فراس حج محمد

موقع يختص بمنشورات صاحبه: مقالات، قصائد، أخبار

ذات مكان... ذات أنثى:

دائرية السرد لقصة عاطفية

  فراس حج محمد| فلسطين

عن دار النخبة في القاهرة، صدرت مؤخرا للكاتب السوري الكردي المقيم في ألمانيا ماهر حسن رواية "ذات مكان... ذات أنثى"، وتقع الرواية في (111) صفحة من القطع المتوسط، موزعة على ستة فصول، يواصل فيها الكاتب شيئا من سيرة المكان الجديد مع الإنسان السوري المعذب الفارّ من جحيم الواقع المرير في سوريا. ويأتي هذا العمل السردي القصير بعد عمله السردي الأول؛ رواية "سماء سقطت من حضني" الصادرة عن دار النخبة أيضا العام الماضي (2023).

يواصل الروائي في هذه الرواية "ذات مكان... ذات أنثى" رسم المعالم السردية باستخدام حكاية الحبّ بين اثنين، وهذه المرة بين فراشين الكاتب والشاعر، وبين امرأة تدعى "بل شين"، كما يستخدم المراوحة بين ضمير هو وضمير أنا في السرد، ويختلط فيه دور السارد الواجب الوجود في الرواية، كما يرى رولان بارت، وبين أنا الكاتب والمؤلف، ليحيل القارئ مرة أخرى على رواية السيرة الذاتية، أو ربما تدخل ضمن رواية "التخييل الذاتي" من خلال كثير من الإشارات: المنفى في ألمانيا، والوضع المتأزم في سوريا، فالكاتب والشخصية الرئيسية "فراشين" كلاهما لهما التوصيف ذاته، سوريّ كردي اضطرته الأوضاع في وطنه إلى الهجرة "المؤقتة" إلى ألمانيا، وإلى مدينة "دوســلدورف" حيث كثير من الأكراد السوريين يقيمون في هذه المدينة، ومدينة "إيسن".

ومن ناحية أخرى تحيل الرواية إلى مرجعيات واقعية أخرى، مثل ذكر الكاتب والشاعر إبراهيم اليوسف، وقراءة "فراشين" رواية "سماء سقطت من حضني" للكاتب نفسه؛ المؤلف ماهر حسن. ويعزز من هذا الحضور الذاتي للكاتب النص الاستهلالي الذي استهلّ له الرواية: "ثم تسأل عن أحلامي قلت: خذي الحلم لو أردت، ربما أنا ليس لي فيها شيء غيرك". شيء من هذا المعنى يعود في الصفحة الأخيرة من الرواية أيضاً ليختمها بقوله: " ففي النهاية أكملا حياتهما معاً، وكتبا حكايتهما، من غير أن يفكروا لحظة واحدة في أنها حكاية حقيقية".

تبدأ الرواية في مشهد وداع "فراشين" لصديقه "آرام" في إحدى كنائس مدينة دوســلدورف، وفي هذا الفصل يلتقي صدفة بفتاة تلفته بجمالها، ويتصاعد السرد وينمو شيئا فشيئا ليكتشف أن هذه الفتاة التي تعلق بها من أول لقاء هي "بل شين" أخت آرام صديقه. ويكشف المتن الروائي أن آرام كان قد قتل على يد شخص اسمه "حلاق"، يعود السرد في الفصل السادس ليكمل حل اللغز على أرض مدينة دوســلدورف حيث بدأ السرد من هناك أيضا.

ما بين النقطتين زمن طويل يمتد لأكثر من أربع سنوات، يتوزع فيها السرد أيضا على أمكنة متعددة، في مدينتين ألمانيتين، وفي الفصل الرابع تدور الأحداث في إسبانيا حيث اختفى فراشين ليعيش في بلدة جبلية صغيرة تسمى "فرجييليانا". وربما استمرت الأحداث في هذه القرية في الفصل الخامس دون أن تعطي الرواية أية إشارات، وتعود الأحداث لتكتمل في المكان الأول في ألمانيا في مدينة دوســلدورف.

يسيطر الروائي على حبكته القصصية في هذه الرواية، من خلال هذا الحدث البسيط غير المعقد الذي يقع في أماكن محددة وقليلة، ويختار له الروائي عددا من الأشخاص؛ محدداً جدا يتناسب وطول الرواية التي لم تجنح إلى التعمق في التفاصيل على الرغم من بذرة "النفس البوليسي" الذي ألقاها السارد في تربة السرد، هذا جعل الرواية تقع بين الرواية والنوفيلا المتضمنة لبعض عناصر التشويق.

ثمة أفكار مبثوثة بين ثنايا المتن الروائي حول الحب وحول الكتب وحول المرأة، تمنح الرواية شيئا من الأهمية الفكرية، إلا أنها ما زالت غير ناضجة بالقدر الكافي، وخاصة ذلك الحوار حول الكتابة وحرية المرأة الوارد في الفصل الثاني بين ديلا وبين الكاتب "فراشين"، وخاصة في الصفحتين (28- 29). على الرغم من تضمين المتن الروائي بعض الجمل التي تصلح للاقتباسات العامة الناتجة في تقديري عن القراءة في الكتب أكثر مما هي ناتجة عن تجربة شخصية للكاتب، كما في قوله في الفصل الثاني لامرأة يلتقي بها للمرة الأولى تحمل نسخة من كتابه "ديوان شعره الأول" كما جاء في المتن الروائي: "الكتب تبــدو أكثر جمالا في أحضان النساء وبين أياديهن"، وأعاد المعنى ذاته في قوله في الفصل الرابع في وصف "بل شين" "المرأة لا تغدو أميرة إلا وهي تحضن الكتب".

"ذات مكان... ذات أنثى" رواية المعاناة الذاتية العاطفية المستندة إلى وجعين فردي وجماعي في المنفى. يمكن أن تكون الجملة الآتية هي تلخيص مفيد لهذا السرد: "في منفى عينيها، كيف لي أن أبني صرحاً للســنونو الذي يهرع ويفرّ مذعورا من ضجيج المكان". هذا القلق الذي يشعر به الكاتب في بلاد الغربة، إذ تحل المرأة مكان الوطن، ولكن لن تكون بديلا عنه، لكنها تهدهد الروح القلقة في "ضجيج المكان". وكما يقول الكاتب نفسه في نهاية روايته: "ذات مكان... ذات أنثى، قد يحيطان بتفاصيلها كل شيء، قد تكون لحظات عابــرة وصغيرة، إلا أننا نهدهد أنفســنا فيهــا زمنا أطول فأطول، سنة بعد سنة، وهما كل ما هو موجود".

 

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 495 مشاهدة

فراس عمر حج محمد

ferasomar
الموقع الخاص بــ "فراس حج محمد" »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

742,405

فراس حج محمد

نتيجة بحث الصور عن فراس حج محمد كنانة أون لاين

من مواليد مدينة نابلس في فــلسطين عــام 1973م، حاصل على درجة الماجستير في الأدب الفلسطيني الحديث من جامعة النجاح الوطنية. عمل معلما ومشرفا تربويا ومحاضرا غير متفرغ في جامعة القدس المفتوحة. 

عمل محررا لغويا في مجلتي الزيزفونة للأطفال/ رام الله، وشارك في إعداد مواد تدريبية في وزارة التربية والتعليم الفلسطينية، وكان عضوا في هيئة تحرير مجلة القانون الدولي الإنساني/ الإصدار الثاني الصادرة عن وزارة التربية والتعليم في فلسطين.

نشر العديد من المـقالات والقـصائد في مـجالات النشر المختلفة الإلـكترونية والصحف والمجلات في فلسطين والوطن العربي وبريطانيا وأمريكا وكندا والمكسيك. وشارك في ندوات وأمسيات شعرية ومؤتمرات في فلسطين.

الكتب المطبوعة: 

رسائــل إلى شهرزاد، ومــن طقوس القهوة المرة، صادران عن دار غُراب للنشر والتوزيع في القاهرة/ 2013، ومجموعة أناشيد وقصائد/ 2013، وكتاب ديوان أميرة الوجد/ 2014، الصادران عن جمعية الزيزفونة لتنمية ثقافة الطفل/ رام الله، وكتاب "دوائر العطش" عن دار غراب للنشر والتوزيع. وديوان "مزاج غزة العاصف، 2014، وكتاب "ملامح من السرد المعاصر- قراءات في القصة القصيرة جدا- دار موزييك/ الأردن وديوان "وأنت وحدك أغنية" عن دار ليبرتي/ القدس وبالتعاون مع بيت الشعر في فلسطين، وكتاب "يوميات كاتب يدعى X"، وكتاب "كأنها نصف الحقيقية" /الرقمية/ فلسطين، وكتاب "في ذكرى محمود درويش"، الزيزفونة 2016، وكتاب "شهرزاد ما زالت تروي- مقالات في المرأة والإبداع النسائي"، الرقمية، 2017، وديوان "الحب أن"، دار الأمل، الأردن، 2017. وكتاب "ملامح من السرد المعاصر- قراءات في الرواية"، مكتبة كل شي، حيفا، 2017. وكتاب "ملامح من السرد المعاصر- قراءات في متنوع السرد"، مؤسسة أنصار الضاد، أم الفحم، 2018، وديوان "ما يشبه الرثاء"، دار طباق للنشر والتوزيع، رام الله، 2019، وكتاب "بلاغة الصنعة الشعرية"، دار روافد للنشر والتوزيع، القاهرة، 2020. وكتاب "نِسوة في المدينة"، دار الرعاة وجسور ثقافية، رام الله، وعمّان، 2020. وكتاب "الإصحاح الأوّل لحرف الفاء- أسعدتِ صباحاً يا سيدتي"، دار الفاروق للنشر والتوزيع، نابلس، 2021. وكتاب "استعادة غسان كنفاني"، دار الرعاة وجسور ثقافية، رام الله، وعمّان، 2021، وكتيّب "من قتل مدرّس التاريخ؟"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2021. وديوان "وشيء من سردٍ قليل"، وزارة الثقافة الفلسطينية، رام الله، 2021. وديوان "على حافّة الشعر: ثمّة عشق وثمّة موت"، دار البدوي، ألمانيا، 2022. وكتاب "الكتابة في الوجه والمواجهة"، الرعاة وجسور ثقافية، رام الله وعمان، 2023. وكتاب "متلازمة ديسمبر"، دار بدوي، ألمانيا، 2023. وكتاب "في رحاب اللغة العربية"، دار بدوي، ألمانيا، 2023، وكتاب "سرّ الجملة الاسميّة"، دار الرقمية، فلسطين، 2023. وكتاب "تصدّع الجدران- عن دور الأدب في مقاومة العتمة"، دار الرعاة وجسور ثقافية، رام الله وعمّان، 2023، وديوان "في أعالي المعركة"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2023، وكتاب "مساحة شخصية- من يوميات الحروب على فلسطين"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2024، وكتاب "الثرثرات المحببة- الرسائل"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2024، وكتاب "فتنة الحاسة السادسة- تأملات حول الصور"، دار الفاروق للثقافة، نابلس، 2025. 

حررت العديد من الكتب، بالإضافة إلى مجموعة من الكتب والدواوين المخطوطة. 

كتب عن هذه التجربة الإبداعية العديد من الكتاب الفلسطينيين والعرب، وأجريت معي عدة حوارات ولقاءات تلفزيونية.