، فغسلنا كما غسلوا . رواه الإمام أحمد وغيره ، وهو حديث صحيح بمجموع طُرقه .

 

10 = وفيه دليل على فضل الوتر ، وأن يختم المسلم عمله على وتر .

وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن الله وتر يحب الوتر .

 

11 = مسألة :

إذا قام من النوم فإنه لا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثا .

فإن كان يغسل يديه تحت مَصبِّ الماء فإنه يغسل يديه ثلاثا قبل الوضوء .

وجرى الخلاف بين أهل العلم :

هل المقصود بالنوم نوم الليل ، كما في رواية أبي داود وهي عند النسائي : إذا قام أحدكم من الليل فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاث مرات .

والصحيح أن ذكر نوم الليل هنا قيد أغلبي ، لأن غالب النوم يكون في الليل .

 

12 = واختلفوا في حُكم الماء فيما لو غمس القائم من النوم يده فيه قبل غسلها ثلاثا .

هل ينجس أو لا ؟

وهل يأثم أو لا ؟

الصحيح أنه لا ينجس ، ولا يأثم ، ولكن يُكره له ذلك .

لأنه لم يتعرض لمن غمس يده ، ولكنه ذَكَر الماء الذي غُمست فيه يد قائم من نوم .

ولأن طهارة الماء يقين فلا يُنتقل من اليقين بالشكّ .

والقاعدة : أن اليقين لا يزول بالشكّ .

وهذه قاعدة عامة تنفع طالب العلم في جميع أموره التعبدية ، بل وفي المعاملات .

وتدفع عنه الوسواس .

 

والله تعالى أعلى وأعلم .

المصدر: عبد الرحمن السحيم
  • Currently 45/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
15 تصويتات / 159 مشاهدة

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

48,605