محمد شهاب- المزارع السمكية Mohamed Shihab -Aquacultures

يعرض الموقع الأحدث من ومقالات و صور و مواقع تخص الاستزراع السمكى

صناعة اللحوم المستنبتة .. مصاعب تمويلية ورهانات كبرى لإثبات جدواها الاقتصادية

إعداد/ محمد شهاب

هشام محمود من لندن

هل سمعت عن اللحوم المصنعة أو المزروعة أو النظيفة أو المستنبتة؟قليل هم من سمعوا تلك الأسماء من قبل، وأقل منهم بالطبع من تذوق هذا النوع من اللحوم.
لكن سواء سمعت عنها أم لم تسمع، وسواء تذوقتها أم تعتقد أنك لن تستسيغها لكونك معتادا على التهام اللحوم التقليدية، فالمؤكد أن العالم أمام ثورة في عالم الأغذية والبيئة، لكنها ثورة يرافقها كثير من التحديات، وطريق مليء بالمصاعب التمويلية والتسويقية، خاصة مع الجدل الطبي المثار حولها.

فما تلك اللحوم المزروعة أو المصنعة؟ في الحقيقية لا يزال هناك جدل حول الاسم، وقد استخدمت مجموعة متنوعة من المصطلحات لوصف عملية "زراعة" اللحوم من الخلايا الحيوانية. والمصطلحان الأكثر استخداما من قبل الشركات في هذا المجال هو اللحوم "المزروعة" أو "المستنبتة ". وحتى الآن لا يفضل كثير من المتخصصين اسم اللحوم المصنعة، على الرغم من أن الصحافة ووسائل الإعلام تستخدمه بكثرة إلى الآن على الأقل.
السبب في عدم تشجيع المتخصصين لتعبير اللحوم المصنعة يعود إلى أن اللحوم الطبيعية التي يتم حفظها بطرق المعالجة توصف غالبا بالمصنعة، أما اللحوم المزروعة أو المستنبتة، كما يفضل الخبراء تسميتها فيتم الحصول عليها بأخذ عينات صغيرة من الخلايا الحيوانية لحيوانات حية، ثم زرع تلك الخلايا في بيئة محكمة، وجعلها تنمو في المختبر لمدة من الزمن، وعبر التحكم في كثافة الخلايا وتقنيات الشكل، نحصل على قطع من اللحم تشبه في الطعم والرائحة والتركيب الغذائي قطع اللحم التقليدية. تلك التقنية تطبق على جميع أنواع اللحوم سواء للأبقار أو الأغنام، وكذلك الدواجن والأسماك.
اللحوم المستنبتة، التي على الرغم من محدودية انتشارها في الوقت الحالي، نموذج حي للسرعة التي يغذي الابتكار التقدم في العلوم البيولوجية والقدرة الفائقة للعلم على حل كثير من المشكلات التي تواجه سكان الكوكب. الحديث عن هذا النوع من اللحوم برز بقوة في وسائل الإعلام عام 2020، ففي مطعم راق في سنغافورة، احتفل رواده بقضم أول قطعة من لحم الدجاج المستنبت المقرمش بالسمسم، ومنذ ذلك الحين وهناك قبول تدريجي للفكرة. وأعلنت الهيئات التنظيمية في الولايات المتحدة عن اتفاقيات لتنظيم إنتاج هذا النوع من اللحوم، في حين منح الاتحاد الأوروبي ملايين اليوروهات لعمليات البحث في هذا المجال.
وتشير بعض الدراسات إلى أن صناعة اللحوم المستنبتة تضم حاليا أكثر قليلا من 100 شركة ناشئة، حيث أفلحت في جذب استثمارات بأكثر من 2.2 مليار دولار العام الماضي، أي أكثر من ثلاثة أضعاف ما اجتذبته العام السابق، وبعض الاستثمارات تلك تتدفق من أكبر شركات البروتين الحيواني في العالم مثل تايسون ونيوتريكو، إضافة إلى مستثمرين عالميين. يؤكد لـ"الاقتصادية"، البروفيسور إس.جي. مريك، رئيس قسم العلوم والتكنولوجيا في معهد الأطعمة الجيدة، الأهمية المستقبلية للحوم المستنبتة، مضيفا "قبل عقد من الزمان كانت اللحوم المستنبتة لا تتخطى كونها حلما مستقبليا لمجموعة من العلماء، فبدلا من الاعتماد على تربية الحيوانات لتوفير اللحوم سعوا إلى إنتاج اللحوم في المختبر، هذا الابتكار سيغير قوائم الطعام في العالم، بل الأهم أن المستهلكين يمكنهم مستقبلا أن يتذوقوا أنواعا من لحوم بقر واغيو أو التونة ذات الزعانف الزرقاء، حيث يراوح ثمن الكيلو جرام منها بين 6 و12 ألف دولار، ومن ثم لا يتناولها غير أعداد محدودة من الأثرياء". ويقول "يمكن بفضل فكرة استنبات اللحوم في المختبر أن تتذوق تلك اللحوم باهظة التكلفة مقابل ما تدفعه حاليا لسندويتش من الهامبرجر، هذا يعني أن بلدا صغيرا بموارد محدودة للغاية في مجال الثروة الحيوانية يمكنه أن يقدم لمواطنية البروتين الحيواني الفاخر بذات الأسعار، التي تقدمها البلدان ذات السهول العشبية والمراعي الضخمة".
ويشير إلى أنه "في 2013 تناول مجموعة من النقاد قطعا من اللحم المستنبت في المختبر، وذلك خلال بث تلفزيوني مباشر، بلغ سعر قطع اللحم، التي تناولوها 300 ألف دولار، لكن بحلول 2030 يمكن أن ينخفض سعر كيلو اللحم المستنبت إلى أقل من ستة دولارات، ما يمهد الطريق لاستهلاكه بصورة أكبر.
هذا التفاؤل العلمي يصطدم من وجهة نظر الدكتورة ماجلي داني، أستاذة التنمية الدولية بتحديات جمة، فبقدر ما تحمله صناعة اللحوم المستنبتة من آفاق اقتصادية واعدة، هناك أيضا كثير من العقبات، التي قد تحول دون نمو مجد من الجانب الاقتصادي.
ولـ"الاقتصادية" تعلق قائلة "يجب أن يحدث كثير لكي تصبح اللحوم المستنبتة صناعة رئيسة، فهناك حاجة إلى ضخ عشرات المليارات من الدولارات لتوسيع الصناعة حتى تصل إلى 1 في المائة فقط من سوق البروتين العالمية، ومن المرجح أن يكون تركيز العقد المقبل على الانتقال من إثبات الجدوى الاقتصادية لها إلى التوجه نحو استكشاف قابليتها للتوسع، وإثبات الجدوى التجارية لها والنجاح في تحقيق اختراق متواضع للسوق، ولتحقيق النجاح يجب على الصناعة تهدئة المخاوف المحتملة حول هذا النوع من اللحوم مع تقديمه بسعر مناسب".
مع هذا يراهن الداعمون لصناعة اللحوم المستنبتة على ضخامة سوق البروتين العالمية، التي تقدر أن تصل عام 2030 إلى 531 مليون طن، مع نمو سنوي 1 في المائة، كما يراهنون على الترويج - على الأقل في المراحل الأولية - لهذا النوع من اللحوم باعتبار أن استهلاكه يدخل ضمن استهلاك منتجات الرفاهية، وذلك لجذب الفئات الأقل حساسية للأسعار والمستعدة دائما أن تدفع أسعارا مرتفعة مقابل منتجات جديدة غير تقليدية، لكن تلك الشركات تراهن على قدرتها على خفض تكلفة الإنتاج مستقبلا.
وتشير بعض الدراسات الاقتصادية إلى أن الشركات تمكنت بالفعل من خفض تكاليف الإنتاج بنسبة 99 في المائة، وأنها يمكن أن تحقق التكافؤ في التكلفة مع إنتاج البروتين الحيواني التقليدي بحلول 2030، والتكلفة المرتفعة حاليا هي نتاج حصري لعملية الإنتاج في نطاق المختبرات وعلى نطاق تجريبي، فضلا عن مجموعة من التحديات التقنية، التي يتم تذليلها تدريجيا، وسيمكن التخلص من نحو 75 في المائة من التكاليف بتوسيع نطاق الإنتاج، وستنخفض الأسعار إلى نحو 5.66 دولار لكيلو اللحم المستنبت، بل يمكن أن تنخفض الأسعار أكثر من ذلك إذا تم خلط المنتج بالبروتين النباتي، وإذا تحولت صناعة اللحوم المستنبتة إلى صناعة عالمية، فيمكن أن يصل سوقها إلى 25 مليار دولار بحلول 2030، خاصة إذا تم اختيار سلالات من خلايا حيوانات معينة تتمتع بأفضل الصفات والمذاق، ما يعني أننا أمام منتج فاخر في مواصفاته.
لكن الوصول إلى سوق للحوم المستنبتة بقيمة 25 مليار دولار يتطلب إنتاج 1.5 مليون طن من هذا النوع من اللحوم سنويا، وفي المستويات الحالية للإنتاجية، فإن هذا يتطلب استثمارات ضخمة للغاية، كما أن سوق البروتين الحيواني عالميا وبقدر ما، توفر فرصا لصناعة اللحوم المستنبتة، فإنه يضعها أمام مصاعب ضخمة لإثبات نجاحها.
يقول لـ"الاقتصادية" برادلو ماثمبا، الباحث في مجال الصناعات الغذائية، "الروابط النفسية والثقافية، التي تربط المستهلكين باللحوم التقليدية سلاح ذو حدين، إذ يعني ذلك فرصا رائعة لشركات اللحوم المستنبتة للمشاركة في سوق اللحوم العالمية، لكن في الوقت ذاته نحن أمام مستهلكين يعرفون بالضبط كيف يتذوقون شرائح اللحم البقري والأغنام، ولديهم ذائقة مميزة عند التعامل مع قطع الدجاج أو الأسماك، هذه التفاصيل الدقيقة تجعل اللحوم المستنبتة أمام تحد غير مسبوق، فحتى لو أفلحت في خفض أسعارها، فإن الإقبال عليها لن يتوقف على السعر، وإنما على تذوق المستهلكين لها، ومقارنتهم الدائمة مع اللحوم التقليدية".
ولأننا نتعامل مع أحد أنواع الأطعمة، فإن الأمر لا يقف عند حدود استمتاع المستهلكين بالمذاق وحسب، بل يجب أن يثقوا فيه أيضا، وهذا هو التحدي الأكبر للصناعة من وجهة نظر كثيرين، إذ يقع العبء على المنتجين لجعل المستهلكين واثقين من أن هذا النوع من اللحوم آمن ومغذ مثل اللحوم التقليدية، وبقدر ما يعد ذلك التحدي الأكبر للصناعة في الأمد القصير، فإنه ربما يكون أيضا العنصر الأساسي لنجاحها ونموها في الأمد الطويل إذا أثبت منتجو اللحوم المستنبتة أن ما ينتجونه أكثر صحية من اللحوم التقليدية عبر إنتاج لحوم مستنبتة قليلة الدهون جدا أو أنواع من اللحوم، التي لا ينتج عنها الأمراض الناجمة عن الاستهلاك الكثيف للحوم التقليدية.ويعتقد بعض الاقتصاديين أن انتعاش سوق اللحوم المستنبتة سيكون له عدد من التداعيات الاقتصادية في مناح مختلفة.
الدكتور نيك جوهان، مدير مكتب الأبحاث الاقتصادية في جامعة شيفيلد يعلق لـ"الاقتصادية" قائلا "إذا اكتسبت صناعة اللحوم المستنبتة أرضية عالمية، وبات من الأجدى للمستهلك استبدال قطع اللحم التقليدية بالمستنبتة، فإن ذلك سيترك بصمات سلبية على مربي الماشية حول العالم، وكذلك على صيادي الأسماك، كما يمكن أن يكون لصناعة اللحوم المستنبتة تأثير في سوق العمل على الأمد الطويل، ورغم أن إنتاج هذا النوع من اللحوم يتطلب عددا مماثلا من الأيدي العاملة في النظم التقليدية لإنتاج اللحوم، إلا أن طبيعة المهارات مختلفة للغاية، ما سيتطلب برامج تدريب مكثفة وإعادة تأهيل".ويضيف "لكن التأثير الاقتصادي الأكبر أن هذا النوع من الصناعات قد يؤدي إلى تغير جذري في هيكل صناعات البروتين العالمي، فاللحوم المستنبتة لا تتطلب أي مناخ أو تضاريس معينة، ومن ثم، فإن البلدان التي تتمتع بميزة تنافسية في مجال إنتاج اللحوم التقليدية مثل البرازيل والأرجنتين وأستراليا واسكوتلاند أو التي تتمتع بسواحل مائية تمكنها من إنتاج الأسماك مثل الصين، قد تفقد تلك المزايا لمصلحة بلدان لا يوجد لديها سواحل على الإطلاق، أو لا تتمتع ببيئة جغرافية تصلح للمراعي وتربية الماشية، ومن ثم فإن مراكز إنتاج اللحوم المستنبتة يمكن أن تكون بعيدة تماما عن أماكن إنتاج اللحوم التقليدية".
مع هذا يبدو أن جزءا كبيرا مما تعتقده صناعة اللحوم المستنبتة أنه سيساعدها على النمو السريع يأتي من أن إنتاجها في المختبر يسهم في الحفاظ على الأنواع المهددة بالانقراض مثل بعض أنواع الأسماك، ويقلل من إنتاج الغازات المسببة للاحتباس الحراري، والنفايات، واستخدام الأراضي، وإزالة الغابات.وتلك العوامل تلقى انتباها واهتماما متزايدا من عديد من فئات المجتمع، خاصة من الشباب والمعنيين بقضايا البيئة، الذين يتوقع أن يكونوا من أبرز الداعمين لتلك الصناعة الجديدة، خاصة عندما تصبح الأسعار في متناول القطاع الأكبر من المستهلكين.

المصدر: الأقتصادية aleqt
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 74 مشاهدة

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

2,275,278