مراحل تطور مهنة المحاسبة و المراجعة في مصر
يعتبر التعليم المحاسبي في مصر من القدم حيث أن الجامعات المصرية تمنح درجة البكالوريوس في المحاسبة من أكثر من 60عاما وزادت أعداد الخرجين بعد قيام الثورة نتيجة للتوسع في التعليم الجامعي إلا أن مستوى مهنة المحاسبة و المراجعة في مصر متأخر بالنسبة لنظيره من بعض البلدان ليس لقلة الأعداد و لكن يرجع إلى بعض العوامل البيئية :-
(1) ضعف الطلب على الخدمات المحاسبية من جانب المنتفعين بها لضعف إدراكهم لقيمة المعلومات المحاسبية أو لعدم تمكنهم من حسن استخدامها و عدم درايتهم بالأساليب الإدارية الحديثة .
(2) ضعف مهنة المحاسبة و المراجعة نتيجة التطورات الاقتصادية التي مر بها الاقتصاد المصري .
(3) طبيعة فرص العمل المتاحة لخريجي قسم المحاسبة ، غالبا تكون بعيدة عن المهنة لعدم إدراك إدارات المنشآت بأهمية هذا الدور .
(4) غياب الدور الذي تلعبه الهيئات و المنظمات المهنية سواء الحكومية أو الأهلية في تطوير هذه المهنة .
أولا: قبل التحول إلى النظام الاشتراكي :-
يرجع تنظيم الدفاتر في مصر إلى عام 1883 حيث صدر الأمر العالي بإصدار قانون التجارة و ألزم التجار بإمساك الدفاتر التجارية ( دفتر اليومية و الجرد و المراسلات .... ) .
ثم صدر قانون الضرائب رقم 14 لسنة 1939 ألزم بتقديم الإقرار الضريبي مستند إلى حسابات و قوائم ختامية حتى لا تخضع الأرباح للتقدير الحكمي .
و صدر مرسوم بتأسيس جمعية المحاسبين و المراجعين المصرية في 24 ابريل 1946 .
إلا أن أول قانون صدر لتنظيم مهنة المحاسبة في مصر ومازال مستمر حتى الآن رقم 133 لسنة 1951 .
ثم صدر القانون 388 لسنة 1953 بشأن الدفاتر التجارية و عدل بالقانون 21 لسنة 1954 .
ثم صدر القانون رقم 26 لسنة 1954 بشأن الشركات و تضمن قواعد تعيين مراقب الحسابات و بين حقوقه وواجباته و تضمنت اللائحة التنفيذية للقانون القوائم المالية الواجبة النشر .
و في 4 أغسطس 1954 صدر دستور مهنة المحاسبة و المراجعة في ضوء أحكام القانون 26 لسنة 1954 و لائحته التنفيذية .
وقد تضمن الدستور ( الواجبات و الحقوق المهنية / الأمانة المهنية / إيضاحات لبعض الأوضاع الخاصة بالمهنة / آداب و سلوك المهنة / بعض معايير المحاسبة / نموذج لتقرير مراقب الحسابات )
و بعد ذلك صدر القانون رقم 394 لسنة 1955 بإنشاء نقابة المحاسبين و المراجعين .
حدثت كل هذه التطورات في ظل نظام اقتصادي اعتمد على الزراعة و مثلت الصناعة فيه نسبة ضئيلة من الدخل القومي .
ثانيا : النظام الاشتراكي
أدت قوانين التمصير و التأميم إلى أن الدولة أصبحت تسيطر على اغلب أوجه النشاط الاقتصادي في مصر ، حيث شملت عملية التأميم جميع البنوك و شركات التأمين و المنشآت الصناعية و التجارية الكبرى و المتوسطة الذي يزيد رأس مالها عن 10000جم و أغلقت سوق الأوراق المالية .
وفقا لهذا صدر القانون 167 لسنة 1961 و أنشئت إدارة لمراقبة الحسابات بكل مؤسسة قطاع عام .
ثم صدر القانون 129 لسنة 1964 بأن جعل الجهاز المركزي للمحاسبات مسئول عن الرقابة الخارجية لوحدات القطاع العام .
ثم صدر القانون 44 لسنة 1965 و ألغى القانون 167 لسنة 1961 و أصبحت إدارات مراقبة الحسابات تتبع الجهاز المركزي للمحاسبات فنيا و إداريا في حين تتبع المؤسسات ماليا فقط .
و صدر قرار رئيس الجمهورية في عام 1966 باعتماد النظام المحاسبي الموحد ليطبق على جميع وحدات القطاع العام ما عدا البنوك و شركات التأمين .
و في عام 1973 أدمجت نقابة المحاسبين و المراجعين في نقابة التجاريين و هي تشبه في الشكل اتحادات العمال و لا تشبه النقابات المهنية لا في الشكل أو المضمون .
ثم صدر القانون 31 لسنة 1975 و انتقلت تبعية الإدارات مراقبة الحسابات في القطاع العام بكامل للجهاز المركزي للمحاسبات .
و نتيجة لهذه المرحلة انحصرت مهنة المحاسبة و المراجعة في القطاع الخاص مما أدى إلى جمودها و عدم تطورها حيث لم يكن أمام المحاسبين سوى العمل كموظفين بالحكومة حيث أدى ذلك إلى :-
- اجتذاب عدد من المحاسبين القانونين للعمل بإدارات المراجعة و المراقبة لحسابات القطاع العام عند إنشائها عام 1961 .
- اجتذاب عدد أخر من المحاسبين القانونين للعمل بالجهاز المركزي للمحاسبات عند توليه مراقبة حسابات القطاع العام عام 1964 .
- تدهور مهنة المحاسبة و المراجعة نظرا لان لم يشترط اى من القوانين توافر اى مؤهلات مهنية فيمن يمارسون العمل بإدارات المراقبة أو الجهاز المركزي للمحاسبات سوى المؤهل الدراسي
- انحصار دور نقابة المحاسبين و المراجعين حيث لم تشترط اى من القوانين أن يكون العاملين من أعضاء النقابة .
- و على ذلك فقد أدت قوانين و قرارات التحول الاشتراكي إلى تقليص و تكبيل مهنة المحاسبة في مصر .
- ضياع الخبرات المكتسبة عبر خمسون عاما كان من الممكن أن تثرى مهنة المحاسبة و المراجعة في مصر .
مرحلة الانفتاح الاقتصادي
بدئت مرحلة الانفتاح الاقتصادي عام 1973 ( فيما سمى بورقة أكتوبر) وحتى الآن 2009 و كان الهدف منها :
1- إفساح المجال للمنشآت الخاصة للمشاركة في التنمية الاقتصادية
2- اجتذاب رؤوس الأموال العربية و الأجنبية و المصرية لدفع عجلة التنمية الاقتصادية .
3- دعم القطاع العام و إزالة المعوقات التي تواجهه و تخفيف المركزية ، ثم تحولت وجهه النظر إلى التخلص من مؤسسات القطاع العام جزء بتحويله إلى قطاع أعمال عام و جزء أخر بالبيع .
4- تنشيط سوق الأوراق المالية لجذب المزيد من الاستثمارات .
5- الإصلاح الضريبي الشامل لتهيئة المناخ لرؤوس الأموال .
6- تهيئة القوانين المالية و قوانين الاستثمار لتواكب هذه المرحلة
7- إصلاح منظومة التعليم و التدريب لمقابلة التحولات الاقتصادية
ومنذ ذلك التاريخ و حتى الآن لم نصل إلى الأهداف المرجوة و إن بدأت فعلا عمليات الإصلاح المالي و الضريبي .
وفى هذا الصدد صدر قانون استثمار المال العربي و الاجنبى و المناطق الحرة رقم 43 لسنة 1974 الذي أعطى بعض الإعفاءات و الضمانات للمنشآت التي تنشأ وفقا له و أدخلت علية بعض التعديلات بالقانون 32 لسنة 1977 ثم ألغى بالقانون 8 لسنة 1997 بشأن ضمانات و حوافز الاستثمار .
كما صدر القانون 159 لسنة 1981 بشأن شركات الأموال و ألغى القانون 26 لسنة1954 و استهدف تسهيل إنشاء الشركات المساهمة ولكن لم يتضمن اى تغيرات جوهرية أو جذرية فيما يتعلق بمراقب الحسابات عن القانون 26 لسنة 1954 أو دستور مهنة المحاسبة الصادر عام 1958 .
كذلك صدر قانون الضرائب الجديد رقم 157 لسنة 1981 و عدل بالقانون 187 لسنة 1993 الذي ألغى بالقانون 91 لسنة 2005 وجميعهم نصوا على ضرورة اعتماد الإقرار الضريبي وفقا لأحكام القانون 133 لسنة 1954 بمزاولة مهنة المحاسبة ، إلا إن الأخير نص على ضرورة أعداد الإقرار الضريبي بناء على قائمة الدخل طبقا لمعايير المحاسبة المصرية ، مما يعنى تحول جذري في مهنة المحاسبة و المراجعة في مصر .
كذلك صدر قانون التجارة رقم 17 لسنة 2003 بإلغاء الأمر العالي الصادر 1883 إلا انه لم يأتي بجديد بشأن التزام التجار بإمساك الدفاتر التجارية .
كذلك صدر قانون تنظيم هيئة سوق المال و قانون التمويل العقاري وغيرها من القوانين ذات الأثر المباشر على مهنة المحاسبة و المراجعة محمل مراقب الحسابات مزيد من المسئوليات المهنية في المعالجة المحاسبية و الإفصاح و غيرها من الأمور المهنية .
لكن حتى الآن ومع كل هذه المسئوليات لمهنة المحاسبة و المراجعة لم يتم تنظيم هذه المهنة بشكل يتلاءم مع هذه التغييرات الاقتصادية بحيث نضمن لمزاولي هذه المهنة المعرفة المهنية التي تؤهلهم لتحمل هذا الدور لقد حان الوقت لإصدار تشريع ينظم المهنة و يراعى معه ضمان التأهيل المهني المناسب للمزاولين و إلا كيف نطلب من الشركات و المنشآت الاعتماد على التقارير المالية و إدراكهم لقيمة المعلومات المحاسبية وحسن استخدامها و درايتهم بالأساليب الإدارية الحديثة ، و جميع المنظمات المهنية الأهلية و الحكومية لا تدرك مثل هذه الأهمية .
ساحة النقاش