بقلم: أمل خيري

في ظل الكوارث الطبيعية التي تتعرض لها كثير من بقاع الأرض، أصبحت مخيمات اللاجئين مشهداً مألوفاً في نشرات الأخبار، ونشطت العديد من الهيئات التطوعية لإغاثة منكوبي المناطق المتضررة سواء من جراء فيضانات أو زلازل أو غيرها، إلا أن الجديد اليوم ظهور "معسكر الكوارث" Crisis Camp الذي يقوم على فكرة توفير الحلول التكنولوجية لإغاثة المتضررين ومساعدة الضحايا في المناطق المنكوبة.

وتعتبر شبكة Crisis Camp شبكة شعبية عالمية تجمع بين مبرمجين وخبراء أزمات وكوارث بهدف تطويع تكنولوجيا الاتصالات في جهود الإغاثة، بدأت هذه الشبكة في مارس 2009، بجهود 250 متطوع، حتى انتشرت في أكثر من عشرة بلدان بفضل الاستفادة من مواقع الشبكات الاجتماعية كالفيس بوك وتويتر، ليصل عدد متطوعيها لـ 1500 متطوع يحاولون تطوير أدوات ونماذج أولية لتدريب الأفراد والمؤسسات على كيفية استخدام أدوات التكنولوجيا للمساعدة في الاستجابة للأزمات والكوارث، وكذلك لخدمة قضايا التنمية على مستوى أشمل.

من الاختراق للتطوع

في مطلع عام 2010 نجح مؤسسو الشبكة في الشراكة مع مركز وودرو ويلسون الدولي للباحثين (وهو مركز دراسات أمريكي تأسس عام1968 ، يهتم بالشئون الداخلية والخارجية ويجتذب الباحثين من جميع أنحاء العالم)، في إطار منحة مقدمة من مؤسسة ألفريد بي سلون (وهي مؤسسة أمريكية تقدم منحا لدعم البحوث ذات الصلة بالعلوم والتكنولوجيا، تأسست عام1934)، وخلال هذا العام فقط شاركت المخيمات في جهود الإغاثة لمتضرري زلزال هاييتي في يناير 2010، ثم زلزال شيلي في فبراير، يليها كارثة تسرب النفط في خليج المكسيك في أبريل، وكانت آخر الجهود في باكستان عقب فيضانات يوليو الأخيرة. وفي كل مرة كانت المخيمات تجتمع عبر الانترنت باستخدام وسائل الإعلام الاجتماعية، وكان السؤال الذي يطرح كل مرة "كيف يمكن أن تشارك في الإغاثة بوسائل مبتكرة وخلاقة غير الاقتصار على جمع التبرعات فقط؟".

في البداية استجاب أفراد من المهووسين بالتكنولوجيا خاصة من الهواة والمحترفين لاختراق البرامج والأنظمة الحاسوبية أو المتسللين (الهاكرز)، فتم استثمار إبداعاتهم وتوجيهها نحو ابتكار برمجيات تفيد المتضررين والمنكوبين، ثم انضمت اليهم مؤسسات غير ربحية، ومنظمات غير حكومية، وهيئات أكاديمية، بل وشركات من القطاع الخاص. وأغلب هؤلاء المتطوعين يشاركون عبر الانترنت فقط من منازلهم، والبعض شارك فعليا على الأرض.

مثَّل زلزال هايتي التحدي الأول فقام على الفور هيذر بلانشر مؤسس شبكة Crisis Camp بالدعوة لمؤتمر عالمي للمتطوعين، وبالفعل عقد أول مؤتمر عقب الزلزال بأربعة أيام فقط في واشنطن، تلاه عدة مؤتمرات في ولايات أمريكية أخرى. وكان مفتاح نجاح هذه المؤتمرات التنظيم الجيد والاستخدام الفعال لوسائل الإعلام الاجتماعية، وقام المتطوعون بإنشاء موقع الكتروني  خاص بالشبكة وكذلك موسوعة مفتوحة المصدر (ويكي)

خريطة الشوارع المفتوحة

ومن أهم النماذج المبتكرة تطوير خريطة الشوارع المفتوحة التفاعلية  "OpenStreetMap "، وهي عبارة عن برمجيات مفتوحة المصدر معتمدة على قاعدة بيانات دقيقة حول مناطق هاييتي، عمل المتطوعون على رقمنة ملفات الخرائط وإضافة واستبدال أسماء الشوارع، وبالفعل استفادت هيئات الإغاثة من هذه الخرائط على أرض الواقع لتيسير تنقل شاحنات الإغاثة حول عاصمة هاييتي والمناطق المنكوبة، حيث قدم المتطوعون خرائط آنية ودقيقة لمدينة بورت أوبرنس، كما أنشأوا موقع  iMapHaiti وهو موقع الكتروني تفاعلي يعتمد على الفيديو لتقديم شرح واف لكيفية التعامل مع خريطة الشوارع المفتوحة.

وخريطة الشوارع المفتوحة عبارة عن خريطة عالمية حرة قابلة للتحرير والتعديل من قبل جميع متصفحي الانترنت، طُورت بالتعاون بين شبكة Crisis Camp وشركتي مايكروسوفت وجوجل، حيث يسمح للجميع بعرض وتحرير واستخدام البيانات الجغرافية بطريقة تعاونية من أي مكان على الأرض، فيمكن للجميع كتابة أسماء الشوارع وأرقام المنازل والمعالم الرئيسية في الأحياء.

البحث عن المفقودين

أما ثاني النماذج التطبيقية فتمثلت في خدمة البحث عن المفقودين، حيث عمل المتطوعون على تطوير قاعدة بيانات مبسطة عبر الانترنت للبحث عن المفقودين،  نجحت في العثور على كثير من الأشخاص الذين كانوا في عداد المفقودين، وذلك باستخدام قاعدة بيانات جوجل للبحث عن المفقودين " People Finder"، والتي يتم فيها تجميع بيانات من تقارير النيويورك تايمز، والسي إن إن، وتطبيقات الفيس بوك، وتقارير الصليب الأحمر، وتقارير رسائل المحمول النصية التي تم تخصيصها للإبلاغ عن المفقودين أو العثور على ناجين.   وعمل بعض المتطوعين كذلك على تطوير برمجيات لترجمة تطبيقات الهواتف المحمولة إلى لغات محلية حتى يتمكن المنكوبين من استخدام هذه التطبيقات التي قد تساعدهم في النجاة، كما عملوا على إضافة الصور والعلامات الواضحة حتى يتمكن الأميون والأطفال أيضا من استخدام هذه البرمجيات عند حدوث مشكلة في الاتصال.

وعلى نفس المنوال طور بعض المتطوعين تطبيق "أنا بخير" ‘I’m OK’، وهو عبارة عن تطبيق للهواتف المحمولة يسمح للشخص بطمأنة أصدقائه وأقاربه على سلامته في حالات الطوارئ والكوارث. ففي حالة وقوع كارثة في المناطق الحضرية يهرع الجميع للاتصال بذويهم مما يتسبب في بطء الاتصالات وفي كثير من الأحيان انقطاع الاتصال وعدم إتاحة الشبكات، وتطبيق ‘I’m OK’ ييسر هذا الإجراء من خلال إرسال رسالة نصية لا تستغرق سوى جزء صغير من سعة تدفق أو نقل البيانات (Bandwidth) المطلوبة للمكالمات الصوتية، وبالتالي تكون آمنة وسريعة ولا تسبب ضغط على الشبكات، ما عليك سوى تحميل هذا التطبيق على هاتفك المحمول وحين وقوع اى كارثة لا قدر الله تقوم بتشغيل التطبيق فيرسل رسالة نصية تحمل عبارة "أنا بخير" للرقم المسجل لديك.

تبادل مواد الإغاثة

مبادرة "We Have We Need" أحد نتائج عمل شبكة Crisis Camp، وهي عبارة عن منتدى الكتروني تم تخصيصه لتبادل المعلومات حول مواد الإغاثة المتوفرة والمطلوبة بين المناطق المنكوبة، حيث يمكن الإبلاغ عن احتياجات أي منطقة منكوبة سواء من أغذية أو مواد طبية أو وقود أو كساء أو مأوى أو اتصالات أو حتى متطوعين، وذلك حتى تقوم مؤسسات الإغاثة بتوفير هذه الاحتياجات وإيصالها للمحتاجين فورا، وفي الوقت نفسه يمكن للمتطوعين المتواجدين في مناطق أخرى بها مواد إغاثة زائدة عن الحاجة الإبلاغ عن هذه المواد لنقلها إلى المناطق التي تحتاجها.

ومن بين التطبيقات التي طورها المتطوعين أداة Tweak the Tweet، وهي عبارة عن مشروع يهدف لبناء شبكة تعاون بين المتطوعين من مستخدمي تويتر لجمع أي مشاركات خاصة بزلزال هاييتي عبر إدخال تعديلات برمجية بسيطة، لمساعدة هيئات الإغاثة في الحصول على معلومات منظمة ودقيقة حول المنكوبين أو الضحايا، وكانت هذه الأداة فعالة في تمكين مواطني الولايات المتحدة من التواصل مع أقربائهم في هاييتي الذي كانوا يعتبرونهم في عداد المفقودين.

كما طور المتطوعون أيضا بروتوكول تحكم يهدف للبحث عن أفضل نقطة لاسلكية بين مخيمات اللاجئين، وعبر برامج تشغيل بسيطة يمكن التعرف على أفضل الأوقات والأماكن لإجراء الاتصالات بكفاءة باستخدام تقنيات الواي فاي لمسافات تتعدى الكيلومترات، وقدمت الشبكة كذلك مبادرة "أصوات من هاييتي" وهي مساحة افتراضية يروي فيها الناجون من الزلزال قصصهم، ويتبادلون الخبرات.

وأقامت شبكة Crisis Camp العالمية روابط وصلات مع الجماعات التكنولوجية المحلية الناشطة في شيلي بغرض تشجيع المزيد من العمل التطوعي من خلال مبادرة Digitales" para Chile".

مراسلو النفط

في أعقاب حادث تسرب النفط في خليج المكسيك في ابريل الماضي تعاون متطوعو شبكة Crisis Camp في تطوير تطبيق يتم تحميله على أجهزة المحمول والآي فون بعنوان  OilReporter، ويقوم على فكرة بسيطة جدا، وهي أن يشارك الناس ما يلتقطونه من صور وفيديو حول التسرب النفطي مع الجميع، بحيث يقوم كل شخص توافرت لديه معلومات حول وجود بقع من الزيت أو تضرر كائنات الحياة البرية أو البحرية، فيلتقط صورا بكاميرا المحمول أو مقاطع فيديو ويقوم برفعها مباشرة على خريطة تفاعلية بعد أن يحدد إحداثيات الموقع الذي التقط منه الصور أو الفيديو، وهذا التطبيق سمح بالتعرف على الأضرار الناتجة عن التسرب النفطي في المناطق النائية وغير المأهولة بالسكان بحيث يمكن احتواء الآثار بسرعة، وكان هذا المشروع ثمرة تعاون بين جوجل إيرث و Crisis Camp.

وأثناء فيضانات باكستان الأخيرة طور بعض المتطوعين تقنيات "Ushahidi" و"Crowdmap" و" SwiftRiver " وهي عبارة عن منصات تسمح لأي شخص بجمع المعلومات والصور ومقاطع الفيديو المتبادلة عبر البريد الإلكتروني، والرسائل القصيرة على شبكة الإنترنت وتحويلها لملفات مصورة يتم وضعها على الخرائط التفاعلية، بحيث يمكن مشاهدتها على الفور على أجهزة الكمبيوتر أو الهواتف الذكية، وبذلك يمكن أن يساهم الإعلام المحلي أو المواطن الصحفي في صنع الأخبار في الكوارث، فما على المستخدم سوى تحميل التطبيق على هاتفه وإذا تصادف تواجده في مكان كارثة يستطيع التقاط الصور للأضرار أو المنكوبين ورفعها على الخريطة مباشرة ليتعرف المتطوعون ومؤسسات الإغاثة على الأماكن التي تحتاج لإمدادات أو جهود إغاثة.

في الوقت نفسه طور بعض المتطوعين برنامجا آخر بعنوان Sahana، وهو تطبيق حر مفتوح المصدر لنظام إدارة الكوارث، يعالج مشاكل التنسيق بين المتطوعين والعاملين في الإغاثة في المناطق المنكوبة للمساعدة في العثور على المفقودين، وإدارة المعونات الإغاثية، وتوجيه المتطوعين، وتتبع فعالية الخدمات المقدمة للضحايا والمتضررين.

وقد نجح البرنامج في تخفيف المعاناة الإنسانية لمتضرري فيضانات باكستان عن طريق تنسيق الجهود التطوعية، وإمكانية تطوير البرنامج بأيدي المتطوعين ليلائم الاحتياجات الفعلية أولا بأول، ويتشابه معه برنامج "FrontlineSMS" الذي يسمح بإرسال رسالة نصية مع مجموعات كبيرة من الناس المتواجدين في مكان تلقي الإشارة، بحيث يرسل المتطوع أو أحد الضحايا رسالة نصية يتلقاها أي شخص في النطاق سواء كان فردا أو عضوا في هيئة إغاثية أو منظمة حكومية وبالتالي يمكن تسريع جهود الإنقاذ.

وفي الخامس والعشرين من سبتمبر الماضي احتفل متطوعو شبكة Crisis Camp باليوم العالمي لمعسكر الكوارث، ويسعى مؤسسو الشبكة للانتقال من نموذج المعسكرات الافتراضية إلى بناء مشاريع مستدامة لتفعيل التكنولوجيا في خدمة التنمية.

 

<!-- Facebook Badge START -->غراس للتنمية المستدامة
<!-- Facebook Badge END -->

ghiras

Amal Khairy researcher

ساحة النقاش

krsteen
<p><strong>في البداية استجاب أفراد من المهووسين بالتكنولوجيا خاصة من الهواة والمحترفين لاختراق البرامج والأنظمة الحاسوبية أو المتسللين (الهاكرز)، فتم استثمار إبداعاتهم وتوجيهها نحو ابتكار برمجيات تفيد المتضررين والمنكوبين، ثم انضمت اليهم مؤسسات غير ربحية، ومنظمات غير حكومية، وهيئات أكاديمية، بل وشركات من القطاع الخاص. وأغلب هؤلاء المتطوعين يشاركون عبر الانترنت فقط من منازلهم، والبعض شارك فعليا على الأرض</strong></p> <p>&nbsp;</p> <p><strong>الله جميل جدا ان الواحد يشارك فى عمل انسانى بدون مقابل </strong></p> <p>&nbsp;</p> <p><strong>والاجمل انوا يخططلوا كويس وبشكل مبادر ومبتكر فيه</strong></p> <p>&nbsp;</p> <p><strong>لا استطيع ان اتكلم اكثر من ذلك بل اقف وارفع القبعه واحنى راسى.</strong></p>

عدد زيارات الموقع

127,381