قصائد قصيرة
وَشَيْءٌ مِنْ سَرْدٍ قَليل
فراس حج محمد/ فلسطين
(1)
لستُ صديقاً لأيّ شاعرٍ
لكنّني صديقُ كلّ قصيدةٍ
تلميذةٍ بحضرةِ الصّورةْ
(2)
غامضٌ من فَرْط الوضوحِ هذا الضَّوْءْ
كيف تعرّفُ الحرفينِ في جسد حريريٍّ
مُضاءٍ بزهرة لوزْ؟
(3)
فضّ البكارة ثالث غيري وغيرك
إذ تفضّ بكارة الحرفينْ
تعوّضني الخسارةْ
وتسري في دمي خمرا ودندنةً وطيفْ
هكذا يكمل النشيد دورته ليبدأ في الوضوح...
(4)
أعطيكَ قافيتنِ
أمنحُ وردتي ماء جديدا
وأخلع عن جسدي ورقَ الكتابة
يغسل آهاتي نور القمرْ
في دمائي ما تغازر في يديكَ
وأستقيمُ على الصّورْ
(5)
يوماً سأكمل عزلتي عنّي
أعود إليّ
لا أسمع غير صمتي والمكانْ
أكلّم الأرواح في جدرٍ بليغة الإيحاءِ
أصعدُ سلّمي
ويدُ اللهِ تمسكني
تعلّمني الحكمةُ سطرَها الأبديّْ
وأعلن بدء تقويمِ الحياة
يوماً سيقتاتُ السّنا من وهْج أغنيةِ السَّماءْ
(6)
ما بعد منتصف اللّيلْ
كلّ شيءٍ في دمي
يأخذ شكلَـه العصبيّْ
والحكايةُ ذاتُها
يفتحُ بابَها الشَّغِفُ
(7)
أكُتبُ لتبقى المدينةُ حيّةً
لتبقى امرأةٌ جميلةٌ تبحثُ عن فكرتها في عشاءٍ
طويلِ المائدة
أكتبُ كي أهندسَ فجر مدينةٍ
يغسلُ البحر رجليها هناكْ
وينظر نحوها ليرى فأرى
يحملقُ نحو منتصف الطريق
يأنس باسماً
يغازل بسمة نبتت على طول الشّراعْ
أكتبُ كي أراك وأحيا
(8)
ورقة صفراءُ
تسقط مع خفيف الرّيحْ
تطحنها الخطواتْ
ذاك الّذي يُسْلِم شخصكَ للنّسيانْ
قلبكَ أخضرٌ عندي كزيتونةٍ معمَّرةٍ
تعرِفُ معنى هاتيكَ الحياة
(9)
كلّ شيءٍ هو قيد
الصّديقُ
المعرفةُ
اللّغةْ
والذّاتُ أمّ القيودْ
يتوالدُ منها ألفُ قيدٍ وقيدْ
إِلَّا أنت حرّيّةٌ لا تُحدّْ
(10)
مكثّفة كجملةٍ شاعريّةْ
كقطرةِ عشـقٍ على جناح القلبْ
كحبّات النّدى في صباح الزّهرة الرّاقصةْ
كليْلةٍ ماضيةٍ لمستقرّ الأغنياتِ الفارهةْ
أنا واللّيل نشبه هاتيكَ الكثافةَ المنداحةَ
والمُزاحةَ في النّصوصِ المُغرقةِ المعنى بنا
مكثّفةً سأظلُّ حتّى تفكّكني مباهجكَ المديدةْ
(11)
تتجلَّى فيّْ
عند أوّل خطوةٍ نحو اللهْ
تمجّدني متعةُ الصّمتْ
تسدُّ عليَّ بابَ الدّيرْ
صلاةُ صوفيٍّ تحلّلَ من يديك على يديكْ
أيّها السّامعني بِجِذْعِ صنوبرةْ
وحفيفِ وردةٍ خَفِرةْ
انظرْ إليّْ
جبلي تصدّعَ والألواحُ ملأى…!
(12)
رأيتُ امرأة لحظة واحدة كبرقْ
حاولتها مرّة أخرى
فرّت على عجل الصّباح
يا لبؤس الحالمين في هذا المزاج الشّاعريّ المخادع…
(13)
أفكّر بالشّعر على نحوٍ لغويّ، وباللّغة على نحو شعريّ
أفكّر بالذّات على نحو جماليّ، وبالجمال على نحوٍ ذاتيّ
وهكذا
حتّى ظننتُ أنّني لن أنتهي…
(14)
كعادتي؛
أتأمّل وجهك في المرايا
أقرأ الصُّحف اليوميّة
أتابعُ شؤونيَ الأخرى بفرحٍ كبيرٍ
وأكتب...
(15)
أثماري ناضجةٌ في فمك
تخصفُ الأوراق تترى معبّأة
بالنّشيدْ
يداي مثل يديك مورقتان خضراوانْ
شجْرتا أرزٍ وتينْ
ترتعشُ الشّفتانِ من أثر اللّغةْ
(16)
أتهيّأ لكْ
روايةً منقوشة أشعّةَ شمسْ
مجليّةَ حبٍّ في عينيّْ
أتوارى فيكْ
كلّما أوغلتَ في أبّهةِ الصّمتْ
(17)
ما ألذّك أيّها اللّيل
أستريحكَ تستريحُ وأستمتعكْ
أستفيقك تستفيقُ وأستوطنكْ
أرتديكَ وترديني يغلغلُ فيّ دفئكْ
(18)
أجالس غيمةً في الفضاء الرحب
وأسكبني وردة في جملتين شريدتينْ
يومضُ البرقُ ثانيةً
نصعدُ كالضّوْءْ
يبتلعُ الرّعدُ صوتاً طارئاً
يخشعُ في جلالِ الانهمارْ
(19)
في وجه قدّيسٍ تنوّر في المعاني المطلقةْ
بمغارة القدّيسْ
في شجْرة ذهبيّة الأغصانْ
موسيقى الجموحِ الدّاخليّ
لغةٌ تفكّك سحرها في داخلي
بصورةٍ متوهّجة
(20)
لو زرعت حدائقي شجراً
أرخيتني على ظلّي
لو أنّك أطعمتني
لشبعت من كسرةٍ على موائدِ حبّي
لو لم تكن لي مثل شمس النّهار
لعمّت الفوضى محاريبَ الصّلاةْ
(21)
قدحٌ واحد من نبيذ دمك
نشوة عبقريّة
تفتح أبواب الجنّة
وتُشهدني على ملائكتكْ
تحرس لي دمي
وتعصرني كرمةً في لذيذ شهيّتكْ
(22)
معركة الأفكارِ طويلةٌ يا حبيبتي…!
مَنْ ذا سيهزمُ امرأةً مثلك
أو فكرة عمرُها أزليّ
(23)
يا ألله!
مَن مثلنا في هذا العالم؟
ذاتا واحدة في جسدينْ
مكانٍ واحدٍ
والزمانُ هنا في قلب اللهْ
(24)
شهيّة مثل الماءِ كقطعة معنى
شاعريّة كصخرة تنظر في البحر
ترقبني على امتداد بصيرتي
كنت تغسل فعل الشّهوة في ناظريّ
أتيتك إذ أتيت إليّ فيّ
(25)
هذي السّماء دفاتر اللهْ
والنّجوم قصائد العينينْ
هناك قرأتَني وكتبتَ أوّل أوّلي
فعرجتُ فيكْ
وانفتحَ الطّريقُ على الطّريق
لتمرّ كلّ الكائناتْ
(27)
شاعرٌ بملمحِ فيلسوفْ
وعاشقٌ بغبطةِ امرأةٍ شاعرةْ
وصوفيٌّ بحدس "شوبنهور"
امرأةٌ بنكهة مائكَ الغيميّ
تُولدُ كلّما حكّ الرِّياحُ الفوانيسْ
(28)
لامرأة لها طعمٌ كما السُّكَّـرْ
لها جسدٌ كماءِ الصُّبحْ
لها لونٌ كعطرِ الوردْ
معجونٌ به المرمرْ
لامرأةٍ كأغنيةِ المساءِ ترتّب عبقة العنبرْ
(29)
لامرأةٍ واحدةٍ سأغنّي
وأزرعُ وردتين على صدرها
تقبّلني قصيدتُها
تقبّلها قصائديَ القصيرةُ والطويلةْ
أقبّل وجنتيها
(30)
ولَوْ أنْ يُبَلَّ الرّيقُ يوماً بريقها
لأحييتُ طيراً في حماها يغرّدُ
_________________________
القصيدة منشورة في العدد الأول من مجلة "حروف الضاد" الصادرة خريف 2018 عن مؤسسة الضاد في أم الفحم. يرأس تحرير المجلة الشاعر والمترجم محمد حلمي الريشة.