إن الدراسات التى اهتمت بحياة مشاهير المستبدين على المستويات المختلفة، تؤكد وجود أنماط شخصية معينة تميل إلى السلوك الاستبدادى، خاصة إذا واتتها الظروف, ومن هنا تصبح معرفة هذه الأنماط مهمة للوقاية من السلوك الاستبدادى ومن المستبدين. ونذكر من هذه الأنماط الشخصية ما يلى:- | |
1- الشخصية النرجسية: صاحب هذه الشخصية لديه شعور خاص بالأهمية وبالعظمة، ويبالغ فى قيمة مواهبه وقدراته وإنجازاته، ويتوقع من الآخرين تقديراً غير عادى لشخصه وملكاته وإنجازاته المبهرة فى نظره، وهو يعتقد أنه متفرد فى تكوينه وفى أفكاره، ويحتاج لمستويات عليا من البشر كى تفهمه وتقدره, ويحتاج للثناء والمدح الدائم والتغنى بجماله وكماله وأفكاره وبطولاته الأسطورية وتوجيهاته التاريخية ومواقفه العظيمة غير المسبوقة، وهو لا يشعر بالتعاطف مع الآخرين ولا يتفهم احتياجاتهم، بل يريدهم فقط أدوات لتحقيق أهدافه وإسعاده وبلوغ مجده، وهو أنانى شديد الذاتية ويسعى طول حياته ليضخم هذه الذات التى يعتبرها محور الكون, وربما ينجح فى الوصول إلى مراكز عليا فى الحياة بسبب إخلاصه الشديد فى تحقيق ذاته ورغبته فى التميز والاستعلاء على الآخرين.
2- الشخصية البارانوية: تدور هذه الشخصية حول محور الشك وسوء الظن, فصاحبها لا يثق بأحد ويتوقع الإيذاء من كل الناس ولا يأخذ أى كلمة أو فعل على محمل البراءة، بل يحاول أن يجد فى كل كلمة أو فعل سخرية منه أو انتقاصاً من قدره أو محاولة لإيذائه, ولهذا نجده دائم الحذر من الآخرين, لا يهدأ ولا ينام, ويكافح طول عمره ليقوى ذاته ويحمى نفسه من الآخرين «الأعداء دائماً وأبداً», وهذا الشك والحذر وعدم الولاء للناس يدفعه للعمل الجاد والشاق لكى يصل إلى المراكز العليا فى مجال تخصصه, وهو حين يحقق ذلك يمارس السيطرة والتحكم فى الناس الذين يحمل لهم بداخله ذكريات أليمة من السخرية والاحتقار والإيذاء، وبما أنه لا يسامح أبداً ولا ينسى الإساءة، لذلك فهو يمارس عدوانه على من تحت يده انتقاماً وإذلالاً, ويحقر كل من دونه كراهية ورفضاً.
3- الشخصية الوسواسية: والشخص الوسواسى يميل إلى الدقة والنظام والصرامة والانضباط ولا يحتمل وجود أى خطأ, وهو فوق ذلك عنيد ومثابر إلى أقصى حد, ولهذا يميل إلى أن يتأكد من كل شىء بنفسه، ولا يثق فى أحد لأنه يعتبر الآخرين عشوائيين وغير منضبطين، وأنهم سوف يفسدون الأمور التى توكل إليهم, لذلك نراه إن كان والداً أو مسئولاً يريد أن يستحوذ على كل شىء فى يده، ويتابع كل شىء بنفسه، ولا يترك لأحد فرصة للتعبير عن نفسه أو تحمل مسئولياته, فالآخرين فى نظره غير جادين وغير دقيقين وغير صارمين مثله، وهم يحتاجون دائماً للوصاية والتوجيه والتحكم, فهم فى نظره أطفال عابثون يحتاجون فى النهاية لمن يضبطهم ويوجههم وإلا فسدت كل الأمور.
4- الشخصية السادية: وهو الشخص الذى يستمتع بقهر الآخرين وإذلالهم والتحكم فيهم، وكلما شاهد الألم فى عيونهم استراح وانتشى وواصل تعذيبهم وقهرهم ليحصل على المزيد من الراحة والنشوة.
5- الشخصية المعادية للمجتمع: وهو نوع من الشخصية لا يحترم القوانين والنظم والشرائع, بل يجد متعة فى الخروج عليها, ولا يشعر بالذنب تجاه شىء أو تجاه أحد, ولا يتعلم من تجارب فشله, ويعيش على ابتزاز الآخرين واستغلالهم، مستغلاً سحر حديثه وقدرته على الكذب والمناورة والخداع, وهو شخص لا يفكر إلا فى نفسه وملذاته, والآخرين ليسوا إلا أدوات يستخدمها لتحقيق ملذاته.
وبعد استعراض هذه النماذج الشخصية الأكثر ميلاً للاستبداد، نود أن ننوه أن المستبد يمكن أن يكون أحد هذه الأنماط، ويمكن أن يكون خليطاً منها بعضها أو كلها.
ساحة النقاش