لكل شخص نظرة خاصة تجاه ما هو موجود حوله في البيئة ، من أشخاص ، و حيوانات ، و بنايات ، و أجهزة ... الخ ، أذ تمتاز هذه النظرة برؤية مميزة يفسر بها الشخص ما يراه أو يسمعه أو يتذوقه أو يشم رائحته او ما يلمسه . و هذه الإشارات التي يستقبلها الشخص عبر حواسه بإرادته أو رغماً عنه ، تكون لديه ما يسمى بالخبرات و التجارب و المعلومات و المهارات ، أو تكون لديه فكرة واقعية أو مثالية عن ذاته و الآخرين المحيطين به .
أن السر من وراء هذه العمليات ( الإدراك ) : عمليات معرفيه تتداخل فيها مؤثرات اجتماعية و انفعالية و بيئية ، تتفاعل بصورة سحرية في أعماق مخنا البشري ، لتعطي الشخص خيال مرئي واسع ذو ذوق حسي تندمج في صورة لمنظر إدراكي خاص يتحكم في مجرى الحياة .
ان هذه المعطيات و التفاعلات تتداخل في حياتنا الشخصية ـ الاجتماعية ، أو بتكوين شخصيتنا ، فالإدراك عامل أساسي في نضجنا النفسي ، على سبيل المثال : الشخص الذي يدرك أن العالم مكان غير أمن و عدائي و قاهر ، يكون شخص خائف عديم الثقة انطوائي يشعر بالوحدة و العدائية و التسلط و الكره لمن حول ، ليدافع عن نفسه الخائفة المضطهدة كما يدرك نفسه . و يدخل الإدراك في طريقة تقييمنا للأمور الاجتماعية و الثقافية ، فالشخص الذي يدرك أن تكوين العلاقات شيء محبب و جيد ، يعزز لديه الحب و مشاعر الانتماء و العطاء و التعاون و العلاقة الطيبة ، يكون شخص اجتماعي و مرح و متفاءل قادر على الانجاز و التوافق مع الآخرين ، على العكس من ذلك الشخص الذي يدرك أن هذه المواقف قد تجلب له المتاعب و المشاكل و الإحراج سيندفع نحو مشاعر الغربة و الوحدة و الحزن . أما الإدراك و أثره على انفعالاتنا فله جانب إدراكي كبير و مساحة واسعة في الجانب العقلي و المعرفي ، فأنا أغضب لأنني أدرك أن فلان أزعجني بتصرفة الطائش ، و أن هذا الفلم أضحكني لمواقفه اللطيفية الكوميدية . كما يدخل الإدراك في طريقة كلامنا و حديثنا مع الآخرين ، فأنا أتعمد النبر في الكلام لأنه يؤكد إلى الطرف المقابل أمراً عليه تنفيذه و طاعته ، و أستعمل الليونة في الكلام لأني أريد أقناع الأخر بشيء ما ، أو أتحدث بسرعة لأن الوقت يداهمني ، او عندي عمل عليه انجازه بأسرع وقت ممكن . من هنا نجد أن الإدراك مفتاح لكل باب مغلق ، و ضوء لكل ظلام دامس ، فعن طريقه أرى نفسي و الآخرين من حولي ، فصلاحه سعادة ، و خرابه شقاء . فالننعم بهذا الكنز، و لنفتح عقولنا على كل ما يدور حولنا من أحداث و قضايا ، لأن الجهل نقمة و العلم نور و نعمة .
المصدر: أن كل نشاط نقوم به عادة يعبر عن شخصيتنا و هويتنا الاجتماعية ، إذ أن أفكارنا ، و معتقداتنا ، و أنشطتنا الاجتماعية ، و مآكلنا ، و ملبسنا هو دلالة على كياننا الشخصي و الاجتماعي ، فما نحبه أو نكرهه ، و ما نفضله و ننفر منه . هي أشارات و توقعات صريحة و واضحة نستطيع من خلالها التعرف و التنبؤ بتصرفات شخصية الفرد ، و أن نتعامل مع هذه الشخصية مستقبلا بناءا على هذه التوقعات و التنبؤات .
لذا يشكل ملبسنا و ما نرتديه من حلي ، رموز اتصالية نستطيع من خلالها فهم الفرد و التعامل معه ، على سبيل المثال : لو شاهدنا رجل يلبس زي عسكري ، فأننا سنعرف فورا أنه ينتمي لرجال الجيش ، و سنتعامل معه بناءا على ذلك . كذلك الطبيب ذو الستارة البضاء ، و رجل المرور ذو الملابس البيضاء والزرقاء .
هذه التوقعات النفسية و الاجتماعية تظهر على شكل سلوك ، أو افكار ، أو انفعالات . فاذا رأيت شخصا بملابس فاخرة و أنيقة و يرتدي ساعة و حلة ثمينة ، ستحكم عليه بانه رجل اعمال ، أو غني ، هذا التوقع يثير لديك مشاعر الخشية و الاحترام و التقدير . بيد أنك لو شاهدت رجلا يلبس ثياب قديمة ، و بالية ، و مرقعه ستحكم عليه بانه فقير ، و معدوم الحال ، و سيثير لديك مشاعر التعاطف و الرحمة و المساعدة ، أو التجنب و الاشمئزاز منه !!!
أهمية الملابس و الحلي في حياتنا النفسية و الاجتماعية
تترك الملابس و الحلي تاثيرا كبيرا على أحكامنا و مشاعرنا ، و يظهر هذا التأثير في حياتنا النفسية و الاجتماعية ، فهي تعبر بصورة مباشرة أو غير مباشرة عن ذواتنا الظاهرية ، و ما نحب أن نكون و نظهر عليه ، كما أنها طرق و جسور للتعبير ، و التآلف مع الآخرين من خلال مشاركتهم انشطتهم و ميولهم و اتجاهاتهم ـ أقرب مثال على ذلك مشاركة المسيح أخوانهم المسلمين في طقوسهم ، و عاداتهم الدينية و الاجتماعية ـ و بذلك تشكل ملابسنا و حلينا طاقة حيوية و نفاذة تدخل المجال النفسي للآخرين و تؤثر فيهم . و يمكن أن نوجز أهمية الملابس و الحلي ، من خلال ما يلي :
• انها ستر للجسم ، و الذات .
• انها وسيلة للحماية من اخطار البيئة ، و مضارها .
• تعبر عن انتماءاتنا القومية ، و العرقية ، و الدينية ، و المهنية ... الخ
• وسيلة للتأثير على توقعات الآخرين ، و مشاعرهم .
• وسيلة لجذب العطف ، و الاهتمام ، و الحب .
متى نبدأ بالتعرف على ملابسنا و الوعي بها
يرى علماء نفس النمو ، و منهم ( أزارد ) و ( مايكل لويس ) أن الاطفال عندما يبلغون عمر 18 ـ 24 شهراً يصلون الى حدث معرفي هام . و هو أيلاء الانتباه لأنفسهم ، و أدراك ذواتهم الموضوعية ، و الذي يظهر على شكل فهم واضح على أنهم منفصلون عن الناس و الأشياء المحيطة بهم . و بذلك يمكن القول أن الأنسان يتعرف على ما يغطي جسمه من قبل القائمين برعايته منذ هذا السن . و على أية حال فان المولود الذي يولد لدينا نحاول أن نختار له أجمل الملابس و الحلي ، مما قد يشكل هذا الاختيار للطفل احساس بالدفء و السعادة و المحبة تجاهه . بيد أن أذواقنا في أرتداء الملابس و أختيارها تتشكل خلال مراحل حياتنا ، و تتأثر هذه العملية بأذواق و ملابس الوالدين ، و الأخوة ، و الاصدقاء ، و ما تعرضه وسائل الأعلام من برامج و اعلانات . لذا تتشكل اتجاهاتنا و ميولنا نحو ما نفضل و نرغب في لبسه و ارتداءه بمرور الزمن ، و بأختلاف العمر ، و الجنس . على سبيل المثال : ما يناسب الاطفال لا يتلائم مع المراهقين ، و ما يناسب الراشدين لا يتوافق مع كبار السن ، و الأمر نفسه في أختلاف الجنس ، فما يناسب الرجال لا ينسجم مع النساء ، و حسب العمر كذلك .
الملابس و الحلي في فترة المراهقة
تعد المراهقة مرحلة نمائية يمر الفرد خلالها باوقات عصيبه ، و أزمات كثيرة ، يحاول من خلالها المراهق ان ينتقل من خصائص و ملامح الطفولة الى الرشد ، فيحاول فيها أن يؤكد ذاته ، و يثبت كيانه ، كشخص له راي مستقل ، له ارائه و أفكاره و التزاماته الخاصه به .تشكل الملابس في هذه المرحلة بالذات أهمية كبيرة دون المراحل الأخرى ، إذ يكون المراهق حساس جدا تجاه ما يلبسه ، و اراء الاخرين نحو ملابسه و حليه . و يرجع ذلك بسبب ضعف ثقته بنفسه ، و الخبرة المبكرة في الحياة ، و ضعف إمكانياته في أدارة اموره الشخصية ، فلا عجب باننا نلاحظ على المراهق تصرفات غريبة ، و احيانا شاذة على المألوف في ما يرتديه من ملابس و حلي ، فضلا عن ذلك ، أن المراهق حساس جدا في ما يقلده من نجوم و ابطال سينمائيين ، فنشاهده يقلدهم في ملبسهم و حليهم و تصرفاتهم على الرغم من انه لم يلتقي بهم ابدا في حياته . و قد يغضب المراهق أذا رأى أحد افراد عائلته يعيب نجومه و ابطاله ، لأن ذلك ينعكس على تقديره لذاته . و مما يزيد صعوبة الأمر أن الملابس و الحلي التي يرتديها المراهق قد لا تنسجم مع عادات عائلته ، ومجتمعه ، مما يزيد الطين بله . و في الآونة الأخيرة ظهرت على ابنائنا و أخواننا ظواهر سلوكية غريبة ، تتمثل في هوس المراهقين في شراء الملابس و الموضات الحديثة ، فضلا عن حالات الاعتداء على الاباء ، و أجبارهم على شراءها . و مما يلفت النظر خبر محزن عن حالة شاب مراهق مصري شنق نفسه لعدم حصوله على ( 200 جنيه ) لشراء ملابس العيد !!!
هل الملابس و الحلي حاجة فطرية أم متعلمة ؟
يرجع صنع الملابس و ارتدائها الى قدم الآنسان نفسه ، إذ تشير الدراسات و الابحاث التاريخية و الانثربولوجية الى أن سكان الكهوف ـ الأنسان القديم ـ كانوا يصنعون الملابس ، و يغطون أجسادهم باشياء بسيطة مصنوعة من الاشجار و فراء الحيوانات ، ليستروا بها عوراتهم ، و أن تقيهم من تقلبات الاحوال الجوية و الظروف البيئية . أما الحلي فصنعها الأنسان من اجل اغراض طقوسه الدينية . و لكن ما أود الاشارة اليه ، أن الله سبحانه و تعالى ، خلق ادم و حواء و معهما ما يستر عوراتهما . و الدلالة على ذلك أن أكل أدم و حواء ( عليهما السلام ) التفاحة المحرمة . اسقط عنهما ما وري عنهما ، و بعد أن شاهدا ذلك أخذ يقصفان من اوراق اشجار الجنة ليستران بهما عوراتهما . و بذلك تشكل هذه الاشارة الواضحة في القرآن الكريم ، نزعة الانسان في ستر عورته . و لو راجعنا الدراسات الانثربولوجية فانها ستؤكد ذلك ، و حتى الآن و نحن في الالفية الثالثة ، ما زالت توجد قبائل بدائية ، يعدها الانثربولوجيون نماذج لقبائل الانسان القديم : بأن هؤلاء ما زالوا يعيشون حياة بدائية اصيلة ، و انهم يسترون اجسادهم بأشياء صنعت من الاشجار و اجساد الحيوانات ، حيث أن المأكل و المأوى و سبل البقاء لديهم أهم ما في الحياة ، مقارنة بمجتمعات متمدنة تعلق على الملابس و الحلي أهمية كبيرة ، حتى اصبحت من أهم المجالات الحياتية و المهنية ، التي ينجذب اليها الملايين من الناس .
الملابس و الحلي في المعيار الاجتماعي ـ الثقافي
يوجد في كل مجتمع عادات و تقاليد و معايير خاصة ، تحدد فيه ما هو صائب و خاطئ تجاه سلوك أفرادها . و بذلك تحدد أفعالهم اليومية و تقومها . بيد ان الخروج على هذه المعايير يتدرج من عدم المرغوبية الى نبذ و سخط ذلك المجتمع . و من ضمن ما يخضع لهذه المعايير ، هو ملبس الفرد و حليه . فلكل جماعة ملابس محببه ، و مرغوبة ، و أن ارتداء ما يخالف ذلك يثير استهجان ابناء هذه الجماعة . على سبيل المثال : أن لبس المرأة العربية للباس البحر في مجتمعات الخليج العربي و الدول العربية الأخرى يثير السخط و قد يصل الى حد قتلها ، في حين أن لبس هذا الثوب على شواطئ الدول الاوربية و الامريكية يعتبر امر جذاب و محبوب . كما أن ارتداء الرجل للعقال في الدول العربية امر محبوب و مشرف ، في حين أن أرتداءه في دول كاليابان أو الصين او فرنسا يجلب النظر ، و الاستغراب . كذلك الحال بالنسبة للحلي و الوان الملابس ، على سبيل المثال : ان لون ثوب الزفاف الابيض يعتبر امر جميل ،و محبوب ، و تقليدي في هذه المناسبة . بيد ان مجتمعات اخرى تفضل اللون الاسود في مناسبات الزفاف كما في الهند ! .
من ملابسك أعرف هويتك الاجتماعية
ملابسنا و حلينا تعرف للآخرين، من نحن ؟ ، و من نكون ؟ ، و ما هي قيمنا ، و عاداتنا ، و لغتنا ، و ديننا . و لأي جماعة ننتمي . إذ تشكل ملابسنا قيمة تعريفية و دلالية تتحدث عنا دون أن ننطق بكلمة واحدة . فعلى سبيل المثال : لو أنك حضرت حفلة ما ، و رأيت شخص يرتدي ملابس رجل الكابوي ستعرف على أنه امريكي أو غربي ، و اذا رايت شخص يرتدي عقال و يشماخ و دشداشة ، ستعرف أنه عربي . و أذا رايت شخص يرتدي سروال عريض ، و يلف وسطه بقطعة قماش ، و يرتدي عمامة ، ستعرف أنه هندي . و اذا رايت شخص يلبس الكيمونو ستعرف أنه اسيوي ياباني ، و اذا رايت شخص يرتدي عمامة و عباءة ستعرف انه رجل دين مسلم ، و أذا رايت رجل يرتدي صليب ، ستعرف أنه مسيحي ... وهكذا نًعرف دون أن نسأل من أي بلد او دين او عرق نحن . و بذلك فملابسنا هي بطاقة تحملها اجسادنا أين ما ذهبنا . حتى ملابسنا الشخصية ، فكل شخص تعرف هويته بملابسه المفضلة ، فأحمد يحب أن يرتدي دائما الدشداشة و العقال ، في حين أن حسن يحب أرتداء بنطال الجينز بصورة دائمة ، و قد يثير لدينا الاستغراب ، أذا راينا كل الشخصين يرتدون ملابس بعضهما !!! و هذا راجع الى الصورة النمطية المعروفة عنا . و قد يطرح سؤال ، لماذا نشاهد بعض الافراد يفضلون ارتداء ملابس الاخرين دون جماعتهم ، فمثلا العربي أو الهندي أو الافريقي يفضل ارتداء الجينز دون العقال و الدشداشة ، و جوابنا ان ذلك يرجع الى الجماعة التي يرغب الفرد أن ينتمي اليها ، ويجد نفسه و ميوله فيها ، كما أن ذلك يرجع الى قوة الجماعة و جاذبيتها و امتيازاتها و اشباعها لحاجات الافراد . و على العموم فأن هوية الملابس تثير في الآخرين افكار و مشاعر عديدة بين أبناء الجماعات ، إذ تثير الملابس احيانا الحب و الاعجاب أو الكراهية و الرفض و العداء ، مثال ذلك الرموز الدينية الاسلامية و اليهودية ، أو المسيح الكاثوليك و البروتستانت. أو ما تحمله ملابس الرياضيين من ماركات رياضية عالمية لنادي الريال مدريد و برشلونة ، حتى لو لم يكونوا اسبانيين !!
مداخلة بين نوعية الملابس و السلوك المرضي
تنعكس الطريقة التي نختار و ننتقي بها نوع ملابسنا و حلينا بحسب معتقداتنا و ميولنا ، و هذا مرده ، و بكل تأكيد على سلامة و صحة افكارنا ، و مشاعرنا نحو الاشخاص ، و الاشياء الموجودة في البيئة . فنلاحظ أن هناك اختلافات شاسعة بين الاسوياء و المرضى النفسيين . فمعظم هؤلاء المرضى ، و خاصة الذهانيين منهم ، تبدو ملابسهم غير نظامية ، و وسخة ، و ممزقة ، و لا تتلائم بما هو شائع في المجتمع الذي يعيشون فيه ، او ما هو مقبول عند شريحة معينة من الناس . و مثالهم المصابين بالفصام و تفكك التفكير و الانفعالات الذين نشاهدهم في الشوارع . في حين نجد مرضى أخرين مصابين بالهوس ، حيث نجدهم يلبسون الملابس الغريبة ، و يختارون الالوان الزاهية و غير النظامية في تناسقها و مظهرها . إلا أن مرضى اخرين كالمصابين بالهستيريا مثلا ، يحاولون جهد طاقاتهم باظهار أنفسهم في شكل جذاب و مثير للاهتمام و الرعاية و الحب ، فنجدهم مرتبين و جذابين ، ألا أن ذلك لا يمنع من أن يظهروا انفسهم بصورة غير مهندمة بغرض جذب الانتباه و العطف ، الذي يحتاجون اليه اشد احتياج . و بذلك تشكل صحتنا النفسية احد أسباب تألقنا ، و نجاحنا ، و توافقنا النفسي و الاجتماعي .
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=154908
نشرت فى 21 نوفمبر 2011
بواسطة hany2012
هـانى
موقعنـا موقع علمى إجتماعى و أيضاً ثقافـى . موقع متميز لرعاية كل أبنـاء مصر الأوفيـاء، لذا فأنت عالم/ مخترع/مبتكر على الطريق. لا تنس"بلدك مصر في حاجة إلى مزيد من المبدعين". »
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
1,772,635
ساحة النقاش