بقلم: زهير بن الطالبة

دور "الفتوة" وأهميتها في التغيير

الفهرس

الشباب والقابلية للتغيير

الشجاعة والقوة – للتغيير ثمن

الخدمة والتواضع

خلاصات أساسية

الفتوة كلمة قرآنية وردت في القرآن الكريم ست مرات مذكَّرة ومؤنثة، مفردة وجمعا، وبمعاني متعددة يمكن تلخيصها إجمالا في ثلاث معاني أساسية: الشباب والقابلية للتغيير، الشجاعة والقوة، الخدمة والتواضع، وهي كلها معاني ودلالات خالدة بخلود كتاب الله عز وجل، ومتجددة بتجدد الظروف والأحداث التي تعيشها وتمر بها أمة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

الشباب والقابلية للتغيير

يقول الله تعالى ﴿ إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى﴾ [1]. هم أصحاب الكهف الفتية الذين قاطعوا الكفر وهاجروا إلى الله، إنهم "فتية" شباب في مقتبل العمر لا زالت فطرتهم سليمة صافية غير متلطخة بأدناس الشرك والعبودية لغير الله، الشيء الذي ساعدهم على رفض عبادة الأوثان والتوجه بقلوبهم إلى توحيد الخالق الديان والإيمان به والكفر بكل من سواه، ولما كان منهم الإيمان والتوحيد كان من الله الزيادة والبركة في الرشد والاستقامة ﴿ وزدناهم هدى﴾ حتى أصبحوا أنموذجا للشباب الصالح يتأسى ويقتدي بهم في كل زمان.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "اقتلوا شيوخ المشركين واستحيوا الشرخ" [2] والشرخ: الشباب. ومن هنا نتعلم أن الشباب هم أكثر الناس استعدادا وقابلية لإعادة التربية والتنشئة على قيم الخير والصلاح، فقط هم في حاجة لمن يحتضن ويأوي، يصبر ويربي، أما من شاخ وسط الفتنة والعبودية لغير الله حتى أشربت القلوب الإلحاد والكفر فمن الصعب تغييره وإعادة تربيته.

إذن فالشباب هم رمز التغيير والرفض لكل ما يتعارض مع الفطرة السليمة من كفر وإلحاد أو ظلم واستبداد، هم من حمل مشعل التغيير في الماضي يوم دافعوا عن دين الله ونصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خذله الشيوخ، وهم من يحمل مشعل التغيير في الحاضر بقومتهم في وجه الظلم والظالمين دفاعا عن كرامة الفقراء والمحرومين وإعلاء لكلمة الحق والدين، وما شباب تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا منا ببعيد، وهم من سيحمل مشعل التغيير في المستقبل بحول الله يوم يشمرون على ساعد الجد لكنس ما تركه الباطل من ويلات.

الشجاعة والقوة – للتغيير ثمن

وصف الله تعالى سيدنا إبراهيم عليه السلام بأنه فتى في قوله ﴿ قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم﴾ [3]. فتى كسر الأصنام وبذل روحه في سبيل الله إعلاء لتوحيد الله وهدما للباطل والشرك بالله، فتى يسترخص نفسه ثمنا لإبطال الباطل وإحقاق الحق، فهو غير ملتفت لما ينتظره من ابتلاء في سبيل الله بل هو صابر محتسب موقن بنصر الله لم تُخِفه النار الموقدة –وأية نار- ﴿ قالوا حرقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين﴾ [4]. ولم تضعف يقينه بالله، كيف تخيفه النار ومعه رب النار رب السماوات والأرض؟ ولما كان من سيدنا إبراهيم الصبر والثبات واليقين أتاه نصر الله، نصر وأي نصر ﴿ قلنا يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم﴾ [5]. ومنه نتعلم أن للتغيير ثمنا يؤديه رجال من صفاتهم الشجاعة والقوة والصبر واليقين، يجهرون بالحق لا يخافون في الله لومة لائم، لا ترهبهم كثرة الباطل وتهديداته، ولا تضعف من يقينهم قلة عددهم وعدتهم، بل هم متوكلون على الله أقوياء به، قلوبهم مرتبطة به وجوارحهم منشغلة بعبادته ونصرة دينه، شعارهم: لا إله إلا الله محمد رسول الله، وغايتهم نيل رضى الله.

الخدمة والتواضع

وُصف بالفتوة في غير آية من كتاب الله عز وجل أهل الخدمة وأشرفهم فتى موسى، يوشع عليه السلام، يقول الله تعالى ﴿ فلما جاوزا قال لفتاه آتنا غذاءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا﴾ [6]. وقد أتى الله النبوة عبده يوشع بعد أن شرفه بخدمة رسوله موسى عليهما السلام، إذن الفتوة خدمة لدين الله ولأنبياء الله ومحبتهم والتواضع بين يديهم، ثم بعد ذلك هي رفق وذِلة وخفضٌ للجناح لكل من يحب الله ورسوله من المؤمنين الصادقين إخوان رسول الله صلى الله عليه وسلم وترك منافرتهم ومجادلتهم والصفح عنهم والتعامي عن عيوبهم وحفظ قلوبهم.

والفتوة أيضا خدمة وسعي لقضاء حوائج المستضعفين والتواضع لهم والعمل من أجل إنصافهم ورفع الظلم عنهم والتودد لهم وتعظيمهم حتى يحبوا الله ورسوله كما كان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذا سيدنا عمر رضي الله عنه يقول: "لو عثرت بغلة في العراق لخشيت أن يسألني الله: لما لم تصلح لها الطريق يا عمر؟" أي خدمة هذه؟ أي قضاء للحوائج هذا؟ أي عدل هذا؟

هذا ما يسميه الأستاذ عبد السلام ياسين ب"فتوة البناء" والتي تريد صبرا وخلقا جميلا نجد نموذجه الكامل في المصطفى الحبيب صلى الله عليه وسلم، فالأمة اليوم في أمس الحاجة لمن يصبر عليها ويرحمها ويخالقها بخلق حسن، خاصة وهي تمر بمرحلة ستبقى خالدة في تاريخها، مرحلة التحرر والانعتاق من سلطة الظلم والاستبداد. ومن ثمة فالمسؤولية الملقاة على عاتق المنتفضين والثائرين في كل من تونس ومصر وليبيا أكبر حتى يعوضوا الشعب على مافات. فهم خرجوا من "فتوة الشجاعة والقوة" وبرؤوس عالية والحمد لله، فقد أعطوا المثال بوقوفهم وبصدور عارية أمام أكثر الأنظمة استبدادا وظلما ليدخلوا "فتوة البناء" بناء دولة الحق والعدل والمساواة، بناء يسبقه لا محالة كنس لما تركه الباطل من ويلات الفقر والأمية والبطالة والتهميش. نسأل الله العلي العظيم أن يعين هذه الشعوب المتحررة ويوحد كلمتها ويحقق رجاءها. آمين.


خلاصات أساسية

- الشباب أكثر الناس استعدادا للتربية والبناء، فقط هم في حاجة لمن يحتضنهم ويصبر عليهم.

- الفتيان هم الجامعون بين صفتي الشجاعة والتواضع يبذلون أنفسهم فداء لدين الله، لأنها أرخص من أن يساوموا بها ويبذلون مالهم ووقتهم خدمة ومواساة.

- الفتى من يحمل ويصل ويفدي إخوته، يجمع بين "فتوة الشجاعة" اللازمة لهدم الباطل و"فتوة البناء" التي لا بد منها لبناء دولة الحق والعدل، وذاك يتطلب صبرا وحلما وخلقا جميلا.

تاريخ النشر: الخميس 10 نونبر/تشرين الثاني 2011

[1]

الآية 13 سورة الكهف.

[2]

رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي عن سمرة بن جندب.

[3]

الآية 70 سورة الأنبياء.

[4]

الآية 77 سورة الأنبياء.

[5]

الآية 78 سورة الأنبياء.

[6]

الآية 70 سورة الكهف.

المصدر: عن موقع جماعة العدل والاحسان المغربية
  • Currently 10/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
2 تصويتات / 201 مشاهدة
نشرت فى 10 نوفمبر 2011 بواسطة hassanelmassi

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

6,868