جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
مكرهة لا بطلة
ليل حالك مرّ بها وهي منشغلة على أمّها التي تمزّقها الأوجاع منذ أيام.... انتظرتْ بزوغ الفجر فربما رافقه بعض أمل في تحسّن حالها.... لكنّ الأنين بدا مثل خيوط حبل طويلة لم ينقطع.. مسحتْ العرق الذي يسيل فوق جبينها، أنفاسها تكاد لا تتجاوز قصباتها الهوائية.. حرّكتْها بقوّة وصاحت أمّي... أمّي... صعّدت نحْوها عينيْن غائرتيْن وتمتمت... ارفعيني الى الطبيب...
يبتعد الطبيب عن قريتهم النائية حوالي ثلاثين كلم... ماذا تراه سيفعل من كان في حالتها... ليس لها حلا الا سيّارة العم نجيب التقليدية التي تجاوزها ركب التطور رغم ذلك كلّما قادها بدا مثل طاووس منتفخ الريش، أسْرعتْ نحوه وكم كانت تكرهه فهو ما يفتأ يغازلها كلّما رآها حتى أنه طلب منها يوما أن تكون زوجته الى جانب الأولى.. وهي تخبره بالأمر كانت عيناه تبتلع القدّ الممشوق والخدّ الوردي وتتمعّن القامة الهيفاء والجمال الرباّني الاخّاذ دون مساحيق بل هي الطبيعة الفطريّة التي لا تحتاج زركشة ولا تلوينا...
استقلّوا السيارة الى الطبيب... رأس أمّها مرتم على صدرها، تجسّ من حين لآخر النّبض الذي كان يتأرجح بين مدّ وجزر لا يستقرّ على حال، تتصاعد من خلال تموّجه أنّات تنفطِر لها الكبد..
أُمّها... ومن لها غيرها... عندما توفّي والدها كانت في عمر الزهور... حرِصتْ على تعليمها ولم تحرِمْها حقوقها رغم الفاقة بل أرادت أن تجعل منها مثالا للبنت المثقّفة وسط عادات لا ترحم وقد ضحّت من أجلها وحيدة دون ان تُداس كرامتها...
السيّارة تسير وعيون العم نجيب الذي لا يمتلك من اسمه إلّا الحُروف تُصَوَّبُ نحْوها من حين الى آخر تلتهِمها التِهاما..
أسرعْ عم نجيب.. أُمّي مُتْعبة .. لا تتنفّس... ربما ماتت... امّي.. أجيبيني.. هل تشعرين بي.... أفيقي لمن ستترُكينني... أمّي... أمّي...
على سرير المستشفى امدّوها منهكة دون حراك.. أحاط بها الممرِّضون من كلّ جانب.. وضع الطبيب السمّاعات على صدرها... حرّكوها.. لا حياة لمن تنادي..
- هل ثمة أمل.... سألت الطبيب ودمعها يترقرق بالمآقي
- منذ متى وهي على هذه الحال؟
- منذ أيام وساءت حالها بالأمس...
نزع السمّاعة.. أخذ بِيديْها الى مكتبه ....
- هل انت وحيدتها ..
- نعم...
اسمعي بنيّتي كُوني قويّة واعلمي أنّه لكلّ أجلٍ كتاب... نحن لا نملك ضرّا ولا نفعا لأنفُسنا ولا نخلق شيئا فينا.. كوني مؤمنة ومسلِّمة لقضاء الله.. لقد ماتت أمّك.. يرحمها الله...
اعتلتْها رعشة وأصابها الدّوار وغابت عن الوجود... حين أفاقت وجدتْ نفسها بين أحْضان العمْ نجيب يرْبُت على رأسها ويسْتمْتِع بمنظر خُدودها المتورِّدة...
صالحة بورخيص
ساحة النقاش