أباطرة الأسماك يحكمون «البحيرات»
البارونات يحتكرون الأسواق ويفرضون كلمتهم على كل الجهات

كتب ـ وجدى رياض:

كشفت صور الأقمار الاصطناعية فى هيئة الاستشعار عن بعد أن بحيرات مصر العشر التى ترصع الأرض المصرية باتت مهددة بالضياع وتتآكل يوما بعد يوم، حيث يتم نهب أراضيها من بارونات البحيرات، وأباطرة السمك، ويفرضون كلمتهم على المحليات، ودخلت المراكب من كل حدب وصوب،

 حتى تم إرهاق محصول السمك بالصيد الجائر، واختلت منظومة الصيد مابين الردم فى البحيرات، والتلوث، وعدم احترام «صمت الصيد» أو الراحة البيولوجية لنمو الزريعة، وزحام أدوات الصيد المكهربة وشباك لاصطياد إنتاج هزيل لسوء الإدارة.. وعشوائية الصيد، وصراعات السيطرة وبسط النفوذ، لدرجة أن علماء وأطباء ومستشارين هجروا وظائفهم، ودخلوا البحيرة من أجل الثراء المفتوح من خيرات البحر.

ومع ذلك، فالإنتاج هزيل ومتواضع، وعندما نستعرض الإحصائيات نجد أن ناتج عمليات الصيد فى البحر المتوسط يمثل نسبة 5% من أسماك المائدة المصرية، و 3،3 % من البحر الأحمر، بينما يساهم كل صيد البحيرات العشر بنسبة 13%، أما الاستزارع السمكى فيغذى المائدة المصرية بـ 70%، ولا يعطى نهر النيل وفروعه أكثر من 6.5%،. إنها نسب تعطى دلالة على انفصام العلاقة بين البحث العلمى والتطبيق العملي، أو عمق الفجوة بينهما، فى مساحة مفتوحة على بحرين يحسدنا عليها العالم. ولايخفى على العاملين فى حرفة الصيد أن ضعف البحيرة إنتاجيا، يتم بنظام ممنهج لتخفيضها أكثر وأكثر لكى تخرج من المنظومة مثل بحيرة «إدكو» التى تقلصت مساحتها من 600 ألف فدان إلى 14 ألفا فقط .

نظرة محدودة

وهنا يقول الدكتور محمود حسين ـ استشارى الاستشعار عن بعد ورئيس هيئة الثروة السمكية السابق ـ ان العلم يؤكد أن معيار جودة أو سوء البحيرة هو إنتاجيتها، بمعنى هل هو سمك غزير وملوث أم هو قليل ونقى ونظيف، وللأسف فإن البحيرات تحمل النظرة المحدودة لها بأنها موقع لصيد السمك من وجهة النظر الإدارية ولكن مدلول البحيرات العلمى انها جسم مائي، وتربة، ونباتات مائية، وحدود أراض، ومحافظات، وثروة سمكية، ونقل بحري، وآثار، واستزارع سمكي، وحضانة للزريعة، لكن بعض البحيرات مخابئ للسلاح، ومأوى للخارجين على القانون، وعمليات التهريب.

ولا ننسى أن هناك علاقة تبادلية للبحيرات، فالبحيرة الساحلية تتبادل المياه مع البحر وتجدد شبابها وهو يعتمد على مستوى سطح البحيرة وتزدهر البحيرات عندما يداعب البحر جسمها فخروج ودخول المياه هو فى حد ذاته تجديد لنموها وتعزيز لصمود المياه ذات المحتوى الثابت من الأكسجين وكلما كان عمود الماء متغيرا متجددا كان كل محتوى البحيرة مرتفعا فى كل شيء ويعتبر العلماء أن النباتات والأعشاب البحرية ينبغى ألا تحتل أكثر من 30% من المسطح، ويتم تطهير البحيرات أولا بأول وإذا زادت النسبة فإنها علامة سيئة ولكن الأسوأ هو تلك المخلفات التى تصب فى البحيرات ولعل من أسوأ البحيرات حظا بحيرة المنزلة التى تستقبل 9 ملايين متر مكعب يوميا من مياه الصرف السابحة فى بحر البقر.. بحيث تضفى على مياه البحيرة انطباع الركود وترى المياه مثل الكتل المائية لارتفاع نسبة تركيز الملوثات.. وبلغ ارتفاع الترسبات فى قاع البحيرة تسعة أمتار.. هكذا باحت الدراسة التى استمرت لمدة 15 شهرا بمعاونة الأجهزة المختصة لمعرفة حركة المياه داخل البحيرات ودرجة التلوث وتركيزات الكلوروفيل والأكسجين وسجلت الأجهزة حركة المياه كل 6 ساعات وباحت الأرقام أن بحيرة مثل مريوط تعتبر بحيرة ميتة ذات مياه راكدة، وعجزت المعالجات الكيميائية عن تحريك المياه الراكدة من خلال فتحات وبواغيز بعد الاحماء.

«الديبة» تحت الحصار

وفى البحيرات هناك حكاوى وحواديت يشيب لها الولدان، فهناك «مثلث الديبة» الذى تم الاستيلاء عليه دون أى ضجة أو ضجيج، فهو مثلث عالى الإنتاج، يقدم أحلى أنواع السمك لأسواق التصدير من الدينيس والقاروص والجمبرى عالى الجودة والنقاء، ويسمح مذاق مائه المالح بمعيشة الجمبري. وقد انتقلت عملية إيجار المكان إلى الملكية الخاصة وخرج الإنتاج إلى موائد أوروبا، بنسبة تصل إلى 90% من الإنتاج بينما حظيت السوق المصرية بنسبة 10% .. إنها قرارات البارونات.

ونعود إلى صور الأقمار الصناعية ونتحسر.. فقد فقدت بحيرة المنزلة خلال 14 عاما 20 ألف فدان، وعندما تطل على بحيرة مريوط ويطلق عليها العلماء البحيرة المظلومة نجد حجم الخسارة الكبيرة للغاية التى منيت بها البحيرة لدرجة أن هناك نزاعا بحريا بين أراضى الأوقاف والمحليات عليها فالأوقاف تؤجر 1800 فدان بإيجار سنوى قدره أربعة آلاف ،بل وحتى المفرخات والتى تبلغ انتاجيتها 4 ملايين زريعه يتم احتكارها فى توشكى وكفر حسيني.

والامر المحزن .. والكلام على لسان خبير الثروة السمكية الدكتور محمود حسين أن آفاق الاستثمار مشرقة فى الثروة السمكية امام سواحلنا على المتوسط والأحمر والبحيرات العشر، لكن الانفصام الموجود بين البحث العلمى والتطبيق أدى الى استنزاف كل هذه المساحات المائية المالحة ونصف المالحة والعذبة من سواحل البحر الأبيض والأحمر، بطول 2500 كيلو متر فى 20 كيلو متر عرضا، بالإضافة الى بحيرات، ولا يدفع بارونات البحر وأباطرة البحيرات ضرائب على الصيد.

والأمر المثير للجدل أن مراكب السياحة التى تحمل هواة الغطس والتأمل تحت مياه البحر فى حدائق المرجان والسنوركلينج تخرج بالهواه واغلبهم من الاجانب الى الجزر المطلة على السواحل الذهبية فى شرم الشيخ والغردقة وتعود بهم آخر النهار « وفى باطن المركب 4 أطنان سمك تم اصطيادها اثناء الانتظار»، لتباع فى الاسواق «فالكيلو من السمك يباع فى العقبة ب 12 جنيها ويدخل الاردن ليباع الكيلو بـ 42 دينارا اردنيا. واذا كانت اسماك التونة هى ارقى الانواع فإنها تباع بعشرة دولارات للكيلو، وتبيعه اليابان (محتكرة بيع التونة) ب 40 دولارا، وليس من المقبول أن يتحكم فى مائدة أطباق البحر ثلاثة تجار فقط، وبينما يوجد لدينا 94 موقعا للصيد الا أنه تم ربط 9 مواقع فقط الكترونيا، أفسدها الأباطرة والمافيا والبارونات وفقدت الاتصال ليبقى الحال على ماهو عليه، ويبقى المواطن المصرى عاجزا عن بلوغ البحيرات والتمتع بثرواتها.

المصدر: جريدة الاهرام - الجمعة 11 يوليو 2014
fisherman

الاتحاد التعاونى للثروة المائية

الاتحاد التعاوني للثروة المائية

fisherman
Cooperative Union of Egyptian Water Resources الاستاذ / محمد محمد علي الفقي رئيس مجلس الادارة [email protected] »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

475,961