هكذا كتبتُ للمحررين في الصحف:
الموضوع: مادة ليست للنشر
وفي متن الرسالة كتبت:
أرجو عدم الاطلاع على المادة المرفقة وعدم نشرها!!!
أما المادة المرفقة فهي:
***********
يا لبؤس الفكرة أيها الكاتب أنا!!
ثمة كتاب للسّخْرَةِ أيضاً
فراس حج محمد
لم أكن أتوقع في يوم من الأيام أن أصبح كاتبا مشهورا، تتصدر صورتي ومقالاتي وأخباري كبريات الصحف وصغارها، ولم تبلغ بي الأحلام مبلغها المترف لأكون كاتبا يتقاضى مالا، ويوقع عقودا من أجل أن يكتب لهذه الصحيفة أو تلك المجلة، كل ما في الأمر أنني أشعر أنني سيد نفسي، لا أحبّ لرأي أن يكبلني برغبته وبنظرياته وبآرائه عشت مقتنعا بما أقول، وعشت مقتنعا أنه لا يهم ما يأتي به الغد، وعليّ أن أخلص لقناعتي الراهنة مهما كانت طوباوية رومانسية!!
مارست أوهامي وكتاباتي ودرجت في أرض غرفتي اختيالا أطاول مصباحا كهربائيا معلقا في سقف هاتيك الغرفة، وأكاد أزحام تلك الخطوط الواهية التي شكلها المطر في سقف تلك الغرفة، عندما كنت أتمخض عن قصيدة مرهفة أو مقال يغترّ به صاحبه أنه أنشأه ليكون هناك حيث يجب أن يكون في زاوية مهمشة في صحيفة بائسة، تبحث عن سواد يملأ تلك البقعة البيضاء المكتشفة بعد التحرير، ولم يجدوا حتى إعلانا يسد ذلك الفراغ، ليأتي ذلك المقال الزائف أو القصيدة المترعة بؤسا لتكون في غير سلة مهملات المحرر، سواء أكان محررا أدبيا مزهوا بآرائه ودكتاتورا ثقافيا بممارساته، أو كان فرعونيا في تحرير المقالات السياسية، ليصادر حقك في الكلام والتعبير عن آرائك، ولذلك تفاجأت أنه قد حظر عليّ أن أعلق في بعض المواقع الإلكترونية لبعض الصحف الموصوفة بالكبرى!!
هكذا مارست صنعة الكتابة لمدة تزيد عن العشرين سنة، قضيتها باحثا عن أذن تسمع وقلب يعي، وبصيرة واعية، فهل كنتُ واعيا وبصيرا وسميعا لأطلب هذا الطلب، ربما كنتُ غبيا، أو مثاليا إلى حد الطيبة الساذجة، أو ربما كنت أعمى عن الحقيقة المرة، ربما وجب عليّ أن أكون أي شيء إلا أن أزاحم الأقلام، وأصارع الأراء وأكافح صخور الواقع الملساء التي جعلت أفكاري تسبح في بحر من البلاهة الهوجاء!!
ربما عانيتُ وأغضيت على ألم كبير موجع، عندما كنت أرسل بعض المقالات للنشر، فأفرح وأمتعض، أفرح لوجودها في صفحة ما، وأحزن وأمتعض عندما أقرأها، فإذا بها ليست مقالتي التي أرسلتها، لقد طالتها يد المحرر حذفا وتغييرا، وغدت على صورة أخرى غير تلك الصورة، إن هذه الحالة ما زالت توجعني، ولعلّ عدم نشر المادة أهون بكثير من اللعب بأفكاري، وحرفها عن مسارها في أحيان كثيرة، ولم أكن أراجع المحرر في شيء، ربما جبنا على فقدان هذه المساحة البائسة، أو خوفا من اكتشاف أوهام الفكرة المنبثقة عني وبؤسها، وربما فكرت متواضعا بأن المادة أصبحت هكذا أفضل حالا، ربما كانت تعاني من تشوهات، فأغدقت عليها يد المحرر من لطافتها ورهافتها وجمالها، بعد تعرضها لعمليات التجميل، إنها الآن عروس، تصلح للنشر، يا لسعادتي! أم يا لبؤسي القاتل، لا أستطيع الحسم!!
لعلها ليست قضيتي وحدي، ومثلي الآلاف من الكتاب الذين يعملون بالسخرة، ولكن هل يجب على كل واحد منا أن يعمل على إنشاء شلل أدبية وحزبية فكرية، ويصدر جريدته ومجلته، وينشئ جوقته الماردة المتمردة، ليطبل له الآخرون، ويطبل لجماعته وحزبه، ليكون كاتبا مشهورا، وتحترم آراؤه بعيدا عن التعليب والتوصيف والنحت والتخريب والتحرير البئيس أم يجب علينا أن نظل كتّابا احتياطيين، نكتب بالسخرة؟
يا لبؤس الفكرة أيها الكاتب أنا!!
****
نشرت المقالة في صحيفة المواطن الجزائرية الأربعاء: 4-12-2013