المبيدات الحشرية.. هل تترك آثاراً على صحة المواطنين ؟

تزايد المخاوف من احتمال وجود علاقة بين هذه المبيدات وارتفاع نسبة الإصابة بالسرطانات

المزارعون ينفون إفراطهم في استخدام المبيدات الحشرية وعلاقتها بأمراض السرطانات

* الكريري:ـ معظم أنواع المبيدات الحشرية شديدة السمية ولها أضرار كبرى على الإنسان والبيئة.

*السويركي:ـ المتبقيات من المبيدات الحشرية داخل الثمار أكثر من الحد المسموح به دولياً.

* الزين:ـ رش المزروعات بالمواد السامة يقتل نسبة كبيرة من الحشرات النافعة التي تتغذى على هذه المزروعات.

 تحقيق/ محمد المدهون.

يلجأ المزارعون إلى استخدام مبيدات حشرية بأنواع مختلفة في رش مزروعاتهم، فمنها من هو مكافح للحشرات والديدان، ومنها بهدف الإسراع في نضج الثمار مثل الهرمونات، الأمر الذي قد يترك آثاراً على صحة المواطنين الذين يستهلكون هذه المزروعات، مما زاد من تخوفهم على صحتهم، ومنهم من راح يربط الارتفاع الملحوظ في نسبة الإصابة بأمراض السرطانات بتناول الخضروات المرشوشة، فهل حقاً هناك علاقة بين الإصابة بهذه الأمراض والمبيدات الحشرية ؟ وهل ما نشهده من نضوج مبكر لبعض الفواكه والخضروات له علاقة بالهرمونات التي تعطى للنباتات ؟ وما هي خطورة هذه الهرمونات على صحة الإنسان ؟ وهل الأمن الغذائي مفقود أم موجود  في هذه القضية ؟ هذه الأسئلة وأخرى تحاول " البيادر السياسي" الإجابة عليها خلال التحقيق التالي.      

هرمونات لنضج الثمار..!

في جولة ميدانية قامت بها "البيادر السياسي" في المناطق الزراعية شمال وشرق محافظة غزة التقت العديد من المزارعين، واطلعت عن كثب على واقع الأمور وكيفية استخدامهم للمبيدات الحشرية، حيث نفى المزارعون استخدامهم للمبيدات الحشرية بشكل مفرط، لكنهم أكدوا على أهمية هذه المبيدات في قتل الحشرات الضارة التي تضر بالمزروعات، ونفى المزارعون أيضاً علاقة المبيدات الحشرية بالإصابة بأمراض السرطانات.

وفي هذا الجانب قال المزارع عمر الزين  أنه لا يستطيع الاستغناء بشكل نهائي عن رش المزروعات بالمبيدات الحشرية، وذلك بهدف إبادة الحشرات الضارة والأمراض التي تصيب المزروعات، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن الإفراط في استخدام هذه المبيدات من شأنه أن يساهم في التسبب في حدوث أمراض، ويترك آثاراً على صحة المواطنين، لذلك لا بد أن تكون عمليات الرش بناء على دراسات علمية وبمعايير محددة، وليس بشكل عشوائي، منوهاً إلى أن بعض المزارعين يلجأون إلى رش مزروعاتهم بهرمونات من أجل الإسراع في نضج الثمار، وهذا يظهر جلياً على الثمار، وخص بالذكر مزارعي التوت الأرضي والطماطم، حيث يرشونها بمادة احمرار الطماطم، وذلك من أجل نضوج الثمار مبكراً وقبل أوانه، وتحقيق نسبة أكبر من الربح، وطالب الزين بمراقبة ثمار التوت الأرضي"الفراولة" في بداية موسمه، حيث يلاحظ عليه بأنه غير طبيعي من حيث كبر حجم الحبة، داعياً المزارعين إلى إتقاق الله ووضع مخافته أمام أعينهم وعدم الإفراط في استخدام المبيدات الحشرية أو الهرمونات.

وأوضح أن رش المزروعات بالمواد السامة يقتل نسبة كبيرة من الحشرات النافعة التي تتغذى على هذه المزروعات، منوهاً إلى أن غالبية المبيدات التي تأتي لنا من الخارج مغشوشة ورديئة الجودة، لذلك قال الزين: ننصح التجار المستوردين لهذه الأدوية بوضع مصلحة الشعب الفلسطيني بالدرجة الأولى، وألا يكون الربح المادي الهم الشاغل لهم، كما ناشد وزارة الزراعة بمد يد العون للمزارعين وتنظيم توزيع المساعدات الزراعية على من لهم أراض زراعية بعيداً عن الواسطة والمحسوبية.

الزراعة علم وفن

أما المزارع عامر نعمان فقد نفى علاقة المبيدات الحشرية بالإصابة بالسرطانات، لكنه لم يقلل من خطورة هذه المبيدات في حال الإفراط في استخدامها، خاصة وأنها عبارة عن مبيدات كيماوية قاتلة، وسموم تستخدم لقتل الحشرات، لذلك نصح نعمان المواطنين بغسل الخضار جيداً قبل استخدامها للتأكد من خلوها من آثار المبيدات الحشرية.  

وأوضح نعمان أن المبيدات الحشرية عبارة عن أنواع مختلفة وأن الزرع يربيه المزارع كما يربي ابنه، فهو يحتاج إلى عناية فائقة، ولم تعد عملية الزرع عشوائية تقوم على البركة، بل هي علم وفن له أسسه وقواعده، فهناك كليات وجامعات تدرس الهندسة الزراعية، ومن هذا المنطلق طالب نعمان بضرورة قيام وزارة الزراعة بعقد دورات للمزارعين من أجل توعيتهم وإطلاعهم على طرق الزراعة الحديثة، والوسائل المتقدمة في هذا المجال، لا سيما وأن الغالبية العظمى من المزارعين الفلسطينيين ورثوا هذه المهنة أباً عن جد، ويفتقرون إلى الدراسة العلمية التي من شأنها أن تمكنهم  من الوقوف بشكل أكبر على تركيبة المبيدات الحشرية، ومدى ضررها وكيفية استخدامها بحيث ألا تترك آثاراً صحية تكون لها عواقب وخيمة لا سمح الله.

ومن ناحيته قال المزارع أحمد البياري أن هناك مزارعين يستخدمون المبيدات الحشرية بطرق خاطئة، ولأهداف متعددة، مما قد يتسبب في حدوث ضرر، وهذا يتطلب قيام وزارة الزراعة بمراقبة المزارعين من خلال جولات تفتيشية، بالإضافة إلى إرشادهم حول الطرق الصحيحة لاستخدام هذه المبيدات، منوهاً إلى أن هذه المبيدات عبارة عن العلاج النافع للمزروعات من خلال قتل الحشرات التي تضر بالمزروعات والأشجار وتمرضها، فمن ناحية لا يمكن الاستغناء عنها، ومن ناحية أخرى استخدامها بكثرة له عواقب ضارة، لذلك لا بد من استخدامها بشكل صحيح.                 

تزايد إنتاج المبيدات

هذا وللوقوف بشكل أكبر على حقيقة ما تسببه هذه المبيدات من أضرار، ولمعرفة ماهية هذه المبيدات وأثرها على البيئة بشكل عام وصحة الإنسان بشكل خاص، كان لزاماً علينا طرق باب دائرة التثقيف وتعزيز الصحة في وزارة الصحة، حيث التقت"البيادر السياسي" معين الكريري مدير الدائرة الذي أكد أن السنوات الأخيرة من هذا القرن شهدت تزايداً ملحوظاً  في إنتاج المبيدات الكيميائية في العالم وفي استخدامها، حيث تعتبر المبيدات الكيميائية الحشرية أحد ملوثات البيئة، مشيراً إلى أن هذه المبيدات عبارة عن المادة الكيميائية التي تقتل، أو تمنع أو تحد من تكاثر وانتشار الكائنات الحية التي تنافس الإنسان في غذائه.

 وأوضح الكريري أن المبيدات تستخدم بصورة عامة، والحشرية منها بصورة خاصة كإحدى المدخلات التكنولوجية لزيادة الإنتاج الزراعي، ومكافحة الأمراض المميتة للإنسان والحيوان وممتلكاته وصحته، ومن المعروف أنه في السنوات الأخيرة أصبحت نسبة كبيرة من سكان العالم تعاني من نقص الغذاء ومع زيادة سكان العالم  تطلب الأمر زيادة الإنتاج الزراعي، وأوضح أن المبيدات شأنها شأن المدخلات الزراعية الأخرى مثل التسميد والمكننة الزراعية وغيرها، تفيد في زيادة الإنتاج، وتعتبر إحدى الوسائل الحديثة التي تعمل على زيادة الإنتاج، فبالإضافة إلى دورها الكبير في الحد أو القضاء على عدد كبير من الآفات الضارة بالنباتات، فهي أيضاً قادرة على القضاء على الحشرات الناقلة للأمراض، وفي مكافحة الحشرات الزراعية في المزارع والحقول، وكذلك حشرات المنازل الناقلة لأمراض الإنسان والحيوان.

عشوائية استخدام المبيدات

وتابع الكريري يقول أنه بالرغم من فعالية هذه المبيدات الكيميائية وميزاتها الاقتصادية فقد ظهر ضررها على صحة الإنسان والحيوان، وظهر العديد من الأجناس المقاومة لها، بالإضافة إلى إبادة الحشرات النافعة، وعلى الأخص النحل، ونظراً لعشوائية استخدام العديد من المبيدات الحشرية دون أي رقابة، ودون أي دراسات بحثية علمية، اكتشف أن لهذه المبيدات أثراً ضاراً على المدى البعيد, وأن معظم أنواع هذه المبيدات الحشرية شديدة السمية، ولها أضرار كبرى على البيئة.

وأضاف: بالرغم من التوجه العالمي للمحافظة على البيئة من التلوث والإقلال من استخدام المبيدات الكيميائية الحشرية وغيرها، إلا أن استخدامها في بلادنا ما زال ضرورياً في مكافحة الحشرات الزراعية والمنزلية, لكنه أشار إلى أن الدراسات التي أجريت في معظم بلاد العالم أكدت أن الأثر المتبقي من المبيدات على الخضار والفواكه هو أعلى من المسموح به، وهذه بدورها تشكل خطراً كبيراً على المستهلك، وعلى بيئته، خاصة وأن تحللها بطيء، وبالتالي يزداد تركيزها من عام إلى عام، سواءً في التربة أو الماء.

وأوضح الكريري أن العديد من الدراسات المحلية والإقليمية والدولية تشير إلى أخطار المبيدات الحشرية، وخاصة أل " د.د.ت" وإلى ضرورة ترشيد استخدامها لما تسببه من تأثير على الخلايا العصبية، ومن حالات تسمم حاد ومزمن للإنسان والحيوان والتي أدت، ولا تزال تؤدى إلى تشوهات وسرطانات ووفيات حدثت، وتحدث من جراء الاستخدام العشوائي للمبيدات .

تسمم 25 مليون شخص..!

وأكد الكريري أن المبيدات الكيميائية الحشرية  صنعت كسموم ذات تأثير فعال وضار على الوظائف الحيوية للكائنات بمختلف أنواعها، وخاصة الضارة منها، مثل الحشرات وغيرها، ولكن تأثير هذه المبيدات قد يصل إلى جميع مكونات البيئة، بل إلى الإنسان نفسه، وتشير الإحصائيات على مستوى العالم إلى أنه في عام 1992م تسببت المبيدات في حالات التسمم لما يقرب من 25 مليون شخص في الدول النامية، يموت منهم ما يقرب 20 ألف شخص سنوياً،  وذكر الكريري أن التسممات منشأها ثلاثة أسباب هي انتشار هذه المواد وسهولة الحصول عليها، واستخدامها مهنياً والتعرض لأجوائها، واستهلاك الأغذية المعالجة بها.

وعبر الكريري عن أسفه لسرعة وكثرة انتشار هذه المبيدات قائلاً: مما يؤسف له أن هذه المبيدات تنتشر بكثرة، وخاصة في مدننا وبلداتنا، بحيث يمكن القول أنه لا يوجد بيت يخلو منها، وكثيراً ما تتجاوز هذه المواد المأكولات الغذائية في المطبخ، ولفت إلى أن الغريب في ذلك أنه أصبح من الأمور السهلة في بلادنا على كل ربة بيت أن تشترى مبيدات الحشرات المنزلية لتكافح بها الصراصير والذباب والبعوض والفئران دون أدنى حرص منها لخطورة ذلك..!، مؤكداً أنه شاع استخدام العديد من هذه المبيدات في المنازل، ومنها ما يستخدم بالضغط على زر فتنساب المبيدات في صورة رذاذ في جميع أنحاء غرف المنزل، وبعضها الآخر يوجد على شكل أقراص توضع داخل جهاز يعمل بالكهرباء، كما يوضع تحت الأسرة طول الليل ويتصاعد من تلك الأجهزة دخان ذي شكل دائري يحمل بين تلك الدوائر "الدخان السام" الذي يوجه إلى البعوض أو الذباب، ولكن الأمر عكس ذلك حيث أصبح سماً يستنشقه الأطفال والكبار قبل وصوله إلى البعوض، وأصبح جو الغرفة ملوثاً بهذه المادة السامة.

ونوه الكريري إلى أن التقارير العلمية تشير إلى أن التعرض لمتبقيات تلك المبيدات تسبب التهاب وحساسية في الأغشية المبطنة للجهاز التنفسي للأفراد المعرضين لذلك السم، وقد يتطور ذلك إلى حدوث تغيرات في أنسجة الخلايا التي قد تتحول إلى سرطان في نشاط الخلايا المبطنة للجدار، أو في الغدد المخاطية نفسها، وطبعاً هذا يحدث بعد التعرض المستمر لمثل هذه السموم وبتراكيز عالية.

وحول دور دائرة التثقيف وتعزيز الصحة في مكافحة هذه الآفة قال الكريري: لقد استشعرت دائرة التثقيف وتعزيز الصحة بوزارة الصحة الفلسطينية خطورة هذا الموضوع، وأولته اهتماماً خاصاً، شأنها في الاهتمام بالمواضيع الملحة المتعلقة بصحة المواطن وسلامته، فقامت بالتعاون مع وزارة الزراعة بتنفيذ عدد من اللقاءات المجتمعية لفئة المزارعين في المناطق الزراعية خاصة الشمال، منها القرية البدوية، وبيت لاهيا والمناطق المحيطة، حيث تحدثنا فيها إلى المزارعين وقمنا بتوعيتهم بأضرار الإفراط في استخدام المبيدات، وإلى أهمية الالتزام بتعليمات وزارة الزراعة بشأن استخدام المبيدات وترشيد استعمالها، والتواصل الدائم مع الجهات المعنية.

 كما قامت الدائرة بالمشاركة في إعداد أكثر من برنامج إعلامي عبر تلفزيون فلسطين في هذا الصدد.

تحفيز الرقابة الذاتية

ولمعرفة رأي الجمعية الفلسطينية لحماية المستهلك في هذه القضية التقت"البيادر السياسي" رئيس الجمعية سعود السويركي ، حيث أكد  على خطورة المتبقيات من المبيدات الحشرية التي يستخدمها المزارعون على صحة الإنسان، وقال: من خلال متابعاتنا للعديد من المنتجات الزراعية وفحصها، سواءً في مختبراتنا المحلية أو مختبرات الدول الشقيقة، فإذا ما أردنا التحدث حول متبقيات المبيدات داخل النبات والثمار من خضار وفواكه، فقد وجدنا في العديد من المرات أن هذه المتبقيات كانت أكثر من الحد المسموح به دولياً، وبالتالي هذا يشكل خطورة كبيرة على صحة المستهلكين من جراء ترسب هذه المبيدات والهرمونات والمضادات الحيوية والمواد الكيماوية الأخرى بهذه الثمار وترصده في جسم الإنسان، مما يؤدي إلى الإصابة بأمراض الفشل الكلوي وترشيح الكبد، أو المشاكل الصحية الأخرى التي يعاني منها الإنسان بعد فترة طويلة من الزمن، ومن هنا تكمن خطورة هذه المواد، الأمر الذي يتطلب تحفيز الرقابة الذاتية لدى المزارعين، ووضع مخافة الله أمام أعينهم، مشيراً إلى أن هناك مبيدات خطيرة يتم رشها وتتطلب على الأقل فترة 21 يوماً قبل قطف الثمار، ولا يجوز قطف هذه الثمار قبل هذه الفترة، مشدداً على أهمية الدور الرقابي لوزارتي الصحة والزراعة في هذا الخصوص من أجل القضاء على هذه المشكلة الخطيرة، مطالباً بضرورة تفعيل هذا الدور.

ونبه السويركي جهات الاختصاص بدورها في حماية المستهلك الفلسطيني، مشيراً إلى أن المواطن والأسرة الفلسطينية تعاني من حزمة من الهموم والأضرار والمنغصات، لذلك فإنني أطالبهم بالقيام بدورهم من أجل التخفيف من الأعباء والهموم التي تثقل كاهل الأسرة الفلسطينية.

وأمام هذه القضية الخطيرة لابد من تضافر كل الجهود من أجل القضاء على هذه الآفة التي تهدد حياة الإنسان، وتعرضه لمخاطر الإصابة بالأمراض، فهذه مسؤولية الجميع ابتداءً من المزارعين مروراً بوزارتي الزراعة والصحة، وانتهاءً بالمستهلكين.

 

* المصدر/ مجلة البيادر السياسي.

e-mail: [email protected]

tel- 0121212848

hanyembaby

مهندس / هاني امبابي 00966548220741

  • Currently 179/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
60 تصويتات / 2766 مشاهدة
نشرت فى 8 سبتمبر 2009 بواسطة hanyembaby

ساحة النقاش

هاني امبابي

hanyembaby
TEL +966548220741 [email protected] »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

1,385,669