authentication required

1 ـ بعض الناس يفكر قبل أن يتكلم ، وهذا هو الانسان العاقل. بعض الناس يفكر بعد أن يتكلم ، وهو الانسان الغافل. بعضهم يتكلم دون أن يفكر وهو الانسان الأحمق.
مشكلة الأحمق أنه لا يتحدث فقط بدون تفكير ، بل إنه أيضا يتحدث بالكذب والبهتان .واذا صارت هذه حالة عامة فإنه بتوالى الأيام والزمان تتحول الأكاذيب الى ثقافة وتتحول الخرافات الى قداسة . ولكى تعيش هذه القداسة وتستمر لا بد لها من استمرار الجهل وانعدام التفكير. وهذا يحدث بسهولة عندما يتعدى الجهل طور الكلام ليصل الى مرحلة أخرى ، يمسك فيها بالقلم ويكتب وينشر الجهل على أنه علم. تزداد المشكلة وتستعصى على الحل حين يحصل الجاهل على درجة الدكتوراة، فيتحول جهله الى ما يشبه العلم . هذه هى صناعة الجهل ، وهى صناعة عتيدة فى عالمنا العربى تقوم على رعايتها وزارات الثقافة والتعليم والاعلام و الأوقاف والأزهر بقياداته الحالية. وفى هذا المناخ الفاسد نشأ و( ترعرع ) شباب الصحفيين تحت سن الستين.

2ـ وباء الجهل ـ مسلحا بالكذب والتضليل ـ امتد من الاعلام الرسمى الى الصحافة غير الحكومية ، من مستقلة وحزبية. معظم الصحفيين فيها نشأوا فى هذه البيئة التى تحترف الجهل المسلح بالكذب وتمارسه ولا ترى فيه عيبا. تعلموا تعليميا تلقينيا ـ وظلوا أسرى له ـ فتراهم أسرى الثقافة السمعية ، يصدقون ما يسمعون دون تفكير. عاشوا حياة دينية تقوم على أكاذيب من نوعية ( يا بختنا بالنبى ) و( أنا فى عرض النبى ) و( الفاتحة للنبى ) و ( جاه النبى )و ( لأجل النبى تقبل صلاتى على النبى ) وغيرها من عبارات لا تتفق مع العقل ولا مع الاسلام ، ولكنهم بالكذب ينسبونها الى الاسلام ، واذا قال أحدهم فى كلامه ( قال النبى عليه السلام .. كذا ) ترى الناس يتسابقون فى التسليم والتصديق كما لو كانوا قد سمعوا بآذانهم النبى محمدا عليه السلام وهو يقول فعلا هذا الكلام.
فى بيئة دينية تحترف الافتراء وتقدس الأكاذيب والخرافات وتذيعها فى التليفزيون والاذاعة والمساجد والمدارس والنوادى والمحلات والمصاطب لا تنتظر من كل شباب الصحفيين والمتعلمين أن ينشأ على الصدق أو أن يعرف شرف الكلمة المنطوقة أو المكتوبة. فى ظل صحافة تبحث عن الرواج والاثارة ، وأمامها خطوط سياسية حمراء لا تتعداها لا يبقى أمامها الا نوعان فقط من الإثارة كى تشتهر وتبيع أكثر وتجذب اعلانات أكثر : الدعارة والجنس والفن ثم مطاردة المفكرين المصلحين الذين يخرجون على المألوف الدينى و الثقافى وينقدونه عن علم وكفاءة ودراية.
3 ـ وكنت ضحية لشباب الصحفيين ومراهقى الكتابة منذ منتصف الثمانينيات حتى الان .
المضحك أن تجد أحدهم يتصدى للرد على ما أقول متقمصا زى العلماء الراسخين وهو لا يستطيع أن يقرأ صفحة كاملة من كتب التراث ، بل إنه عندما كان صبيا يلهو فى الحارة كنت ألقى دروسا على طلبة السنة النهائية فى كلية اللغة العربية فى جامعة الأزهر سنة 1979 وأكتب أولى مؤلفانى التى ارتاع منها شيوخ الأزهر ولا يزالون.
لا شك أن الجهل مريح لأصحابه . ولكن لا بأس بذلك طالما عاش الجاهل راضيا بجهله مرتاحا له لا " يبشر" به ولا ينشره بين الناس. أما اذا قام يناقش العلماء والمفكرين بهذا الجهل فقد استحق السخرية مع وصمة عار تلاحقه فى حياته وبعد موته طالما ظل فى الناس من يقرأ ويتعقل ما يقرأ، ويحكم على الكاتب بما خطته يداه ،وهذه هى مسئولية من يكتب .
4 ـ الانترنت الآن قام بتوسيع المشكلة فأضاف الى الصحفيين الجهلاء انواعا أخرى ممن لديهم جرأة شديدة على الكتابة والتعليق على المقالات العلمية بدون علم ولا هدى ولا كتاب منير. يتخفى أحدهم خلف الانترنت فيكتب ما يميمليه عليه جهله ظانا أنها حرية الرأى . مع ان حرية الرأى تعنى أساسا المسئولية عما تقول ، ولا يتأتى هذا إلا بأن تعلن عن نفسك بشجاعة ، اما التخفى وراء أسماء من نوعية عفاف و شاهيناز وشهريار والكتكوت المفترس فلا تدل إلا على أن صاحبها ( يأكل العيش بالجبن ) على حد قول الجزار الشاعر المملوكى.
وقبل أن تتطاول على المفكرين الراسخين فى العلم فلا بد أن تؤهل نفسك لأن تكون باحثا حقيقيا طالما تفتى برأيك فى مجالات التراث .

5 ـ لكى تكون راسخا فى علوم التراث العربى والاسلامى لا بد أن تقرأ أولا معظم هذا التراث قراءة عامة فى فتراته المختلفة قبل وبعد الاسلام، من العصر الجاهلى الى الأمويين والعباسيين والمماليك والعثمانيين ثم النهضة الحديثة من رافع الطهطاوى الى محمد عبده و أحمد أمين وطه حسين وجورجى زيدان ..الخ. ثم لا بد أن تتخصص فى فترة معينة تتشرب دقائقها وتفصيلاتها وتعايش ثقافتها وحياتها اليومية . هذا اذا كنت تريد التخصص فى النواحى الأدبية أو السياسية . أماذا أردت بنفسك الشقاء وتخصصت فى الفكر الدينى للمسلمين فالمشكلة أكبر. لنفرض أنك تريد بحث التصوف فى العصر المملوكى ، هنا لا بد لك أولا من فهم الاسلام ، ولن يتأتى هذا بدون فهم القرآن من خلال مصطلحاته هو ومفاهيمه هو، ومن خلال منهجه ، ثم تتعمق فى فهم التصوف ، تاريخه قبل العصر المملوكى وأثناء العصر المملوكى ، ومصطلحاته وتراثه وشيوخه من خلال ما كتبه الصوفية أنفسهم ، ثم تدرس كل المكتوب فى العصر المملوكى من مخطوطات ووثائق مختلفة ، منها حوليات تاريخية وكتب رحلات و فى المناقب والمزارات وسائر ما كتبه مؤرخو العصر، بالاضافة الى الفقه والحديث والتفسير والأدب ، وتبحث أثر التصوف فى كل ما تقرأ. وقد تقضى شهورا فى قراءة مخطوطة دون أن تنقل منها سطرا واحدا فى بحثك ، ولكن لا بد من قراءتها لأنها ستعينك على فهم عقلية العصر وتفكيره . وقد تنقل كراسات من المعلومات الاضافية لاحتمال أن ترجع اليها ، وقد تستهين بعلومات تاريخية فتهمل نقلها ثم تظهر أهميتها فيما بعد فتبحث عنها بكل ما تستطيع . مشاكل كثيرة ستواجهك فى بحثك ، أهمها مشكلة المصطلحات . فللسنة مصطلحاتها وللشيعة مصطلحاتهم وللنحويين والفقهاء مصطلحاتهم ، وللتصوف بالذات مصطلحاته الفريدة وأسراره ورموزه . وللعصر المملوكى ـ ككل ـ مصطلحاته ، ولمصر فى هذا العصر لغتها العربية الخاصة التى تختلف فى مفاهيمها عن عصور سبقت ، وتختلف عن أقطار أخرى فى نفس العصر ، بل أنه فى نفس العصر تجد اختلافات بين كتابات المؤرخين يعرفها من تعمق فى قراءة المقريزى والسخاوى وابن حجر ثم قرأ لابن اياس بعدهم ثم قرأ للشرنوبى بعد ابن اياس .. التفصيلات كثيرة تؤكد المعاناة العلمية فى القراءة والبحث ، ولكن النهاية تجعل الباحث راضيا بعلمه أكثر من رضى الجاهل بجهله.

6ـ عموما فالباحث الجاد فى أى مجال يحرص على أن يتعلم وأن يزداد رصيده من المعرفة ، فيقرأ جيدا ويفكر ويتأنى قبل أن يناقش . وحين يناقش لا يقصد السفسطة والجدل العنيد ، وانما يقصد الوصول للحق والرأى الصحيح بغض النظر عن مصدره. الباحث الحقيقى يدرك أن الديمقراطية مجالها محدود فى المجال العلمى ـ وهذا موضوع شرحه يطول. ولكن نشير اليه باختصار.
الديمقراطية واستطلاعات الرأى والانتخابات مجالها الأساسى فى المناقشات السياسة وفى تطبيق حقوق الانسان السياسية والاجتماعية والاقتصادية والدينية. كل انسان له حق مطلق فى ابداء الرأى دون مساس بأشخاص من يختلف معهم.
ولكن حين نأتى الى حقائق العلم ـ فى الانسانيات من جغرافيا وتاريخ وتراث ـ ومن طبيعيات فى الذرة والفلك والطبيعة والكيمياء والهندسة .. الخ ـ فلا مجال هنا الا للحجة والبرهان نظريا أو معمليا.
فى الحكم على معادلة رياضية أو نتيجة تجربة معملية أو بحث حقيقة تاريخية أو تراثية ـ لا مجال للانتخابات أو استطلاع الرأى او أو أخذ رأى جمهورنا الحبيب . المرجعية هنا لأصحاب الاختصاص والخبراء وليس للجمهور. بل على الجمهور أن يستفيد من خبرتهم.
أصحاب الاختصاص لهم حيثية خاصة فى الديمقراطية الحديثة التى لا تستعنى عن مراكز البحوث و خبرات المختصين.
أصحاب الاختصاص وأرباب الخبرة فى الاسلام ونظامه الديمقراطى هم أولو الأمر فى مجال تخصصهم ، ومطلوب طاعتهم فى اطار طاعة الله تعالى ورسوله. وهذا هو المعنى القرآنى المراد من قوله تعالى للذين آمنوا ( أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم ..) فأولو الأمر ليسوا الحكام وإنما هم أهل الذكر المستشارون وأصحاب الاختصاص فى مختلف مجالاتهم العلمية والمعملية و الاقتصادية والفنية ..الخ ، ومنها مثلا المجال الأمنى الذى أشار اليه رب العزة فى نفس السورة تعليقا على مروجى الاشاعات فى المدينة من الصحابة المنافقين ، يقول تعالى عنهم ( وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ، ولو ردوه الى الرسول وإلى أولو الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ) النساء 59 ، 83 )
وهناك علماء تخصصوا وأفنوا شبابهم وأعمارهم فى قراءة وبحث تاريخ المسلمين وتراثهم ، ليس مؤهلهم المناصب ، فلا يحصل على المناصب فى دول الاستبداد إلا من يرضى عنهم المستبد ، سواء كان أحدهم يحمل شهادة الثانوية أو شهادة الميلاد. أيضا العلماء الراسخون ليسوا فقط حملة الشهادات العلمية ، فقد فسدت الشهادات بفساد الجامعات وانحلالها فى العالم العربى ، واسألوا التقرير الأخير عن أفضل جامعات العالم الذى لا يوجد فيه أى جامعة عربية ، بل أن أقدمها ـ جامعة الأزهر ـ تقوم بتصنيع الجهل فى نفس الوقت الذى تطارد فيه المبدعين والمجتهدين.
الانتاج العلمى والمقدرة العلمية هما معا العبرة فى أهل الذكر فى الاسلام وأولى الأمر وأصحاب الخبرة والاختصاص .
اذن ينبغى طاعة أولى الأمر فى اطار طاعة الله تعالى ورسوله ـ والرسول هو الرسالة أى القرآن الكريم وهو الرسول القائم بيننا ـ وبالتالى لا يصح أن يفتى الأخ فرفور بدون دليل علمى على الانترنت قائلا أنا أرى كذا فى التعليق على مقال علمى كتبه أحد الراسخين فى العلم.
الأخ كتكوت هذا الذى يهرف بما لا يعرف لا يستحق سوى الرثاء. وهو مرشح لأن يستمر طيلة حياته متمتعا بالجهل سعيدا به راضيا عن جهله وقد رضى عنه جهله. يأتيه العلم سهلا ميسرا ميسورا بعيدا عن تعقيدات التراث و أساطيره و متاهاته ، ثم يقال له هذا العلم بتواضع وحكمة وموعظة حسنة ، وليس كما يفعل جهلة الشيوخ الذين يصرخون ويتوعدون من يجرؤ على النقاش معهم بالويل والثبور و عظائم الأمور. إلا إن السيد كتكوت يزهد فى العلم و يسخر منه مكتفيا بجهله، فهنيئا له بجهله .

7ـ كتبت مقالا بحثيا عن عمر بن الخطاب عنوانه ( المسكوت عنه من تاريخ عمر ). لم اكتب عن عمر من خلال ما كتبه الشيعة عنه، وهم يبغضونه، ولم أستشهد بما كتبه المستشرقون ، ولست من هواة القراءة لهم . كتبت عن عمر من خلال ما كتبه عنه رواة السنة فى أقدم مصدر فى التأريخ للطبقات وهو ( الطبقات الكبرى ) لابن سعد الذى نقل عنه كل من جاء بعده. وكل المعلومات التى نقلتها من ابن سعد معروفة للباحثين ومعظم المثقفين. ولكننى أعدت مناقشتها لأثبت أن عمر بن الخطاب فى خلافته كان عادلا مع العرب فحسب ، وكان ظالما لغيرالعرب. لو كان المناخ صحيا لكوفئت بالثناء، حتى مع اختلاف الرأى ، ولكن الشتائم لا تزال تلاحقنى من أناس يعبدون عمر ويقدسونه ويرونه الاها لا يخطىء. وفى هذه الحالة فان الجهل يرتبط بالشرك أى تقديس البشر والحجر.
وبالمناسبة فان مصطلح (الجهل ) يدل على عدم العلم ، كما يدل على سوء الخلق ، والأغلب ان يدل على الشرك ( قل : أفغير الله تأمرونّى أعبد أيها الجاهلون ؟ ) الزمر 64 )
أولئك الجاهلون لم يجدوا حجة علمية يردون بها فانهمكوا فى السب والتجريح.
بعضهم هلل فرحا ، فقد تصور أنه ضبطنى مخطئا فى كلمة فى المقال. كنت قد كتبت معلومات عن عمر تتناول نسبه وأولاده ونساءه ، وقلت من ضمن نسائه : (ام ولد ( جارية ) اسمها فكيهة : انجبت له زينب( . وضعت كلمة ( جارية ) بين قوسين لأشير لمصطلح ( أم ولد ). صاحبنا لم يفهم. انطلق يقول إننى لا أعرف الفرق بين الولد والبنت ، لأن تلك المرأة الجارية (فكيهة) أنجبت بنتا اسمها زينب ، وقد قلت على ( فكيهة ) أنها أم ولد ، وكان يجب أن أقول عليها (أم بنت ).
إن مكتئبا مثلى فى حاجة ماسة الى الابتسام حتى يستمر على قيد الحياة فى هذا المناخ السىء. وأعترف أن هذا المخلوق قد أضحكنى ضحكا أقرب للبكاء منه الى الابتسام. المسكين لا يعرف أن مصطلح ( أم ولد ) هو مصطلح تراثى فقهى يدل على الجارية التى تنجب من مالكها ، وعندها لا يجوز بيعها، ولا فارق بين أن تنجب ولدا أم بنتا. فى كل الأحوال هى ( أم ولد ).
هذا يؤكد أهمية فهم المصطلحات فى اعداد الباحث .
وبالمناسبة فمصطلح ( جارية ) فى اللغة العربية يختلف عنه فى القرآن الكريم.
( الجارية ) كانت تدل على الطفلة الصغيرة التى تجرى ، ثم تحول المعنى وتحور ليدل على المملوكة العبدة. أما فى القرآن الكريم فالجارية هى السفينة التى تجرى فوق الأمواج ( إنا لما طغى الماء حملناكم فى الجارية ) الحاقة 11 ) ( ومن آياته الجوار فى البحر كالأعلام ) الشورى 32 ) ( وله الجوار المنشآت فى البحر كالأعلام ) الرحمن 24 )
وبالمناسبة أيضا فقد تسمى بعض مشاهير العرب المسلمين باسم ( جارية ) .
كان منهم ( جارية بن قدامة السعدى ) من أصحاب على بن أبى طالب المخلصين . وبعد عقد الصلح بين معاوية والحسن بن على بايع كبار أتباع على لمعاوية، وصاروا أحيانا من جلسائه برغم ان الجراح لا تزال فى القلوب. وكان يحدث أن يحاول معاوية التندر ببعضهم ، فقال يوما لجارية بن قدامة السعدى : ( يا جارية ، ما كان أهونك على أهلك إذ سموك جارية ) فأسرع جارية يرد عليه قائلا : ( وما كان أهونك على أهلك ان سموك معاوية ) ومعاوية هو الكلب الصغير ، أو الجرو الذى يعوى .. أكرمكم الله تعالى .

8 ـ هناك كاتب آخر يسبق اسمه بحرف (د) ، وهو ينجح كثيرا فى اضحاكى على ما صار اليه حال العرب، من مسلمين وملحدين. المفروض أنك حين تكتب معلقا لا بد أن تقرأ لمن تحاوره وأن تفهم ما يقول ، ولكن هذا ال ( د ) لا يقرأ إلا بضع أسطر ثم يسارع فى التعليق. وفى تعليقاته يأتى بالطرائف والظرائف التى تمزج الجهل بالخفة والسطحية. فى إحدى (معلقاته ) استنكر قولى بوجود مصطلحات مختلفة فى اللغة العربية. وهذا فى حد ذاته سبب كاف لعدم استحقاقه للدال التى يرصع بها اسمه. ولكن العجب يزداد حين تراه يعلل رأيه فى عدم وجود مصطلحات مختلفة بأن كلمة ( الباب ) مثلا فى اللغة العربية هى نفسها الباب الذى فى البيت ، ولا تدل على معنى آخر.
هذا ال (د) مثل جيد للحضيض الذى وصل اليه مستوى العلم والثقافة فى الوطن العربى السعيد. أى طالب متوسط التعليم يعرف أن ( البابية ) تجعل شيخها هو ( الباب ) لله تعالى ، فالباب هنا ليس باب الدار وإنما هو مصطلح لطائفة دينية لا تزال موجودة بهذا الاسم وبقوة على الساحة ، ومن لا يعلم عنها شيئا فليس مؤهلا لأن يكتب فى التراث وفى الاسلام والمسلمين. وأى باحث فى التشيع يعرف أن ( الباب ) مصطلح أطلقه بعض الشيعة على ( على بن أبى طالب ) . وهناك بعض الصوفية يجعلون من شيخهم الباب الالهى، هذا عدا ( باب القبول ) و (باب الفتوح) أى العلم اللدنى ، وهو غير باب الفتوح فى القاهرة. وهناك المجاز فى اللغة العربية ـ وهو ( باب) شرحه يطول ـ والباب هنا ليس باب البيت بالطبع ولكن يعنى القسم أو الصنف .وهل نسينا تقسيم الكتاب أو البحث الى فصول وأبواب ؟.
لا يعنى هذا إنكار وجود الباب المادى أو باب البيت الذى ندق عليه بمتن الكف، على حد قول الشاعر المصرى الظريف وقد ظل يدق باب حبيبته الى أن كلمته:
طرقت الباب حتى كلّ متنى
فلما كلّ متنى ... كلمتنى.
على أي حال فقد وجد الجهل العربى الخالد متنفسا له فى عصر الانترنت .
وبينما يعج الانترنت الغربى بثورة معلوماتية تخرج عن نطاق السيطرة وتتضاعف بمرور الوقت بمتوالية عددية أو هندسية ، فان الانترنت العربى يعج فى أغلبه بالجهل واللت والعجن.

9 ـ فى السنة الأولى فى الاعدادى الأزهرى سنة 1960 دخل علينا لأول مرة مدرس النحو يهز عصا مرعبة.
كتب على السبورة الأبيات العشرة الأولى من ألفية ابن مالك . وقال أن علينا هذا العام أن نحفظ ألفية ابن مالك التى تزيد على ألف بيت من الشعر الصعب، والتى تلخص قواعد النحو العربى وأبوابه كلها ، والتى تخصصت كتب فى شرحها ، وكان من ضمن الكتب التى شرحت ألفية ابن مالك ودرسناها فى الاعدادى الأزهرى وقتها كتاب ( أوضح المسالك فى شرح ألفية ابن مالك ).
أول بيت فى ألفية ابن مالك يقول:
كلامنا لفظ مفيد كاستقم واسم وفعل ثم حرف الكلم.
وفى هذا البيت يوجز ابن مالك معنى الجملة فى اللغة العربية ، وأقسام الكلمة العربية من اسم وفعل وحرف. وحين أراد أن يمثّل للجملة المفيدة جاء بكلمة واحدة هى : استقم. ومع أنها كلمة واحدة فى الشكل الا إنها نحويا تنقسم الى فعل وفاعل مستتر تقديره أنت ايها المخاطب.
بعيدا عن مقصد ابن مالك يرحمه الله تعالى فان عبارته ( كلامنا لفظ مفيد كاستقم ) يمكن قراءتها وفهمها بطريقة اسلامية ربما لم تخطر على باله.
( كلامنا لفظ مفيد ) تعنى أن الكلام يجب أن يكون لفظا مفيدا، أى يحوى معلومة مفيدة. ولكى تحصل على معلومة مفيدة لا بد أن تقرأ و تتدبر ما تقرأ. وحتى فإن اللفظ كى يكون مفيدا لا بد أن يمر على العقل أولا ليتدبره بسرعة الضوء ثم يطلقه صوتا على اللسان. اذا لم يكن الكلام مفيدا فهو لغو ، والمؤمن يجب أن يعرض عن قول اللغو وعن سماع اللغو فهذا هوما يليق به وهو الأكرم له ( المؤمنون 3 الفرقان 72 القصص 55 ). والكلمة اذا ظلت داخل حلقك فهى لك وأنت تملكها وأنت قادر عليها ، فاذا خرجت من حلقك أصبحت هى التى تملكك وهى القادرة عليك ، وأصبحت مسئولا عنها ، والمؤمن يعرف أن كل كلمة ينطقها لا تذهب الى العدم بل يتم تسجيلها وسيحاسب عليها يوم القيامة ( ق 17 : 18 ). مسئولية الكتابة تتجاوز وتتعدى مسئولية النطق . فأنت حين تتكلم يسمعك القليلون ، أما حين تكتب اللغو فان ملايين القرّاء من الأجيال القادمة ستخرج لسانها لك بعد موتك بقرون، وستظل تتندر عليك قبل الأكل وبعده.

hany2012

شذرات مُتجدده مُجدده http://kenanaonline.com/hany2012/

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 115 مشاهدة
نشرت فى 22 نوفمبر 2011 بواسطة hany2012

ساحة النقاش

هـانى

hany2012
موقعنـا موقع علمى إجتماعى و أيضاً ثقافـى . موقع متميز لرعاية كل أبنـاء مصر الأوفيـاء، لذا فأنت عالم/ مخترع/مبتكر على الطريق. لا تنس"بلدك مصر في حاجة إلى مزيد من المبدعين". »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

1,769,963