Eng. Ahmed Mohamed Said

تقديم أعلى مستوى للتدريب


‮(‬لأول مرة في التاريخ نري شعبا يقوم بثورة ثم ينظف الشوارع بعدها‮).. ‬ذلك كان تعليق إذاعة‮ "‬السي إن إن‮" ‬العالمية علي ثورة‮ ‬25‮ ‬يناير‮.. ‬وهو تعليق جاء ضمن سيل من التعليقات العالمية علي الثورة المصرية للإشادة بها وبمطالبها المشروعة‮.. ‬وما تقدمه‮ "‬الأخبار‮" ‬في هذا الحوار مع أحد أبناء شباب ثورة‮ ‬25‮ ‬يناير سيكون مثار اهتمام المعلقين وربما يكون التعليق عليه‮ (‬انه لأول مرة في التاريخ نري شعبا يقوم بثورة ثم يحلل خطب رئيسه السابق‮)..!‬
في هذا الحوار نقرأ أول تحليل علمي للخطابات الثلاثة يكشف لنا أسرار فشلها وانصراف الجماهير عنها‮.. ‬ولماذا كانت عقيمة عن الفعل وسربت إحساسا بالاستعلاء علي الجماهير والاستهانة بها وبمطالبها‮.. ‬وكانت سببا مباشرا في إصرار الثورة علي مطالبها وتأكدها من نية الرئيس السابق في اختطاف السلطة حتي لو ضحي بمستقبل الوطن‮! ‬من هنا أصر الشعب علي المطالبة بتغيير النظام برمته‮.‬
‮ ‬وتحليل الخطاب علم يدرس بالجامعات ويعمل عليه خاصة القائمون بالشأن السياسي لدراسة بنية فكر وعقل قائل الخطاب ورسائله‮.. ‬من هنا لم يفوت شبابنا فرصة تلقي خطب الرئيس السابق الثلاثة وتحليلها وتقديمها لرجل الشارع حتي يعرف بنية وفكر حكام ما قبل الثورة‮.. ‬وهذا التحليل هو دراسة التزمت بالعلمية وستأخذ طريقها للنشر في كتاب قريبا‮.. ‬وكان للأخبار فرصة الالتقاء بمن قام بالدراسة والتحاور معه وهو الباحث الشاب أحمد عبدالحميد النجار المدرس المساعد بآداب عين شمس والباحث في تحليل الخطاب وهو احد شباب ثورة‮ ‬25يناير‮..‬
‮<<............................................‬؟
‮< ‬الملاحظة الأولية التي قد تبدو شكلية للبعض لكنها لا تخلو من دلالة‮.. ‬أن صورة مبارك في الخطابات الثلاثة بدت واحدة‮.. ‬فنحن أمام الوجه نفسه بالبدلة نفسها وأمام الخلفية نفسها بزاوية التصوير والارتفاع نفسه‮.. ‬وهو ما أعطي انطباعا بأننا إزاء الشخص نفسه بما يتناقض مع محاولة مبارك تقديم نفسه علي نحو مختلف كنتيجة منطقية لتغير المعادلة السياسية علي الأرض‮.. ‬ويبدو أن الاختلاف الوحيد تقريبا من الناحية السيميولوجية‮ (‬المسموعة والمرئية علي وجه الخصوص‮) ‬في الاضطراب الذي صاحب حضور مبارك في الخطاب الثالث وتلعثمه في الجزء الأهم والأكثر حساسية عندما أورد ذكر احترامه لأرواح الشهداء‮.‬
حالة من عدم التعاطف
‮<<‬‮........................................ ‬؟
‮< ‬حاولت خطابات مبارك الثلاثة‮ -‬الممتدة عبر سبعة عشر يوما‮- ‬أن تغير وقائع علي الأرض،‮ ‬تتعلق بحركة الثوار ومكوثهم في ميدان التحرير وغيره من ساحات التظاهر بطول مصر وعرضها‮.. ‬وهو ما يضعنا أمام مفارقة أولية تكمن في أن خطابات مبارك لم يسبق لها أن لعبت ذلك الدور‮.. ‬أعني به خلق وقائع جديدة علي الأرض‮.. ‬ولا يمكن مقارنتها‮ - ‬مثلا‮ - ‬بالدور الذي لعبه خطاب التنحي الذي ألقاه عبدالناصر وخلق به حالة من التعاطف من قبل الجماهير التي خرجت تطالبه بالبقاء وتستنكر الاستسلام للهزيمة‮...!‬
‮<<............................................‬؟
‮< ‬اتسمت خطابات مبارك بطقوسية"روتينية‮" ‬شديدة،‮ ‬والتزم مبارك بنصوص مكتوبة معدة سلفا لا يخرج عنها إلا نادرا‮.. ‬ولا يعني ذلك أنها لم تلعب دور المؤطر والموجِّه لسياسات الدولة‮.. ‬ومثلت خطابا شارحا لسياسات الحكومات المتعاقبة‮..‬ويتجاوز هذه التحليل مشكلة أولية تتعلق بأن الرؤساء‮ ‬لا يكتبون خطاباتهم إلا نادرا،‮ ‬فالمقصد ليس التحليل الأسلوبي لخطابات مبارك بما يكشف عن الخصوصية اللغوية والبلاغية لمبارك كاتبا،‮ ‬بل محاولة تفسير قدرة هذه الخطابات علي التأثير والفعل،‮ ‬أو عجزها‮ - ‬في المقابل‮ - ‬عن أداء ذلك الدور‮.‬
ويمكننا‮ - ‬ببعض التجاوز‮ - ‬أن نعتبر الخطابات الثلاثة بمثابة حدث خطابي أخذ في التطور وانبني بعضه علي بعض،‮ ‬بمعني أن مبدأ مهما من مبادئ التحليل هو النظر في التشابهات والاختلافات بين الخطابات‮.‬
استراتيجة التخويف
‮<<‬‮............................................‬؟
‮< ‬بني مبارك استراتيجيته في الخطاب الأول علي‮ "‬التخويف‮" ‬عبر التركيز علي الحقل الدلالي للفوضي،‮ ‬متماشيا في ذلك مع السياسة الإعلامية الرسمية التي روجت لترويع المواطنين بالتزامن مع تشويه صورة الثوار‮.. ‬وقام بتصعيد تلك الاستراتيجية في الخطاب الثاني عبر تفصيل مظاهر الفوضي‮.. ‬بما يوحي بالتضخيم واضعا الجماهير بين خيارين‮: ‬الفوضي أو الاستقرار‮.!. ‬
‮<<............................................‬؟
‮< ‬من المعروف بداهة ان كل خطاب سياسي يقوم بتشكيل تصوراته الخاصة للذوات الفاعلة في الواقع السياسي،‮ ‬علي النحو الذي يخدم مصالحه ويحقق أهدافه‮.. ‬ولقد بني مبارك خريطة الذوات تلك علي ثلاثة كيانات‮: ‬الرئيس المسيطر المتحكم الذي يمثل رئيس النظام‮ (‬كرئيس للجمهورية وبمقتضي الصلاحيات التي خوَّلَها لي الدستور كحكم بين السلطات‮).. ‬والمتظاهرين من الشباب الذين اسْتُدْرِجُوا إلي الانتقال من حرية التعبير إلي الفوضي،‮ ‬والمستغلين من القوي السياسية التي‮ "‬اعتلت موجة‮" ‬المظاهرات وسعت إلي‮ "‬صب الزيت علي النار‮". ‬ثم تطورت تلك الخريطة فأصابها تحولان في الخطاب الثاني‮: ‬تحول مبارك من الرئيس المسيطر إلي الشخص حسني مبارك المتطوع بتحمل المسؤولية‮ "‬حسني مبارك الذي يتحدث إليكم اليوم يعتز بما قضاه من سنين طويلة في خدمة مصر وشعبها‮"‬،‮ ‬وظهور ذات رابعة كان مسكوتا عنها في الخطاب الأول،‮ ‬أو علي الأقل قدِّمَتْ‮ ‬بوصفها مفعولا به لا فاعلا ينتظر منه أدوارا معينة‮. ‬اعتمد الخطاب في تحويله لخريطة الذوات هذه علي تقنية مركبة من جزأين‮: ‬مدح الذات‮ (‬حسني مبارك‮) ‬بوصفه مواطنا مصريا مخلصا وضابطا ملتزما‮.. ‬الخ،‮ ‬ومدح الآخر‮ (‬الأغلبية الصامتة‮)‬،‮ ‬هذه التقنية تمكنت من التأثير علي النحو الذي بدا بوضوح في تراجع بعض المعتصمين في ميدان التحرير يوم الأربعاء الثاني من فبراير أولا،‮ ‬وتقديم التبرير الأخلاقي لإجلاء المعتصمين بالقوة،‮ ‬وإن كانت مسارعة بعض أطراف النظام السابق للاعتداء الوحشي علي المعتصمين قد أفسد الفاعلية السياسية للخطاب الثاني‮.‬
التلطيف اللفظي
‮<<..‬‮..........................................‬؟
‮< ‬بالطبع‮.. ‬فقد حاول مبارك في الخطاب الأول إعادة تقديم الحدث‮ (‬ثورة‮ ‬25‮ ‬يناير‮) ‬باعتباره جزءا من فاعلية النظام وليس اعتراضا وانقلابا علي شرعيته،‮ ‬بدأ بالحديث عن المعتصمين في الخطاب الأول بوصفهم‮ "‬شبابنا‮" ‬بالإضافة إلي ضمير جماعة المتكلمين،‮ ‬الذي ما كان له أن يتحرك‮ "‬لولا المساحات العريضة لحرية الرأي والتعبير والصحافة وغيرها من الحريات التي أتاحتها خطوات الإصلاح لأبناء الشعب ولولا ما تشهده مصر من تفاعل‮ ‬غير مسبوق لقوي المجتمع‮"‬،‮ ‬وبالتالي تصبح الدعوة للعودة إلي البيوت مفهومة فالنظام خرج والنظام يراد منه الآن أن يعود‮!!‬
‮<<............................................‬؟
‮< ‬إن أي خطاب سياسي ليس جملة من المضامين فحسب،‮ ‬ولكنه نص لغوي كذلك يمارس فاعليته عبر كفاءة اختياراته للدوال والتراكيب والوسائل البلاغية،‮ ‬وقد حرصت الخطابات علي تفعيل‮ "‬التلطيف اللفظي‮" ‬باختيار مفردات وتعبيرات تقدم بعض الوقائع الخارجية علي نحو مخفف،‮ ‬فبدلا من الحديث عن‮ "‬ثورة‮" ‬أو‮ "‬انتفاضة‮" ‬تحدث مبارك عن‮ "‬تظاهرات‮" ‬وهي مفردة محايدة تخفي الطابع السياسي الاحتجاجي للمظاهرات،‮ ‬وعن أن المظاهرات كانت لها‮ "‬تطلعات‮" ‬وليس‮ "‬مطالب‮" ‬أو‮ "‬أهداف‮"‬،‮ ‬والتطلع يعني أن المتطلع يحاول تجاوز نطاق الرؤية المتاح بما يعني أن المطالب زائدة عن الحاجة وغير مناسبة‮..!‬
‮<<............................................‬؟
‮< ‬علي مستوي التركيب أخلصت الخطابات للتراكيب الشائعة داخل نطاق العربية المعاصرة،‮ ‬مع استثناء وحيد دال ومنسجم مع استراتيجية التخويف كما ذكرت سابقا،‮ ‬حين قال مبارك في الخطاب الأول متحدثا عن نماذج الدول التي أصابتها الفوضي‮: "‬فلا ديموقراطية حققت،‮ ‬ولا استقرارا حفظت‮" ‬وهذا التركيب الذي يتقدم فيه المفعول علي الفعل ينتمي بالأساس إلي العربية التراثية،‮ ‬وبالتحديد للخطابات الدينية القرآنية والإنجيلية التي تمتلك الرأسمال الرمزي الأعلي في الثقافتين المصرية والعربية،‮ ‬وقد جاء هذا الاستخدام ليعطي قوة دفع بلاغية لفكرة أن استمرار التظاهرات قد تدمر الاستقرار وتخفق في تحقيق الديموقراطية في الوقت ذاته‮.‬
خطاب لغير المنفعلين
‮<<.‬‮...........................................‬؟
‮< ‬وبينما كان الخطاب الثاني موفقا علي نحو مجمل،‮ ‬كان الخطاب الثالث درسا في كيفية إلقاء خطاب‮ ‬غير فاعل،‮ ‬فقد جاء طويلا محبطا بينما كان موجها بالأساس لمعتصمين متحمسين ومنفعلين،‮ ‬وسيطرت علي لغته من الوجهة الزمنية الحديث عن الفعل في المستقبل فيما موضوعه الرئيسي‮ "‬التفويض‮"‬،‮ ‬أي الانسحاب المستقبلي من ساحة الفعل،‮ ‬ناهيك عن السياق المحيط بالنص الذي احتشد بتسريبات تخالف مضمون التفويض وتعد المسرح بدلا من ذلك للتنحي‮.‬
‮<<............................................‬؟
‮< ‬إن كل خطاب هو جزء من ذاكرة خطابية،‮ ‬ويعد تحديد الخطيب لموقع خطبته من الذاكرة الخطابية بالاتفاق أو الاختلاف معها جزءا من عوامل نجاح الخطاب‮. ‬ولقد جاءت لغة الخطابات الثلاثة منسجمة مع لغة تقليدية إكليشيهية بناها نظام مبارك في خطاباته عبر ثلاثين عاما‮.. ‬وغدا هذا الانسجام متعارضا مع الهدف الذي عملت الخطابات علي تحقيقه،‮ ‬وهو تقديم وجه النظام علي نحو مغاير سعيا لإنقاذه‮.‬
‮<<............................................‬؟
‮< ‬أخيرا أقرر أن الثورة المصرية تسعي لتغيير جذري علي كل المستويات،‮ ‬وأنها فرصة لا تعوض لإتاحة المجال أمام الانفتاح علي بلاغة الخطابات‮ ‬غير الأدبية،‮ ‬ومناهج تحليل الخطاب التي لا مندوحة عنها لحماية المواطنين من التأثير الخادع والمضلل أحيانا الذي يلعبه الخطاب السياسي علي وجه الخصوص‮.‬

المصدر: جريده الأخبار
  • Currently 30/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
10 تصويتات / 373 مشاهدة
نشرت فى 7 مارس 2011 بواسطة gawadahmed

ساحة النقاش

Ahmed Mohamed Said

gawadahmed
Bachelor of Engineering in 1989, with good graduation and a very good in project 2. Micro soft Certified MCP – MCSA -MCSE 3. Certified Project Management Professional PMP from the American Chamber on the PMBOK fourth edition at 2009 4. certificates management and business development from the American Chamber Cairo »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

62,174