انشغل العالم في الأشهر الماضية بقضية المغنية اللبنانية سوزان تميم التي وجدت مقتولة في شقتها في دبي بـ 21 طعنة، بعد أن مثل القاتل بجثتها و حفر عليها عبارة " الآن استراح ضميرى وثأرت لكرامتى، لن أترك أحدا غيرى ينعم بكل هذا الجمال وتلك الأنوثة، خلصت فيكى ذنب ناس كتير".
لقد أثارت هذه الجريمة الرأي العام العالمي والعربي ، وتبارت وسائل الاعلام في نقل أخبار الجريمة كعادتها في مثل هذه المناسبات، وكان مما شجع الناس على متابعة تفاصيل هذه القصة الاعلان عن إلقاء القبض على مرتكب الجريمة، مدير امن احد الفنادق بشرم الشيخ " محسن السكري " والمحرض عليها رجل الأعمال الملياردير المصري الشهير " هشام طلعت مصطفى" الذي يعتبر أحد أبرز قيادات الحزب الوطني الحاكم في مصر، حيث أنه يُعد الرجل الثالث في لجنة السياسات بالحزب .
إن هذه النهاية المفجعة لهذه المرأة (الفنانة) ليست الأولى من نوعها بل إن العالم العربي شهد في السنوات الأخيرة حوادث أخرى مماثلة، منها حادثة انتحار الممثلة "سعاد حسني"، والتي قيل أنها لم تنتحر ولكنها قتلت بسبب عزمها فضح مسؤولين كبار في الدولة. ومنها أيضا حادثة قتل المغنية التونسية "ذكرى" التي قتلها زوجها ثم انتحر لأسباب لا زالت إلى الآن مجهولة .
إن السبب الأساسي الذي زاد من اهتمام العالم بمقتل المغنية تميم يعود إلى ارتباط قضيتها بالمال والسياسة ، فالمتهم، كما ورد سابقا، هو من المقربين من الطبقة الحاكمة في مصر، وقد استغل هذا القرب من اجل تنفيذ مشاريعه الخاصة، والتي آخرها مشروع بناء مدينة سكنية ضخمة في منظقة القاهرة أسماها "مدينتي " تبلغ مساحتها 34 مليون متر مربع.
وقد وصلت أهمية هذا الرجل حداً جعلت الدولة تتخذ بعض الخطوات السريعة إثر انتشار خبر ضلوعه في ارتكاب الجريمة، منها المبادرة إلى سحب الصحف التي نشرت الخبر من الأسواق، كما ألزمت المتهم، وبأوامر من القيادة السياسية العليا، على الظهور على شاشات التلفاز، من اجل بث الاطمئنان في نفوس الناس حول استقرار بورصة الاوراق المالية. كما قامت مؤسسات الدولة المالية والمصرفية بشراء %40 من جملة الأوراق المالية للغاية نفسها من أجل انقاذ الاقتصاد المصري من الانهيار .

إن القراءة المتأنية لهذه الجريمة وأسبابها ونتائجها يمكن ان توصل للنتائج التالية:
1- اثر التفكك الأسري على حياة الإنسان، فوالدا الفتاة كانا مطلقين، وقد منعها والدها من رؤية والدتها خلال مرحلة معينة من حياتها. وقد انعكس هذا الطلاق على نفسية الفتاة، فساهم في هروبها من الجو العائلي الموبوء، وزواجها الأول من زميلها في الجامعة عن طريق " الخطيفة" ... كما أن المشاكل الأسرية ظلت تعكس ظلالها على الفتاة طوال حياتها، فخلقت لها شخصية مزاجية وغير متوازنة .

2- انبهار الشباب والشابات بعالم الفن الذي يصور عبر وسائل الإعلام على أنه البوابة الواسعة للحصول على السعادة والشهرة وجمع الأموال، مما أوقع كثير منهم في أيدي شياطين الإنس من اصحاب شركات الانتاج الذين يكبلونهم بعقود احتكارية تبقيهم أسرى لهم ولأوامرهم لسنوات طويلة .

3- الطمع والجشع الذي يعمي القلوب، ويدفع بعض الطامعين إلى بيع قيمهم الأخلاقية والدينية مقابل الثروات والأموال . وهذا الأمر دفع بالكثير من النساء إلى إجراء عمليات التجميل من أجل تغيير صورتهن الخارجية لتتناسب مع أهواء الأثرياء ورجال الأعمال المستعدون لشراء هذا الجمال المزيف بملايين الدولارات ، كما أن هذا الطمع هو الذي دفع بالمجرم إلى قبول ارتكاب جرمه في مقابل المبلغ الكبير الذي عرض عليه .

4- غياب الوازع الديني في حياة بعض الشباب، الذي يجعلهم يتهافتون على هذه الحياة الدنيا، دار الممر، وينسون حياة الآخرة ، دار المقر. فهذه الحياة مهما طالت قصيرة ، والساعة مهما بعدت قريبة. وصدق الله سبحانه تعالى الذي يقول:" لا تدري نفس ماذا تكسب غدا ولا تدري نفس بأ أرض تموت" .

5- الفساد الأخلاقي المستشري في أوساط بعض رجال الأعمال والذي جعلهم يستولون على مقدرات الشعوب . فإذا علمنا بان نحو 30 مليون مصري يعيشون تحت خط الفقر العام ، وأن أزمة الرغيف في مصر أسهمت في سقوط الكثير من الضحايا، حيث سجل في النصف الأول من العام 2008م. مقتل 14 مواطناً واصابة 101 آخرين أثناء الصراع المحموم على طوابير الخبز... ندرك عندئذ فظاعة الجرم الذي يقترفه أحد الأغنياء عندما يبدي استعداده لدفع 50 مليون دولار من أجل عرض زواج ... وكذلك قيامه بدفع مبلغ مليونا دولار من أجل قتل امراة .

6- الأسلوب الرخيص الذي يعتمده بعض رجال الأعمال من اجل التغطية على أعمالهم المريبة، فلقد اعلن المتهم، بعد أن بدأت تنتشر الشائعات حول احتمال إدانته بالجريمة، عن عزمه تنفيذ مشروعات خيرية لمصلحة الفقراء والشباب، محاولا بذلك تبييض صفحته والظهور بمظهر المحسن الكبير، وهو السارق لأموال الناس والناهب لخيراتهم وخيرات بلادهم ...

7- عدم اعتبار الناس من هذه الحادثة، فعلى رغم فظاعة الجرم الذي ارتكب بحق هذه الفتاة، والتشويه الذي طال انحاء جسدها، لم يقف الناس عند هذه الجريمة بعين المعتبر ، المدرك بأن الله سبحانه وتعالى بالمرصاد، وان المال والجاه والجمال والعمر لا يمكن ان يغنوا من الله عز وجل شيئا . بل ان جل اهتمام المقربين منها انحصر في الصراع على ثروتها، فتصارع من أجل ذلك الوالد والوالدة، كما تصارع على هذا الأمر الزوجين اللذين يحاولان اثبات صحة زواجها منهما بغية التمتع بالأموال الطائلة التي دفعت حياتها ثمناً لها ... وأي ثمن.

أخيراً لقد جاءت قضية مقتل المغنية تميم لتفضح مدى الفساد المستشري بين الناس على كافة الأصعدة، وأوله الفساد الحكومي الذي يتستر على اعمال رجال الأعمال، ويعاملهم معاملة مميزة عن غيرهم، وينظر إليهم على انهم فوق القانون. أما الثاني فهة الفساد الأخلاقي لدى بعض الأوساط ، التي تسمى نفسها فنية، والتي ترتكب تحت مسماها جرائم اخلاقية كبيرة تبدأ بالزنا وتتنهي بالقتل، وأخيراً الفساد الثالث والأهم وهو الفساد الأسري، فالأسرة هي صمام الأمان أمام عوامل الانهيار الأخلاقي. فإذا فسدت الأسرة فسد المجتمع

 د. نهى عدنان قاطرجي

المصدر: شبكة مشكاة الإسلامية
  • Currently 75/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
25 تصويتات / 119 مشاهدة

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

52,050