فراس حج محمد

موقع يختص بمنشورات صاحبه: مقالات، قصائد، أخبار

الكتابة والحرب في كتاب "مساحة شخصية، من يوميات الحروب على فلسطين" للكاتب فراس حج محمد

رائد الحواري

أجزم أن الكتابة في الحرب من أصعب الأعمال التي يقدم عليها الإنسان، فهي تحتاج إلى طاقة، وقدرة، وقوة، وإرادة، ونفسية استثنائية، من هنا نجد قليلة هي الأعمال التي تحدثت عن الحرب، لكن تستوقفنا تجربة الاتحاد السوفيتي في الحرب العالمية الثانية، حيث كان من أكثر الأنظمة التي عملت على إرسال مراسلين حربيين إلى الجبهات، من هنا وجدنا كمّاً هائلاً من الأعمال الأدبية تتحدث عن الحرب وبطريقة أدبية متميزة، أعتقد أن ثلاثية قسطنطين سيمونوف "رحى الحرب، الأحياء والأموات، الصيف الأخير" خير مثل على ذلك.

فلسطين تخوض وشعبها الحرب منذ بداية القرن الماضي حينما دخلها الإنجليز كمحتلين، وعملوا على تأسيس الكيان الصهيوني فيها، لهذا وجدناها من أكثر المناطق كتابة عن الحرب، إن كان في الشعر أو القصية أو الرواية، أو حتى في التقرير الصحفي، "فراس حج محمد" كتب عن الحرب في أكثر من كتاب، فقد خصص ديوانه "مزاج غزة العاصف" ليتحدث عن العدوان على غزة قبل 2015، وتحديدا عن حرب 2014، وكتب ديوان آخر أصدره نهاية عام 2023 "في أعالي المعركة" وكتابه النثري "مساحة شخصية، من يوميات الحروب على فلسطين" وهذا يقودنا إلى أهمية الدور الذي يلعبه "فراس حج محمد" ككاتب وكشاعر فلسطيني يكتب أثناء الحرب وعن الحرب، وبهذا يكون "فراس" قد تجاوز فكرة الحرب التي تجعل الإنسان غير قادر على القراءة، فكيف بالكتابة؟

من هنا سنحاول إيضاح كيف تؤثر الحرب على الكاتب، وكيف تعامل معها، يقول: "هل الأدب من فائدة في مواجهة وحش الموت الذي استبد بكل شراسة التاريخ المعهودة وغير المعهودة لدى المستعمرين؟ أظن أن الحرب لا تفتح شهية أحد على أن يقول شعرا، أو يكتب قصة، أو يستعدّ لكتابة رواية، ثمة انتهازية ما في هذا الأمر، أنت تكتب  والناس تصعد للأعالي بالمئات، إنه لأمر مخجل حقا، مهما كانت هذه الكتابة" ص165، في هذا المقطع نجد أن أثر الحرب على الكاتب/ الشاعر يكون هائلا، وذلك لأنه ابن هذا الشعب، وثانيا لأنه شاعر/ أديب يتأثر بأي شيء وأي حدث، فما بالنا عندما يرى مئات الشهداء يصعدون إلى السماء يوميا، وآلاف البيوت التي تدمر، لهذا نجده يتراوح بين الجلوس ساكنا/ متفرجا/ متألما/ متأثر بما يجري، وبين أن يجد طريقة/ وسيلة تشركه في الحرب، لهذا وجدت المرأة، فهو الوسيلة التي ستحرره من السكون والجمود ليكون فاعلا ومؤثرا: "لا شيء يربطني إذاً بأخبار الحرب، أعتدت أن أنفيها من لغتي، ومن كتبي، لا أريدها أن تشاركني تاريخي الشخصي في الكتب أكثر مما كتبت، أقاومها بالحديث عن الحب، عن شهوتي لامرأة تركتني عن عمد وأخرى أجبرتها الظروف على فعل ذلك، وأن أكتب عن امرأة  تنصب أشراكها حولي وترنو إليّ لتنام معي، لا تنسى الحرب بل لتشبع من شهوتي المحتدمة، هذا بالفعل قضيتي لأنسى الحرب وأهزمها لكي لا تدمر ما تبقى من خيالي المخصب بالخيال". (ص 130)

هناك حقيقة تتمثل في أن المرأة أحد أهم العناصر التي يلجأ إليها الشاعر/ الكاتب وقت الشدة/ القسوة، والكاتب هنا يحتاجها ليس للجنس/ للشهوة، بل لتخرجه من واقع الحرب المؤلم، وهذا ما أكده حينما قال: "لا شيء يربطني إذاً بأخبار الحرب، أعتدت أن أنفيها من لغتي، ومن كتبي، لا أريدها أن تشاركني تاريخي الشخصي" من هنا رغم أنه يتحدث عن المرأة، إلا أنها بالنسبة له وسيلة/ أداة للتخلص من الحرب وهولها، فهو يريد أن يمارس دوره كشاعر فلسطيني وكأديب، لهذا لا يريد المباشرة في الطرح، ويريد للغته أن تبقى نقية/ أدبية بعيدة عن الصوت العالي والطرح العادي.

فالمرأة وسيلة لنقاء اللغة، ووسيلة لبقاء الأديب/ الشاعر أديبا وشاعرا نبيلا، لهذا نجده يخجل من تقديم ما أصدره من أعمال أثناء الحرب: "في الحرب صدر ديواني "في أعالي المعركة" وكتاب "تصدع الجدرانـ عن دور الأدب في العتمة" وعلى مشارف الحرب، قل أن تبدأ بأيام صدر كتابي "في رحاب اللغة العربية" لا وقت لغير الحرب والشهداء، نشرت تقريراً عن الكتاب، على نطاق ضيق، ثمة مادة حول الكتاب طلبت مني محررة صحفية "الحدث الفلسطيني" الشاعرة رولا سرحان تأجيل نشرها، بالفعل كنت خجلا مترددا عندما أرسلتها للنشر، لم تنشر بعد، لأن الحرب ببساطة لم تغير أمزجتها وتموت أو تنتهي أو تخمد إلى حين... أخجل من الحديث خارج الحرب... فماذا تساوي هذه الكتب أمام معركة المصير المفتوحة في غزة، أفكر في السؤال الجديد لماذا نكتب نحن الشهداء مع وقف التنفيذ؟". (ص 149)

إذا ما توقفنا عند ما جاء في هذا المقطع سنجده (شكليا) يتناقض مع ما جاء في حديث الأديب عن المرأة، لكن إذا ما توقفنا وقرأنا ما هو أبعد من الذي يظهر على سطح الكلمات، سنجده هذه رؤية للكاتب ودوره أثناء الحرب، فهو يتأثر بها، ويريد أن يكون مشاركا فيها، لهذا أوجد لنفسه هذا المساحة الشخصية ليحرر أدبا فلسطينيا/ وطنيا/ قوميا ويحدد موقفه عن الحرب.

إذن انطلق الشاعر/ الأديب/ الكاتب "فراس حج محمد" وكتب في أكثر من مجال، متناولا ودون هوادة كل ما هو متعلق بالحرب وبالتخاذل العربي الرسمي، دون أن يحسب حساباً لأيّ كان، فكان موقفه واضحا من دول الجوار التي تسهم في حصار الفلسطينيين، وتدعم الاحتلال، وكذلك من عقم أوسلو وما أحدثه من خراب في المجتمع الفلسطيني، وقدم مجموعة من الحقائق متعلقة بالاحتلال وطبيته العنصرية، وأداة للاستعمار الغربي، وعن رؤيته كشاعر تنويري لما يجري في غزة: "إن الرجال في غزة لا يموتون، إنهم يصنعون لنا حياة جديدة، ومن حقهم علينا ألا نحزن، بل علينا أن نفرح لانتصاراتهم الكبيرة غير المتوقعة". (ص125)

وهذه الرؤية تسند الشاعر وتسند القارئ الذي بالتأكيد يتألم ويحزن/ ويغضب على ما يجري من قتل ودمار، فالكاتب بهذه الرؤية أكد أن له دوراً ككاتب/ كشاعر لا يقل عن دور المقاتل في المعركة، وما إصداره "مساحات شخصية"، وما فيه من أفكار وقصائد ورؤية ولغة وطريقة طرح إلا تأكيد أنه يقوم بدوره كأديب وكفلسطيني.

الكتاب من منشورات دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، فلسطين، الطبعة الأولى، 2024.     

المصدر: فراس حج محمد
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 442 مشاهدة
نشرت فى 17 يناير 2024 بواسطة ferasomar

فراس عمر حج محمد

ferasomar
الموقع الخاص بــ "فراس حج محمد" »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

724,304

فراس حج محمد

نتيجة بحث الصور عن فراس حج محمد كنانة أون لاين

من مواليد مدينة نابلس في فــلسطين عــام 1973م، حاصل على درجة الماجستير في الأدب الفلسطيني الحديث من جامعة النجاح الوطنية. عمل معلما ومشرفا تربويا ومحاضرا غير متفرغ في جامعة القدس المفتوحة. 

عمل محررا لغويا في مجلتي الزيزفونة للأطفال/ رام الله، وشارك في إعداد مواد تدريبية في وزارة التربية والتعليم الفلسطينية، وكان عضوا في هيئة تحرير مجلة القانون الدولي الإنساني/ الإصدار الثاني الصادرة عن وزارة التربية والتعليم في فلسطين.

نشر العديد من المـقالات والقـصائد في مـجالات النشر المختلفة الإلـكترونية والصحف والمجلات في فلسطين والوطن العربي وبريطانيا وأمريكا وكندا والمكسيك. وشارك في ندوات وأمسيات شعرية ومؤتمرات في فلسطين.

الكتب المطبوعة: 

رسائــل إلى شهرزاد، ومــن طقوس القهوة المرة، صادران عن دار غُراب للنشر والتوزيع في القاهرة/ 2013، ومجموعة أناشيد وقصائد/ 2013، وكتاب ديوان أميرة الوجد/ 2014، الصادران عن جمعية الزيزفونة لتنمية ثقافة الطفل/ رام الله، وكتاب "دوائر العطش" عن دار غراب للنشر والتوزيع. وديوان "مزاج غزة العاصف، 2014، وكتاب "ملامح من السرد المعاصر- قراءات في القصة القصيرة جدا- دار موزييك/ الأردن وديوان "وأنت وحدك أغنية" عن دار ليبرتي/ القدس وبالتعاون مع بيت الشعر في فلسطين، وكتاب "يوميات كاتب يدعى X"، وكتاب "كأنها نصف الحقيقية" /الرقمية/ فلسطين، وكتاب "في ذكرى محمود درويش"، الزيزفونة 2016، وكتاب "شهرزاد ما زالت تروي- مقالات في المرأة والإبداع النسائي"، الرقمية، 2017، وديوان "الحب أن"، دار الأمل، الأردن، 2017. وكتاب "ملامح من السرد المعاصر- قراءات في الرواية"، مكتبة كل شي، حيفا، 2017. وكتاب "ملامح من السرد المعاصر- قراءات في متنوع السرد"، مؤسسة أنصار الضاد، أم الفحم، 2018، وديوان "ما يشبه الرثاء"، دار طباق للنشر والتوزيع، رام الله، 2019، وكتاب "بلاغة الصنعة الشعرية"، دار روافد للنشر والتوزيع، القاهرة، 2020. وكتاب "نِسوة في المدينة"، دار الرعاة وجسور ثقافية، رام الله، وعمّان، 2020. وكتاب "الإصحاح الأوّل لحرف الفاء- أسعدتِ صباحاً يا سيدتي"، دار الفاروق للنشر والتوزيع، نابلس، 2021. وكتاب "استعادة غسان كنفاني"، دار الرعاة وجسور ثقافية، رام الله، وعمّان، 2021، وكتيّب "من قتل مدرّس التاريخ؟"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2021. وديوان "وشيء من سردٍ قليل"، وزارة الثقافة الفلسطينية، رام الله، 2021. وديوان "على حافّة الشعر: ثمّة عشق وثمّة موت"، دار البدوي، ألمانيا، 2022. وكتاب "الكتابة في الوجه والمواجهة"، الرعاة وجسور ثقافية، رام الله وعمان، 2023. وكتاب "متلازمة ديسمبر"، دار بدوي، ألمانيا، 2023. وكتاب "في رحاب اللغة العربية"، دار بدوي، ألمانيا، 2023، وكتاب "سرّ الجملة الاسميّة"، دار الرقمية، فلسطين، 2023. وكتاب "تصدّع الجدران- عن دور الأدب في مقاومة العتمة"، دار الرعاة وجسور ثقافية، رام الله وعمّان، 2023، وديوان "في أعالي المعركة"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2023، وكتاب "مساحة شخصية- من يوميات الحروب على فلسطين"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2024، وكتاب "الثرثرات المحببة- الرسائل"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2024، وكتاب "فتنة الحاسة السادسة- تأملات حول الصور"، دار الفاروق للثقافة، نابلس، 2025. 

حررت العديد من الكتب، بالإضافة إلى مجموعة من الكتب والدواوين المخطوطة. 

كتب عن هذه التجربة الإبداعية العديد من الكتاب الفلسطينيين والعرب، وأجريت معي عدة حوارات ولقاءات تلفزيونية.