هناك حاجات تقتضيها حياة الإنسان وآماله فيها ، وآلامه بها ، حاجة الإنسان إلى ركن شديد يأوي إليه ، وإلى سند متين يعتمد عليه ، إذا ألمت به الشدائد ، وحلت بساحته الكوارث ، ففقد ما يحب ، أو واجه ما يكره ، أو خاب ما يرجو، أو وقع به ما يخاف ، هنا تأتي العقيدة الدينية ، فتمنحه القوة عند الضعف ، والأمل في ساعة اليأس ، والرجاء في لحظة الخوف ، والصبر في البأساء والضراء ، وحين البأس .

 إن العقيدة في الله وفي عدله ورحمته ، وفي العوض والجزاء عنده في دار الخلود ، تهب الإنسان الصحة النفسية والقوة الروحية ، فتشيع في كيانه البهجة ، ويغمر روحه التفاؤل ، وتتسع في عينه دائرة الوجود ، وينظر إلى الحياة بمنظار مشرق ، ويهون عليه ما يلقى وما يكابد في حياته القصيرة الفانية ، ويجد من العزاء والرجاء والسكينة ما لا يقوم مقامه ولا يغنى عنه علم ولا فلسفة ولا مال ولا ولد ولا ملك المشرق والمغرب .

أما الذي يعيش في دنياه بغير دين ، بغير إيمان ، يرجع إليه في أموره كلها وبخاصة إذا ادلهمت الخطوب ، وتتابعت الكروب ، والتبست على الناس المسالك والدروب ، يستفتيه فيفتيه ويسأله فيجيبه ، ويستعينه فيعينه ، ويمنحه المدد الذي لا يغلب ، والعون الذي لا ينقطع .

إن الذي يعيش بغير هذا الإيمان يعيش مضطرب النفس ، متحير الفكر ، مبلبل الاتجاه ، ممزق الكيان ، شبهه بعض فلاسفة الأخلاق بحال ( راقاياك ) التعس ، الذي يحكون عنه أنه اغتال الملك ، فكان جزاؤه أن يربط من يديه ورجليه إلى أربعة من الجياد ، ثم ألهب ظهر كل منها ، لتتجه مسرعة ، كل واحد منها إلى جهة من الجهات الأربع ، حتى مزق جسمه شر ممزق .

هذا التمزق الجسمي البشع مثل للتمزق النفسي الذي يعانيه من يحيا بغير دين ، ولعل الثاني أقسى من الأول وأشد في نظر العارفين المتعمقين ، لأنه تمزق لا ينتهي أثره في لحظات ، بل هو عذاب يطول مداه ، ويلازم من نكب به طول الحياة . ولهذا فإن الذين يعيشون بغير عقيدة راسخة يتعرضون أكثر من غيرهم للقلق النفسي ، والتوتر العصبي ، والاضطراب الذهني ، وهم ينهارون بسرعة إذا صدمتهم نكبات الحياة ، فإما انتحروا انتحارا سريعا ، وإما عاشوا مرضى النفوس ، أمواتا كالأحياء . وهذا ما يقرره علماء النفس وأطباء العلاج النفسي في العصر الحديث وهو ما سجله المفكرون والنقاد في العالم كله .

 يقول المؤرخ الفيلسوف ( آرنولد توينبى ) : ” الدين إحدى الملكات الضرورية الطبيعية البشرية ، وحسبنا القول بأن افتقار المرء للدين يدفعه إلى حالة من اليأس الروحي ، تضطره إلى التماس العزاء الديني على موائد لا تملك منه شيئا ” .

ويقول الدكتور ( كارل بانج ) في كتابه ( الإنسان العصري يبحث عن نفسه ) : ” إن كل المرضى الذين استشاروني خلال الثلاثين سنة الماضية ، من كل أنحاء العالم ، كان سبب مرضهم هو نقص إيمانهم ، وتزعزع عقائدهم ولم ينالوا الشفاء إلا بعد أن استعادوا إيمانهم”.

 ويقول ( وليم جيمس ) فيلسوف المنفعة والذرائع : ” إن أعظم علاج للقلق ـ ولا شك ـ هو الإيمان” . ويقول الدكتور ( بريال ) : ” إن المرء المتدين حقا لا يعاني قط مرضا نفسيا ” .

 ويقول ( ديل كارنيجي ) في كتابه ( دع القلق وابدأ الحياة ) : ” إن أطباء النفس يدركون أن الإيمان القوي والاستمساك بالدين ، كفيلان بأن يقهرا القلق ، والتوتر العصبي ، وأن يشفيا من هذه الأمراض ” . وقد أفاض الدكتور( هنري لنك ) في كتابه ( العودة إلى الإيمان ) في بيان ذلك والتدليل عليه بما لمسه وجربه من وقائع وفيرة ، خلال عمله في العلاج النفسي .

 

hany2012

شذرات مُتجدده مُجدده http://kenanaonline.com/hany2012/

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 124 مشاهدة
نشرت فى 1 إبريل 2013 بواسطة hany2012

ساحة النقاش

هـانى

hany2012
موقعنـا موقع علمى إجتماعى و أيضاً ثقافـى . موقع متميز لرعاية كل أبنـاء مصر الأوفيـاء، لذا فأنت عالم/ مخترع/مبتكر على الطريق. لا تنس"بلدك مصر في حاجة إلى مزيد من المبدعين". »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

1,767,477