بوابة على درب الهدى

اقتران العلم و الدين و المعارف

أمام المرآة وقفت عفاف ، التي استيقظت لتوها من النوم ، كان وجهها يعبر عما يختلج في نفسها من حزن ، و دمار ، و يعكس الآلام التي دخلت في صميم قلبها ، و جعلته ينفطر أسى ، و حزن على فراق زوجها ، الذي غادرها دون رجعة ...

أياماً مريرة مرت عليها ، و هي تنفق آخر ما تبقى معها من نقود ، غسلت وجهها ، و توجهت إلى غرفة النوم لتحضر أغراضها ، فبعد قليل سيأتي صديق زوجها المتوفى ، و يستلم منها البيت ، بعد أن أعطاها مهلة ثلاثة أيام ، و ها هي الأيام الثلاثة انقضت ...  وسوف تخرج من هذا البيت بعد أن قضت سنتين فيه بعد زواجها ، كانت تفكر و هي ترتب أغراضها في الحقيبة ، ما هذه الورطة ، و كيف آل إليها هذا الحظ ...  لم أتوقع أن يكون زوجي مقامر بل محترف القمار ، كيف يعطي عقد البيت لمن استدان منه ، كيف يتنازل عنه بهذه السهولة ، ماذا أفعل الآن ، أين سأذهب ، لم يكن لي إلا زوجي و يا ليته كان صالحاً ، أين سأبيت ، كنت أفكر بعد وفاة زوجي ، من أين سأؤمن دخل يكفيني ؟ و الآن ، علي تأمين دخل و مأوى .

الباب يطرق ، فتحت ، صديق زوجها على الباب ، سألها : هل أنت جاهزة ؟ طلبت منه مهلة أخرى حتى تؤمن نفسها ، انزعج و كشر عن أنيابه ، و قال : هل تريدين أن تلعبي بي ، الآن فوراً تخرجي و لا تجبريني أن أستخدم طرق أخرى ، قالت : رويدك ... رويدك ... حسناً سأخرج .

حملت حقيبتها البسيطة ، و خرجت إلى الشارع ، أين سأذهب ؟ و من أين أبداً ؟ كان لا سبيل إليها إلا المشي ، حاولت أن تجمع أفكارها التي كانت تدور في كل الاتجاهات ، وتحاول أن تركزها على هدف واحد ، بل كان عليها هدفين ، العمل ؟ و المأوى ؟ و لكن ماذا تعمل ، فهي لم تكمل دراستها و لا تتقن أي حرفة ، ندمت أشد الندم ، تمنت لو أنها أكملت دراستها أو تعلمت حرفة ما تنتزعها مما هي فيه ، فكرت : لكن إن أمنت العمل فأين سأبيت ؟

"عفاف" رجلاها بدأت تتعب ، اشترت جريدة ، و دخلت إحدى الحدائق ، علها تجد في هذه الجريدة فرصة عمل لها ، كانت الحديقة شبه فارغة ، جلست على أحدى الكراسي ، لسعها ببرودته ، أخذت تقرأ ، و تقرأ ، دون جدوى ، كل فرص العمل تحتاج إلى شهادات أو مهارات ، و لكن ما هي المهارة التي أمتلكها ؟ ترتيب البيت ؟ أم الطبخ ؟ لمعت في ذهنها فكرة سديدة ، لماذا لا أعمل في فندق ؟ نعم . هذا هو الهدف . و بهذا أؤمن العمل و المأوى .

تركت الكرسي ، و تابعت السير و أخذت تبحث عن الفنادق ، و كلما دخلت فندق ، كانت تلقى الجواب نفسه : عندنا ما يكفي من الموظفات ، لسنا بحاجة .

و تابعت البحث علها تجد فندق ما يقبل بها ، دخلت أحد الفنادق ، استقبلها رجل ، و وافق على عملها و قبل أن تنام في الفندق ، لكنها لم ترتاح لهذا الرجل ، فقد كان يحاول أن يلقف جسدها و ينهشه بنظراته ، و خصوصاً عندما رأت عدة فتيات ينزلن على الدرج بملابس خليعة ، شكت في الأمر و لم تعد تعرف كيف ستخرج و تترك هذا المكان القذر .

تابعت المشي ، و لا وسيلة لها إلا ذلك ، قدماها تورمتا ، معدتها بدأت تقرصها من الجوع ، أمعائها بدأت تتصارع ، فكرت : ما هو الحل ؟ لا بد من حل ما ؟ و لكن كيف ؟ خصوصاً و أن الليل بدأ يسدل أسترته و الخوف من القدم ، بدأ يأخذ مكان في قلبها ، فكان النهار أرحم بها ...

جلست على الرصيف ، فلم تعد تقوى على السير ، فكرت : ما المانع إن مدت يدها ، عسى أن تجد من يعطف على حالها ، أو أن تحصل ما يسد جوعها ، كانت نظرات الناس غريبة ، ربما ملابسها لا توحي إلى إمرأة متسولة ، و انتظرت ، ما من أحد يمد يده بالمعونة ، إلى أن جاء أحد الشباب ، و عرض عليها مبلغ كبير نسبياً ، لقاء أن تذهب معه ، فرفضت ، و شتمته ، و هددته بالصراح ما لم يذهب عنها .

تابعت "عفاف" السير ، و سخطت على حظها ، و ظروفها ، التي وضعتها في هذا الموقف حتى التسول لم ينفع معها ، ماذا تفعل ؟

أيقنت أن منامها سيكون في الشارع ، و لم تعد عندها أي فكرة ، و هي تتابع السير ، وصلت إلى مكان كله أضواء و باعة ، و محلات ، و مقاهي ، و دور السهر .

و هنا كانت رجلاها أشبه بالمشلولة ، فلم تعد تقوى حتى على الحراك ، وقفت على باب أحد النوادي الليلية فكرت : إن دخلت ، ممكن جداً أن تجد كل ما تبحث عنه ، من طعام ، و شراب ، و مأوى ، و دلال ، و كل المطلوب أن تنزع ضميرها من صدرها ، و تتنازل عن بعض عفتها .

كان هذا امتحان قاسي جداً ، هل تدخل ؟ أم تعود أدراجها ؟ أغرورقت عيناها بالدموع ، خطت خطوة للأمام ، و خطوتين للخلف ، خطوتين للأمام و ثلاث خطوات للخلف ، ارتطمت بأحد المارة ، استدارت لتعتذر ، و إذ بإنسانة تعرفها ، هي جارة لهم عندما كانت في بيت أهلها ، سلمت عليها ، عرفتها الجارة ، ردت عليها السلام ، و سألتها : ما بال الدموع التي في عينها ، شرحت "عفاف" لها قصتها بإيجاز ، وضعت صديقتها يدها على كتفها و طمأنتها ، لقد بعثني الله إليك في الوقت المناسب جل أسمه ، أنسي كل آلامك ، فإن زوجي سيفتتح غداً فندق كبير ، و مازال عدد الموظفين غير مكتمل ، و ستنامين عندي اليوم إلى أن تباشري عملك .

وضعت عفاف يدها بيد صديقتها و تابعا السير و غابا في الظلام . 

المصدر: من تأليفي
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 296 مشاهدة
نشرت فى 24 إبريل 2012 بواسطة fouad-ab

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

34,104

ابحث