عوالم الطفل في "عصافير الندى"
فراس حج محمد
"كنْ جميلا ترَ الوجود جميلاً" هذا هو الانطباع الذي تركته مجموعة "عصافير الندى" الشعرية الجديدة للشاعر خالد الجبور، الموجهة للأطفال، والصادرة عن جمعية الزيزفونة لتنمية ثقافة الطفل في رام الله، لتفتتح بها الجمعية موسمها الجديد للعمل مع الأطفال وطلاب المدارس للعام الدراسي الحالي 2015/2016.
جسّد خالد الجبور في قصائد المجموعة وأناشيدها حقيقة نفس الشاعر الجميلة التي ترى الأشياء بعين الحبّ والرضا، فتصف وتغوص وتستخرج كل جميل، مسكوب بلحن راقص منساب ناعم كأنه رذاذ المطر الربيعيّ، فيداعب نفس الطفل سامعا أو قارئا، لينتشي بجمال اللغة والموسيقى والإحساس بالمعاني والصور، التي جاءت في متناول الخيال، فتربط الطفل فيما حوله من موجودات بدءا من الطبيعة الكلية، كما في أنشودة "أرضنا البديعة" و"فصل السرور". أو تركيز العدسة الشعرية على موجودات خاصة من هذه الطبيعة كالعصافير والبحر والسحابة والريح والمطر والصباح وشجرة الزيتون وشجيرات البلوط.
ويلتفت الشاعر كذلك إلى ما يعتري بعض مخلوقات الطبيعة من تشويه، يفقدها روحها وجمالها، كما في قصيدة "نمر في الحديقة"، ذلك المخلوق الذي لم يكن سوى صورة مشوهة محاطة بالأسلاك في حديقة الحيوان، فلم نعد نرى منه غير الصورة الخارجية البعيدة عن الحقيقة؛ خاملا كسولا يتجمع بين شدقيه الذباب، إنها صورة تثير مشاعر الإشفاق والتحسر لدى القارئ والشاعر على حدّ سواء!
ولا ينسى الشاعر أن يدخل إلى عالم الطفل الأسري، فيكتب عن الجد والأسرة قصيدتين؛ يقدم في قصيدة "جدي" صورة للجد وحكاياته وملاطفاته للحفيد، معبرا الشاعر عن تلك العلاقة الخاصة جدا ما بين الجدّ وحفيده. وأما في "نشيد الأسرة" فيكتب الجبور عن عيش الطفل في أسرته متناغما حرا يعيش في أجواء من الألفة يغمره الحب والحنان والشعور بالأمان.
وتعرّج "عصافير الندى" في محور آخر على ما أصاب الفلسطيني من بلاء الاحتلال، فيكتب ذلك في قصيدتين؛ جاءت الأولى بعنوان "أنا الولد الفلسطيني" حيث برز التركيز على روح المقاومة والتحدي والمجابهة، باقيا على العهد، مستندا إلى ما لديه من تاريخ وحب الملايين له ولشعبه وأرضه، وينعت في القصيدة الثانية المحتلين بوصف منفر "سرّاق"، إذ بدا المحتل سارقا ومشوها تلك الطبيعة الجميلة تفوح منه رائحة البارود؛ هذه الرائحة النقيض المضادة لعبق الأرض وعطرها وحنائها.
ويخصّ الشاعر العلم بقصيدة "سنابل الآمال"، وتدور حول أهمية العلم للأطفال، فوحده الكفيل بإنبات الثمر سنابلَ من الآمال.
وبهذا تتكامل موضوعات "عصافير الندى"، فتتحدث عن الطفل وآفاقه، والمحيط الذي يعيش فيه، عبر تأكيد مجموعة من القيم المجتمعية والأخلاقية والوطنية والإنسانية، التي تعبر عن شخصية الطفل وتنمي ذوقه، وتلبي احتياجاته الموسيقية والتعبير عن ذاته وحبه للغناء بالدرجة نفسها التي يحب فيها القصص والحكايات وسردها، وربما أكثر، لاسيما إن جاءت القصائد كمشاهد قصصية سردية، ترسم صورا واقعية تشد الطفل وتهدهده، كقصائد هذه المجموعة.