جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
بعد الثورة تعرضت عقولنا لسيل من محاولات غسيل الدماغ، نعم غسيل الدماغ استغلالا للحالة النفسية الناشئة عن الثورة، تلك الحالة التي تجعل المرء مستعدا لتغيير بعض قناعاته نظرا لما حدث من انقلاب في الأوضاع السياسية ، انقلاب جعل الرئيس المتمكن في مقعد الحكم طيلة ثلاثين عاما مجرد متهم نائم على سرير المرض داخل قفص الاتهام، هذا الانقلاب لم يكن سياسيا فحسب بل صاحبه بالضرورة اهتزاز نفسي لبعض المفاهيم، اهتزاز طبيعي لا بد أنه يصحب أي تغيير كبير ومفاجئ.
كان يمكن أن تمر هذه الحالة بسلام، بمعنى أن يعود الناس إلى توازنهم ويعيدوا بناء مفاهيمهم الجديدة على أسس المرحلة الجديدة، كان هذا يتطلب دعما من ذوي الفكر والقدرة على التأثير، وكان هذا هو دور الإعلام، باعتباره القادر على الوصول إلى الناس، ولكن ما حدث كان هو العكس.
لقد عمل الإعلام على استغلال حالة الاهتزاز الطبيعية في نفوس الناس ليقوموا بعملية غسيل للأدمغة، يحولون من خلالها الباطل إلى حق، يغيرون معاني الأشياء ليتحول الإعلام إلى الإيهام، بدلا من صناعة العلم، إلى صناعة الوهم.
تحلى صناع الوهم بمهارات عديدة واستخدموا طرقا مختلفة حتى وصلنا إلى هذه المرحلة الخطيرة، مرحلة الترويج للعصيان.
ماذا يعني العصيان المدني؟ بالنسبة لصناع الوهم: وسيلة مشروعة للمقاومة السلمية، وسيلة مشروعة لمحاربة النظام الإخواني الذي يحاول السيطرة على البلد، وسيلة لتحقيق العدالة الاجتماعية المفقودة، فنحلم إذن بالأموال الطائلة، والوظائف الكثيرة والتخلص من أعدائنا الإخوان الذين نهبوا البلد، كل ما علينا هو: إغلاق محلاتنا، وإيقاف مصانعنا، وإبقاء أبنائنا في المنازل لتتوقف المدارس، كل ما علينا هو التمتع بإجازة مفتوحة من أعمالنا التي سئمناها والتسمر أمام شاشات التليفزيون التي عشقناها، ومن يتحلى منا بقدر من الشجاعة عليه أن ينزل إلى الشارع ليغلق الطرقات، ويوقف القطارات ويمنع أولئك المخربين الذي يفكرون في الذهاب إلى أعمالهم!!!
وفي خضم هذه الأوهام تغيب الحقيقة الناصعة ويكاد الناس ينسون أكثر الأمور بديهية، وكأنهم فقدوا عقولهم، التوقف عن العمل يعني التوقف عن قبض الرواتب، يعني انهيار الاقتصاد وفقدان الوظائف القائمة ، وفقدان الامل في أي وظائف جديدة، يعني الخراب والانهيار، هذه البديهيات لا مكان لها في قاموس صناع الوهم وبالتالي فهي تنحصر بالتدريج من عقول ضحاياهم، كيف ينجح أولئك السحرة في تحقيق أهدافهم الشيطانية؟ كيف يحولون الصواب إلى خطأ والخطأ إلى صواب؟ إنها اللغة أداتهم السحرية، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن من البيان لسحرا" اللغة يمكنها أن تحدث هذا الانقلاب في عقول الناس، ولنسمع إلى بعض برامجهم وكيف يستخدمون الكلمات، تجد المذيع يسأل المراسل عن حجم المشاركة في العصيان، فيجيب المراسل بأن حجم المشاركة في العصيان كبير في المنطقة الفلانية، ثم ينتقل إلى مكان آخر، فيسأل المراسل نفس السؤال" فيتحدث المراسل عن نية النشطاء للدعوة إلى العصيان، وعن قرارتهم بالتصعيد، فيعاود المذيع السؤال عن شكل التصعيد المرتقب؟ فيجيب المراسل بأن هناك مشاورات وحوارات لتدارس أشكال التصعيد المرتقب!
أنا كمشاهد ماذا سيكون رد فعلي الشعوري وغير الشعوري من هذا الكلام؟ أولا: ستصبح فكرة العصيان فكرة مطروحة وشيئا فشيئا تصبح فكرة مقبولة بل ومسلم بها، فقط السؤال عن مدى تلك الفكرة فقط السؤال عن الخطوات التالية التصعيد، التصعيد المرتقب ينبغي أن يخشاه الجميع، ويقفون خافضي الرؤوس في استسلام ينتظرون قرارات الداعين للتصعيد، وهنا يتسلل إلى النفس شعور خفي بالإعجاب: الإعجاب بهؤلاء النشطاء الذين يجعلون مجتمعا بأسره يقف في تخاذل ينتظر شكل التصعيد، إذن فهذا النمط الباهر من السلوك ال"إيجابي" المؤثر جدير بالاقتداء فلماذا لا أكون أنا واحدا من هؤلاء النشطاء، في مكان عملي، لعلي أكون أنا أيضا واحدا من هؤلاء الذين تطاردهم أضواء الإعلام؟ وأنا لن أسأل نفسي عن صواب أو خطأ هذه الدعوة إلى العصيان، وعن ما إذا كانت قانونية أم لا؟ فهذا أمر بعيد كل البعد عن بؤرة الاهتمام بدليل أنني لم أسمع في هذه البرامج أي تركيز على هذه النقطة، كما أنني لن أتوقف أبدا عند أثر ما سأدعو إليه على المجتمع على المصنع الذي أعمل فيه أو المدرسة أو المؤسسة، فالوقت الآن وقت العصيان
ساحة النقاش