بلغت الجهود السياسية المكثفة التي بذلها الفلسطينيون منذ ذكرى الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية في الخامس من يونيو حزيران لجذب أنظار العالم إلى قضيتهم ذروتها في بحملة لإعلان قيام دولة فلسطينية مستقلة داخل حدود عام 1967 وتكون عاصمتها القدس الشرقية وتتمتع بالعضوية الكاملة في الأمم المتحدة.
ولكن هذا المسعى يواجه معارضة قوية من إسرائيل ، بالطبع، ومن حليفتها المقربة، الولايات المتحدة.
في الأسئلة التالية وإجاباتها نستعرض الاحتمالات المرتقبة لما يمكن أن تسفر عنه المحاولة الفلسطينية.
سؤال: ما الذي يسعى إليه الفلسطينيون؟
لطالما سعى الفلسطينيون الذين تمثلهم السلطة الفلسطينية لإقامة دولة مستقلة ذات سيادة في الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، وغزة ، وهي أراض تحتلها إسرائيل منذ حرب الأيام الستة في عام 1967.
ولكن عشرين سنة من المفاوضات المتصلة والمتقطعة فشلت في إقناع الإسرائيليين والفلسطينيين بإبرام اتفاق للسلام ، وقد انهارت آخر جولة من تلك المحادثات قبل عام.
وفي العام الماضي بدأ المسؤولون الفلسطينيون في انتهاج استراتيجية دبلوماسية جديدة وهي حث الدول بشكل منفرد على الإعتراف بدولة فلسطينية داخل حدود عام 1967.وهم الآن يرغبون في أن تعترف الأمم المتحدة بتلك الدولة كعضو كامل في المنظمة الدولية.
وفي الوقت الحالي تتمتع منظمة التحرير الفلسطينية بوضع المراقب في الأمم المتحدة ، ولكن وضع الدولة الكاملة يحمل نتائج دبلوماسية بالغة الأهمية، إذ سيصبح بمقدور الدولة الفلسطينية الوليدة حضور جلسات الجمعية العامة والتصويت فيها والمشاركة في الهيئات والوكالات التابعة للأمم المتحدة والتوقيع على المعاهدات الدولية والمشاركة في الأنشطة القانونية للأمم المتحدة ومن الحق في الاحتكام إلى محكمة الجزاء الدولية ومحكمة العدل الدولية ، حيث سيكون بوسعهم مقاضاة إسرائيل بسبب احتلالها لأراضيهم.
سؤال : ماهو الإجراء المعتاد في مثل تلك الحالات؟
هناك إجراء بسيط ومعروف للإنضمام إلى عضوية الأمم المتحدة ، ويبدأ في المشاورات السنوية للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك والتي تبدأ عادة في الحادي والعشرين من سبتمبر /أيلول من كل عام.
ويحتاج الفلسطينيون إلى موافقة مجلس الأمن الذي يضم 15 دولة، ويتعين أن يوافق المجلس على الطلب الفلسطيني بأغلبية تسعة أعضاء من الدول الخمس عشرة الأعضاء في المجلس وبشرط عدم اعتراض أي من الدول الخمس صاحبة العضوية الدائمة وصاحبة حق الإعتراض "الفيتو" وهي الولايات المتحدة وروسيا وبريطانيا وفرنسا والصين .
وإذا وافق المجلس فإنه يرفع توصية بذلك إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، وهذه التوصية تخضع للتصويت من جانب الدول الأعضاء في الجمعية العامة وعددها 193 دولة، ويتعين أن توافق أغلبية الثلثين من تلك الدول على التوصية لتتحول إلى قرار تصدره الجمعية العامة بقبول الدولة الجديدة كعضو كامل في الامم المتحدة.
ويعتقد الفلسطينيون أن أغلبية الثلثين من الدول الأعضاء في الجمعية العامة سوف تؤيد طلبهم للإنضمام إلى الأمم المتحدة.
وتكون الخطوة الأولى في تلك العملية هي طلب يقدمه رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية محمود عباس إلى السكرتير العام للأمم المتحدة بان كي مون.
ثم يرفع بان كي مون الطلب إلى مجلس الأمن الذي يشكل لجنة لدراسة الطلب والتأكد من استيفائه الشروط الشكلية والقانونية وإعداده للتصويت في المجلس.
ومن شبه المؤكد أن كلا من فرنسا وبريطانيا ستمتنعان عن التصويت ، لإن كلا منهما لا تستطيع الموافقة على قيام دولة لا تعترف بها كل من باريس ولندن بصورة فردية.
وفي حالة استخدام الولايات المتحدة لحق النقض "الفيتو"، كما هو متوقع ، أو عدول الفلسطينيين عن المطالبة بالعضوية الكاملة ، سيظل بوسع المجلس تقديم ما يسمى مشروع قرار للجمعية العامة للتصويت عليه.
هذا التصويت يمكن أن يتم في غضون 48 ساعة من تقديم مشروع القرار ، ولكن من المرجح إرجاء التصويت إلى ما بعد انتهاء أعمال اجتماع الجمعية العامة في أواخر سبتمبر/ أيلول أو أوائل أكتوبر / تشرين الأول القادم.
ومن شأن هذا الإرجاء إتاحة مزيد من الوقت لإجراء المشاورات الخاصة بصياغة القرار بصورة تضمن له أكبر قدر ممكن من التأييد بين أعضاء الجمعية العامة، وخاصة من الدول الأوروبية. وفي هذه الحالة فإن الموافقة على القرار لا تتطلب أكثر من الأغلبية البسيطة للدول المشاركة في جلسة التصويت ، ولا يكون هناك مجال لاستخدام حق الفيتو على مثل هذا القرار.
سؤال : كيف ستكون صيغة القرار؟
سيطلب القرار تأييد طلب الفلسطينيين في الإنضمام لعضوية الأمم المتحدة بوضع "دولة مراقبة غير عضو" وهو ترقية لوضع "المراقب" الذي تتمتع به منظمة التحرير الفلسطينية في الوقت الراهن.
والمعروف أن الدولة المراقبة غير العضو في الوقت الحاضر هي الفاتيكان، وسبق أن تمتعت سويسرا بمثل هذا الوضع لسنوات طويلة في الماضي قبل أن تحصل على العضوية الكاملة.
ومن شأن هذا النوع من العضوية زيادة فرص الفلسطينيين في الانضمام لمنظمات ووكلات الأمم المتحدة ومحكمة الجزاء الدولية، وإن كانت مثل هذه الاستحقاقات لا تتم بصورة أوتوماتيكية أو مضمونة ، وتكون مرهونة في أغلب الأحوال بموافقة الدول ذات العضوية الكاملة.
أيضا فإن الفلسطينيين يتساءلون فيما بينهم عما إذا كان وضع الدولة المراقبة غير العضو سيتاح فيه تمثيل الفلسطينيين في الشتات أو في معسكرات اللاجئين على نحو ما هو قائم في وضع المراقب الذي تتمتع به منظمة التحرير الفلسطينية.
أيضا يقول المراقبون إن من العناصر التي يمكن أن يتضمنها قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة النص على عدد الدول التي اعترفت بالدولة الفلسطينية ، وهي 126 دولة حتى الآن حسبما يقول المندوب الفلسطيني في الأمم المتحدة، وكذلك مناشدة لمجلس الأمن لمنح العضوية الكاملة لدولة فلسطين.
كما يمكن أن يتضمن القرار معالم تحدد مسيرة مفاوضات السلام بين الفلسطينيين وإسرائيل في المستقبل.
وبوسع الفلسطينيين أن يختاروا بين المضي في مسار مجلس الأمن أو مسار الجمعية العام ، أو كليهما معا.
وقد أعلن وزير خارجية السلطة الفلسطينية رياض المالكي أن الموعد النهائي المحدد لمحمود عباس كي يتخذ قراره هو 23 من سبتمبر أيلول وقبل أن يلقي كلمته أمام الجمعية العامة.
سؤال : هل سيكون قرار الأمم المتحدة ذا قيمة رمزية أم أنه سيغير الحقائق القائمة على الأرض؟
الحقيقة أن اعتراف الأمم المتحدة بدولة فلسطينية قائمة داخل حدود عام 1967 سيكون ذا قيمة رمزيه إلى درجة كبيرة، وذلك تأسيسا على أن القرارات التي سبق أن أصدرتها الأمم المتحدة عجزت حتى الآن عن تحقيق أي تقدم ملموس على الأرض لصالح الفلسطينيين.
فهناك بالفعل قرار مجلس الأمن رقم 242 الذي صدر عقب حرب الأيام الستة وطالب بضرورة "إنسحاب القوات المسلحة الإسرائيلية من أراض احتلت خلال الصراع الأخير".
وبالرغم من أن إسرائيل تطعن في المعنى الدقيق لصياغة نص القرار، إلا أن هناك إجماعا دوليا واسعا على أن حدود ما قبل 1967 ينبغي أن تكون هي الأساس لأي تسوية سلمية للصراع العربي الإسرائيلي.
ولكن مشكلة الفلسطينيين هي أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو يرفض الإعتراف بتلك الحدود كأساس للمفاوضات.
وعندما دعا الرئيس الأمريكي إلى اعتبار حدود عام 1967 مرجعا للمفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين وصف نتنياهو الفكرة بأنها "غير واقعية" وقال إن تلك الحدود "لا يمكن الدفاع عنها". ويقول نتنياهو إن حقائق جديدة استحدثت على الأرض منذ 1967 وأهمها أن نحو نصف مليون اسرائيلي يعيشون الآن في أكثر من 200 مستوطنة في الضفة الغربية والقدس الشرقية.
ويذكر أن المفاوضات السابقة تناولت إمكانية تبادل الأرض بين الفلسطينيين والأسرائيليين لحل تلك المعضلة.
ويدفع الفلسطينيون بأن السماح لفلسطين بالحصول على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة سيكون من شأنه تعزيز قبضتهم في المفاوضات مع إسرائيل خاصة في قضية الوضع النهائي، وهي أصعب القضايا الشائكة التي لطالما أحبطت جولات المفاوضات السابقة بين الجانبين.
ويضم ملف الوضع النهائي قضايا مثل وضع القدس ومصير المستوطنات اليهودية وترسيم الحدود وحق العودة للاجئين الفلسطينيين وتقسيم المياه والمسؤوليات الأمنية.
وتقول إسرائيل إن أي ترقية لوضع الفلسطينيين في الأمم المتحدة ستكون بمثابة عمل أحادي الجانب ويعني إخماد أي أمل في إجراء مفاوضات الوضع النهائي.
لماذا يحدث ذلك الآن؟
السبب الرئيسي هو حالة الجمود في مفاوضات السلام. ومع ذلك فإن الفلسطينيين يقولون إن مشروعهم في الأمم المتحدة سيصادف حلول الموعد النهائي لاستحقاق سياسي متفق عليه.
ذلك أن اللجنة الرباعية للسلام في الشرق الأوسط والتي تضم كلا من الولايات المتحدة وروسيا والأمم المتحدة والإتحاد الأوروبي ، كانت قد تعهدت بالوصول إلى اتفاق بين إسرائيل والفلسطينيين على مبدأ حل الدولتين بحلول سبتمبر/ أيلول الجاري.
كذلك كان الرئيس الأمريكي باراك أوباما قد أعرب عن أمله في أن يتسنى للأطراف المعنية بالصراع في الشرق الأوسط الوصول إلى حل للصراع في الشرق الأوسط بحلول ذات الموعد النهائي.
ويقول رئيس الوزراء في السلطة الفلسطينية سلام فياض إن الجانب الفلسطيني قد انتهى بنجاح من إنشاء مؤسسات الدولة وبات جاهزا لإعلان الدولة.
ولا يقل أهمية عن ذلك إعلان كل من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي أن البنيان الإقتصادي للأراضي الفلسطينية يصلح كأساس إقتصادي لدولة مستقلة.
كما أن الثورات العربية التي اندلعت مؤخرا يبدو أنها قد ضخت زخما جديدا في عروق الرأي العام الفلسطيني، وطالب المسؤولون الفلسطينيون مؤسسات المجتمع المدني في أراضيهم بتنظيم احتجاجات سلمية ومظاهرات تؤكد مساندتهم لمطلب إعلان الدولة الفلسطينية.
سؤال: كيف تختلف هذه المحاولة عن سابقاتها؟
في عام 1988 أعلن الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات من جانب واحدة قيام دولة فلسطينية داخل حدود عام 1967. وحظيت تلك الدولة باعتراف نحو مائة دولة من مختلف أنحاء العالم ، وكان من بينها كل الدول العربية ودول شيوعية في ذلك الوقت ودول مجموعة عدم الإنحياز وكثير منها في أمريكا اللاتينية.
أما اعتراف الأمم المتحدة بفلسطين كدولة مستقلة ذات سيادة فستكون له نتائج أخطر بكثير من اعتراف الدول ، لإن الأمم المتحدة هي المنظمة الدولية صاحبة الكلمة العليا في السياسة الدولية كما أنها مصدر للسلطة في عرف القانون الدولي.
سؤال من يؤيد ومن يعارض المسعى الفلسطيني في الأمم المتحدة؟
استطلاعات الرأي الأخيرة تشير إلى أن المسعى الفلسطيني يحظى بتأييد معظم الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، ولكن هناك حماسا أقل لهذه الخطوة في معسكر حركة حماس التي تحكم قطاع غزة.
وبعد اتفاق المصالحة الفلسطيني الأخير أعلن قادة حماس قبولهم لحقيقة أن هناك إجماعا واسعا على مطلب إنشاء دولة فلسطينية داخل حدود عام 1967، ولكنهم ما زالوا يؤكدون رفضهم الإعتراف بإسرائيل. بل إن بعض الأصوات القوية داخل حماس أعلنت رفضها للتوجه إلى الأمم المتحدة. وقال المتحدث باسم الحركة محمود الزهار في شهر يوليو/ تموز الماضي إنه "يعتبر هذه الخطوة فضيحة سياسية".
وعلى المستوى الإقليمي أعلنت جامعة الدول العربية موافقتها وتأييدها الكاملين للخطوة الفلسطينية.
وكان طبيعيا أن ترفض إسرائيل الخطوة الفلسطينية ، وقال رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو أمام جلسة مشتركة لمجلسي الشيوخ والنواب في الكونجرس الأمريكي في شهر مايو أيار الماضي إن "السلام لا يتحقق إلا على طاولة المفاوضات، والمحاولة الفلسطينية لفرض تسوية لن تجلب السلام".
وحذر مسؤولون إسرائيليون من أن أي محاولة لإعلان دولة فلسطينية في الأمم المتحدة سيكون ثمنها إنهاء عملية السلام. كما يشعر الإسرائيليين بالقلق من أن عضوية الفلسطينيين المحتملة في المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي قد تؤدي إلى ملاحقة مسؤولين إسرائيليين باتهامات جرائم حرب، فضلا عن اعتقادهم بأن عضوية فلسطين في الأمم المتحدة قد تؤدي إلى وقوع المزيد من حوادث العنف في الضفة الغربية.
وبلغ الخوف الإسرائيلي درجة أن المستوطنين اليهود في الضفة الغربية تلقوا تدريبات عسكرية لمواجهة مثل هذا السيناريو المحتمل.
كما انضمت الولايات المتحدة بقوة إلى إسرائيل في محاولة لإثناء الفلسطينيين عن عزمهم الذهاب إلى الأمم المتحدة والعودة إلى المفاوضات، والتي سبق وأن خرجت عن مسارها بسبب الخلاف حول قضية المستوطنات اليهودية.
وفي خطاب أخير حول قضايا الشرق الأوسط أعرب الرئيس الأمريكي باراك أوباما عن معارضته للخطوة الفلسطينية ووصفها بأنها "عمل رمزي يستهدف فرض العزلة على إسرائيل في الأمم المتحدة".
وأرسل البيت الأبيض اثنين من مبعوثيه إلى المنطقة لمحاولة إقناع الفلسطينيين بالعدول عما يخططون له ، ولكن الفلسطينيين قالوا إن الأمريكيين لم يطرحوا بديلا يمكن الاعتماد عليه كأساس للحل.
وقد اعترفت تسع من الدول السبع والعشرين الأعضاء في الإتحاد الإوروبي بدولة فلسطين داخل حدود 1967 . والدول الأخرى تنظر للأمر بكثير من التعاطف ، ولعل ذلك يعزى إلى شعور تلك الدول بالإحباط من مواقف حكومة نتنياهو من محادثات السلام وما ترى أنه عناد من تلك الحكومة في قضية المستوطنات.
وقد تقرر كل من بريطانيا وفرنسا وألمانيا تأييد قرار الجمعية العامة بقبول عضوية فلسطين في الأمم المتحدة ولكن ذلك سيكون مرهونا بأن يتضمن القرار خريطة طريق تضمن إعادة الأطراف إلى مائدة المفاوضات.
الأمر المؤكد أن الأيام القليلة القادمة ستشهد نشاطا دبلوماسيا مكثفا من جانب كل من الفلسطينيين والإسرائيليين للفوز بتأييد أكبر عدد من الدول قبل اليوم الكبير الذي سيقدم فيه محمود عباس طلب انضمام فلسطين إلى الأمم المتحدة.
ساحة النقاش