بقلم:
أحمد السيد كردي
خبير تنمية بشرية وتطوير إداري
2012 م.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَسْتَهْدِيهِ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِي اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ . وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ولا ند ولا شبيه له, وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَاخْتَصَّهُ بِرِسَالَتِهِ وَأَكْرَمَهُ بِالنُّبُوَّةِ وَرَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ . وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وصحبه أجمعين.
قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (سورة الروم أية: 21)
إلى كل الباحثين عن السعادة الزوجية, أهدي إليكم هذه النفحات الطيبة حتى تستقيم الحياة بين الزوجين وتقوم على المودة والرحمة والإحترام المتبادل وحتى لا ينضب بحر الحب والعطاء, فالسعادة في الحياة الزوجية لا تقدر بثمن وليست كلمات عابرة بأقلام على ورق وإنما هي حصاد لنبت حسن في بيت طيب قام على أسس قويمة وفطرة سليمة.
ولكم في الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم القدوة الحسنة فهو أفضل الخلق وأكرمهم عند المولى سبحانه وتعالى كان خير الناس لأهله, قال صلى الله عليه وسلم: خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي. (رواه الترمذي), وأوصى بحسن المعاشرة وبالنساء خيرا, وضرب لنا أروع الأمثلة في السعادة الزوجية من حياته وعلاقته بزوجاته رضي الله عنهن وأرضاهن إذ إنها كانت تطبيقا عمليا دقيقا لقوله تعالى: " وعاشروهن بالمعروف.., ووضع صلى الله عليه وسلم لنا القواعد والأسس القويمة لبناء الأسرة قي المجتمع المسلم.
هناك العديد من الأقلام والأبحاث العلمية والدراسات الإنسانية الهامة والتي كان لها السبق في الإهتمام بقضايا الأسرة وعلاج المشاكل والخلافات في الحياة الزوجية, ومما يثر الدهشة والعجب في ذلك, إذا دققت النظر وبحثت عن غالبية الذين تكلموا وصنفوا كتبا ومؤلفات وقدموا برامج إعلامية ناجحة عن السعادة الزوجية والعلاقات الزوجية الناجحة هم أكثر الناس الذين ذاقوا مرارة المشاكل الزوجية, وقدموا تجاربهم في تخطي محن الفشل في إستمرار العلاقة الزوجية إلى علاقات زوجية ناجحة يغمرها الحب والسعادة.
فينبغي على كل من يبحث عن السعادة الحقيقية والنجاح في الحياة الزوجية من الزوج والزوجة أن يعلم الحقوق الواجبة عليه ويؤديها إبتغاء مرضات الله في بناء أسرة مسلمة تقوم على روح الحب والمودة, فكل منهما له حقوق وعليه واجبات وكلاهما راع في بيته وأسرته في الحياة الدنيا ليصل بهم لبر السلامة والأمان, ومسئول عن رعيته يوم القيامة كما بين ذلك الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم, ولا تقوم المشاكل إلا بإهتمام كل فرد من الزوجين بحقوقة والإصرار عليها وإهمال واجباته والتغافل عنها.
وقد جاء الإسلام بتقرير هذه الحقوق وإلزام كل من الزوجين بها وحثهما عليها, كما قال تعالى: " ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة "، فنصت الآية على أن كل حق لأحد الزوجين يقابله واجب على الآخر يؤديه إليه، وبهذا يحصل التوازن بينهما من كافة النواحي مما يدعم استقرار حياة الأسرة ، واستقامة أمورها، قال ابن عباس رضي الله عنهما في الآية: أي: لهن من حسن الصحبة والعشرة بالمعروف على أزواجهن مثل الذي عليهن من الطاعة فيما أوجبه عليهن أزواجهن "، وقال ابن زيد: تتقون الله فيهن كما عليهن أن يتقين الله عز وجل فيكم، وقال القرطبي: الآية تعم جميع ذلك من حقوق الزوجية.
البائة قبل الزواج
وقبل الإختيار والتخطيط لبداية حياة زوجية ناجحة, يجب التنوية إلى أهمية توافر عنصر الإستطاعة والبائة لدى الشباب المقبل على الزواج والأخذ بالأسباب المادية المشروعة والمعقولة, حتى لا يقع الشاب بعد الزواج في المشاكل والخلافات المتعلقة بالإمكانيات المختلفة كالمادية من مؤن الزواج والصحية والعقلية والقدرة على مواجهه أعباء الزواج وما يترتب عليه من توفير المسكن والملبس وتكاليف المعيشة والأخذ بالأسباب لإستمرار الحياة الزوجية وغيرها من المتطلبات المتنوعة لمفهوم البائة والإستطاعة بالقدر المعقول حسب إمكانية كل فرد.
كما بين ذلك الحبيب المصطفى عن ابن مسعود قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ ". (رواه البخاري). ومعنى وجاء: أي وقاية من الوقوع في الزنا والمعصية والإنغماس وراء شهوات الفرج, ومن ذلك فإن توافر عنصر الإستطاعة للبائة أولي الخطوات قبل التفكير لبناء الأسرة والإستعداد للزواج ولو بأقل القليل وليس العدم, حتى لا يظلم المرء نفسه بتكليفها فوق طاقتها ويظلم من يعول, فعن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يعول. (رواه النسائي)
إن موضوع الأخذ بالأسباب والإجتهاد مع التوكل على الله وطلب العون من الحق سبحانه وتعالى أمر ضروري وهام في الزواج وفي كل نواحي الحياة, قال تعالى " هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ " (سورة الملك: أية 15), وقال صلى الله عليه وسلم " ثلاثة حق على الله عونهم, وذكر منهم: والناكح الذي يريد العفاف "(رواه الترمذي وحسنه الألباني), لذا فعدم الأخذ بالأسباب والإتكالية معصية لأمر الله ولرسول الله ولا يرضى به الناس.
كما أن عدم الزواج مع الباءة والإستطاعة معصية لله ولرسوله, فالزواج سنة للنبي صلى الله عليه وسلم والمرسلين عليهم السلام فلا رهبانية في الدين, حيث قال: { ثلاث من سنن المرسلين النكاح والتعطر وحسن الخلق }, وقال صلى الله عليه وسلم: { النكاح سنتي فمن رغب عن سنتي فليس مني أي: ليس على طريقتي }.
حسن الإختيار هو الأساس
فمن أهم وأول المشاكل الزوجية ما يتعلق بعدم التخطيط والتسرع في الإختيار عند الإستعداد للزواج والتي يترتب عليها العديد من المشاكل الزوجية في المستقبل, قال صلى الله عليه وسلم: تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس, وكذلك سوء التقدير والإختيار وعدم التكافوء والتوافق الفكري والإلتزام الديني وكذلك الفروق التعليمية والعلمية بين الزوجين.
وبما أن الزواج يعتبر من أهم المحطات الرئيسية في حياة الإنسان وهذا القرار من القرارات البشرية الإستراتيجية الهامة, فحسن إختيار شريك الحياة على بينة ونور من البداية والتخطيط السليم قبل الإستعداد للزواج سواء من الرجل أو المرأة يكون كفيلا بإذن الله من تفادي أي مشكلة في المستقبل في عدم التوافق والإنسجام بين الزوجين والترابط الفكري وتجنب الخلافات الزوجية الهدامة.
إن الزواج الذي يبدأ بالإهمال في المعرفة أو يقوم على تصورات خاطئة مجانبة للحقيقة، أو الخداع أحياناً، هو زواج قلق متزلزل، ذلك أن الحياة الزوجية سرعان ما تكشف جميع الحقائق وتظهر جميع الخبايا, إذن فالحياة الزوجية يجب أن تقوم على الحقيقة والحق بعيداً عن الخدع والأباطيل.
فما كان أوله شرط أصبح أخره نور كما قيل في الأمثال قديما, وينبغي الأخذ بالأسباب المشروعة والتي هي من سنة الحق سبحانه وتعالى في كونه, فعلى طرفي الزواج أن يهتما بالبحث عن عيوب الشريك قبل الزواج وهذا يعني أهمية إستثمار فترة الخطوبة في عملية الإختبار لكلا الطرفين والإختيار الأنسب لشريك الحياة وليس الأمثل لأن المثالية ليست من صفات البشر والكمال لله والعصمة للأنبياء والمرسلين.
وفترة الخطوبة مهمة جداً فى إختبار مدى قدرة الطرفين على التوافق, وهى مهمة لزرع شجرة المحبة ورعايتها حتى إذا تم الزواج كانت هذه الشجرة التى إشتد عودها أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها في كل حين وقادرة على تحمل أعاصير مسئوليات ومشكلات ما بعد الزواج, أما إذا أجلنا زراعة هذه الشجرة لما بعد الزواج فربما أجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار ولا تستطيع الصمود للرياح التى تهب على الزوجين وهما يخوضان غمار الحياة اليومية بمشكلاتها وضغوطها.
الدين والأخلاق هو المفتاح: لقوله تعالى {وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم أولئك يدعون إلى النار والله يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه}( البقرة 221 ), وقال تعالى: ( وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ), وقال صلى الله عليه وسلم: " إذا جائكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير" ( رواه الترمذي).
حيث ركزت التعاليم الإسلامية على الإهتمام بالجانب الديني والخلقي عند إختيار النسب الطيب والزوج الصالح لبناء مجتمع يسوده التدين والتخلق بالمباديء والأصول والقواعد الإسلامية, وعلى الوالدين حسن التوجيه والإرشاد وإعانة كلا الطرفين لما فيه صالح الحياة الزواجية والعمل على كل ما يخدم استمراريتها ويقوي روابطها حتى بعد الزواج, فلقد روى ابن حبان بسند صحيح (من زوج كريمته من فاسق فقد قطع رحمها).
القوة والأمانة من معايير الإختيار الهامة, فعندما أرادت إحدى إبنتي مدين الزواج من نبي الله موسي عليه السلام لما رأت من حسن صنيعه معهم {قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ , قال إني أريد أن أنكحك إحدى إبنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج فإن أتممت عشر فمن عندك ولا أريد أن أشق عليك ستجدني إن شاء الله من الشاكرين} ( القصص 26).
أن يكون كفؤاً, ومنه قوله صلى الله عليه وسلم:" والمسلمون تتكافأ دماؤهم " (سنن أبي داود), وقال أيضا:{تخيروا لنطفكم فانكحوا الأكفاء وانكحوا إليهم} (صحيح الجامع), فالكفاءة هي المساواة والتقارب بين الزوج والزوجة في المستوى الديني والأخلاقي والأجتماعي والمادي ولا ريب أن تكافؤ الزوجين من الأسباب الأساسية في نجاح الزواج وعدم التكافؤ يُحدث نوعاً من النفرة ويسبب الخلاف والشقاق .
كما ينبغي عدم التشدد على المطالب المادية من تجهيزات الزواج والتحميل فوق الطاقة الذي يترك الأثر السيء لدى الزوجين ويزيد من حدة الإختلاف قبل وبعد الزواج, قال صلى الله عليه وسلم: “أقلهن مهراً أكثرهن بركة, فسعادة الزوجين ليست بكثرة الأمتعة والمفروشات والتجهيزات ولا يضمن حق الزوجة ويؤمن مستقبلها في الدنيا والأخرة غير الزوج الصالح الذي إن أحبها أكرمها وإن أبغضها لم يظلمها.
هناك العديد من المعايير والأسس في إختيار شريك العمر, فعَنِ أَبي هُريرة رضيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ عَنِ النبيِّ صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم قال: " تُنْكحُ الْمَرْأَةُ لأرْبَعٍ: لمالها ولِحَسَبها ولِجَمَالها وَلدينها: فَاظْفَرْ بذاتِ الدِّينِ تَربَتْ يَدَاكَ "(مُتّفَقٌ عَلَيْهِ), إنه إختيار الزوجة، إنها رفيقة العمر وصاحبة الرحلة الطويلة مع زوجها في هذه الحياة والتي وجه النبي صلى الله عليه وسلم الشباب لحسن اختيارها حين قال: " فاظفر بذات الدين تربت يداك" أي إلتصقت بالتراب كناية عن الخير الوفير بإختيار الزوجة الصالحة.
إن أحسن الرجل هذا الإختيار فإنها التي تسره إذا نظر إليها، وتحفظه في حضوره وغيبته وترعى ماله وتحسن تربية عياله، إنها حينئذ السكن والمودة والحب والحنان, فعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما استفاد المؤمن بعد تقوى الله عز وجل، خيراً له، من زوجة صالحة: إن أمرها أطاعته، وإن نظر إليها سرته، وإن أقسم عليها أبرته، وإن غاب عنها نصحته في نفسها وماله ". (رواه ابن ماجه ).
فحسن إختيار شريك الحياة والفوز بالنصيب الطيب والزواج الصالح هو منة وفضل من الله ونعمة وغير ذلك فهو إبتلاء من الله ونقمة, قال تعالى: " الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ ", وقال صلى الله عليه وسلم: {من رزقه الله امرأة صالحة فقد أعانه على شطر دينه فليتق الله في الشطر الباقي}(رواه الطبراني), وكما قيل في الأمثال الشعبية: الزواج مثل البطيخة, كناية عن عدم معرفة ما في الباطن الذي لا يعلمه إلا الله الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.
قيل لأعرابي: صف لنا شر النساء.. فقال: شرهن النحيفة الجسم، القليلة اللحم، المحياض الممراض، لسانها كأنه حربة، تبكي من غير سبب وتضحك من غير عجب، عرقوبها حديد، منتفخة الوريد، كلامها وعيد، صوتها شديد، تدفن الحسنات وتغشي السيئات، تعين الزمان على زوجها ولا تعين زوجها على الزمان، إن دخل خرجت، وإن خرج دخلت، وإن ضحك بكت، وإن بكى ضحكت، تبكي وهي ظالمة، وتشهد وهي غائبة، وقد دلى لسانها بالزور وسال دمعها بالفجور، ابتلاها الله بالويل والثبور وعظائم الأمور، هذه هي شر النساء ".
فمن أسس بنيانه في كل شئون حياته على حق وقواعد راسخة وأصول متينة كان في البناء خيرا له بفضل من الله ورضوانه وما أسس على باطل وأصول مائلة كان في البناء شرا وسقط على رأسة خسر الدنيا والأخرة بسخط من الله في عدم الإمتثال لأمر الله ومن سوء في الإختيار, قال تعالى: " أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان خير أم من أسس بنيانه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم والله لا يهدي القوم الظالمين ", فالقوانين الربانية السماوية أنزلت رحمة للبشرية, في كل زمان ومكان.
وانظر لحرص السلف على اختيار الزوج صاحب الدين فها هو سعيد بن المسيب وهو سيد التابعين وأكثرهم علماً وفقهاً كانت له ابنة من أحسن النساء وأكثرهن أدباً وعلماً وأعلمهن بكتاب الله وسنة رسوله, فخطبها الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان لأبنه الوليد بن عبد الملك ابن سعيد ولكن سعيد بن المسيب أبىَ أن يُزوجه إياها وزوجها لتلميذ من تلامذته ( وهو كثير بن أبي وداعة ) وكان فقيراً فأرسل إليه بخمسة الآف درهم, وقال: إستنفق هذه فلما جاء الصباح أراد كثير بن وداعة الخروج إلى حلقة سعيد بن المسيب.
فقالت له: إلى أين ؟, قال: إلى حلقة سعيد أتعلم العلم, فقالت: اجلس أعلمك علم سعيد بن المسيب فجلس فعلمته, فانظر كيف فضل سعيد العبد التقي على الجبار الغني ، وأن هذا العبد التقي يعرف حقها ويرعى حق الله فيها.
وها هو ثابت بن إبراهيم يمر على بستان من البساتين وكان قد جاع حتى أعياه الجوع فوجد تفاحة ساقطة منه فأكل منها النصف ثم تذكر أنها لا تحل له إذ ليست من حقه ، فدخل البستان فوجد رجلاً جالساً, فقال: أكلت نصف تفاحة فسامحني فيما أكلت وخذ النصف الآخر, فقال الرجل: أما إني لا أملك العفو ولكن أذهب إلي سيدي فالبستان ملك له, فقال: أين هو؟، قال: بينك وبينه مسيرة يوم وليلة.
فقال: لأذهبن إليه مهما كان الطريق بعيداً لأن النبي صلى الله عليه قال:" كل لحم نبت من سُحت فالنار أولى به ", حتى وصل إلى صاحب البستان فلما دخل عليه وقصَّ عليه القصص, قال صاحب البستان: والله لا أسامحك إلا بشرط واحد, فقال ثابت: خذ لنفسك ما رضيت من الشروط, فقال: تتزوج إبنتي ولكن هي صماء عمياء بكماء مُقعدة, فقال ثابت: قبلت خِطبتها وسأتاجر فيها مع ربي ثم أقوم بخدمتها وتم عقد الزواج.
فدخل ثابت لا يعلم هل يُلقي السلام عليها أم يسكت لكنه آثر إلقاء السلام لترد عليه الملائكة فلما ألقى السلام وجدها ترد السلام عليه بل وقفت وسلمت عليه بيدها فعلم أنها ليست كما قال والدها فسألها ؟, فقالت: إن أبي أخبرك بأني عمياء فأنا: عمياء عن الحرام فلا تنظر عيني إلى ما حرم الله, صماء من كل ما لا يرضي الله, بكماء لأن لساني لا يتحرك إلا بذكر الله مُقعدة لأن قدمي لم تحملني إلي ما يُغضب الله, ونظر ثابت إلى وجهها فكأنه القمر ليلة التمام، ودخل بها وأنجب منها مولوداً ملأ طباق الأرض علماً إنه الفقيه أبو حنيفة النعمان فمن نسل الورع جاء الفقيه.
إدارة الحياة الزوجية
والحياة الزوجية هي شراكة بين زوجين قائمة على الرباط الوثيق بينهم يبدأ منذ عقد قرانهم وحتى ملاقاة ربهم وتخلد به ذكراهم بعد وفاتهم, وهذه الشركة تحتاج إلى إدارة رشيدة تقوم على أسس سليمة من تخطيط وتنظيم ورقابة وتوجية وتطبيق هذه الأسس بالطريقه الصحيحة والإستفادة منها.
وذلك لتجنب أي مشاكل وعواقب وخيمة تؤدي إلى إنهيار كيان الأسرة, فينبغي أن تكون الحياة الزوجية منظمة بالفعل مثلها كأي منظمة فعلية ناجحة, وذلك حتى تسير بهم سفينة الحياة إلى بر الأمان والنجاة في الدنيا والأخرة.
وتنظيم الحياة الزوجية ليس كما يظنه البعض بالورقة والقلم والمسطرة أو بالساعة, فالحياة الزوجية ليست بالبيروقراطية المعقدة ولا بالروتين الممل ولكنها الحياة البسيطة الطبيعية المرنة والتي على أساسها يتم تحديد المهام والأدوار لكل فرد في الأسرة لتسير عجلة الحياة بشكلها الطبيعي وعلى أتم وجه ويضمن سلامتها وبقائها.
وحتى تكون العلاقة الزوجية ناجحة ينبغي على كل من الزوجين تحديد أهدافهم بدقة وعناية في توحيد الإتجاة حتى لا يحدث تضارب في الأهداف وإختلاف في الأراء والسير في الإتجاه المعاكس, وأن تكون الصورة واضحة بحيث يكون كل من الطرفين كتاب مفتوح للأخر, كما أن الخلافات والمشاكل تحتاج إلى إدارة رشيدة وواعية حتى تعالج هذه المشاكل بفاعلية.
لذا فعلى طرفي العلاقـة الزوجية التفهم منذ البداية أن الحياة الزوجية هي عبارة عن شركة يجب أن يقدم فيها كلا الطرفين التنازلات للطرف الآخر وأن يكون لديه الاستعداد للتأقلم مع الطرف الآخر، وتقديم كل ما يمكن أن يسهل حياتهما معاً, فالحياة الزوجية هي مشروع يحتاج إلى تضحيات من الطرفين لإنجاحه.
وينبغي على الزوجين تحديد المسئوليات واعتبار تربية الأبناء مسئولية مشتركة, فلا تستكمل الحياة الزوجية الناجحة بالتقصير في التربية, فينبغي وضعهم في الحسبان عند تخطيط الأهداف الخاصة بالحياة الزوجية, وتنظيم حياتهم المعيشية والدراسية والرياضية والترويحية وكذلك العبادات, وتحميلهم قدر من المسئولية حتى يكونوا أهلا لها في المستقبل, وحتى لا يكونوا عبئا ثقيلا على الأسرة وسببا في المشكلات العائلية.
الشورى بين الزوجين
لكى تسير سفينة الحياة الزوجية بسلام وأمان وتتخطى الأمواج العاتية والأهوال الخطيرة التى ستواجة الزوجين, لابد للشورى أن تسود بينهم وأن لا يستحوذ أحد الطرفين على مجريات الأمور بينهما دون إشراك الطرف الاخر فى إتخاذ القرار وإبداء الراى والمشورة, لكى يبارك الله فى حياتهما, ولابد من إحترام الراى الاخر وتقديرة حتى لاتصبح الحياة مملة ويصبح أحد الطرفين ديكتاتوريا يفرض رايه وإن كان خطأ, فكما قيل في الأمثال الشعبية: .
فمن مباديء التنظيم السليم في الإدارة مبدأ المشاركة في إتخاذ القرارات وهو المبدأ الخاص بالشورى في الحياة الزوجية والتشاور بين الزوجين, قال تعالى عن عباده المؤمنين: " وأمرهم شورى بينهم " وقال أيضا لحبيبه المصطفى صلى الله عليه وسلم في القرآن الكريم: " فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لا نفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر ", وكان صلى الله عليه وسلم يتشاور مع زوجاته, ولأهمية مبدأ الشورى في الإسلام أنزل الحق سبحانه وتعالى سورة سميت " الشورى ".
وهناك العديد من أنواع القرارات الهامة التي يجب المشاركة بين الزوجين فيها, منها ما يتعلق بمستقبل الأسرة كالعمل وخاصة عمل الزوجة وأيضا ما يخص الإنجاب, وما يخص السكن والإنتقال من مسكن لأخر, كل ذلك على حسب مقدرة الزوج وإمكانياته المادية وهذه القرارات يطلق عليها القرارات الإستراتيجية في الحياة الزوجية, وقبل الزواج عند الإستعداد إليه منذ الخطوبة يستحب المشورى وهي فترة للتقارب والإرتباط.
ويكون التشاور في القرارات الهامة بوضع الحلول البديلة وإختبارها وإختيار أنسبها وأفضلها وما يتوافق مع الإمكانيات الشخصية المتاحة المادية والمعنوية لكلا الطرفين.
وقد ثبت من هديه صلى الله عليه وسلّم أنّه استشار أم سلمة رضي الله تعالى عنها، وقد كانت راجحة العقل نافذة البصر ففي الجامع الصحيح للإمام البخاري برقم (1566) من حديث المسور بن مخرمة رضي الله عنه في قصة الحديبية, وفيها قال: فلما فرغ من قضية الكتاب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه:" قوموا فانحروا ثم احلقوا "، قال فو الله ما قام منهم رجل حتى قال ذلك ثلاث مرات.
فلما لم يقم منهم أحد، دخل على أم سلمة رضي الله عنها فذكر لها ما لقي من الناس فقالت أم سلمة: يا نبي الله أتحب ذلك ؟ اخرج لا تكلم أحداً منهم كلمة حتى تنحَرَ بُدْنَك وتدعو حالِقَك فيحلِقَك، فخرج فلم يكلم أحداً منهم حتى فعل ذلك: نحر بدنه ودعا حالقه فحلقه ، فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا، وجعل بعضهم يحلق بعضاً، حتى كاد بعضهم يقتل بعضاً غماً" .
وقد أوضح الحسن البصري ما يؤخذ من هذه الواقعة، من شرعية إستشارة النساء، فقال: إنْ كان رسول الله لفي غنى عن مشورة أم سلمة، ولكنه أحب أن يقتدي الناس في ذلك، وأن لا يشعر الرجل بأي معرّة في مشاورة النساء.
المشاكل والخلافات الزوجية
لا توجد حياة زوجية بدون مشاكل, والمشاكل الأسرية والخلافات الزوجية متعددة وهي لم تترك بيتا لم تدخله على حسب نوع وحجم المشكلة, فلم يخلو بيتا من المشاكل الزوجية حتى بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو من البشر وخيرهم وأكرمهم عند الله وسيد الخلق وهو معصوم من الخطأ, وأما زوجاته فلسن بملائكة ولا معصومات من الخطأ ولكنهم زوجات خير البرية.
ولولا ذلك ما أنزلت سورة الطلاق وذلك عندما طلق النبي صلى الله عليه وسلم السيدة حفصة إبنة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب, وذلك حتى يتم تشريع أبغض الحلال عند الله الطلاق القانون السماوي رحمة من عند الله بالعلاقات الزوجية المستحيلة وبخلاف التشريعات الأخرى التي لم تقر الطلاق.
وكما فعلت حبيبة زوجة ثابت بن قيس، عندما ضربها فكسر بعضها، فجاءت إلى الرسول صلى الله عليه وسلم, فقالت: لا أنا ولا ثابت، فقال: أتردين عليه حديقته، فقالت: نعم، فطلقها.
حدث خلاف بين النبي صلى الله عليه وسلم وعائشة رضي الله عنها فقال لها: من ترضين بيني وبينك.. أترضين بعمر؟ قالت: لا أرضي عمر قط "عمر غليظ".
قال أترضين بأبيك بيني وبينك؟ قالت: نعم، فبعث رسول الله رسولاً إلى أبي بكر فلما جاء قال الرسول: تتكلمين أم أتكلم؟ قالت: تكلم ولا تقل إلا حقاً، فرفع أبو بكر يده فلطم أنفها، فولت عائشة هاربة منه واحتمت بظهر النبي، حتى قال له رسول الله: أقسمت عليك لما خرجت بأن لم ندعك لهذا. فلما خرج قامت عائشة فقال لها الرسول: ادني مني؛ فأبت؛ فتبسم وقال: لقد كنت من قبل شديدة اللزوق (اللصوق) بظهري – إيماءة إلى إحتمائها بظهره خوفًا من ضرب أبيها لها، ولما عاد أبو بكر ووجدهما يضحكان, قال: أشركاني في سلامكما، كما أشركتماني في دربكما".
ولم تسلم أيضا بيوت الصحابة رضوان الله عليهم وكذلك الخلفاء الراشدين والسلف الصالح والتابعين من المشاكل والخلافات الزوجية فهناك العديد من القصص والمواقف لصور من تلك المشاكل والخلافات كل منها بمثابة قاعدة وقانون للأسرة في كل زمان ومكان.
ومما ذكر في ذلك أنه جاء رجل إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه ليشكو سوء خلق زوجته، فوقف على بابه ينتظر خروجه، فسمع الرجل امرأة عمر تستطيل عليه بلسانها وتخاصمه، وعمر ساكت لا يرد عليها، فانصرف الرجل راجعاً وقال: إن كان هذا حال عمر مع شدته وصلابته وهو أمير المؤمنين، فكيف حالي؟!
وخرج عمر فرآه مولياً عن بابه، فناداه, وقال: ما حاجتك أيها الرجل؟! فقال: يا أمير المؤمنين! جئت أشكو إليك سوء خلق امرأتي واستطالتها علي فسمعت زوجتك كذلك؛ فرجعت وقلت: إذا كان هذا حال أمير المؤمنين مع زوجته فكيف حالي؟!
قال عمر: يا أخي إني أحتملها لحقوق لها علي، إنها لطباخة لطعامي، خبازة لخبزي، غسالة لثيابي، مرضعة لولدي، وليس ذلك كله بواجب عليها، ويسكن قلبي بها عن الحرام؛ فأنا أحتملها لذلك. فقال الرجل: يا أمير المؤمنين! وكذلك زوجتي. (القصة ذكرها الذهبى فى كتاب الكبائر ص: 179)
وهذا معناه أنه ينبغي أن نتقبل الحياة الزوجية بحلوها ومرها ونرضى بما قسمه الله فلسنا أفضل من الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام, وينبغي أن نعلم علم اليقين أنه مادامت هناك حياة فلابد من وجود المشاكل ومادامت هناك مشكلة فهناك العديد من الحلول البديلة المناسبة لهذه المشكلة بتوفيق من الله ومشيئته وذلك من باب "ما خلق الله سبحانه وتعالى داءا إلا وخلق له الدواء.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: " استوصوا بالنساء خيراً؛ فهن خلقن من ضلع، وإن أعوج ما في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء خيراً. (أخرجه البخاري ومسلم).
نبه الإسلام الزوجين على أن يجتهدا في إصلاح ما بينهما إذا حدث شقاق أو نزاع؛ قال تعالى: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ} [النساء: ١٢٨].
القوامة الرشيدة
مشكلة سوء استغلال مفهوم القوامة من المشاكل الزوجية فبعض الرجال يراها تحكما واستعبادا وانتقاصا من حرية المرأة وانتهاكا لكرامتها فيتعسف في استخدامها وكأنها سيف مسلط على رقبة المرأة، يعوقها عن الحركة، ويدميها إذا فعلت، وكأنه فهم أن القوامة إلغاء لشخصية المرأة وكيانها وعقلها ورأيها، فلا يبقى منها سوى القيام بخدمته ومتعته وإنجاب الأطفال.
إن القوامة فى مفهومها الصحيح هى قيادة حكيمة ورعاية مسئولة, قال صلى الله عليه وسلم: " اتقوا الله في النساء فإنهن عوان عندكم، أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولهن عليكم رزقهن، وكسوتهن بالمعروف ". (رواه مسلم).
وقد وضع الحق سبحانه وتعالى في القرآن الكريم في سورة النساء قانونا هاما في علاج المشاكل الزوجية وحل لقضايا الأسرة, فقال تعالى: " الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله فاللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا إن الله كان عليا كبير(34) فإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما إن الله كان عليما خبيرا (35)".
فأفادت الآية الكريمة أن القوامة للرجل في التحمل لمشاق وأعباء الحياة أي أن الرجل هو القائم على شئون هذه الأسرة، وأنه المسئول عن توفير احتياجات أسرته والسعي لطلب الرزق والإنفاق على الأسرة بما أفاض الله عليه من فضله فليس ذلك من إختصاصات المرأة ولكنه من مسئوليات الرجل.
ولا يلزم المرأة أن تعمل للأنفاق علي زوجها بحكم خلقتها وضعفها, ولكن عليها القيام بمهامها من خدمة الزوج ورعاية أبنائه وما أشبه ذلك, وهذا هو الوضع الطبيعي والمعيار الصحيح لاستقرار السعادة والخلل في ذلك يؤدي إلي فساد العلاقة الزوجية حتماً.
كما أن للزوج الحق في تأديب زوجته عند عصيانها أمره ونشوزها عليه تأديباً يراعى فيه التدرج الذي قد يصل في النهاية إلى الضرب بشروطه, قال القرطبي رحمه الله: " اعلم أن الله عز وجل لم يأمر في شيء من كتابه بالضرب صراحاً إلا هنا وفي الحدود العظام فساوى معصيتهن أزواجهن بمعصية الكبائر وولى الأزواج ذلك دون الأئمة وجعلَه لهم دون القضاة بغير شهود ولا بينات ائتماناً من الله تعالى للأزواج على النساء ", والنشوز في الآية بمعنى العصيان، أي: اللاتي تخافون عصيانهن وتعاليهن عما أوجب الله عليهن من طاعة الأزواج فجعل الله للتأديب مراتب:
المرتبة الأولى: الوعظ بلا هجر ولا ضرب فتذكر المرأة ما أوجب الله عليها من حسن الصحبة وجميل العشرة للزوج, فإن لم ينفع الوعظ والتذكير بالرفق واللين إنتقل إلى المرتبة الثانية: وهي الهجر في المضجع وذلك بأن يوليها ظهره في المضجع أو ينفرد عنها بالفراش لكن لا ينبغي له أن يبالغ في الهجر أكثر من أربعة أشهر وهي المدة التي ضرب الله أجلاً للمولي، كما ينبغي له أن يقصد من الهجر التأديب والاستصلاح لا التشفي والانتقام .
المرتبة الثالثة: وهي الضرب غير المبرح لقوله: (واضربوهن) قال ابن عباس رضي الله عنهما: أهجرها في المضجع فإن أقبلَت وإلا فقد أذن الله لك أن تضربها ضرباً غير مبرح، وعلى الزوج أن يراعي أن المقصود من الضرب العلاج والتأديب والزجر لا غير فيراعي التخفيف فيه على أبلغ الوجوه, قال عطاء: قلت لابن عباس: ما الضرب غير المبرّح ؟ قال: السواك ونحوه (أي الضّرب بالسواك).
وفي حديث معاوية بن حيدة رضي الله عنه بيانا لبعض حقوق الزوجة على الزوج وأهمها حسن المعاملة, حيث قال: قلت: يارسول الله، ما حق زوجة أحدنا علينا ؟ قال: " أن تطعمها إذا طعمت وتكسوها إذا اكتسيت ولا تقبح الوجه ولا تضرب ", أي: لا تضرب الوجه. (رواه أبوداود)
ساحة النقاش