محمد شهاب- المزارع السمكية Mohamed Shihab -Aquacultures

يعرض الموقع الأحدث من ومقالات و صور و مواقع تخص الاستزراع السمكى

مياه القارة القطبية الجنوبية تحت المراقبة

أعداد/محمد شهاب

تحذِّر كاساندرا بروكس وزملاؤها من أنه في ظل تغير المناخ المتسارع، يجب توخي الحذر في إدارة مصائد الأسماك في المحيط الجنوبي استجابةً للبيانات الواردة.

ينص نظام معاهدة القارة القطبية الجنوبية على أن هذه القارة «محمية طبيعية، مُكرسة للسِّلْم، والعِلْم». وتتبنى هذه المجموعة المعقدة من الاتفاقيات موقفًا حازمًا جمعاء إزاء مسألة الحفاظ على البيئة. ويتمثل هذا الموقف في اتفاقية حفظ الموارد البحرية الحية. هذه الاتفاقية، التي تم إقرارها في عام 1980، جرى التفاوض عليها سريعًا؛ استجابةً للتوسع في استخدام الشِّبَاك الجارفة في صيد الكريل القطبي الجنوبي (Euphausia superba). ويشكل الكريل أساس الشبكة الغذائية البحرية في المنطقة، ومن ثم كانت هناك مخاوف من احتمال أن تؤدي ندرة هذه القشريات الصغيرة إلى تهديد النظام الإيكولوجي بأكمله، وبخاصة الحيتان.

تهدف الاتفاقية إلى الحفاظ على جميع الكائنات الحية بالمنطقة، والنظم الإيكولوجية في محيط القطب الجنوبي. ورغم أن الصيد مسموح به في تلك المناطق، إلا أنه ليس حقًّا مكفولًا، ولا يُسقِط المسؤولية عن الحفاظ على النظام الإيكولوجي. تتميز أحكام الاتفاقية بأنها صارمة، واحترازية، ومبنية على أسس علمية. وتتقيد الدول الموقعة على الاتفاقية بتجنب إلحاق أي ضرر جوهري، أو لا يمكن إصلاحه بالأسماك وغيرها من الحيوانات التي تعتمد في غذائها على تلك الكائنات، لكن الاتفاقية تعجز حاليًّا عن حماية محيط القطب الجنوبي من عمليات الصيد الجائر، وتأثيرات التغير المناخي

يصل عدد الدول التي تمارس الصيد في المياه المتجمدة لهذه المنطقة إلى 20 دولة. ويمثل الكريل القطبي الجنوبي، والسمك المسنن الباتاجوني (Dissostichus eleginoides)، والسمك المسنن القطبي الجنوبي (Dissostichus mawsoni) الفريسة الرئيسة لعمليات الصيد. كما صار عدد أكبر من السفن، ومزيد من تقنيات الصيد الأكثر كفاءة أَقْدَر على اصطياد المزيد من الكائنات (انظر: "المصائد السمكية في القارة القطبية الجنوبية"). وبإمكان سفن الصيد التي تَستخدِم مضخات التفريغ شفط ما يصل إلى 800 طن من الكريل في يوم واحد.  وتتنافس تلك السفن مع الطيور والثدييات على الغذاء، لا سيما في المناطق المائية التي يسهل الوصول إليها.

في الوقت نفسه، تتغير باستمرار درجات حرارة المحيطات، والتيارات البحرية، وأنماط الطقس ويُعتبر الساحل الشمالي الغربي لشبه الجزيرة القطبية الجنوبية أحد أسرع الأماكن احترارًا على وجه الأرض؛ فمتوسط درجات الحرارة في الصيف أعلى بمقدار 3 درجات مئوية مما كان عليه في عام 1950. كما أن تقلُّص مساحة جليد البحر يعني أيضًا قلة أعداد الطحالب، والكريل، والسمك الفضي القطبي الجنوبي (Pleura­gramma evelopmen). وقد ارتبطت الآثار التراكمية لعمليات الصيد على مدار التاريخ، وفي الوقت الراهن – مقترنةً بالتغير البيئي – بانخفاض أعداد البطاريق شريطية الذقن (Pygoscelis Antarctica)، وبطاريق الجنتو (Pygoscelis papua).

ونظرًا إلى الأحكام الصارمة التي تنص عليها الاتفاقية، فإن هيئتها التنفيذية التي تتألف من 25 عضوًا – المعروفة باسم لجنة حفظ الموارد البحرية الحية في القارة القطبية الجنوبية (CCAMLR) – يُنظر إليها على نطاق واسع بوصفها رائدة في إدارة مصائد الأسماك بأعالي البحار.

وهناك دول من تلك التي تعتمد كثيرًا على الصيد تحاول الآن إضعاف نفاذ قواعد الاتفاقية، حيث تحاجج الصين – العضو الأحدث في لجنة حفظ الموارد البحرية الحية في القارة القطبية الجنوبية (التي انضمت إلى اللجنة اعتبارًا من عام 2007) – بأنّ الاتفاقية تصون حقوق الدول في الصيد، ولا ترسخ المسؤولية عن الحفاظ على الكائنات الحية.وتصر الصين أيضًا على أن ترسيم مناطق محظور فيها الصيد يتعارض مع الاتفاقية، رغم أن الاتفاقية تنص صراحةً على هذه المناطق في أحكامها. وقد اقترحت الصين ضرورة توفير أدلة علمية على وجود تهديد بعينه، قبل إغلاق منطقةٍ ما أمام سفن الصيد. وبعض دول الصيد الأخرى، مثل روسيا، يؤيد وجهة النظر تلك7.

ونظرًا إلى أن لجنة حفظ الموارد البحرية الحية في القارة القطبية الجنوبية تتخذ قراراتها بإجماع الآراء، فإن أي دولة بإمكانها حجْب الإجراء الذي تتصور أنه لا يصبّ في مصلحتها. فعلى سبيل المثال.. في عام 2011، منعت كوريا الجنوبية إدراج إحدى سفنها التي ضُبطت في أثناء الصيد بصورة غير قانونية في القائمة السوداء.

وإذا استمر صيد الأسماك بوتيرته الحالية وسط تغير المناخ السريع، فإن مصائد الأسماك الرئيسة، والنظم الإيكولوجية البحرية في القارة القطبية الجنوبية يمكن أن تتعرض للانهيار، مثلما حدث في أماكن أخرى. ومثال على ذلك.. أنه في تسعينيات القرن الماضي، بعد إخفاق الساسة في اتخاذ أيّ إجراءات بناءً على تحذيرات العلماء، انخفض معدل توفر سمك القد الأطلسي (Gadus morhua) إلى نسبة تقل عن 1% من مستوياته السابقة .

ومِن جانبنا.. نحث لجنة حفظ الموارد البحرية الحية في القارة القطبية الجنوبية على تحسين مستوى حماية مصائد الأسماك في محيط القطب الجنوبي. كذلك ينبغي الأخذ بعين الاعتبار آثار تغير المناخ على المجتمعات البحرية حاليًا ومستقبلًا في عملية صنع القرار، وذلك تفاديًا لحدوث انخفاضات حادة في أعداد تلك المجتمعات. وقد تحتاج لجنة حفظ الموارد البحرية الحية في القارة القطبية الجنوبية إلى خفض الصيد، أو وقفه، في المناطق المعرضة للخطر، أو في الأماكن التي تكثر بها الشكوك بشأن الآثار السلبية للصيد. كما يجب أن يجري تصميم المحميات البحرية تصميمًا جيدًا، إضافة إلى إنشاء المزيد من تلك المحميات.

كذلك ينبغي على اللجنة بذل المزيد من الجهود؛ لدعم البحوث الأساسية المستقلة عن صناعة الصيد، إذ ستؤدي تلك الدراسات إلى تعزيز فهمنا لديناميكيات الأنواع المستهدَفة، ومَواطن ضعفها في مواجهة التغير البيئي، والصيد الجائر.

ضغوط الصيد

على مدار فترات زمنية طويلة، تعرضت ثروات مياه القارة القطبية الجنوبية للنهب. ويُذكر أن الأنواع التي أوشكت على الانقراض شملت فيل البحر (Mirounga evelop)، والحوت الأزرق (Balaenoptera muscu­lus)، والبطريق الملك (Aptenodytes patagonica)، وأسماك القد الصخري القطبي الجنوبي (Notothenia rossii). استعاد بعض تلك الأنواع معدّلاته الطبيعية، لكن لم يتحقق ذلك مع البعض الآخر، مثل القد الصخري. ورغم ذلك.. فقد أسهم بُعد المسافة والظروف القاسية في حماية الحيوانات القاطنة في البحار المحيطة بالقارة القطبية الجنوبية، بالمقارنة بتلك التي تعيش في أماكن أخرى.

في محيط القطب الجنوبي، يتعرض الكريل للصيد أكثر من غيره من الأنواع الأخرى (من حيث الكمية)، إذ يتم اصطياد حوالي 300,000 طن منه سنويًّا. ويُستخدم الكريل بصفة رئيسة في صناعة مكملات الأحماض الدهنية المعروفة باسم «الأوميجا»، ومسحوق السمك. ويتم اصطياد معظم كميات الكريل قبالة شبه الجزيرة القطبية الجنوبية. وفي ذلك.. صرحت دوائر صيد الأسماك بأن تلك الكميات المصيدة تُعتبر صغيرة، إذا ما قُورنت بكمية الكريل الموجودة في المياه المحيطة بالقطب الجنوبي، والمُقدَّرة بأكثر من 300 مليون طن.

تعتمد مصائد الأسماك الصغيرة نسبيًّا عند محيط القطب الجنوبي على كل من السمك المسنن الباتاجوني، والسمك المسنن القطبي الجنوبي (انظر: "المصائد السمكية في القارة القطبية الجنوبية"). ونظرًا إلى ارتفاع الأسعار، يُعد ذلك نشاطًا مربحًا. وقد قفز استغلال هذين الصنفين إلى أعلى معدلاته في تسعينيات القرن الماضي، عندما صار السمك المسنن، الذي تغير اسمه إلى «سمك الباس التشيلي»، ذا شعبية في المطاعم الفاخرة. وقد ارتفعت معدلات الصيد غير القانوني وغير المُبلَّغ عنه وغير المُنظَّم، وهو ما أدى إلى تدمير مجتمعات بحرية؛ فقد استولى مرتكبو الصيد غير القانوني على كميات من الأسماك تفوق ما حصلت عليه السفن القانونية بستة أضعافوقامت لجنة حفظ الموارد البحرية الحية في القارة القطبية الجنوبية بقلب ذلك الوضع، عن طريق توثيق الكميات المصيدة، ومراقبة السفن، وإدراج السفن التي لا تمتثل للقوانين في القائمة السوداء. وانخفضت الكميات المصيدة بشكل غير قانوني من 33 ألف طن في عام 1996 إلى أقل من 2000 طن بحلول عام 2007 . ومع ذلك.. انخفضت بشدة مجتمعات السمك المسنن الباتاجوني، ولا تزال في حالة من النضوب حتى الآن، ولا سيما تلك المحيطة بجزيرتي الأمير إدوارد، وضفة بانزر، وهضبة كيرجولين.

وتجعل دورات حياة السمك المسنن هذه المخلوقات البحرية معرضة للخطر بدرجة كبيرة، كما أنها تضفي صعوبة على دراستها، إذ يتأخر بلوغ تلك الأسماك، وتنمو ببطء، ويمكن أن تظل على قيد الحياة لمدة 50 عامًا. ولا توجد معلومات عن عدد تلك الأسماك في بحر روس، الذي يُعدُّ مصيدة السمك المسنن الدولية الرئيسة. كذلك لا تتوافر معلومات عن توقيت تكاثر هذا النوع، أو مكانه، أو وتيرته9. ويتربع ذلك النوع على رأس الكائنات البحرية المفترسة للأسماك في محيط القطب الجنوبي، كما أنه أيضًا الفريسة الرئيسة لفقمات الويديل (Lep­tonychotes weddellii)، والحيتان القاتلة (Orcinus orca)، ويتنافس على التهام الأسماك الأصغر حجمًا مع بطاريق آديلي (Pygoscelis adeliae).

وترغب الدول التي تمارس الصيد في اصطياد المزيد.. فتحاول روسيا، مثلًا، زيادة كمية السمك المسنن التي تصيدها، وترسل أساطيلها إلى مناطق لا يُمارَس بها الصيد، مثل بحر ويديل. أما أوكرانيا، فتريد اصطياد المزيد من الكريل. كذلك قامت نيوزيلندا، وأستراليا – من ضمن جملة دول أخرى – ببسط نفوذهما؛ ليصل إلى مناطق السمك المسنن. كذلك وقَّعت دول أخرى – من بينها: ناميبيا، وأوروجواي – على الاتفاقية؛ لكي تتاح لها إمكانية الصيد، والوصول إلى الأسواق.

فجوات معرفية

يقود تغير المناخ إلى تفاقم المشكلة، لكن من الصعب الفصل ما بين الآثار البيئية، والعواقب الناجمة عن الصيد، فعلى سبيل المثال.. لا يعرف العلماء ما إذا كان صيد السمك المسنن، أَم زحف الجليد هو الذي وراء التغير الذي طرأ على انتشار الحيتان القاتلة في جنوبي بحر روس.

لا شك في أن توفير مزيد من البيانات سيساعدنا كثيرًا، لكن إجراء البحوث في منطقة محيط القطب الجنوبي صعب ومكلف. فالكثير من المعلومات التي نعرفها عن السمك المسنن تجمعها صناعة صيد الأسماك التي لا تقوم بجمع البيانات البيئية. ومن ثم، توجد فجوات معرفية كثيرة، وأمامنا الكثير لنتعلمه عن تاريخ الأنواع التي يتم صيدها، وديناميكياتها السكانية، وعن الكيفية التي تؤثر بها التغيرات البيئية في معدلات المواليد والوفيات الخاصة بتلك الأنواع. ولا يوجد سوى دراسات كَمية قليلة تتناول الصلات القائمة بين الكائنات المستهدَفة في الشبكة الغذائية.

إن برنامج البحوث البيئية طويلة الأجل (LTER) – الذي يقع مقره في محطة بالمر ستيشن إلى الغرب من شبه الجزيرة القطبية الجنوبية – يُعَد لا نظير له من حيث النهج متعدد الأوجه الذي يتبناه، إذ يجمع البرنامج المعلومات، مثلًا، بشأن الكيفية التي تؤثر بها التغيرات التي تطرأ على الجليد البحري في الكريل وغيره من الكائنات الصغيرة. ولَدَى لجنة حفظ الموارد البحرية الحية في القارة القطبية الجنوبية أيضًا برنامج لرصد النظام الإيكولوجي، تم تصميمه لدراسة آثار صيد الكريل على الكائنات البحرية المفترسة التي تتكاثر على البر. ومع ذلك.. لا يؤخذ بتلك البيانات بشكل فعَّال في صنع القرار.

تقرّ لجنة حفظ الموارد البحرية الحية في القارة القطبية الجنوبية بأنه يجب عليها الأخذ في الاعتبار آثار الاحترار العالمي في سياساتها. ففي عام 2017، أطلقت اللجنة "برنامج عمل التصدي لتغيرات المناخ"؛ لتحديد متطلبات البحوث، وعمليات الرصد، والتحركات المحتملة . وقد أفادت اللجنة بأنها ستستعين بخبراء في حقل تغير المناخ، لكن التقدم المُحرز في ذلك الصدد بطيء، في حين لا يسير تغيُّر المناخ بالبطء نفسه. ولا تزال القواعد الخاصة باللجنة وحصص الصيد تستند إلى نماذج لا تضع في الاعتبار سيناريوهات تغير المناخ

مقاربات تكيفية مماثلة

يجري في الوقت الراهن تطوير نظام إدارة مصائد أسماك مستجيب للظروف، ومَبْنٍ على النظم الإيكولوجية. وثمة بوادر لدروس يمكن استخلاصها من جميع أنحاء العالم. وبالفعل، لدى لجنة حفظ الموارد البحرية الحية في القارة القطبية الجنوبية أدوات السياسة التي يمكن الانتفاع بها.

وجدير بالذكر أنه يجري تطبيق إدارة تكيفية قبالة الساحل الغربي للولايات المتحدة. فمنذ عام 2015، واستنادًا إلى الدراسات الاستقصائية للمخزون السمكي، ومؤشرات المناخ، حظر «مجلس إدارة مصائد المحيط الهادئ» صيد سمك السردين (Sardinops sagax) بصفة مؤقتة. وقد أدى إغلاق هذه المنطقة الكبيرة للصيد (التي بلغ إنتاجها 109 آلاف طن في عام 2012) إلى جلب مصاعب في الوقت الراهن، لكن يمكن إتاحة مستويات أعلى من الصيد في المستقبل عندما تسمح المؤشرات بذلك.

إنّ لتعليق عمليات الصيد في مياه المنطقة القطبية الشمالية دلالة ذات صلة بمحيط القطب الجنوبي. فلَمْ تتعرض تلك المنطقة، التي تبلغ مساحتها 2.8 مليون كيلومتر مربع، لعمليات صيد قبل عام 2017؛ بسبب أنّ مياهها تظل متجمدة على مدار معظم فترات السنة. أمّا الآن، وكما هو الحال في المناطق المحيطة بشبه الجزيرة القطبية الجنوبية، فيؤدي انحسار الجليد في الصيف إلى تيسير الوصول إلى المنطقة. وفي عام 2017، أقرّت الدول المطلة على المحيط المتجمد الشمالي المركزي اتفاقية القطب الشمالي، حيث تعهدت بعدم الصيد في هذه المنطقة لمدة 16 عامًا، وذلك للسماح للعلماء بدراسة آثار تغيُّر المناخ أولًا.

وبعبارة أخرى... يمكن أن تتكاتف الدول معًا؛ بهدف حماية مصائد الأسماك الحساسة والبيئة، وبغرض دعم البحوث. وقد تأَتَّى تعليق الصيد سالف الذكر بسبب أنّ الدول المتاخمة للمحيط المتجمد الشمالي المركزي شعرت بالقلق إزاء فرط استغلاله. فعلى سبيل المثال.. لا تزال أسماك البولوك (Gadus chalcogrammus) في بحر بيرنج بحاجة إلى التعافي من نضوب مخزونها في عقدي الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي. وقد دفع ذلك 2000 عالِم إلى تقديم التِماس لفرض حظر على صيد الأسماك في عام 2012. وبعدها بثلاث سنوات، نفَّذَت الحظر كل من الولايات المتحدة، والنرويج، والدِّنمارك، وكندا، وروسيا، ثم انضمت إليها – منذ ذلك الحين – الصين، واليابان، وكوريا، وأيسلندا، والاتحاد الأوروبي.

يبشِّر هذا التعاون متعدد الجنسيات بالخير فيما يتعلق بوضع استراتيجيات لصيد الأسماك في المناطق القطبية الشمالية مستقبلًا، بحيث تكون احترازية، ومبنية على النظم الإيكولوجية. كذلك فإن غالبية تلك البلدان أيضًا تتمتع بالعضوية في لجنة حفظ الموارد البحرية الحية في القارة القطبية الجنوبية. وهذا الاستعداد من جانب هذه الدول للتحلي بضبط النفس في مواجهة الاضطرابات البيئية في الشمال يمكن مضاهاته في الجنوب.

ثلاثة حلول

بالأخذ في الاعتبار التهديد الذي يشكله تغير المناخ، ما الشروط التي يمكن بموجبها أن يستمر صيد الأسماك مع استيفاء الأحكام الاحترازية للاتفاقية في الوقت نفسه؟ لتجنب تجاوز نقطة اللاعودة في الشبكة الغذائية البحرية، يتعين على لجنة حفظ الموارد البحرية الحية في القارة القطبية الجنوبية اتخاذ الخطوات الثلاث التالية:

إنشاء المزيد من المحميات البحرية المصمَّمة بشكل أفضل:

لقد أنشأت لجنة حفظ الموارد البحرية الحية في القارة القطبية الجنوبية اثنتين من المحميات؛ واحدة في بحر روس، والثانية في الجرف الجنوبي لجُزُر أوركني الجنوبية قبالة الحافة الشرقية لشبه الجزيرة القطبية الجنوبية.

لا تشمل كلتا المحميّتين مناطق مرجعية تخدم كمقياس مُقارِن لمراقبة الصيد، تحسبًا للآثار البيئية. ومن المقرر أن تنتهي أشكال الحماية في بحر روس بعد 35 عامًا من بدايتها، وهي فترة تقل عن دورة حياة الكثير من الحيوانات المطلوب حمايتها، مثل السمك المسنن. وبخصوص تدابير إغلاق المناطق أمام الصيد مستقبلًا، تمّ حظر صيد الأسماك في المناطق الأهمّ من الناحية الإيكولوجية. وينبغي أن تستمر أشكال الحماية لفترة تعادل – على الأقل – العمر المتوقع للحيوانات الواقعة تحت الحماية. كذلك ينبغي أن تشمل المحميات مناطق مرجعية خارج المنطقة المحظور فيها الصيد.

إدراج سيناريوهات تغيُّر المناخ في قواعد صنع القرار:  

ترتكز التدابير الإدارية الراهنة، بما في ذلك حصص الكميات المصيدة، على نماذج لا تتضمن سيناريوهات تغير المناخ. فحدوث تغير بيئي يمكن أن يتسبب في انهيار أعداد المجتمع البحري للنوع الذي يتعرض للصيد، أو لأي نوع آخر يندرج في الشبكة الغذائية لذلك النوع. وللوقاية من حالات انهيار أعداد المجتمعات، وللامتثال لأحكام الاتفاقية، يجب على لجنة حفظ الموارد البحرية الحية في القارة القطبية الجنوبية أن تكون أكثر احترازًا ومرونة. وهذا قد يعني أن يتم تخفيض حصص الصيد، أو أن تصبح حصصه أكثر تفصيلًا على الصعيد الزمني والمكاني. فإذا اعتُبر خطر الصيد الجائر واضحًا للعيان، أو إذا ارتفع مستوى الاضطرابات ارتفاعًا بالغًا، فلربما سيكون على لجنة حفظ الموارد البحرية الحية في القارة القطبية الجنوبية إغلاق المناطق الواقعة في محيط القطب الجنوبي أمام عمليات صيد الأسماك بصفة مؤقتة.

إعداد برامج أكثر إحكامًا للرصد والبحث

ينبغي أولًا أن تقوم اللجنة العلمية للبحوث الخاصة بالقارة القطبية الجنوبية (SCAR) بتجميع المعلومات المتاحة والبحوث الجارية بشأن آثار تغير المناخ، والمجتمعات السمكية في النظم الإيكولوجية الواقعة في محيط القطب الجنوبي. وقد تولت اللجنة إجراء هذه التحليلات فيما يخص الكريل، قبل إبرام اتفاقية لجنة حفظ الموارد البحرية الحية في القارة القطبية الجنوبية. ومن ثم، ينبغي للجنة العلمية للبحوث الخاصة بالقارة القطبية الجنوبية أن تتعاون مع علماء لجنة حفظ الموارد البحرية الحية في القارة القطبية الجنوبية، وكذلك مع الخبراء المستقلين، والمنظمات غير الحكومية؛ لتحديد المسائل بالغة الأهمية، والإجراءات المطلوبة للاستجابة لها. كما ينبغي للجنة حفظ الموارد البحرية الحية في القارة القطبية الجنوبية أن تكون أكثر شفافية، وأن تدعو اللجنة العلمية للبحوث الخاصة بالقارة القطبية الجنوبية وغيرها من الخبراء المستقلين للانضمام إلى فِرَقها العلمية العاملة، التي تستبعد هذه الجهات منها في الوقت الحالي.

هذا.. وسيكون على الحكومات المنضمة إلى لجنة حفظ الموارد البحرية الحية في القارة القطبية الجنوبية تمويل البحوث وجهود الرصد، التي يجب أن تكون مستقلة عن صناعة صيد الأسماك. ويبيِّن برنامج «بالمر» للبحوث البيئية طويلة الأجل أن التقنيات لذلك متاحة، لكنْ هناك حاجة إلى استثمارات؛ لتوسيع النطاق الذي يمكن أن تصل إليه مساعي العلوم.

وقد اتخذت الدول الأعضاء في اللجنة إجراءات سريعة في الماضي، لكن التغير الذي يشهده محيط القطب الجنوبي يمضي بإيقاع متسارع. ولذا.. على جميع البلدان الإسراع في اتخاذ الإجراءات اللازمة للتصدي لهذا التحدي

انظر: مجلة «إنسايت»، ص. 199.

المصدر: Nature
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 316 مشاهدة
نشرت فى 16 سبتمبر 2019 بواسطة hatmheet

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

2,350,127