محمد شهاب- المزارع السمكية Mohamed Shihab -Aquacultures

يعرض الموقع الأحدث من ومقالات و صور و مواقع تخص الاستزراع السمكى

تأثير التغيرات المناخية على مصر وآليات المواجهة

إعداد/محمد شهاب

م. . صابر عثمان

نائب المدير التنفيذي شركة استشارات البيئة وتغير المناخ والاستدامة اسيسكو، رئيس مجلس أمناء مؤسسة مناخ أرضنا للتنمية المستدامة 

وأحد خبراء مصر لدى اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ

 

* المقال جزء من العدد رقم 99 من دورية "الملف المصري" الإليكترونية، نوفمبر 2022.

للاطلاع وتحميل العدد كاملًا:

 https://acpss.ahram.org.eg/Esdarat/MalafMasry/99/files/downloads/Mallf-99-November-2022-Final.pdf

تُعد التغيرات المناخية واحدة من أهم القضايا العالمية المُلحة في وقتنا الحالي، مما وضعها في مكان الصدارة على أجندة كافة الاجتماعات الدولية والإقليمية، وصار العمل المناخي واحداً من أهداف التنمية المستدامة بشكل مباشر متمثلاً في الهدف الثالث عشر، ومؤثرًا بشكل غير مباشر في باقي أهداف التنمية المستدامة. على سبيل المثال لا الحصر، وطبقاً للتقارير العلمية المنشورة، فإن التغيرات المناخية تهدد إنتاج المحاصيل الزراعية، وبالتالي تهدد الأمن الغذائي العالمي، مما قد يعيق تحقيق الهدف الثاني من أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة المعني بالقضاء على الجوع. كما وضعت أجندة أفريقيا 2063 قضية التغيرات المناخية والنواحي البيئية ضمن أهدافها التي تسعى لتحقيقها، والتي تتضمن تحديد خمسة مراكز تكنولوجية إقليمية، ترتبط بهيئات وطنية مخصصة لتكنولوجيا المناخ، وبرامج حول تغير المناخ تستهدف النساء والشباب.

وفيما يخص مصر، فوفقًا للدراسات المنشورة على المستويين المحلي والدولي تمثل الأحداث الجوية العنيفة (الموجات الحرارية، السيول، العواصف الترابية)، وكذا ارتفاع منسوب مستوى سطح البحر أهم التأثيرات السلبية الناتجة عن تغير المناخ على جمهورية مصر العربية على الرغم من أنها من أقل دول العالم إسهاماً في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري (بشرية المنشأ).

وقبل مناقشة قضية التغيرات المناخية وآثارها على مصر، وجهود الدولة المصرية من أجل التصدي لها-  خاصة في ظل استضافة مصر لمؤتمر كوب 27، وما يشكله من فرص يمكن توظيفها للتصدي لإشكالية توفير الاحتياجات التمويلية اللازمة لمواجهة تأثير التغيرات المناخية على مصر، وباقي الدول النامية - من المهم بداية توضيح المفاهيم الأساسية التي تدور حولها تلك القضية لرفع اللبس عن بعض الاختلافات العلمية التي أثيرت من كون هذه التغيرات هل تعود لأسباب طبيعية أم نتيجة للتدخلات البشرية؟ وبالتالي التعرف على أوجه الاختلاف بين ظاهرة الاحتباس الحراري الطبيعية، والاحترار العالمي؛ حيث جرى الخلط بينهما في كتاباتنا العربية، فضلًا عن تحديد المسئولية والتفرقة بين الدول المتسببة والمتضررة من عدمه.

أولًا: أوجه الاختلاف بين التغيرات المناخية الطبيعية والناتجة عن الأنشطة البشرية

يوجد عدد من الاختلافات التي رصدها العلماء بين التغيرات المناخية الطبيعية، وبشرية المنشأ، يمكن توضيحها فيما يلي:

1-التغيرات المناخية الطبيعية والاتزان الحراري للكرة الأرضية

تعد ظاهرة الاحتباس الحراري إحدى الظواهر الطبيعية المهة التي ساعدت الكائنات الحية في الاستمرار على وجه الأرض؛ حيث تعمل على تنظيم وتوازن فقد واكتساب الطاقة داخل الغلاف الجوي من خلال وجود عدد من الغازات الطبيعية بالغلاف الجوي وهي: ثاني أكسيد الكربون، والميثان، وأكسيد النيتروز، والتي تعمل على حبس جزء كبير من الحرارة الناتجة عن امتصاص الكرة الأرضية لأشعة الشمس. وهي عبارة عن أشعة مرئية، تُمتص بواسطة البحار والمحيطات واليابسة فتقوم الأرض بدورها بإصدار أشعة حرارية إلى الغلاف الجوي، ثم تقوم غازات الاحتباس الحراري بحبس أغلب تلك الحرارة داخل الغلاف الجوي.

وتختلف سرعة وكمية الإشعاع الحراري من أسطح البحار والمحيطات واليابسة نتيجة اختلاف سطحها النوعي، وبالتالي تشع اليابسة الحرارة بعد امتصاصها للأشعة الشمسية بوتيرة أسرع من البحار والمحيطات. وتلعب غازات الاحتباس الحراري الطبيعية دورًا مهمًا من خلال دورتها الطبيعية في الغلاف الجوي؛ حيث يتم امتصاصها بواسطة الأراضي والأشجار الخشبية (الغابات)، والمحيطات، ثم يتم عودتها مرة أخرى للغلاف الجوي، نتيجة لتحلل أوراق وجزوع الأشجار، أو احتراقها، أو ترسبها في أجسام بعض الكائنات الحية وموتها وتحللها، أو دخولها في بعض التكوينات غير الحية مثل أصداف وحصى البحار والمحيطات، والتي تتحلل مع الوقت لتعود الغازات مرة أخرى للغلاف الجوي. كما تلعب أيضاً البحار والمحيطات والأقطاب الجليدية والغطاء النباتي للأرض (الغابات) دورًا  في عملية التوازن وتقلب مناخ الأرض وتغيره الطبيعي.

ويمكن القول إن زيادة الإشعاع الشمسي الواصل إلى الكرة الأرضية نتيجة دوران الكرة الأرضية حول الشمس على شكل قطع ناقص مما يجعلها تقترب من الشمس كل حوالي متوسط 11 ألف عام، تسبب في احترار الأرض، وبالتالي تغير مناخ الأرض بشكل طبيعي، وذلك نتيجة لزيادة الإشعاع الشمسي الواصل للأرض، وارتفاع متوسط درجة حرارتها السطحية، وأحياناً أخرى يؤدي إلى تبريدها نتيجة للبراكين التي تطلق ملايين الأطنان من الأبخرة والغازات والأتربة التي تحجب أشعة الشمس عن الوصول إلى الأرض، وبالتالي يحدث انخفاض في متوسط درجة الحرارة السطحية للأرض. ومن ثم يتضح أن الأرض مرت بدورات طبيعية لتغير المناخ خلال الـ 650 ألف عام الماضية؛ حيث كان هناك حوالي سبعة عصور جليدية حتى الآن، وكان آخرها من 12 ألف عام.

2- ظاهرة تغير المناخ بشري المنشأ (الاحترار العالمي الحالي)

ثمة عدد من مظاهر التغير المناخي، التي رصدها العلماء، تتمثل في التسارع في ارتفاع متوسط درجة حرارة الأرض بمعدلات غير مسبوقة مقارنة بما سبق وحدث أثناء الدورات المناخية الطبيعية خلال القرون الماضية، وارتفاع درجة حرارة المناطق القطبية والجليدية عن معدلاتها الطبيعية، مما أدى الى التسارع في ذوبان الصفائح الجليدية والأنهار الجليدية، وبالتالي الارتفاع في مستوى سطح البحر، وزيادة حدة وشدة وتكرارية الأحداث الجوية الجامحة مثل: الأعاصير، والسيول، والجفاف، والموجات الحارة والباردة، والعواصف الترابية، والرملية والجليدية، وحرائق الغابات...الخ، وزيادة حموضة المحيطات عن معدلاتها الطبيعية.

كما أن الارتفاع المتسارع لمتوسط درجة حرارة الكرة الأرضية يؤدي لحدوث تغيرات تعجز الكائنات الحية عن التكيّف معها مقارنة بالتغيرات الطبيعية، خاصة النباتات لأنها لا تتحرك من أماكنها، وبالتالي قدرتها على التكيف أقل مقارنة بباقي الكائنات الحية.

وتُرجح التقارير العلمية الصادرة عن “الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ” أن ما يحدث الآن من احترار عالمي هو نتيجة لأنشطة التنمية البشرية؛ وذلك لعدة أسباب: أولها، حرق الوقود الأحفوري من فحم وبنزين ومازوت وغاز وغيرها لإنتاج الطاقة، حيث يُعد حرق الوقود المتسبب الرئيسي حالياً لإصدار الانبعاثات سواء كان استخدم هذا الوقود لإنتاج الكهرباء أو تدوير المحركات الخاصة بالمصانع أو وسائل النقل المختلفة، بالإضافة إلى العمليات الصناعية ودفن المخلفات والتكثيف الزراعي. ثانيها، قطع الغابات التي تخزن الكربون أو ممصات الكربون لإنتاج الأخشاب أو استخدام الأراضي في أنشطة زراعية أو صناعية أو للبناء والتوسع في المدن والطرق. حيث تسببت هذه الأنشطة البشرية في تراكم الانبعاثات الكربونية بكميات كبيرة من غازات الاحتباس الحراري (يطلق عليها بشرية المنشأ)، فتراكمت بالغلاف الجوي؛ نظراً لعدم تمكن الأنظمة الطبيعية (الأراضي والأشجار والمحيطات) من امتصاصها وتخزينها لزيادتها عن المعدلات الطبيعية، بالإضافة إلى قطع  مساحات شاسعة من الغابات كانت تمثل ممصات للكربون. ثالثها، فضلًا عن زيادة انبعاثات الغازات الطبيعية مثل: ثاني أكسيد الكربون، والميثان، وأكسيد النيتروز عن معدلاتها بالغلاف الجوي، فقد قام البشر أيضاً بتخليق مجموعة من الغازات الصناعية، مثل سادس فلوريد الكبريت، والذي يستخدم كمادة عازلة، ومجموعة غازات الهيدروفلوركاربونات، ومجموعة غازات البيروفلوركاربونات، والتي تستخدم في العديد من العمليات الصناعية التي تحتاج للتبريد مثل التكييفات. وتقوم تلك الغازات المُخلقة بفعل مشابه للغازات الكربونية الطبيعية وتحبس الحرارة المتصاعدة من سطح الكرة الأرضية، وبالتالي يؤدي حبس الحرارة/الطاقة داخل الغلاف الجوي بنسب أكبر من المعدلات الطبيعية إلى حدوث خلل في مناخ الكرة الأرضية.

وقد تم جمع العديد من الأدلة العلمية من زيارات الفضاء حول دور غازات الاحتباس الحراري في رفع درجة حرارة الكواكب المختلفة بالمجموعة الشمسية، وكذا عن علاقة تركيزات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي الأرضي عبر الزمن مقارنة ما بين قبل عصر الثورة الصناعية الثالثة وما بعدها، والتي بينت زيادة تركيزات غازات الاحتباس الحراري بالمقاطع الجليدية التي تمثل عصور مختلفة باستخدام الكربون المشع من 280 جزء في المليون قبل عصر الصناعة إلى حوالي 417 جزء في المليون حالياً، وهو ما يؤكد وجود ارتباط بين الانبعاثات الكربونية، وزيادة الاحترار العالمي.

وقد رصدت تقارير “الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ” عدداً من الظواهر التي تشير إلى تغير المناخ بشري المنشأ، والتي تتمثل في ارتفاع معدل الحرارة العالمية منذ عام 1880 حوالي واحد درجة فاصل اثنان من عشرة مئوية، ويتوقع أن يزداد ما بين درجتين وخمس درجات مئوية بحلول سنة 2100 طبقاً للسيناريوهات العلمية المختلفة. وشهد العقدان الأولان من هذا القرن معظم السنوات الأعلى حرارة في التاريخ المسجل؛ حيث قدرت التقارير البيئية العالمية أن أكثر من 150 مليون شخص سيصبحون لاجئين بيئيين بحلول سنة 2050 نتيجة تغير المناخ.

كما أن منسوب أسطح البحار والمحيطات قد ارتفع بمعدل 19 سنتيمترً خلال القرن الماضي بسبب تمدد المياه وذوبان الجليد، ويتوقع ارتفاعه متراً أو أكثر بحلول سنة 2100 طبقاً للسيناريو الأسوأ. بالإضافة إلى أن 32 دولة جزرية صغيرة يبلغ مجموع سكانها 65 مليون نسمة تواجه أقسى الكوارث الطبيعية، وخطر الغرق مع ارتفاع مستوى البحار، ومنها أرخبيل كيريباتي في المحيط الهادئ، الذي يخطط سكانه لهجرة دولية إلى فيجي ونيوزيلندا وأستراليا. وقد أكدت “الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ” أنه يجب بحلول عام 2030 خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بشرية المنشأ بمقدار النصف من مستوياتها لعام 2010 حتى نتجنب الوصول إلى الارتفاع في متوسط درجة حرارة الكرة الأرضية بمقدار درجة ونصف مئوية، وبالتالي الحد من التأثيرات الكارثية المحتملة.

ثانيًا: الآثار السلبية للتغيرات المناخية على مصر

تقع مصر في شمال أفريقيا، ويحدها البحر الأبيض المتوسط ​​من الشمال، والبحر الأحمر من الشرق. السمة الغالبة للمنطقة الساحلية الشمالية هي دلتا نهر النيل المنخفضة، بمدنها الكبيرة، ومناطقها الصناعية، والزراعية، والسياحية. وتشكل الدلتا والوادي الضيق لنهر النيل 5.5 ٪ من مساحة مصر، ولكن بها أكثر من 95 ٪ من سكانها وزراعتها. تقع مصر بين خطي عرض 22 درجة، و32 درجة شمالاً وخطي طول 25 درجة، و36 درجة شرقاً.

المنطقة المعروفة باسم صعيد مصر تقع جنوب خط عرض 30 درجة شمالاً، وهي منطقة حارة وجافة. الجزء الشمالي من دلتا النيل والساحل الشمالي، المعروف باسم الوجه البحري، له مناخ البحر الأبيض المتوسط ​​أو المناخ الساحلي. كما يُعد عدد سكان مصر الضخم (حوالي 104 مليون نسمة) من بين العوامل التي تجعل البلاد شديدة التأثر بتغير المناخ.

وعلى الرغم من أن انبعاثات مصر من غازات الاحتباس الحراري بشرية المصدر بلغت عام 2018 طبقاً للبنك الدولي 329،220.00 كيلو طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون، بزيادة قدرها 2.76 ٪ عن عام 2017، وهي حوالي 0.7 % من إجمالي الانبعاثات العالمية طبقاً للبنك الدولي، إلا أن دلتا النيل المكتظة بالسكان مهددة بشكل خطير بارتفاع مستوى سطح البحر، وسيكون لتغير المناخ أيضًا تأثير على صحة المواطنين. وقد أُجريت دراسات في محاولة لتحليل تدابير التكيف الممكنة، وتم تنفيذ بعض دراسات تقييم الضعف في القطاعات ذات الأولوية كجزء من تطوير خطة العمل الوطنية للتكيف مع تغير المناخ؛ حيث أكدت إلى أن قطاعات التنمية المختلفة سوف تكون عرضة للعديد من المخاطر نتيجة ارتفاع منسوب سطح البحر، وزيادة شدة وحدة وتكرارية الأحداث الجوية العنيفة، ومحدودية الموارد المائية، ومن المتوقع أن تؤثر تلك التغيرات على الزراعة، والمناطق الساحلية، والاستزراع المائي ومصايد الأسماك، والمستوطنات البشرية والمناطق العمرانية، والتنوع البيولوجي، وصحة الإنسان.

وقد تقدمت مصر مركزا واحدا مقارنة بعام 2019 لتحتل المرتبة 21 في مؤشر أداء تغير المناخ CCPI لعام 2021، بتصنيف متوسط ​​شامل؛ حيث تتلقى الدولة تصنيفات مختلطة في فئات CCPI الأربعة الرئيسية. بالنسبة لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري واستخدام الطاقة، تم تصنيف أداء مصر على أنه مرتفع. أما فيما يخص سياسة المناخ، فقد حصلت مصر على مرتبة متوسط، ​​وفي الطاقة المتجددة على تصنيف منخفض للغاية. ومن الجدير بالذكر إن مصر لم تضع هدفًا محددًا لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري لعام 2050، لكن الحكومة أطلقت استراتيجية لتغير المناخ خلال مؤتمر COP26.

فيما يخص تأثر مصر بتلك التغيرات المناخية، فقد قامت الدولة من خلال الجامعات الأكاديمية، والمراكز البحثية، والهيئات الوطنية بتنفيذ العديد من الدراسات لرصد أهم التأثيرات (الراهنة والمحتملة) لتغير المناخ، للعمل على وضع الاستراتيجيات والخطط اللازمة لمواجهتها، ويمكن توضيح أبرز الآثار فيما يلي:

1-زيادة شدة وتكرارية الأحداث الجوية العنيفة

تتعرض مصر لمجموعة من الظواهر الجوية العنيفة مثل الموجات الحرارية، والعواصف الترابية، والسيول، خاصة خلال العقد الماضي، وهناك دلائل علمية تشير إلى تزايد شدتها وتكراريتها بسبب تغير المناخ؛ حيث أنه بدراسة التغيرات في تواتر الأيام والليالي الباردة، والأيام والليالي الدافئة وُجد أن الليالي الدافئة أصبحت أكثر تواترًا في حين أصبحت الليالي الباردة أقل تواترًا في جميع أنحاء المنطقة (ثقة عالية High Confidence). وفيما يتعلق بالتغير في هطول الأمطار، لوحظ اتجاه متناقص في جميع أنحاء البلاد باستثناء منطقة البحر الأحمر. وبصفة عامة، يبين تحليل الاتجاهات أن مؤشرات درجات الحرارة الشديدة تتغير نحو الاحترار، بينما يتناقص معدل هطول الأمطار.

2- ارتفاع منسوب مستوى سطح البحر وتأثيراته على المناطق الساحلية، خاصة المناطق المنخفضة منها على السواحل الشمالية لجمهورية مصر العربية

يمتد الساحل المصري بطول 3500 كم منهم 1150 كم على ساحل البحر المتوسط، و1500 كم ساحل البحر الأحمر. ويشير تقرير الإبلاغ الوطني الثالث لمصر، إلى أن أحد السيناريوهات تتوقع زيادة مستوى سطح البحر بمقدار 100 سم حتى عام 2100 مع الأخذ في الاعتبار هبوط الأرض في الدلتا، مما يتسبب في دخول المياه المالحة على المياه الجوفية، مما يؤدى إلى تلوثها وتملح التربة وتدهور جودة المحاصيل وفقدان الإنتاجية.كما يؤدي ارتفاع درجة حرارة مياه البحر إلى تغير نوعية المياه في البحيرات الشمالية، مما يؤثر على الثروة السمكية بهذه البحيرات.وتتسبب زيادة تركيزات وانبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون في زيادة حمضية مياه البحار والمحيطات (pH) مما يؤثر على نوعية وكمية الأسماك. كما تتعرض المناطق الساحلية للأحداث الجوية العنيفة مثل العواصف البحرية والسيول، وتؤدي الخسائر الاقتصادية، ونقص الوعي إلى تغيير النشاط الاقتصادي للصيادين والقوى العاملة في المناطق الساحلية.   

3- زيادة معدلات التصحر

جاء تعريف التصحر في المادة الأولى من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر على أنه «تدهور الأراضي بالأقاليم القاحلة وشبه القاحلة والجافة نتيجة عوامل متعددة تتضمن التغيرات المناخية والأنشطة البشرية». وتعد مشكلة التصحر واحدًا من أهم التحديات البيئية التي تعاني منها مصر؛ حيث تصنف مصر من أكثر الدول معاناة من المشكلة؛ وذلك وفقًا لإحصائيات السكرتارية التنفيذية لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، والتي تؤكد أيضًا أن هناك 3.5 فدان تتعرض للتصحر كل ساعة، وهو أمر يعد شديد الخطورة، خاصة وأن المساحة الزراعية محدودة، وتمثل فقط نحو 4 % من مساحة مصر.

4-تأثر جودة الأراضي وتدهور الإنتاج الزراعي وتأثر الأمن الغذائي

تؤكد الدراسات المستخدمة لسيناريوهات المناخ المختلفة على تأثر الإنتاج الزراعي بالقارة الأفريقية، ومن بينها مصر، أن ارتفاع درجات الحرارة، وتغيير أنماط هطول الأمطار سوف تؤثر على إنتاجية المحاصيل الزراعية والثروة الحيوانية، مما يؤدي إلى زيادة معدلات الفقر والمخاطر وإلى خسائر في سبل العيش(وفقًا للتقرير التجميعي الخامس 2014 الفصل 12 الأمن البشري - الهيئة الحكومية الدولية لتغير المناخ).

5-تأثر الموارد المائية وزيادة معدلات شح المياه

يعتبر نهر النيل المصدر الرئيسي للمياه؛ حيث يقدم حوالي 95 % من الاحتياجات المائية لمصر، يليه الأمطار الموسمية والتي تتساقط على سواحل مصر الممتدة شمالاً وشرقاً، ثم المياه الجوفية، وإعادة استخدام مياه الصرف الزراعي المعالجة. ومازال هناك عدم يقين واضح في التنبؤات المناخية المستقبلية حول احتمالية زيادة أو انخفاض إيراد نهر النيل. ومن المتوقع أن يزيد الطلب على المياه بزيادة عدد السكان بدول حوض النيل بما فيها جمهورية مصر العربية؛ ولهذا يجب تبني إجراءات للتكيف تتلاءم مع حالة عدم اليقين لإيراد نهر النيل في ظل تأثيرات التغيرات المناخية المحتملة على موارد المياه.

6-  تدهور الصحة العامة

تؤثر التغيرات المناخية بشكل مباشر على الصحة عند الأحداث الجوية العنيفة كالعواصف، والفيضانات، وارتفاع درجات الحرارة، أو بشكل غير مباشر من خلال التغيرات الحيوية لمدى انتشار الأمراض المنقولة بواسطة الحشرات كالملاريا وغيرها ومسببات الأمراض التي تنقلها المياه كالبلهارسيا وغيرها وجودة الهواء وانتشار الالتهاب السحائي، وجودة وإتاحة المياه، والغذاء الصحي، وعلاقته بأمراض سوء التغذية خاصة لدى الأطفال تحت سن 5 سنوات.كما أن مصر مهددة بسبب ارتفاع درجات الحرارة عن معدلاتها الطبيعية إلى انتشار أمراض النواقل الحشرية مثل أمراض: الملاريا، والغدد الليمفاوية، وحمى الضنك، وحمى الوادي المتصدع، خاصة في المناطق الجنوبية من البلاد، ويرجع ذلك إلى توافر المناخ والموطن المناسب لهذه النواقل.

7-تدهور السياحة البيئية

تعد السياحة بشكل عام إحدى أهم مصادر الدخل القومي في مصر، وهناك احتمالية بتأثر هذا القطاع بالتغيرات المناخية؛ حيث من المتوقع نتيجة ارتفاع مستوى سطح البحر حدوث عدد من التأثيرات المباشرة على الاستثمارات والمنشآت السياحية، مثل تآكل أجزاء من الشواطئ الرملية في المناطق الشمالية. كما قد تتأثر الشعاب المرجانية نتيجة ارتفاع درجة حرارة مياه البحار أو هجرة أنواع من الكائنات الحية إلى أماكن تواجدها مؤدية إلى ابيضاضها وفقدها للألوان المميزة لها، والتي تجذب السياح لمشاهدتها.ومن المحتمل أيضاً أن تؤثر درجات الحرارة المرتفعة على ألوان وعمر الآثار والمنشآت التاريخية المختلفة مما يؤثر على جودتها وبالتالي على أعداد الزائرين لمشاهدتها. كما يتوقع أن يؤثر تغلغل المياه المالحة في المناطق الساحلية المنخفضة على الآثار المدفونة في المناطق الساحلية مما يؤدي إلى زيادة معدل تدهورها.

8- تأثر المدن والمجتمعات العمرانية

هناك اتجاه على المستوى العالمي لانتقال سكان الريف إلى الحضر مما يؤدي إلى زيادة عدد المهمشين والفقراء بالمدن الحضرية، وجراء تزايد شدة العواصف الترابية والسيول والموجات الحرارية التي يسببها تغير المناخ تتزايد المخاطر التي تتعرض لها المدن الحضرية، وخاصة بالنسبة للفقراء والنساء وكبار السن مما يجعلهم المجموعة الأكثر تضرراً من تأثيرات التغيرات المناخية؛ حيث من المتوقع أن تضر هذه التأثيرات، وغيرها بسبل عيشهم وممتلكاتهم. ويمكن توضيح بعض التأثيرات السلبية التي يتوقع أن يواجهها سكان المدن على النحو التالي:

أ- الهشاشة بسبب زيادة معدلات استهلاك الطاقة والمياه، خاصة في المدن الحضرية والصناعية المكتظة بالسكان.

ب- الإحساس بعدم الراحة، وتأثر الصحة بسبب زيادة تلوث الهواء والضغط على المساحات الخضراء والضغوط على البنية التحتية.

ج- زيادة معدلات تدهور المباني والطرق وزيادة معدلات المخاطر؛ بسبب ارتفاع درجات الحرارة، والأحداث الجوية العنيفة.

د- تأثر البنية التحتية في المدن الساحلية بسبب نقص التخطيط الاستباقي، وزيادة خطر العواصف والفيضانات المفاجئة.

ثالثًا: سياسات وآليات التصدي لآثار التغيرات المناخية

يعد البناء المؤسسي أحد المحاور المهمة للتعامل مع قضية تغير المناخ، وليتحقق ذلك تمت إعادة هيكلة المجلس الوطني للتغيرات المناخية لتصبح مصر واحدة من الدول القليلة على مستوى العالم التي تمتلك مجلس وزراء مصغر لتغير المناخ برئاسة السيد رئيس مجلس الوزراء بالقرار رقم 1129 لسنة 2019، وعضوية 7 من الوزراء المعنيين (الخارجية، البيئة، التخطيط، المالية، والزراعة والموارد المائية، والتنمية المحلية، بالإضافة لممثل عن وزارة الدفاع) وكذلك ممثلين عن القطاع الخاص، ومنظمات المجتمع المدني، والمراكز البحثية؛ بهدف دمج المفاهيم والإجراءات اللازمة للتعامل مع التغيرات المناخية ضمن الخطط والاستراتيجيات القطاعية من خلال استراتيجية وطنية موحدة.وقد تم إطلاق ملخص تلك الاستراتيجية على هامش مؤتمر أطراف اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ في نوفمبر 2021، ثم تم إطلاق الاستراتيجية بشكل نهائي في 30 مايو 2022، ونقلاً عن الملخص المنشور تعمل الاستراتيجية على تحقيق خمسة أهداف رئيسية، وهي:

الهدف الأول: تحقيق نمو اقتصادي مستدام

يُقصد بذلك الهدف تحقيق تنمية منخفضة الانبعاثات في مختلف القطاعات، وذلك من خلال زيادة حصة مصادر الطاقة المتجددة والبديلة في مزيج الطاقة، والتوسع فيها بإنشاء مزارع الرياح، ومحطات الطاقة الشمسية، وإنتاج الطاقة من المخلفات والتوسع في استخدام الطاقة الحيوية، بالإضافة إلى تطوير تقنيات جديدة لاستيعاب استخدام مصادر الطاقة المتجددة مثل أنظمة التحكم الذكية، واستكشاف مصادر طاقة بديلة جديدة مثل الهيدروجين الأخضر، والطاقة النووية. بالإضافة إلى  زيادة استخدام الطاقة المتجددة لتوليد الكهرباء داخل المنشآت الصناعية، وتطبيقات الطاقة الشمسية الحرارية في العمليات الصناعية، والتخلص التدريجي من الفحم والتحول إلى أنواع وقود منخفضة الكربون.

فضلًا عن تعظيم كفاءة الطاقة، وذلك بتحسين كفاءة محطات الطاقة الحرارية، وشبكات النقل والتوزيع، والأنشطة المرتبطة بالنفط والغاز، وتحسين كفاءة الطاقة للأجهزة والمعدات الكهربائية، وتحول المستهلكين لاستخدام تقنيات تعتمد على مصادر طاقة أنظف، مثل وسائل النقل التي تعمل بالكهرباء، والغاز الطبيعي، وأنظمة النقل العام الجماعي والدراجات، إلى جانب تحسين كفاءة الطاقة في المباني، وتنفيذ الكود الوطني للأبنية الخضراء للمباني الجديدة، وتعزيز كفاءة الطاقة للعمليات الصناعية في جميع الصناعات.

أضف إلى ما سبق، تبَنّي اتجاهات الاستهلاك والإنتاج المستدامة للحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري من النشاطات الأخرى غير المتعلقة بالطاقة، من خلال الحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري من الأنشطة الزراعية مثل زراعة الأرز، وأنشطة الإنتاج الحيواني من خلال استخدام التقنيات الحديثة، وأنظمة التغذية المختلفة، والترويج لمفهوم 4Rs والذي يشير إلى  تقليل وإعادة استخدام وإعادة تدوير والاسترجاع للمخلفات البلدية والزراعية، والتخلص الآمن والسليم من المخلفات الصلبة في مدافن مناسبة، وتجميع الغازات الناتجة عن تلك المدافن.

الهدف الثاني: بناء المرونة والقدرة على التكيف مع تغير المناخ، بالتخفيف من الآثار السلبية المرتبطة بتغير المناخ

ويعتمد ذلك على حماية المواطنين من الآثار الصحية السلبية لتغير المناخ، من خلال تحسين الخدمات الصحية، وزيادة استعداد القطاع الصحي لمواجهة الأمراض الناجمة عن تغير المناخ، وإعداد الدراسات، وتدريب العاملين بالقطاع الصحي، وتوعية المواطنين. كذلك، الحفاظ على الموارد الطبيعية، والنظم الإيكولوجية من تأثيرات تغير المناخ، بتحسين قدرتها على التكيف، والترويج لتبَنّي نَهج يقوم على الربط بين جهود التصدي لفقدان التنوع البيولوجي، وتغير المناخ وتدهور الأراضي والتصحر، والحفاظ على المحميات.

فضلًا عن الحفاظ على موارد الدولة وأصولها من تأثيرات تغير المناخ، من خلال تنمية موارد مائية غير تقليدية، والحفاظ على الأراضي الزراعية، وتحسين نظم إدارة المحاصيل، وحماية الثروة السمكية، والحفاظ على التراث التاريخي والثقافي من الآثار السلبية لتغير المناخ، واختيار مواقع مجتمعات التنمية الجديدة بعيدًا عن النقاط الساخنة الأكثر عرضة لتأثيرات تغير المناخ.

أضف إلى ما سبق، أهمية دعم البنية التحتية، والخدمات المرنة لتعزيز الصمود في مواجهة تأثيرات التغير المناخي، من خلال الإدارة المتكاملة للمناطق الساحلية، وتنفيذ أنظمة الحماية من الفيضانات وجمع مياه الأمطار، وتحسين أنظمة وخدمات المياه والصرف الصحي، واستخدام أنظمة ري أكثر كفاءة، وتحسين الطرق لتكون أكثر مرونة في مواجهة تأثيرات تغير المناخ مثل درجات الحرارة المرتفعة، والسيول، وارتفاع مستوى سطح البحر. بالإضافة إلى تنفيذ مفاهيم الحد من مخاطر الكوارث، عن طريق إنشاء أنظمة إنذار مبكر، وتقديم توصيات للمزارعين للقيام بإجراءات محددة مثل تدابير للري أو الرش الوقائي للآفات والأمراض، وإنشاء أنظمة المراقبة المنتظمة.

الهدف الثالث: تحسين حوكمة وإدارة العمل في مجال تغير المناخ

يتطلب ذلك تحديد أدوار ومسؤوليات مختلف أصحاب المصلحة من أجل تحقيق الأهداف الاستراتيجية، وتحسين مكانة مصر في الترتيب الدولي الخاص بإجراءات تغير المناخ لجذب المزيد من الاستثمارات، وفرص التمويل المناخي، وإصلاح السياسات القطاعية اللازمة لاستيعاب التدخلات المطلوبة للتخفيف من آثار تغير المناخ، والتكيف معه، وتعزيز الترتيبات المؤسسية والإجرائية والقانونية مثل نظام الرصد، والإبلاغ والتحقق (MRV).

الهدف الرابع: تحسين البنية التحتية لتمويل الأنشطة المناخية

ولتحقيق هذا الهدف سيتم العمل على الترويج للأعمال المصرفية الخضراء المحلية، وخطوط الائتمان الخضراء، والترويج لآليات التمويل المبتكرة التي تعطي الأولوية لإجراءات التكيف كالسندات الخضراء، ومشاركة القطاع الخاص في تمويل الأنشطة المناخية والترويج للوظائف الخضراء، والتوافق مع الخطوط التوجيهية لبنوك التنمية متعددة الأطراف (MDB) لتمويل الأنشطة المناخية، والبناء على نجاح برامج تمويل الأنشطة المناخية الحالية. فضلًا عن تعزيز البحث العلمي ونقل التكنولوجيا وإدارة المعرفة والوعي لمكافحة تغير المناخ، وزيادة الوعي بشأن تغير المناخ بين مختلف أصحاب المصلحة (صانعي السياسات/القرارات، والمواطنين، والطلاب).

تقوم الحكومة المصرية بتبني العديد من التوجهات العامة التي تدعم تحقيق أهداف الاستراتيجية الوطنية لتغير المناخ، ومنها التأكد من التخطيط المتكامل بين مختلف الاستراتيجيات الوطنية والقطاعية مثل: استراتيجية التنمية المستدامة2030، واستراتيجية الاقتصاد الأخضر، والاستراتيجية الوطنية لتقليل مخاطر الكوارث، واستراتيجية التنمية منخفضة الانبعاثات(LEDS)، والاستراتيجيات القطاعية. بالإضافة إلى دمج الإجراءات المتعلقة بالتغيرات المناخية ومعايير الاستدامة والتعافي الأخضر في التخطيط الوطني وإعداد الميزانية، ودمج التكيف مع المناخ والمرونة في مشاريع البنية التحتية، والاستفادة من فرص التمويل المتاحة تحت مظلة اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن التغير المناخي، واتفاقية باريس وغيرها من المصادر ذات الصلة بالمناخ. إلى جانب استغلال البنية التحتية الحالية كالاستفادة من شبكة الكهرباء الحالية المحدثة والموسعة لتشغيل المركبات الكهربائية، وتعزيز تنافسية السوق والتنوع الاقتصادي، وخلق فرص عمل خضراء.

وهناك مجموعة من السياسات والأدوات سوف تُستخدم في تنفيذ الاستراتيجية الوطنية لتغير المناخ، ومنها:

- أدوات التمويل المبتكرة مثل السندات الخضراء.

- أدوات التمويل التقليدية مثل القروض الميسرة، ومنح من بنوك التنمية متعددة الأطراف.

- إعداد وتقديم مشروعات في إطار الصندوق الأخضر للمناخ وآلية التنمية المستدامة الجديدة لاتفاقية باريس.

- بناء نظام وطني للمراقبة والإبلاغ والتحقق يساعد في متابعة وتخطيط العمل المناخي.

- تطبيق الوزارات لمعايير الاستدامة في تحديد المشروعات التي سيتم تقديمها إلى وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية ووزارة المالية.

- إشراك أصحاب المصلحة في مختلف مراحل تطوير الاستراتيجية.

- استخدام الخريطة التفاعلية كأداة تخطيط لتحديد المناطق المعرضة لمخاطر تغير المناخ المحتملة.

- تحديد واستخدام الحلول الرقمية التي تعزز/تمكّن من تنفيذ الحلول منخفضة الكربون والمرنة مع التغيرات المناخية.

- تأسيس وحدات للتنمية المستدامة وتغير المناخ في كل وزارة.

- دمج الجوانب المتعلقة بتغير المناخ في دراسات تقييم الأثر البيئي (EIA) في مصر.

رابعًا: مدى كفاية مصادر التمويل الدولية لمواجهة تأثير التغيرات المناخية على مصر

مما لا شك فيه أن وجود استراتيجية وطنية سوف يساهم بشكل مباشر في التعرف على الاحتياجات التمويلية لتنفيذ الخطط القطاعية التنفيذية للدولة، فعلى سبيل المثال لا الحصر، سوف تسهم الاستراتيجية في وضع الخطة الوطنية للتكيف مع تغير المناخ، والتي بدأت في عام 2020 من خلال تمويل قدره 3 مليون دولار من صندوق المناخ الأخضر، كما أنها سوف تستفيد من مشروع الخريطة التفاعلية لمخاطر التغيرات المناخية على جمهورية مصر العربية، والذي يتم على ثلاثة مراحل بالتعاون بين وزارة البيئة، وإدارة المساحة العسكرية، والهيئة العامة للأرصاد الجوية، ومركز بحوث المياه التابع لوزارة الموارد المائية والري؛ بهدف مساعدة متخذي القرار على تحديد المناطق المعرضة للمخاطر المحتملة من تغير المناخ بما قد يؤثر على تنفيذ خطة الدولة للتنمية، وبالتالي تحديد التدابير اللازمة في القطاعات التنموية المختلفة. وكذلك اقتناص فرص تمويلية للتكيف من الجهات الدولية؛ حيث تم الانتهاء من المرحلة الأولى وجاري عمل الاختبارات الفنية للانتهاء من تنفيذ المرحلة الثانية، كما أنه تم البدء في دراسة مشروع تحويل نظم تمويل المناخ لتقديم قروض طويلة المدى والدعم الفني لعدد من المشروعات، بتكلفة تبلغ 150 مليون يورو، من خلال تمويل مشترك بين الوكالة الفرنسية للتنمية وصندوق المناخ الأخضر بالتركيز على أربعة قطاعات، وهي  السياحة المستدامة، وإدارة المخلفات، والمياه والصرف الصحي، والنقل، وسيتم إدارة هذا القرض عن طريق عدد من البنوك الوطنية.هذا وقد تمكنت مصر من الحصول على تمويل لتنفيذ عدد من المشروعات في مجالات حماية النظم الطبيعية، وزيادة المرونة لتغير المناخ، وكذلك خفض الانبعاثات المسببة لتغير المناخ.

ومن المهم في هذا السياق طرح تساؤل مهم حول مدى كفاية مصادر التمويل الدولية لمواجهة تأثير التغيرات المناخية على مصر، وباقي الدول النامية في ظل الأوضاع الاقتصادية والسياسية العالمية، مع عدم وفاء الدول المتقدمة بتعهداتها ضمن مفاوضات المناخ، وتعقيد عملية الحصول على التمويل، ووجود اشتراطات مختلفة للحصول على التمويل طبقاً لكل مصدر من مصادر التمويل المختلفة مثل مرفق البيئة العالمي (آلية تمويلية لاتفاقيات ريو)، وصندوق المناخ الأخضر (آلية تمويلية لتغير المناخ). خاصة في ظل التقارير الدولية والوطنية التي ترصد التمويلات المطلوبة للتعامل مع التغيرات المناخية وتأثيراتها، من بينها تقرير ستيرن حول اقتصاديات تغير المناخ (وهو تقرير من 700 صفحة صدر لحكومة المملكة المتحدة في 30 أكتوبر 2006 من قبل الاقتصادي نيكولاس ستيرن، رئيس معهد غرانثام للأبحاث حول تغير المناخ والبيئة في كلية لندن للاقتصاد (LSE)) والذي ناقش تأثير تغير المناخ على الاقتصاد العالمي.

وعلى الرغم من أنه ليس أول تقرير اقتصادي عن تغير المناخ، إلا أنه يعد أكبر تقرير من نوعه وأكثرها شهرة ومناقشة؛ حيث أكد التقرير على أن تغير المناخ يمثل تحديًا فريدًا للاقتصاد العالمي، وكان الاستنتاج الرئيسي للتقرير هو أن فوائد العمل المبكر بشأن تغير المناخ تفوق بكثير تكاليف عدم اتخاذ الإجراءات المناسبة من خفض للانبعاثات الكربونية. كما أشار التقرير إلى أن التكاليف الإجمالية لتغير المناخ ستعادل خسارة 5 ٪ على الأقل من الناتج المحلي الإجمالي العالمي كل عام، واقترح التقرير أن يتم استثمار واحد بالمائة من إجمالي الناتج المحلي العالمي سنويًا لتجنب أسوأ آثار تغير المناخ. وقد  أكدت الدراسات الحديثة على صحة نتائج تقرير ستيرن؛ حيث تم نشر دراسة بواسطة المعهد السويسري Swiss Re في أبريل 2021 للتأثيرات الاقتصادية المحتملة لتغير المناخ على اقتصاديات العالم، وأكدت أن تغير المناخ يمكن أن يمحو ما يصل إلى 18 ٪ من الناتج المحلي الإجمالي للاقتصاد العالمي بحلول عام 2050 إذا ارتفعت متوسط درجة الحرارة العالمية بمقدار 3.2 درجة مئوية طبقاً للسيناريو المتشائم (في حالة فشل المفاوضات أو عدم اتخاذ الدول للتدابير اللازمة واستمرار الانبعاثات على نفس الوتيرة الحالية).

وقد تبين أن الاقتصادات في جنوب شرق آسيا الأكثر عرضة للمخاطر المادية المرتبطة بالاحترار العالمي،  مع خسائر قد تصل إلى 3.3 ٪ من الناتج المحلي الإجمالي في أفضل السيناريوهات، و26.5 ٪ في أسوأ السيناريوهات. وقد تتعرض الصين لخطر فقدان ما يقرب من 24 ٪ من ناتجها المحلي الإجمالي في سيناريو حاد مقارنة بالخسائر المتوقعة بنسبة 10 ٪ للولايات المتحدة وكندا والمملكة المتحدة و 11 ٪ لأوروبا.

في غضون ذلك، ستشهد منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا انخفاضًا بنسبة 4.7 ٪ إذا ظل ارتفاع درجات الحرارة أقل من 2 درجة مئوية و 27.6 درجة مئوية في السيناريو المتشائم. وقد كانت الولايات المتحدة، وكندا، وسويسرا، وألمانيا من بين الدول الأقل احتمالًا للتأثر بشكل كبير؛ نظرًا لقدراتهم التكيفية العالية من توافر الثروة والعلم والتكنولوجيا والقدرة على الصمود في وقت الأزمات، وهو ما قد يفسر سبب تقاعس الدول المتقدمة خاصة الولايات المتحدة باتخاذ الإجراءات اللازمة لمواجهة التغيرات المناخية.

وهو ما يؤدي إلى العديد من التخوفات فيما يخص توافر الاحتياجات التمويلية للدول النامية لمواجهة التغيرات المناخية، فعلى سبيل المثال أوضحت استراتيجية مصر لتغير المناخ 2050 أن الاحتياجات التمويلية لمواجهة التغيرات المناخية هي كالتالي:

1- التكلفة التقديرية لبرامج ومشروعات التكيف، بفجوة تمويلية قدرها حوالي 94.7 مليار دولار؛ حيث تحتاج إلى مصادر دولية للتمويل من صناديق التمويل للمناخ.

2- التكلفة التقديرية لبرامج ومشاريع التخفيف (خفض غازات الدفيئة)، بفجوة تمويلية قدرها حوالي 153.4 مليار دولار؛ حيث تحتاج إلى مصادر دولية للتمويل من صناديق التمويل للمناخ.

من مجمل ما سبق، يتضح أن الدولة تنتج منهجاً متكاملاً للمواجهة الشاملة لتأثيرات التغيرات المناخية، والحد من الانبعاثات لتحقيق التنمية بشكل مستدام، وجاري العمل على تحسين تلك المنظومة من خلال منح دور واضح ومحدد لوزارات التخطيط والمالية والتعاون الدولي حتى يمكن دمج المفاهيم المرتبطة بتغير المناخ ضمن خطة الدولة للتنمية المستدامة 2030، وتوفير الاعتمادات المالية اللازمة والاستفادة من الفرص الاستثمارية المتاحة كمشروعات تجارة الكربون وغيرها. ولا يمكن إغفال دور المجتمع المدني المهم الداعم لجهود الدولة، حيث قامت الجمعيات الأهلية من خلال الاتحاد النوعي للجمعيات الأهلية للبيئة بتنفيذ العديد من الأنشطة، والشراكات للتوعية بالتغيرات المناخية ومخاطرها المحتملة ودور الأفراد والمجتمعات في عملية المواجهة. كما يقوم المكتب العربي للشباب والبيئة بإدارة صندوق المنح الصغيرة التابع لمرفق البيئة العالمي لتمويل مشروعات تنفيذية للجمعيات الأهلية تساعد على إعادة تدوير المخلفات الزراعية لإنتاج البيوجاز أو الكومبوست والتشجير، ونشر استخدام السخانات الشمسية، واللمبات الموفرة وغيرها.

ومن الأنشطة البارزة التي يمكن إلقاء الضوء عليها في هذا الصدد، مشروع التنمية بالمشاركة في المناطق الحضرية، والذي هدف إلى تعــاون الحكومة، ومنظمــات المجتمــع المدنــي فــي تحسـين الخدمــات والظروف البيئية لسكان المناطق العشوائية بالقاهرة الكبرى، وهو برنامج ممول من وزارة التنميــة الاقتصاديــة الألمانيــة إلى جانب الاتحاد الأوروبي، ومؤسسة بيل وميلندا جيتس؛ حيث يتم تنفيذه من خلال وكالة التعاون الألماني، والعديد من الجمعيات الأهلية، ومنظمات المجتمع المدني الشريكة. وللبرنامج أربعة مكونات أحدها مكون للتكيف مع تغير المناخ والمرونة في المناطق الحضرية، ويعمل على تحليل الآثار المتوقعة لتغير المناخ، وحساسية المناخ في مناطق معينة، والقدرة على التكيف ونقاط الضعف وأفضل الممارسات لمواجهة التحديات المناخية الجارية. وجرى تنفيذ مشروعات تطوير تسع مناطق عشوائية حول القاهرة الكبرى، مثل: مشروعات زراعة الأسطح والتشجير، والسخانات الشمسية على أسطح المدارس، والتظليل للأسواق العامة والتوعية...الخ

وأخيرًا وجب التأكيد على دور منظومة العمل المناخي العالمي بالأمم المتحدة والاتفاقيات الدولية، وعلى رأسها مؤتمر أطراف اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ، الذي ستستضيف مصر دورته السابعة والعشرين (كوب27) في إتاحة وتوفير وتسهيل الحصول على التمويل اللازم للمساعدة في عملية التحول نحو اقتصاديات منخفضة الكربون قادرة على مواجهة الصدمات والأزمات الناتجة عن تغير المناخ والتكيف مع التأثيرات الناتجة عنه. وكذا توفير آليات لتعويض الخسائر والمتضررين من التأثيرات المناخية، مع التأكيد على أهمية الشفافية والتوازن في توزيع التمويل بين خفض الانبعاثات (التخفيف)، والتكيف، وتنفيذ برامج لبناء قدرات الدول النامية من خلال خبراء متخصصين، وتوفير نافذة لمبادلة الديون بين الدول المتقدمة والنامية كأحد البدائل التي تساعد الدول النامية على تخفيف الأعباء عن كاهلها، لكي تتمكن من حماية المجتمعات الهشة والفقيرة من تأثيرات التغيرات المناخية، والاهتمام ببرامج الصحة والحد من انتشار الأمراض المرتبطة بالظروف الجوية والاستفادة من دروس جائحة كوفيد19؛ لأن الضرر قد يطال الجميع من الدول النامية والمتقدمة في نهاية المطاف في حال استمرار التقاعس عن اتخاذ الإجراءات ا

المصدر: مركز الأهرام للدراسات السياسية والأستراتيجية
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 500 مشاهدة
نشرت فى 15 يوليو 2023 بواسطة hatmheet

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

2,288,392