مكعب صغير لمراقبة جودة مياه أحواض تربية الأسماك
إعداد/ محمد شهاب
يواجه العاملون في أنشطة أحواض تربية الأسماك صعوبات عدّة من أجل حماية مواردهم المائية والسمكية، ومنها زيادة التلوث ونقص الأكسجين الذي يؤدي إلى نفوق الأسماك، لذا يمكن لمستشعرات جودة المياه ذاتية التزود بالطاقة الشمسية أن تساعد مربي الأسماك على المراقبة الجيدة لجودة المياه.
تربية الأسماك
توفّر أحواض تربية الأسماك في الوقت الراهن نصف ما يستهلكه العالم من الأغذية البحرية، وفي السنوات العشر الأخيرة ارتفعت أرباح تربية السمك عالمياً أربعة أضعاف لتبلغ أكثر من 230 مليار دولار أميركي سنوياً.
إلا أن التلوث الناجم عن الأنشطة الصناعية يتسرَّب إلى الأحواض التجارية مسبباً نفوق أسماك بقيمة ملايين الدولارات، فعلى سبيل المثال، ترفع الأسمدة الزراعية مستوى المغذيات في الماء، مما يؤدي إلى ازدهار نمو الطحالب، ولكن عندما تتحلّل الطحالب، تستهلك الأكسجين الموجود بالماء، مما يسبب اختناق الأسماك.
بالمراقبة الجيدة لجودة المياه، يستطيع مربّو الأسماك اتخاذ إجراء عند رصد مستويات ضارة من التلوث. غير أن بعض المستشعرات التجارية لا ترصد إلا شيئاً واحداً فقط - مثل حموضة الماء، أو مستويات الأكسجين - بواسطة أجهزة منفردة يراجعها المربي يدوياً. أما البدائل متعددة الوظائف فهي كبيرة الحجم، وباهظة التكلفة، وتحتاج إلى خبير لتشغيلها. لذلك فإن صناعة أجهزة إلكترونية قادرة على القيام بعدة وظائف في وقت واحد عملية صعبة، ودائماً ما تكون ثمة مقايضة ما بين كفاءة الوظائف وعددها.
وأخيراً، ابتكر المهندس الكهربائي، البروفسور محمد حسين، أستاذ الهندسة الكهربائية والحاسوبية وفريقه بجامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست) مستشعراً صغيراً ذاتي التزود بالطاقة، يرصد خصائص متعددة لجودة المياه، وينقل البيانات عن طريق تقنية البلوتوث.
مستشعر متكامل
اعتمد الباحثون في بناء هذا النظام متعدد المستشعرات على دائرة متكاملة متعددة الأبعاد (MD - IC). وتوضّح الدكتورة نازك العتاب - قائدة الفريق البحثي - الأمر قائلة إن «دمج وظائف مختلفة على رقاقة كومبيوتر واحدة عملية معقدة ومكلفة، لكننا جمعنا رقائق عدّة في مكعب واحد، على نحو يجعل كل وجه من أوجهه يؤدي غرضاً مختلفاً». ومن ثم، تعمل الرقائق المتصلة ببعضها كجهاز واحد.
صُمم المكعب ليطفو على سطح الماء، وتكون مستشعرات درجة الحموضة (الأس الهيدروجيني)، ودرجة الحرارة، والملوحة، ومستوى الأمونيا، متجهة إلى أسفل. كذلك روعي في تصنيع العلبة المغلفة للجهاز أن تتزن على نحو يضمن بقاءه على وضعه حتى لو تعرّض لاضطراب بفعل حركة الأسماك. تقول العتاب: «أردنا أن نصنع شيئاً صغير الحجم وخفيف الوزن. يستطيع صاحب الأحواض السمكية ببساطة أن يلقي الجهاز في الماء، وسوف يستدير الجهاز ليعتدل من تلقاء نفسه متخذاً الوضع الصحيح».
ويحمل الجهاز على سطحه الخارجي المتجه لأعلى مستشعرات ترصد تلوث الهواء، بالإضافة إلى خلايا شمسية تشحن البطارية الموضوعة بإحكام داخل المكعب، وهوائي لإرسال البيانات بواسطة البلوتوث إلى هاتف محمول.
ويوضح البروفسور حسين أن مفهوم الدائرة المتكاملة المتعددة الأبعاد يعتبر متفرّداً، لأنه يفتح آفاقاً لصنع أجهزة منفردة ذات تطبيقات خاصة بالجيل الجديد من الإنترنت الذي يربط كل الأجهزة والأشياء المختلفة ببعضها والذي يحمل اسم إنترنت الأشياء. ويضيف: «دائماً ما يُعد الماء وسطاً مثيراً وجذاباً لمجال الإلكترونيات».
ويعد منع نفوق الأسماك من الخطوات المهمة لتحقيق الأمن الغذائي، وهنا يأمل فريق البحث في أن يدعم المستشعر الذي صنعوه هذا الهدف. وفي هذا الصدد تقول العتاب: «ترصد المملكة العربية السعودية استثمارات بقيمة 3.5 مليار دولار أميركي في مجال التربية السمكية، بحيث يتسنى لها إنتاج 600 ألف طن من المأكولات البحرية كل عام بحلول عام 2030».
لكن فريق العمل يعتقد أن تلك المكعبات الصغيرة يمكن أن يكون لها مستقبل أكبر يتجاوز استخدامها في المزارع السمكية، مثل استخدام تلك المكعبات في أنابيب النفط لجمع البيانات بخصوص جودة النفط، وذلك بحسب الدكتورة العتاب. ويعمل الباحثون على تحسين تقنية التبريد الذاتي لتفادي حدوث سخونة مفرطة، وستكون الخطوة القادمة اختبار الجهاز عملياً.
ومن الأمور المهمة المتعلقة بهذا البحث أيضاً أنه تلقّى بعض المساعدة من طالبات التدريب الصيفي، واللاتي وفدن كزائرات من جامعة الأميرة نورا، أكبر جامعة للنساء في المملكة العربية السعودية.
ساحة النقاش