محاولة في استكشاف نص (قهوة السابعة) للكاتبة أمينة علي بياتي
فراس حج محمد
قهوة السابعة ...
هذه روحٌ مكتوبه، فلا تجادِلني بِأنامل الغضب؛
دعني أنهض من ليل الصمت.... !
القصة منشورة على الرابط هنا
-----
ما يلاحظ في قصص الومضة أو (ق ق ج) أنها غالبا ما تكتب بضمير الغائب، وهذه نمطية توصل أحيانا إلى حد السأم والملل عند القارئ وربما الكاتب أيضا. ونادرا ما تجد (ق ق ج) مكتوبة بضمائر المخاطب أو المتكلم، لماذا تفرض نفسك أيها الرواي عليما جامعا ومتابعا؟ ولماذا لا تجعل نفسك منغرسا بشكل طبيعي في الحدث، فتتحدث بضمير المتكلم أو المخاطب؟ فهذان الضميران يوفران عليك الكثير من مقومات قصة الومضة، ويساعدانك على توفير الشخصيات والحوار، والظرف المكاني والزماني، ويبقى عليك الفكرة، واللغة المكثفة!!
هنا في النص المثبت أعلاه (قهوة السابعة) مشهد كامل متكامل مرسوم بكل عناصر القص بلماحية عالية، مشهد شرب القهوة الساعة السابعة، فالقارئ المحمل بإشارات متفقة التناغم بينه وبين الكاتب بحكم اشتراكهما في ثقافة واحدة وأعراف واحدة، وربما سلوكيات واحدة ستقفز إلى ذهنه قهوة الساعة السابعة في صباحاته وهو يشاركه في شربها أحد ما، كما سنعرف من خلال جسد القصة اللغوي عما قريب!!، وربما قرأها متلق آخر له ثيمات ثقافية مختلفة وطقوس مختلفة، ربما كان المساء ظرفا مواتيا لشرب قهوته، وهنا تم تحديد الزمن وانفتاحه في آن معا.
تعتمد القاصّة هنا على اللغة المكثفة الراسمة لمشهد شرب القهوة بصحبة شخص آخر، فثمة حوار عنيف تشي به كلمة (تجادلني)، والحوار يستدعي تعدد الشخوص، وقد كانت تانك الشخصيتان فاعلتين وعلى مستوى واحد من الفعالية الحدَثيّة، فلهما العلاقة نفسها، ولهما نفس اللحظة والحدث.
وتنتهي القصة بإعلان موقف من الكاتبة أو الشخصية الأخرى التي تجادل، وقد سردت لنا الأحداث، وتجاوزا أو استسهالا قد نقول إنها الكاتبة، وتعلن هذه الشخصة موقفها، وتعبر عنه بكل حدة وحزم وتوتر وحركة درامية، فينتهي المشهد بالنهوض، وربما كان النهوض هنا معنويا، وتشير الخاتمة إلى عدم رضى الشخصية المتحكمة بالقص عن موضوع الحوار، وتعطينا شيئا من صفاتها النفسية النزقة أو سريعة الغضب، وما إلى ذلك.
إضافة إلى ذلك فإن اللغة تحمل إيحاءات ذات دلالة بلاغية مهمة في رسم المشهد كله، فعدا ما سبق وأشرت إليه، تبرز لفظة الليل واقترانها بلفظة الصمت، لتثيرا في نفس المتلقي بعض أجواء من الحوار الذي تم، فلعلهما كان يتحدثان في مسألة شخصية ذات حساسية عالية، فقد كان الطرف الآخر مذكرا، وقد لفتت القاصة انتباه القارئ إلى ذلك عندما حركت الفعل (تجادِلني)، ولعل الحساسية تطول علاقة خاصة بينهما، فلذلك تكتما على الموضوع ولم نعلم ونحن القراء ما كان بينهما، وربما كان حديثا سياسيا، يودي بهما أو بأحدهما إلى دهاليز الاعتقال.
ثمة كارثة ما إذن، مفتوحة على التأويل في نص مدهش مرسوم بأناقة اللغة والمشهدية القصصية بتوظيف فن قصة الومضة (ق ق ج)، فبراعة الكاتبة هنا هي ما تجعل القارئ/ الناقد يفتح تأويلاته على مصراعيها ليس رغبة في التطويل، ولكن رغبة في سبر عمق نص مكثف فيه من الإبداع كل سماته وتخيلاته!!
*****