أليس عجيباً ان عوقب في التاريخ البشري من بشروا بالحب أو حرضوا عليه بدءاً من ارفيد الروماني مروراً بالعشاق العرب بينما كوفىء من بثوا الكراهية بفحيحهم المسموم؟ فالكارهون لا يصل الى أنوفهم من غابات العالم ورحيق أزهاره وعطور نسائه وزغب أطفاله أي شيء، لأنهم لا يشمون الا روائح أنفسهم ولا يرون الا ظلالهم أو صورهم على صفحة الماء..
شاهدت قبل أيام فيلماً عن الحيوانات وهي كائنات الجمهورية المهجورة والمجهولة التي لو اقتربنا منها لتعلمنا الكثير، شاهدت نمراً انقض على قردة، وكانت على وشك الولادة، وفوجىء النمر بعد أن قتل الأم أن طفلها قد انزلق بين مخالبه، ولم أصدق عيني وظننت أن الفيلم ملفق شأن كل ما يجري تصنيعه في أيامنا ثم تأكدت أنه فيلم تسجيلي وواقعي، لم أصدق وأنا أرى النمر يداعب طفل القردة ويحاول ان يحميه من السقوط عن حافة الصخرة، ثم بدأ يداعبه بعد ان أغمد نابه ومخالبه كما لو كان ابنه..
ولا أدري ما اذا كان النمر يعتذر بذلك عن قتل الأم أم انه يظن بأن كل ما يولد للتو هو كمن تلده أنثاه؟
وبقدر ما أن هذا المشهد يصلح لإدانة الانسان وهو الحيوان الوحيد الذي يقتل لمجرد الرغبة في القتل، فثمة دلالات وتأويلات اخرى لا حصر لها في هذا المشهد النادر.. فهل يقارن هذا النمر المتوحش بمن بقروا بطون الحوامل في دير ياسين ذات مجزرة وعلقوا أمعاء اطفالهن على شجر السنديان والزيتون؟ أو بقتل اطفال رضع امتزج دمهم بالحليب على شفاههم في غزة وقانا وبغداد وسائر العواصم الغواشم؟
ان من يكره نفسه يجب ألا نتوقع منه حباً حتى لاطفاله، وهذا النمط من الكائنات غالباً ما ينتحر لكن ببطء، وله سايكولوجيا من طراز عجيب، فان رآك رشيقاً سارع الى القول هل انت مريض؟
واذا رآك صامتا تتأمل شيئاً ما قال لك على الفور، يا رجل لا تفكر لأن لها مدبراً.. واذا رآك شاحباً قليلا بسبب ارهاق أو سهر أو انفعال سارع الى سؤالك عن سبب اصفرار وجهك.
ومن السذاجة ان يوصف الكاره لنفسه والعالم بأنه يرى نصف الزجاجة الفارغ فقط، فهو لا يرى الزجاجة أساساً الا اذا كانت مليئة بالسم!
وما كتب في تاريخنا عن الحب والعشق يملأ مجدلات بحجم سلسلة جبال لكن ما كتب عن الكراهية بقي قليلاً لأن اكثرها طي الكتمان ولها رائحة تنفر منها حتى الضباع!
والمثل القائل فالج لا تعالج ليس دقيقاً في عصرنا لأن الفالج يعالج ككل الأمراض، وتقدم الطب أتاح لبعض المشلولين أن يعودوا الى حيوايتهم ويلعبوا كرة القدم..
لكن ما لا يعالج على الاطلاق هو الكراهية، وعلينا ان نفكر مجدداً بامكانية التلقيح ضد هذا الوباء، فهو أخطر من الجدري والسل والايدز والكوليرا!
لقد عاش الحب طليقاً في الفضاءات الرحبة والغابات وعلى شطآن البحار ولكن الكراهية عاشت في الجحور كالفئران التي تسبب الطاعون والافاعي التي ما ان تشعر بالدفء حتى تلدغ الحضن الذي تهجع فيه!
أما من مظاهرة ألفية أو حتى مئوية وليست مليونية تنطلق لاسقاط الكراهية واكاديمياتها وقلاعها السوداء؟؟
نشرت فى 22 نوفمبر 2011
بواسطة hany2012
هـانى
موقعنـا موقع علمى إجتماعى و أيضاً ثقافـى . موقع متميز لرعاية كل أبنـاء مصر الأوفيـاء، لذا فأنت عالم/ مخترع/مبتكر على الطريق. لا تنس"بلدك مصر في حاجة إلى مزيد من المبدعين". »
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
1,767,702
ساحة النقاش