كان على الخطاط في الزمن السابق قيادة جسمه نحو الثبات و اللاحركة بهدف تكثيف الطاقة ، وذلك عبر التأمل و البطء في  التمرين بالخط .  يوجه كل اهتمامه وفي تركيز ذهني نحو منقار القلم  ( أي القصبة المبرية ) . فيبدوا جسم الخطاط وكأنه تمثال جامد بقلب ينبض .

 

وكان هذا التكثيـف للطاقة الداخلية يصب في الحروف التي يخطها  ، ويعطي الخط مظهرا ً ثريا ً . فتبعث الحروف ومادة الحبر السوداء ذبذبات جمالية لعين المشاهد ... إضافة لجمالية التكوين الهندسي ، والحكمة الآتية من العبارة .

 

إن قلة حضور هذا النوع من الخط بالمدينة العربية  في عصرنا الحالي يعود إلى التحولات الكبرى في الاقتصاد والثقافة وفي وسائل الطباعة والنقل والاتصالات … الطباعة الإلكترونية السريعة قللت من الحاجة للخط اليدوي . كما أن الطيارات والسيارات والتلفون والتلفزيون ...  لا تسمح بهدوء يشابه هدوء الزمن الماضي . وبالتالي أصبح من الصعب التركيز الذهني العميق كأيام زمان. ويجب أن لا ننسى أيضا ً الإهمال الحالي لهذه التجربة الفنية، وعدم التقييم الحقيقي لأهميتها من قبل أكثر المسؤولين عن الثقافة .

 

تغير نمط الحياة في الزمن الحالي يتطلـّب من الخطاط التلاؤم مع هذه التيارات المعاصرة التي تهب على مدننا … فقد كان يحسب في القرن التاسع عشر عدد الخطاطين  بالآلاف بينما اليوم يحسبون بالعشرات . من الذي قلل عدد الخطاطين : هل هو التطور الحضاري ؟  أم عدم مواصلة الخطاط مرافقة التطور ؟

وبتعبير آخر هل السبب يعود إلى ابتكار وسائل حديثة للكتابة أو قلة التجديد من قبل الخطاط ؟

 

 فعلى الخطاط  تطبيق ما يقوله المثل  :   ( عليك أن تتعلم الإبحار بدلا من أن تكافح ضد التيار .)  أو سماع قيس بن الملوح  الذي كان يصيح : ( ألا لا أحب السير إلا ّ مُصعدا ً. )  فلابد من عمل خطوط تلائم عصرنا ، وعدم الاكتفاء بتكرار خطوط تنتمي  إلى أجواء القرن التاسع عشر ...

لم يكن بإمكان القيمة الجمالية العليا للابتكار في خطوط الماضي بالرغم من عظمتها تخيل ومعرفة ظروفنا الحالية ، ومدى تطور وعي الإنسان المعاصر الذي ازداد مع مرور الزمن .

 إن تقليد أجواء وجماليات القرن التاسع عشر من قبل خطاطي عصرنا الحالي، ومهما كانت هذه الجماليات راقية، فأنه يعني المراوحة بنفس المكان وعدم التقدم ... ومهما كانت الخطوط الجديدة  في زماننا الحالي خجولة وغير أكيدة فأنها تحمل في نيتها بذرة الرغبة في التخطي  لخطوط الماضي ، وتدريجيا ً سوف يأتي منها الجديد الملائم لعصرنا المعاش والذي يتوافق مع حاضرنا. بينما الخطوط التي تمثل أجواء قديمة تكون في حالة انفصام مع الحياة .

الخطاط القديم في الزمن الماضي  يخط ببطء ويفكر بسرعة  ... وكان الأستاذ يطلب من تلميذه أن يخمن سرعة الحركة ليده وحسب قدرته .  أي بمدى أتساع تجربته وحسب التمرين الذي عمله كي تكون رؤية الخط المطلوب واضحة في ذهنه...  كقول  الخطاط المعلم  ابن الزهري   :

( ...  قلة العجلة ، وإظهار القدرة في عرض الاسترسال ، وإرسال اليد في طي الاقتدار … )

المراد هنا بكلمة  الاقتدار هو عدم التضحية عند الخط بالقيم الجمالية. والعمل بحسب تعاليم الخط  التي تركها الأقدمون  لنا ، والمتعارف عليها في زمن خطها، فنستنتج من قول ابن الزهري انه يمكننا الإسراع في إمكانية إعطاء الخط تعبيراً واسعاً مع المحافظة على جوهر القيم الجمالية .

بينما يسخر الهمداني في القرن الحادي عشر من خطاط أهمل هذه القيم الجمالية :

( خط مجنون ، لا يدري ألف أم نون ، سطور فيها شطور ، دبيب السرطان على الحيطان ، وألفاظ أخلاط ، لا يدركها استنباط ، ولا يقيمها ابقراط ، هذيان المحموم وسوداء المهموم … )

 

ولكن الحيرة أمام الصفحة البيضاء هي مشكلة كل الفنانين وليس الخطاط فقط . كيف الوصول إلى الإبداع ... كيف يمكن التجديد واحترام التراث في آن واحد ...  إذ يبدو انه لابد من المرور بمعضلة مرحلة الهدم من أجل البناء …  إلى جانب التساؤلات الفلسفية التي يطرحها الفنان باستمرار : من أين أتينا ؟  ومن نحن ؟ وإلى أين سنذهب ؟

 

يلخص هذه المشاعر الشاعر ذي الرمة في القرن الثامن الميلادي :

 

وما يرجع ُ الوجد الزمان الذي مضى

ولا للفتى من منـّة الدار مجزع ُ

عشية مالي حيلة ٌ غير أنني

بلقط الحصى والخط ّ في الترب مولع ُ

أخط وأمحو الخط ّ ثم أعيده

بكفي ، والغربان في الدار وقـّعُ …

 

 

والكلمات الأربع الأخيرة عن ( الغربان ) استوقفتني كثيرا ً بالتعبير التراجيدي الذي تحمله ، وبعلاقتها الممكنة بموضوع الزمن والخط  ... استوقفتني بالصورة المختزلة لما أحسه والتي أخذت  تضيف هموما ً إضافية لي  .

 

والغربان في الدار وقـّعُ

 

 وهكذا ربما  أبتعدُ قليلا ً عن الموضوع ... أو قد لا أبتعد ... فالانتماء الاجتماعي وضرورة استلهام احاسيس المجموعة البشرية التي انحدرنا منها هو مادة الفنون التي نعملها  ...  وأن كل هذه الافكار والمشاعر لابد وأن تجد طريقها في التعبير الفني. فالفن كان دائما ً صدى لما تعيشه المجموعة البشرية. ان إنسان العراق وتاريخه الحالي هو مختبئ كل خطوطي ...

 

فكم هو مؤلم لنا ما تعمله ( الغربان ) التي تحوم حول العراق الملتهب ناراً، في لحظات كتابة هذه السطور. فاليوم الذي اكتب فيه هذه الكلمات هو 14 تموز 2007  وأتذكر الامل الكبير الذي كنت أعيشه يوم 14 تموز 1958 حيث كان عمري 14 سنة . وكنت ضمن بضعة مئات من الاشخاص نقف في الساعة التاسعة صباحا ً تحت تمثال عبد المحسن السعدون في وسط بغداد ... نتساءل عما يجري ؟  فقد أيقظتنا مبكرا ً أصوات قصف ... كنا نتأمل مستقبلنا الذي نريده أن يكون مشرقا ً ...  والاحترام الذي كنا نأمله لكرامة الإنسان ... نتأمل " الزمن " المقبل ... الزمن هو موضوع هذه السطور ...

 

وهنا بدل التفكير والتأمل في تقنيات الخط  أراني قد  ذهبت في تأملاتي إلى التفكير بهذه  ( الغربان )  وعن سبب تحول الإنسان إلى ذئب أمام أخيه الإنسان .

 

تذكرت عبارة للفنان النحات جياكوميتي يقول فيها : ( في بيت يحترق سأنقذ قطة قبل أن أنقذ لوحة للفنان رمبرانت مهما كانت ثمينة ) . أنه يفضل الحياة على الفن ...

فما هي قيمة وأهمية التكلم عن الخط العربي . إزاء أوضاع خطيرة ومؤلمة يعيشها العراق ؟

وهكذا دخلت في حوار مع نفسي ...  مرة أرى أن أعود لمواصلة المقال ، وأقول انه مساهمة ثقافية مفيدة ، وان الثقافة يمكنها أن تنقذ الإنسان شرط أن تتجدد وأن تكون ثقافة ديناميكية، ومرة أخرى أرى أن موضوع الإنسان هو اكثر تعقيدا ً من الثقافة نفسها …

مرة أجد أن الثقافة يمكنها أن تكون سدا ً منيعاً للشر. ومرة أخرى أقول أن النازية ولدت أيضا ًفي بلد متطور ثقافيا ً ...  فما تعني الثقافة اذاً  ؟…

هل أن ما يجري في العراق سببه التدخل الخارجي فقط  أم بمساهمة نسبة مهمة من العراقيين أنفسهم ؟

 

الشاعر مير دارد يقول :

 

في حديقة العالم

نحن الوردة ونحن الشوكة

الصديق هو نحن

العدو هو أيضا ً نحن ...

 

هل ما نشاهده الآن هو نسيان للذاكرة … فتبقى الأفكار سطحية وساذجة ... تعود بالإنسان إلى عقل الطفولة ولكن داخل جسم كبير ؟

هل أن الذاكرة البشرية تصعد وتنزل كما يقول أسامة ابن منقذ في القرن الثاني عشر :

 

والمرء ينكس في الحياة

وبينما بلغ الكمال وتم ّ

عاد كما بدا

 

فكم من محسوب على الثقافة ساند الدكتاتورية وساهم في سحقها للإنسان ؟

هل هناك ثقافة موسوعية عقلانية سطحية لا قوة ولا جذور عميقة لها ؟ وهناك ثقافة وجدانية إنسانية تملك الضمير ؟

 

وأنتهي من تأملاتي  إلى خلاصة بالقول: انه لابد من الاتجاه عبر الفن  لتوعية الضمائر، ولا يوجد طريق آخر … الاتجاه نحو ثقافة إنسانية ، تحترم كرامة الإنسان .

 يقول " نلسن مندلا " عن أهمية تنمية الوعي الإنساني  :  ( الفرد الواعي، يكون أكثر خطرا ً على الأنظمة المتعسفة من عشرة آلاف شخص بلا وعي ويعيشون الخوف . )

والكاتب الفرنسي فولتير يقول : ( طالما يعتقد الناس بالتـُرهات فلن ينفكوا عن ارتكاب الفضائع )

إذن يجب علينا أن لا ننسى عبارة فولتير . ولابد من ثقافة إنسانية عميقة تحترم الفرد وحقوقه . من أجل الوصول إلى السلم الاجتماعي .

رغم أن تأثير الثقافة قد يكون في أوله بطيئا ً في التفاعل مع البشر … ويبدو في أول وهلة مفتقرا ً إلى الجدية ... ولكنه الطريق الوحيد نحو ارتفاع البشر...

وبالنسبة للفنان فلابد أن يأتي بعمل فني جديد يتفاعل مع الناس ... إذ أن أعماله الفنية هي نفسها موقفه وهي نضاله نحو التقارب والتفاهم البشري .

 كما يلخص الشاعر أبو الفتح البستي :

 

تكلم وسدد ما استطعت

فأن كلامك حي

والسكوت جماد

 

                                             *

أعود للاستمرار على الكلام عن علاقة الزمن بالخط  ...  منذ القدم كم من مثقف قارن بين حياة البدو الرحـّل وحياة سكان المدن … ومع كل الصفاء الذي توحي به الصحراء ، فأننا نعيش في المدن ومتطلباتها . وأن الصناعات الحديثة تفرض اختزال الزمن والسرعة … ومن يعيش في المدينة لن يعد يستطيع تحمل بطء الصحراء . فقد كانت خطوط الماضي وزخارفها توحي بأن الفنان أمضى زمنا ً طويلا ً لإنجازها … إذ كان من الممكن للخطاط أن يأخذ الزمن الذي يريده ليمنحه للخط .  أما في عصرنا الحالي فلم يعد سهلا ً التركيز على الخط ضمن وقت طويل ، ولن يسمح الوضع الاقتصادي للخطاط ومعيشته في المدينة باستغلال الوقت كالسابق ، مما أدى الوضع الحالي إلى تضائل عدد الخطاطين الكبير… لذا لابد من طرق جديدة  يفترض أن يبدعها الخطاطين أنفسهم لمسايرة العصر .

هنالك حتما ً اتجاهات عديدة لتطوير الخط ، ودائما ً يأتي الإبداع من أماكن غير منتظرة . الخلق الفني في الخط يمكن أن يكون بعدد الخطاطين أنفسهم ، والطريق ليس مرسوما ً مسبقا ً . عملية الخلق الفني هي حياة كل فنان . تبدأ من رغبته  في الإبداع وتنتهي بزوال هذه الرغبة . وهو يعرف جيدا ً انه سيواجه صعوبات غير محتملة ، وعقبات متكررة . ولكن نجاح تجربته سيكون بمدى وعيه وتيقظه في مواجهة الخدر الذي يفرضه المجتمع .

الاتجاه الذي أمارسه أنا شخصيا ً في هذه المرحلة من عملي في الخط الحديث، يخصص للتمرين وقت أكبر مما مضى والتحضير الداخلي يكون طويلا ً، تحضير بهدف حفظ أشكال الخط عن ظهر قلب ، ومن ثم خطها بسرعة قصوى .

 سرعة تتجاوب مع النشاط الإنساني المعاصر …

السرعة هنا ليست من أجل السرعة فقط ، بل  لكي يوحي الخط بأنه من ولادة القرن الواحد والعشرين ، وبهذا  يبدو جديدا ً، كي يكون شيئاً آخر يختلف عن كل ما عرفناه .  وكذلك وبسبب السرعة  سوف يضع الخطاط في الحروف شيئا ً ما آتيا ً من حدسه وذكاء جسمه ،  ومن تمحكه مع مجتمعه .  فيصب أحاسيسه داخل الحركات والحروف . وأكرر أن هناك اتجاهات وطرق عديدة ممكنة الابتكار للمستقبل ...

الخطاط  يملك ذاكرة ثرية تعود إلى كل ما شاهده من الخطوط القديمة . وأنه سوف يأتي وبعفوية بخط يعكس هذا العصر، عندما يشارك حدسه وإحساسه في الخط.  فيكون آنذاك واقفا ً على تركة الماضي ، وهذه التركة تكون كقاعدة متينة و بنفس الوقت يتجاوز إبداع الماضي.. ويتجه نظره بعيداً كل البعد.

 

                                         *

يقول الكاتب الفرنسي أنطوان دو سانت أكزبري ، أنه كان يقود طائرته في الثلاثينات من القرن العشرين . فأضطره خلل ميكانيكي إلى الهبوط في الصحراء الموريتانية . وبينما كان يفحص ماكنته ، وإذا ببدوي على ظهر بعيره يقترب منه متسائلا ً : ما هذا ؟  إذ لم يرَ في حياته سابقا ً طيارة . فيجيبه الكاتب محاولا ً تبسيط معنى الطيارة  : إن كنت تقطع الطريق من هنا إلى " تمبكتو" على البعير بخمسين يوماً، فأنا أقطعه بهذه الطائرة خلال خمسة ساعات . فيسأله البدوي : وماذا ستصنع أذن بالزمن الباقي ؟

وهنا يكمن جوهر المشكلة. ماذا سنعمل بالوقت الزائد. أن نعمل الخط بسرعة لكي نعكس جوهر العصر،  فماذا سنعمل بالزمن المتبقي ؟

الشيء المهم هو أن ندرك أن الخط بسرعة لا يعني قط السهولة ، وكذلك أن التبسيط لأشكال الحروف في الخط ليس شيئا ً يسيرا ً   .

 المهم أن نعمل أولا ًعلى أن يكون الوليد الفني الجديد على أحسن ما يرام … وأن نمضي بقية الوقت في البحث والتدريب … لأن السرعة يمكن أن تقودنا لمعرفة أخرى للإنسان والحياة عبر العمل الفني … السرعة تقترب مما هو حسي وعفوي وتحاول الابتعاد قدر الإمكان عما هو ذهني وعقلاني  . فالعقلاني هو الأمس والإحساس هو الغد .

وعندما أقول التدريب على الخط اقصد أيضا ً تدريب الروح ... في تأمل الرياح والغيوم والجبال ... الأشجار والأزهار والأثمار ...

هل يمكننا أدراك المنتجات المعاصرة وتحسسها والتفاعل معها ، كالسيارات والطائرات . والصور المتحركة بسرعة في التلفزيون … أن نبقى نعيش بنفس البطء القديم للخط  وفلسفته العتيقة … ؟

كل الشعوب قد مرت سابقا ً بالمراحل البطيئة . ألم يمضي ليوناردو دافنشي  ثمان سنوات لإنجاز لوحة الجيوكندا ؟  وميكائيل انجيلو ثلاث سنوات ليكمل نحت تمثال دافيد ؟

ولكن الفنان الأوربي المعاصر يختزل الزمن اليوم  و يوحي إنتاجه الفني بالسرعة متأثرا ً بالمنتجات الصناعية والتطور الفكري . يريد أن يسيطر على سرعة الحياة المحيطة به ...  يواكبها أو على الأقل لا يتخلف عنها . السرعة التي يعملها تتطلب وقتا ً طويلا ً للتحضير ...

إن اليابان والصين ومدى أهمية الحضارة القديمة الثرية التي يملكانها في الفن لم يمنعهما ذلك من احترام التراث والتشجيع على تطويره للتأثير على الحياة الفنية والصناعية المعاصرة والتفاعل معها . وإذا كان اليابانيون يعتبرون الفنانين والمهنيين الذين يواصلون فنون ومهن الماضي ككنوز حية . فأنهم بنفس الوقت يوجهون اهتماما ً وتشجيعا ًمماثلا ً للفنون والمهن الحديثة ... وهذا ما فشل في تحقيقه المجتمع العربي . فلدينا من يعبد الماضي ويدير ظهره للحضارة المعاصرة . ولدينا من يعبد العالم الصناعي ويهمل التركة الغنية للتراث الفني والأدبي . هناك من يريد البقاء في الظلام بحجة تمسكه بالجذور . وهناك من يريد قطع الجذور فيكون كالغيمة التي تهيم في الفضاء وفي مهب الريح .

هل أن بطء التطور في  مجتمعاتنا هو سبب تخلف الفن عندنا .؟  أم أن هذا الفن في مسيرته البطيئة يساهم في تخلف مجتمعاتنا عن الابتكار ؟…

في القرون الماضية كنا نبتكر باستمرار وبكل مجالات الفن والأدب والمهن المتعددة  ... كنا نعمل كل ما نحتاجه للمعيشة اليومية . ولكن اليوم نستورد اكثر ما نستعمله  .

عدم الإنتاج في عصرنا أو قلته ، يفقر المخيلة الإبداعية داخل المجتمع  . فالفن ليس جسم غريب يمكن استيراده . انه صدى  لجوهر التفاعلات البشرية داخل المجتمع . وان تمتلئ المتاحف بإنتاج الفنانين والمهنيين للزمن الماضي ، فماذا سيضع أطفالنا في المتاحف من الأعمال الفنية للتعبير عن عصرنا الحالي ؟

مواكبة التطور عند الخطاط العربي كانت مستمرة في السابق . فلو نلقي نظرة خاطفة على تاريخ الخط العربي . ولنأخذ أمثلة قليلة  لنجد انه في البداية كان عندنا الخط الكوفي على الرق . وكان في نهاية القرن السابع الميلادي خطا ً بدائيا ً . وعندما دعا المعماري الخطاط للمساهمة معه لتزيين جدران قبة الصخرة في القدس، قبل أربعة عشر قرناً، أعاد الخطاط رسم حروفه كي تُعمل بالفسيفساء(الموزاييك )  وإن كانت عشرات الأمتار من هذه الخطوط في داخل قبة الصخرة  إنجازا ً رائعا ً في ذلك الزمن  ، فأنها أصبحت اليوم في موضع النسيان بل أن اكثر كتب الخط تهملها ولا تتكلم عنها .

أن أهمية  ذلك اللقاء  بين الخطاط والمعماري كان مهما ً جدا ً على الصعيد الجمالي . فقد أخذت الحروف البناء الهندسي بتأثـير اقترابها من المعمار والزخارف. وازدادت جمالا ً من التناســب بين الطول والعرض . وتلاءمت مع الزخرفة المحيطة بها  ، وأخيرا ً أعطت المادة الملونة للحجر مظهرا ً للخط لم يعرف من قبل .

 

  • Currently 106/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
36 تصويتات / 288 مشاهدة
نشرت فى 27 ديسمبر 2009 بواسطة gamalelkhatelarabie

ساحة النقاش

Rehab Abdulluh

gamalelkhatelarabie
رحاب عبدالله »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

814,728