فراس حج محمد

موقع يختص بمنشورات صاحبه: مقالات، قصائد، أخبار

authentication required

ليست المرأة وحدها المُسْتعبدة!

فراس حج محمد/ فلسطين

احتلت المرأة عبر التاريخ مكانة محورية في كل المجتمعات الإنسانية، مهما كانت طبيعة تلك المجتمعات وديانتها، فلا يقوم مجتمع بدون امرأة، وهذه بدهية وحقيقة واقعية لا تحتاج إلى طرح أو تذكير، وعليه وُجِد التفكير في دور المرأة ضمن هذا السياق الطبيعي لوجود المجتمعات.

وتجاوزا عما قيل في حق المرأة في الأدبيات الفكرية والفلسفية والدينية قديما وحديثا إلا أن المرأة حتى وهي تمارس أوضاعا اجتماعية دنيا أو فرضت عليها تلك الأوضاع الاجتماعية الدنيا لم يحدث أن تخلت المرأة عن واجباتها في بناء المجتمعات الزراعية والصناعية وحتى مجتمعات ما بعد الحداثة، وما نتج عنها من أفكار وحقائق جديدة.

وما بين طرفي المعادلة الإنسانية الممتدة ما بين البدهية الطبيعية والتطور الحديث، تعود الأسئلة المؤرقة للظهور مرة أخرى؛ من مثل: هل ينحصر دور المرأة فيما هو معروف تقليديا بالحمل والإنجاب والتربية؟ وهل هذا الدور لو اقتصرت عليه المرأة سيقلل من شأنها أو من أهميتها؟ وهل هناك تعارض بين دورها التقليدي هذا والأدوار الاجتماعية والسياسية والاقتصادية الأخرى؟ وهل هي فعلا عبر تاريخها اقتصرت على هذا الدور التقليدي؟

لا بد من التعريج أولا على إقرار جملة من الحقائق التي تؤسس لفكرة وجود المرأة في المجتمع، إذ إن الكون بأجمعه قائم على ازدواجية الذكر والأنثى، وليس المخلوقات الحية فقط، ولذلك فإن المرأة طبيعيا ستتقاسم الأدوار الاجتماعية كلها مع الرجل حتى الحمل والإنجاب والتربية! فيفترض تحقق هذا الدور وجود رجل مشارك في تجسيده، وقد سار هذا الدور بسلاسة ومنطقية عبر التاريخ، ولم يحدث أي زعزعة في تلك الأسس المتواضع عليها، والتي فرضتها الفطرة السليمة في الإحساس العقلي والوجداني المتبادل بين طرفي العلاقة المنتجة للأطفال، ومن ثَمّ تقاسُم دور التربية، فلم يحدث في التاريخ أن كانت مهمة التربية والاهتمام والرعاية منصبة على طرف دون طرف، أسوة ببقية المخلوقات، فالطرفان يربيان معا كما ينجبان معا، والأمثلة لن تعجز أحدا، وتجنبا للإطالة لن أضرب الأمثلة على تحقق هذه البدهية الطبيعية.

إذن، لم تكن هذه المهمة التقليدية محصورة في المرأة في أي عصر من العصور، ولا في أي مجتمع، ولا في أي دين مهما كان مصدره، وبغض النظر عن شكل تَحَقُّق الفكرة على أرض الواقع إلا أنه دور طبيعي مشترك، وهذا بطبيعة الحال لم يقلل من عمل المرأة ودورها، إذ إنه دور فطري للرجل والمرأة على حد سواء، ولن يلحق المرأة عار لو قامت فيه! وقد مارسته مع أنها لم تتخل عن أدوار أخرى أساسية من مشاركات سياسية وعسكرية واجتماعية وأنشطة اقتصادية، وليس صحيحا ألبتة أن المرأة قد تمّ حصرها في زاوية من التفكير، وفرض عليها ممارسة هذا الدور التقليدي غصبا عنها وتفردت به، إذ لا يعقل ذلك ولا يصح إطلاقا لأنه يتنافى مع الطبيعة البشرية.

هذا الواقع الذي انطلقت منه المرأة عبر تاريخها وضمن مواضعات اجتماعية وفكرية ودينية نظمت دورها (التقليدي) ليتناغم مع الأدوار الرئيسية الأخرى، وأتجنب هنا عن قصد وصف تلك الأدوار (بالثانوية)، إذ إنها ليست كذلك فهي أدوار تسير بتلقائية وتنظيم لتعطي المجتمع سماته الفكرية التي هو عليها، فأكثر المجتمعات وصفا بالتخلف لم تستطع أن تحصر المرأة في ممارسة الدور التقليدي، ولن تستطيع أي حضارة كذلك أن تجبر المرأة أن تتخلى عن دورها التقليدي لصالح أدوار أخرى رئيسية ولكن، ماذا صنعت الحضارة الحديثة بالمرأة وكيف أوصلتها إلى هذه الدرجة من اللهاث خلف متطلبات إشباع حاجات متوالدة لن تنتهي؟!

لا شك أن الحديث هنا وفي هذه النقطة سيكون حساسا ومهما، إذ إن العالم كله يعيش في ظل حضارة رأسمالية لا ترحم، جعلت كل أفراد المجتمع يسيرون خلف متطلبات عيش متراكمة لا تنتهي، ما إن تنتهي حاجة حتى تبرز حاجات، وهكذا تضاعفت الأحمال الملقاة على كاهل الطرفين الرجل والمرأة على حد سواء، وصارا يعملان دون توقف من أجل مسايرة تلك المتطلبات وتحقيقها تباعا، مما أثر تلقائيا على ذلك الدور التقليدي في الحمل والإنجاب والتربية، فغدت العملية عند تلك الأسر تدور في فلك تلبية الحاجة الملحة للإنجاب وخاصة عند المجتمعات الإسلامية، وتراجعت هذه الحاجة عند مجتمعات أخرى بنسب تتفاوت حسب اعتبارات معينة، ولم يعد هناك الوقت الكافي للتربية بمفهومها التقليدي، فبرز مفهوم جديد للتربية، يربي الفرد ذاته عبر مشاهداته، دون توجيه ومتابعة من الوالدين مباشرة، وأصبح للعيش الأسري مفهوم مفتت، إذ إن الأفراد المنضوين تحت مظلة البيت الواحد هم كائنات منفصلة إنفصالية وفردية، الكل يسعى لتلبية احتياجات مادية دون النظر إلى احتياجات أخرى، ولم يكن التأثير فقط على الأسر الغربية، بل تشترك فيه كل الأسر شرقيها وغربيها بدافع التأثر والتأثير والأفكار المعولمة.

وهكذا برزت مفاهيم جديدة للأسرة وتلاشت مفاهيم اجتماعية كانت أكثر حضورا وخاصة فيما يتعلق بالعمل الجماعي والقيمة المجتمعية والاشتراك الوجداني مع المحيط الأكبر في العائلة الممتدة والحي والقرية، وصولا إلى الاهتمام بالهم العام، وبالتالي فإن الحضارة الحديثة صاغت البشرية بوعي جديد قوامه الفردية المطلقة والسعي وراء متطلبات لا تنتهي، وكأن البشرية اليوم أصبحت تعيش عصر العبودية بمفهوم جديد، فأصبح السيد المالك هو الفكرة والمُسْتَرَقّ هي البشرية بمجموعها، ليس الأمر مقتصرا على المرأة دون الرجل.

لقد خسرت البشرية كثيرا جراء تلك الحضارة المستبدة القاسية التي لم تكن لتراعي أية ظروف غير طبيعية، أو أي حاجات إنسانية روحية، وظلت أفكارها تدور في حلقة اللهاث المسعور لتحقيق ماديات غير متناهية. لذلك من الطبيعي ألا يشعر الإنسان بطعم عمره وألا يجد فيه لذة، فهو لن ينتبه لوجوده إلا إذا أصبح راقدا على سرير الموت أو سرير المرض، عندها يتذكر كم كان إنسانا شقيا لم يعش الحياة كما يجب أن تكون!

المصدر: فراس حج محمد
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 163 مشاهدة
نشرت فى 3 سبتمبر 2015 بواسطة ferasomar

فراس عمر حج محمد

ferasomar
الموقع الخاص بــ "فراس حج محمد" »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

722,575

فراس حج محمد

نتيجة بحث الصور عن فراس حج محمد كنانة أون لاين

من مواليد مدينة نابلس في فــلسطين عــام 1973م، حاصل على درجة الماجستير في الأدب الفلسطيني الحديث من جامعة النجاح الوطنية. عمل معلما ومشرفا تربويا ومحاضرا غير متفرغ في جامعة القدس المفتوحة. 

عمل محررا لغويا في مجلتي الزيزفونة للأطفال/ رام الله، وشارك في إعداد مواد تدريبية في وزارة التربية والتعليم الفلسطينية، وكان عضوا في هيئة تحرير مجلة القانون الدولي الإنساني/ الإصدار الثاني الصادرة عن وزارة التربية والتعليم في فلسطين.

نشر العديد من المـقالات والقـصائد في مـجالات النشر المختلفة الإلـكترونية والصحف والمجلات في فلسطين والوطن العربي وبريطانيا وأمريكا وكندا والمكسيك. وشارك في ندوات وأمسيات شعرية ومؤتمرات في فلسطين.

الكتب المطبوعة: 

رسائــل إلى شهرزاد، ومــن طقوس القهوة المرة، صادران عن دار غُراب للنشر والتوزيع في القاهرة/ 2013، ومجموعة أناشيد وقصائد/ 2013، وكتاب ديوان أميرة الوجد/ 2014، الصادران عن جمعية الزيزفونة لتنمية ثقافة الطفل/ رام الله، وكتاب "دوائر العطش" عن دار غراب للنشر والتوزيع. وديوان "مزاج غزة العاصف، 2014، وكتاب "ملامح من السرد المعاصر- قراءات في القصة القصيرة جدا- دار موزييك/ الأردن وديوان "وأنت وحدك أغنية" عن دار ليبرتي/ القدس وبالتعاون مع بيت الشعر في فلسطين، وكتاب "يوميات كاتب يدعى X"، وكتاب "كأنها نصف الحقيقية" /الرقمية/ فلسطين، وكتاب "في ذكرى محمود درويش"، الزيزفونة 2016، وكتاب "شهرزاد ما زالت تروي- مقالات في المرأة والإبداع النسائي"، الرقمية، 2017، وديوان "الحب أن"، دار الأمل، الأردن، 2017. وكتاب "ملامح من السرد المعاصر- قراءات في الرواية"، مكتبة كل شي، حيفا، 2017. وكتاب "ملامح من السرد المعاصر- قراءات في متنوع السرد"، مؤسسة أنصار الضاد، أم الفحم، 2018، وديوان "ما يشبه الرثاء"، دار طباق للنشر والتوزيع، رام الله، 2019، وكتاب "بلاغة الصنعة الشعرية"، دار روافد للنشر والتوزيع، القاهرة، 2020. وكتاب "نِسوة في المدينة"، دار الرعاة وجسور ثقافية، رام الله، وعمّان، 2020. وكتاب "الإصحاح الأوّل لحرف الفاء- أسعدتِ صباحاً يا سيدتي"، دار الفاروق للنشر والتوزيع، نابلس، 2021. وكتاب "استعادة غسان كنفاني"، دار الرعاة وجسور ثقافية، رام الله، وعمّان، 2021، وكتيّب "من قتل مدرّس التاريخ؟"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2021. وديوان "وشيء من سردٍ قليل"، وزارة الثقافة الفلسطينية، رام الله، 2021. وديوان "على حافّة الشعر: ثمّة عشق وثمّة موت"، دار البدوي، ألمانيا، 2022. وكتاب "الكتابة في الوجه والمواجهة"، الرعاة وجسور ثقافية، رام الله وعمان، 2023. وكتاب "متلازمة ديسمبر"، دار بدوي، ألمانيا، 2023. وكتاب "في رحاب اللغة العربية"، دار بدوي، ألمانيا، 2023، وكتاب "سرّ الجملة الاسميّة"، دار الرقمية، فلسطين، 2023. وكتاب "تصدّع الجدران- عن دور الأدب في مقاومة العتمة"، دار الرعاة وجسور ثقافية، رام الله وعمّان، 2023، وديوان "في أعالي المعركة"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2023، وكتاب "مساحة شخصية- من يوميات الحروب على فلسطين"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2024، وكتاب "الثرثرات المحببة- الرسائل"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2024، وكتاب "فتنة الحاسة السادسة- تأملات حول الصور"، دار الفاروق للثقافة، نابلس، 2025. 

حررت العديد من الكتب، بالإضافة إلى مجموعة من الكتب والدواوين المخطوطة. 

كتب عن هذه التجربة الإبداعية العديد من الكتاب الفلسطينيين والعرب، وأجريت معي عدة حوارات ولقاءات تلفزيونية.