قيل قديما :”الكذب ملح الوجود”. ولا يستطيع أحدا من البشر التخلص من هذه الخصلة الذميمة نهائيا .هذا الفعل خطير بالتأكيد،ولكن إذا تحول إلى ظاهرة مجتمعية، تولد وتنشر عنفا واسعا وعميقا إزاء الآخرين (أفرادا،أو جماعات) ،فان هذا الخطر،خاصة إذا كان ممأسسا وممنهجا، يتضاعف ليغدوا شرا مستطيرا، تاركا ضحاياه يكتوون بقهر الزمن، وعقابه النفسي والجسدي.

وبما أن الكذب واحد ،وأساليبه ونتائجه كثيرة ومتشابكة، فسأركز في هذه المقالة على جزئية محددة، تتمثل في:”الكذب كأداة عنف نحو الأطفال”، وذلك لما تشكله هذه الفئة العمرية من فترة زمنية حساسة ،بل ومصيرية في أبعادها ،ليس لواقع ومستقبل الطفل فحسب،وإنما لعائلته ومجتمعه أيضا.

فالطفل الذي يولد على الفطرة ،ومن ثم يكتسب سلوكيات من خلال الرؤية والسمع بداية، سيقوم حتما بتقمص الفاعل أو ترداد الفعل.فإذا كان الفعل مصدره حسنا ،فالفاعل لا شك ،سيمارس فعلا مثله،والعكس صحيح.لذا ،فان طبيعة البيئة(البيت تحديدا) التي ينشأ بها هذا الطفل تعتبر الركيزة الأساسية لسموه بخلق الصدق، وما ينجم عنه من خصال (الثقة بذاته وبغيره،حسن التعاون والعشرة) ،أو الأداة السلبية لتعلق وتوطن مثالب العنف بنفسية الطفل، وما تفرزه من عادات( كعدم احترام الآخرين في مقابل انطواء الذات وأنانيتها المفرطة).

ولكون حديثنا هنا عن العنف، فسنعالج هذه( الأداة السوداء) التي تشير المعطيات العلمية إلى أن سببها يعود -فضلا عن البيئة المذكورة-لعامل رئيس، تتفرع عنه عدة منطلقات.هذا العامل يتمحور حول،إعتقاد الطفل أن ممارسته الكذب هو نوع من تطوره الاجتماعي الذي ينطلق من خلاله إلى تحقيق (مصالح إيجابية ذاتية) في نظره ،كالحصول على منفعة أو تضليل آخر لإيذائه،أو امتلاك جاذبية الآخرين لتمرير ما يصبوا إليه،علاوة على تجاوز إحراج أو التخلص من عقوبة.

علاوة على ذلك، فقد يكذب الطفل عندما يجد معظم من حوله كاذبين، فيقلدهم بسلوكهم دون وعي، خاصة إذا لم يكن هناك تناسب بين أحلامه المستقبلية، وكمية القدرات والمواهب التي يمتلكها، وهذا ما يدفع إلى ما هو اخطر من الكذب اللفظي فيما بعد عبر إستخدام الطفل الفعل في ممارسة سلوكيات، تؤذي نفسه، وتضر بالآخرين، سواء جسديا ونفسيا ،أو أخلاقيا(السمعة)، لا سيما إذا كان يعيش في مجتمع محافظ ومنغلق.

الكذب الناجح

وفي صورة أخرى ،فان الطفل عندما يستسيغ الكذب كممارسة شبه دائمة،ولا يجد من يقومه، أو يردعه بشكل سليم، دون توبيخه لفظيا أو عقابه جسمانيا ،فإنه يستمرأ هذا السلوك، ويدمن على ما يطلق عليه عالم النفس الأمريكي تشايرز فورد”بالكذب الناجح” ،والذي وفق فورد يعتبر محرك خطير نحو تحطيم شخصية الطفل النفسية ،والتي قد يعقبها استخدام العنف بحقه كتبرير خاطئ عن خطيئته ،إن لم يتعرض من أهله أو آخرين للعقاب المختلف بسبب ما اكترثه من جرم الكذب.وعلى هذا الطفل وغيره إن يدرك بأنه إذا كان ناجحا في عملية الكذب ،فان هناك آخرون من هم له بالمرصاد، وناجحون في اكتشاف كذبه،علما أن ما نسبته 5% من الأطفال ما هم فوق الثانية عشر عاما يكذبون بمهارة وبشكل منتظم (مرضى الكذب) ،بينما النسبة الباقية بالصدفة .

ودائما، الكذب قرين العنف ومولده.و الدليل الساطع على ذلك تحريمه من كافة الديانات والملل لما ينتجه من سلوكيات عدوانية ومسيئة لصاحبه وللآخرين، فضلا عن أن الكاذب ولو كان مدمنا أو مزمنا في كذبه، فانه متيقن بخطورة هذا السلوك وعواقبه التي ستداهمه لا محال.

اخطر الحالات

وأخطر حالات الكذب بالنسبة لمن هم في عمر الطفولة تلازمها مع الطفل بتقادم سنه، واستعصائها على الانفكاك من شخصيته وأفكاره.فهذا الطفل الذي تربى على الكذب وشب بمعيته ،وقد يشيب عليه ،سيبني بالطبع حياته على (مدماك) هار، تتلاطمه المستجدات، وتهوي به الحقيقة من خلال الاختبار أو الصدف.

أخيراً، إن الكذب مدمر لمصدره ولغيره،وسيشتد وباله على طفل يكذب دون إن يعالج بأساليب صحيحة،أو يعتقد إن الكذب المؤدي للنجاح ،والهروب من العقوبة أمر بطولي أو (شطارة)يستوجب الاستمرار به.والعلاج الحقيقي والمناسب للطفل الكاذب هو أن  يربى هذا الطفل منذ نشأته الأولى في بيئة صادقة ومن ثم تعريفه بان الكذب حرام، لأنه سيخلف لقائله وفاعله المعاناة ،وكل ما لا يحمد عقباه.

hany2012

شذرات مُتجدده مُجدده http://kenanaonline.com/hany2012/

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 103 مشاهدة
نشرت فى 22 نوفمبر 2011 بواسطة hany2012

ساحة النقاش

هـانى

hany2012
موقعنـا موقع علمى إجتماعى و أيضاً ثقافـى . موقع متميز لرعاية كل أبنـاء مصر الأوفيـاء، لذا فأنت عالم/ مخترع/مبتكر على الطريق. لا تنس"بلدك مصر في حاجة إلى مزيد من المبدعين". »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

1,770,595