فراس حج محمد

موقع يختص بمنشورات صاحبه: مقالات، قصائد، أخبار

 

الرسالة الحادية والعشرون

لا تجعلي غربتي غربتين كنصوص السيد أزرق

فراس حج محمد

الجمعة: 2/11/2018

مساؤك وصباحك قبلة ووردة وقصيدة، أما بعد:

لم أحظَ منك برد على رسائلي السابقة، لكن لا يهم، يكفي أنك تقرئين ما كتبت، ولا يفوتك منه شيء، هذا بحد ذاته دافع للاستمرار في الكتابة. مر عليّ هذا الأسبوع نكدا طويلا، كأنه ظل كثيف الغيم، سرعان ما تبدد في حضورك على مدى يومين باتصالك الهاتفي، كم كنت محتاجا لتنقذيني مما وقعت فيه أخيرا من شرك السفاهة والتفاهة والبلادة. ولتسمحي لي أيتها الحبيبة أن أبلغك شيئا عما جرى.

بالتحديد يوم الثلاثاء الفائت، كان يوما أسود، تافها، قذرا، شعرت فيه أنه يوم هجائي بليد لا طعم له، بل إن له طعم الحنظل المنعقد في ذاكرتي، كلما تذكرته حتى أشعر بالاختناق والضيق والغثيان ووجع في المعدة. كان يوما طويلا مُمّلاً، قضيته برفقة أحد المعارف في المدينة، تحولت دفعة واحدة إلى شيء عديم الفائدة والقيمة، كم أتمنى لو أنسى ذلك اليوم. اليوم أكتب لك عنه لأنني أصبحت قادرا على مسك ذاكرتي بين إصبعين من أصابعي وأفتتها بكل رفق ولذة وربما بلا رحمة دون أن أشعر بالامتعاض. أكتب لك عن يوم كنت فيه أبله، وكان يوما متفوقا في البلاهة على كل حال. دعيني أسمه لك "الثلاثاء الأسود"، والغبي أيضا. لقد ضاع من حياتي سدى، ولم أشعر في أي يوم من أيام حياتي كلها أنني عشت يوما أسوأ من يوم الثلاثاء الماضي.

في ذيل ذلك اليوم، حضرت لقاء أدبيا للكاتب الشاب أحمد جابر لمناقشة مجموعته القصصية "السيد أزرق في السينما"، كان لقاء متواضعا على كل حال بالحضور كمّاً ونوعا، وأغلب الحضور كان رفّاً من "الحمام الإلكتروني" كما قال أحمد نفسه "جمهور من الفيس بوك"، فتيات، قارئات، متابعات للكاتب، جئن وحضرن اللقاء، شكلن نسبة جيدة في الحضور، هنا تبدو نظرة رونان ماكدونالد صائبة تماما في إعطاء القارئ العادي قيمة للعمل الأدبي بعيدا عن النقد الأدبي الرصين. هنا يمكن للمرء أن يفهم تلك العوالم المشوهة في القصص، وسطحية الرؤى في تلك النصوص.

ثمة ملاحظات كثيرة على المجموعة القصصية التي فازت بجائزة القطان، ورأيت أن ما قالته لجنة التحكيم عن المجموعة مبالغ فيه كثيرا، فلم تكن فسيفساء المجموعة معبرة بشكل عميق عن ذلك الرأي "المهول جدا" في وصف المجموعة القصصية، ولكن لا بأس.

ولعلك تسألينني ماذا وجدت في المجموعة من ملاحظات؟ لا شك أنني سأسرد لك في عجالة أبرز ملاحظاتي على تلك المجموعة، وإن أتيحت لك الفرصةُ قراءتها فلنتبادل الآراء حولها في قابل الأيام.

أحسست وأنا أقرأ في نصوص المجموعة أن "القصة القصيرة" في مأزق إبداعيّ، فليس هناك نماذج لقصص قصيرة بارعة كتلك التي سادت في الثمانينيات أو ما قبلها، أصبحت القصة القصيرة قليلة الحضور وباهتة البناء، وكتابها قليلون، يكتبونها ربما للبحث عن فكرة روائية كما حدث مع أحدهم، فبعد نجاح إحدى قصصه القصيرة، قام بوضعها في قالب الرواية، فمطّها وأمَلّها، وخرّب القصة والرواية معا. هذا ذكرني بزملاء عملوا في تأليف مقررات اللغة العربية الحالية، لقد كانت معضلتهم إيجاد نماذج من القصة القصيرة، لقد اتصل عليّ بعضهم، ولكن ذائقتهم وذائقة من يعملون معه ربما لم تكن كما ينبغي أن تكون، فرفضوا كل اقتراحاتي، ليستقر رأيهم أخيرا على نماذج باهتة وركيكة أو مكررة أو اعتماد مقالة بدل القصة، ولهذا الأمر وقفة أخرى غير هذا الموقف.

أغلب القصص في مجموعة "السيد أزرق في السينما" لا تتجاوز قامتها السردية صفحة وبضعة أسطر، وتقوم على ملامح باهتة للشخصيات ببعديها النفسي والخارجي، عدا ما تتمتع به أغلب الشخصيات من أزمة نفسية تقربها إلى عالم اللامعقول، وأحب أن أستخدم مصطلح "اللامعقول" حتى لا تظني أنني لو استخدمت غيرها كالفنتازيا مثلا، أن النصوص من الأدب الفنتازي، هي لا معقولة فقط، بمعنى أنها لا رؤيا لها، تلك الرؤيا التي يستند عليها "الأدب الفنتازي"، لقد بقيت هذه النصوص سردية سابحة في خيال غريب، حتى وإن حاول الكاتب إدخالها في الرمزية ومبدأ الإسقاط الواقعي، فإن شيئا ما لن يساعده في ذلك. فطبيعة السرد المقتطع غير المستند إلى إشارات نصية تجعل النصوص مبتورة سابحة في فضاء أسود لا تستطيع الاستقرار على معنى معين.

ثمة ملاحظات أخرى لا تبدو ذات أهمية، وإنما أحببت أن أوضح وجهة نظري المغايرة لمديح لجنة التحكيم "الكبير" للمجموعة، مع ملاحظة أن المجموعة تغص بعنصر "التغريب" الذي أشعرني بوجع ما، وكنت قد ناقشت ذلك منذ مدة، عندما تناولت بالقراءة إحدى الكتب الفيسبوكية.

لقد اعتمد الكاتب بكليته المعرفية على الأدب المترجم، فبناء جمله، والفضاء المكون للقصص، وأسماء الشخصيات، كلها تسحب قارئها إلى عوالم الكتّاب الأجانب، كما صرح الكاتب نفسه أنه قد تأثر في قصة من قصص المجموعة بإحدى القصص المترجمة، وما يظهر كذلك من استعراض حياة "كافكا" في أول تلك القصص، لتبدو قصة "الشبّاك الخامس" قصة غريبة عن المجموعة، كأنه النص النشاز في غابة تعج بالمناخ الغريب جدا، لتصبح الغرابة غَرابتين وغُربتين. ربما أراد الكاتب أن يستعرض ثقافته على القارئ، فليكن.

الصورة: أمبيرتو إيكو

لقد لاحظت إحدى القارئات هذا الملمح في القصص، أيضا، فلماذا كان الكاتب منحازا لذلك المناخ السردي اللامعقول المنغمس في الأدب المستورد؟ على كل حال يا عزيزتي، ربما سيكون لك موقفٌ آخر من المجموعة.

أرجو لك الخير دائما، منتظرا رؤيتك، ربما أتاحت لنا الظروف لقاء طويلا نتبادل فيه الأفكار والشعر والأغنيات، ولا تجعلي غربتي غربتين كنصوص السيد أزرق هذه.

المشتاق لراحة يدك الدافئة

فراس حج محمد

 

المصدر: فراس حج محمد
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 146 مشاهدة
نشرت فى 2 نوفمبر 2018 بواسطة ferasomar

فراس عمر حج محمد

ferasomar
الموقع الخاص بــ "فراس حج محمد" »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

722,614

فراس حج محمد

نتيجة بحث الصور عن فراس حج محمد كنانة أون لاين

من مواليد مدينة نابلس في فــلسطين عــام 1973م، حاصل على درجة الماجستير في الأدب الفلسطيني الحديث من جامعة النجاح الوطنية. عمل معلما ومشرفا تربويا ومحاضرا غير متفرغ في جامعة القدس المفتوحة. 

عمل محررا لغويا في مجلتي الزيزفونة للأطفال/ رام الله، وشارك في إعداد مواد تدريبية في وزارة التربية والتعليم الفلسطينية، وكان عضوا في هيئة تحرير مجلة القانون الدولي الإنساني/ الإصدار الثاني الصادرة عن وزارة التربية والتعليم في فلسطين.

نشر العديد من المـقالات والقـصائد في مـجالات النشر المختلفة الإلـكترونية والصحف والمجلات في فلسطين والوطن العربي وبريطانيا وأمريكا وكندا والمكسيك. وشارك في ندوات وأمسيات شعرية ومؤتمرات في فلسطين.

الكتب المطبوعة: 

رسائــل إلى شهرزاد، ومــن طقوس القهوة المرة، صادران عن دار غُراب للنشر والتوزيع في القاهرة/ 2013، ومجموعة أناشيد وقصائد/ 2013، وكتاب ديوان أميرة الوجد/ 2014، الصادران عن جمعية الزيزفونة لتنمية ثقافة الطفل/ رام الله، وكتاب "دوائر العطش" عن دار غراب للنشر والتوزيع. وديوان "مزاج غزة العاصف، 2014، وكتاب "ملامح من السرد المعاصر- قراءات في القصة القصيرة جدا- دار موزييك/ الأردن وديوان "وأنت وحدك أغنية" عن دار ليبرتي/ القدس وبالتعاون مع بيت الشعر في فلسطين، وكتاب "يوميات كاتب يدعى X"، وكتاب "كأنها نصف الحقيقية" /الرقمية/ فلسطين، وكتاب "في ذكرى محمود درويش"، الزيزفونة 2016، وكتاب "شهرزاد ما زالت تروي- مقالات في المرأة والإبداع النسائي"، الرقمية، 2017، وديوان "الحب أن"، دار الأمل، الأردن، 2017. وكتاب "ملامح من السرد المعاصر- قراءات في الرواية"، مكتبة كل شي، حيفا، 2017. وكتاب "ملامح من السرد المعاصر- قراءات في متنوع السرد"، مؤسسة أنصار الضاد، أم الفحم، 2018، وديوان "ما يشبه الرثاء"، دار طباق للنشر والتوزيع، رام الله، 2019، وكتاب "بلاغة الصنعة الشعرية"، دار روافد للنشر والتوزيع، القاهرة، 2020. وكتاب "نِسوة في المدينة"، دار الرعاة وجسور ثقافية، رام الله، وعمّان، 2020. وكتاب "الإصحاح الأوّل لحرف الفاء- أسعدتِ صباحاً يا سيدتي"، دار الفاروق للنشر والتوزيع، نابلس، 2021. وكتاب "استعادة غسان كنفاني"، دار الرعاة وجسور ثقافية، رام الله، وعمّان، 2021، وكتيّب "من قتل مدرّس التاريخ؟"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2021. وديوان "وشيء من سردٍ قليل"، وزارة الثقافة الفلسطينية، رام الله، 2021. وديوان "على حافّة الشعر: ثمّة عشق وثمّة موت"، دار البدوي، ألمانيا، 2022. وكتاب "الكتابة في الوجه والمواجهة"، الرعاة وجسور ثقافية، رام الله وعمان، 2023. وكتاب "متلازمة ديسمبر"، دار بدوي، ألمانيا، 2023. وكتاب "في رحاب اللغة العربية"، دار بدوي، ألمانيا، 2023، وكتاب "سرّ الجملة الاسميّة"، دار الرقمية، فلسطين، 2023. وكتاب "تصدّع الجدران- عن دور الأدب في مقاومة العتمة"، دار الرعاة وجسور ثقافية، رام الله وعمّان، 2023، وديوان "في أعالي المعركة"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2023، وكتاب "مساحة شخصية- من يوميات الحروب على فلسطين"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2024، وكتاب "الثرثرات المحببة- الرسائل"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2024، وكتاب "فتنة الحاسة السادسة- تأملات حول الصور"، دار الفاروق للثقافة، نابلس، 2025. 

حررت العديد من الكتب، بالإضافة إلى مجموعة من الكتب والدواوين المخطوطة. 

كتب عن هذه التجربة الإبداعية العديد من الكتاب الفلسطينيين والعرب، وأجريت معي عدة حوارات ولقاءات تلفزيونية.